[صعصعة بن صوحان]
من رجال البحرين “صعصعة بن صوحان” – لقبه ابن عباس ببافر علوم العرب وجعله الامام علي بن ابي طالب قائدا عسكريا على مسيرة إلى الرجالة في الجمل وصفين. نحن اليوم أمام رجل عظيم من رجال البحرين العظام الذين كتبوا صفحات مشرقة من صفحات التاريخ الإسلامي ومن الرجال القلائل الذين جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في نصرة الاسلام ورفع رايته.
سجَّل انتصارات باهرة في المعارك الاسلامية والذي كان يعتبر بحق من أفصح الفصحاء وابلغ البلغاء والمتكلمين والمفكرين إنه صعصعة بن صوحان العبدي البحراني الذي كان ينتدب في المهمات الصعبة كسفير للخلفاء حيث كانت البحرين في ذلك العهد ولا تزال منطلقا للاشعاع الفكري والابداع الثقافي وقد تحدثت مصادر التاريخ عن مواقف كثيرة لصعصعة تدل على بلاغته وفصاحته وسرعة بديهته.
من ذلك ما أورده المسعودي في كتابه مروج الذهب ج٣ صفحة ٤٧ عن رسالة كتبها صعصعة الى عقيل بن ابي طالب تعتبر آية في البلاغة وروعة في البيان يقول فيها: بسم الله الرحمن الرحيم ذكر الله أكبر وبه يستفتح المستفتحون وأنتم مفاتيح الدنيا والآخرة – اما بعد – فقد بلغ مولاك كلامك لعدوك وعدونا فحمدت الله على ذلك وسالته ان يفيء اليك إلى الدرجة العليا والقضيب الأحمر والعمود الاسود(1) فإنه عمود من فارقه فقد فارق الدين الأزهر، ولئن نزعت بك نفسك إلى معاوية طالبا لماله إنك لذو علم بجميع خصاله فاخذر ان تعلق بك ناره فيضلك عن الحجة فإن الله قد رفع عنكم أهل البيت ما وضعه في غيركم فما كان من فضل وإحسان فيكم وصل الينا فأجل الله أقداركم وحمى اخطاركم وكتب آثاركم فان اقداركم مرضية واخطاركم محمية وآثاركم بدرية وانتم سلم الله الى خلقه ووسيلته، الى طرقه ايد علية ووجوه جلية – وأنتم كما قال الشاعر:
فما كان من خير اتوه فانما @@@توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي الا وشيجة @@@ وتغرس الا في منابتها النخل
وكان صعصعة ايضا رجلا مهيبا لا يجرؤ أحد على مجابهته ومخاصمته وقد ذكر القرطبي ان رجلا من بني فزاره وقف على صعصعة فقال له كلاما جاء فيه: بسطت لسانك يابن صوحان على الناس فتهيبوك أما لئن شئت لاكونن لك لصاقا فلا تنطق الا حددت لسانك بأذرب من ظبة السيف بعضب قوى ولسان علي ثم لا يكون لك في ذلك حل ولا ترحال. فاجابه صعصعة قائلاً: لو أجد غرضا منك لرميت بل ارى شيحا ولا أرى مثالا الا كسراب بقيعة يحسبه الضمآن اماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا – أما لو كنت كفؤا لرميت حصائلك بأذرب من السنان ورشقتك بنبال ترعدك عن النضال ولخطمتك بخطام يخزم منك موضع الزمام – ولما علم ابن عباس بالذي دار بين الفزاري وبين صعصعة ضحك وقال: خاب أبوه ما أجهله يستجهل اخا عبد القيس وقواه المريرة ثم تمثل ابن عباس يقول الشاعر:
صبت عليك ولم تنصب من أقم @@@ إن الشقاء على الاشقين مصبوب
وجرت محادثة بين ابن عباس وبين صعصعة ابن صوحان فاعجب به ابن عباس وقال له: احسنت يا بن صوحان انك لسليل اقوام كرام خطباء وفصحاء ما ورثت هذا عن كلاله(2) ، ثم سأله عن اخويه زيد وعبدالله فاجابه باجابة اعجبته، فقال له ابن عباس: “انت يا بن صوحان باقر علم العرب(3)“.
ويعتبر صعصعة من أكبر خطباء العرب حيث كانت خطابته تدب الحماس في قلوب المسلمين وترغبهم للجهاد والشهادة وكان صوته جوهريا مؤثراً يستحوذ على المشاعر وله كثير من المحادثات التي جرت بينه وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو بالاضافة الى فصاحته وبلاغته وورعه وزهده كان قائداً عسكريا شجاعا صنديد يخترق الصفوف ويحمل راية المعارك وفي معركتي الجمل وصفين جعله الامام على على مسيرة الرجالة وكانت حملاته تسجل انتصارات باهرة سُر بها على عليه السلام.
وصعصعة بالاضافة الى شجاعته ومركزه الخطابي العظيم فقد كان ايضا شاعرا يتميز شعره بالاصالة والعمق والبلاغة والبراعة فقد ذكر المؤرخ الخطيب في كتابه تاريخ من دفن في العراق من الصحابة عن هذا الصحابي الجليل انه شاعر ولكنه مقل في الشعر حسب قول الخطيب وقد أورد قصيدة للصحابي صعصعة يرثي فيها الامام عليا عليه السلام قال عنها انها رائعة وقد جاء فيها:
الا من لي بانسك يا أخيا @@@ ومن لي ان ابثك مالديا
طوتك خطوب دهر قد توالى @@@ كذلك خطوبه شرا وطيا
فلو نشرت قواك لي المنايا @@@ شكوت اليك ما صنعت الي
وقد استقر بالكوفة بعد نزوحه من البحرين حيث كان ملازما للامام علي عليه السلام – وتوفي في البصرة وليس كما يشاع انه توفي ودفن بالبحرين – أو كما يشاع ان قبره بالبحرين.
هذا هو نموذج من رجال البحرين الذين خلدهم التاريخ واعتبرهم من المؤسسين لأمجاد الأمة العربية. (المصدر: مجلة المواقف – العدد 1261).
الهوامش:
(1) القضب الأحمر لعل المقصود به السيف – أما العمود الأسود ربما يكون كناية عن الرمح والكلام كله في مجمله كناية عن الجهاد.
(2) الكلاله – من لا ولد له ولا والد – أي ان هذه البلاغة لم تات اليك من العدم.
(3) راجع كتاب مروج الذهب للمسعودي ج3 صفحة ٤٥.