سمعنا باسمه ونحن أطفال: باقر السيد حمزة العوامي يدرس الطب في ألمانيا. كنت أراقب والده في متجره القريب من بيتنا ومحلنا؛ رجل وقور، دائم الابتسامة، يرحب بالصغير والكبير ببشاشة. وكان يجتمع عنده كبار الحي على الكراسي التي وضعها خارج المحل، فإذا اجتمعوا نهض ليُعِدّ لهم النارجيلة، فيدخنونها وهم يشربون الشاي ويحتسون القهوة.
مشهد لا يغيب عن الذاكرة.
وكان يخيل إليك أن في عيني السيد حمزة بريقًا يوحي بأن السيد باقر، البعيد في ألمانيا، حاضر أمامه، رغم أنه لم تكن هناك اتصالات حديثة يومها ولا هواتف، سوى رسائل البريد.

كنا نرى صورة الدكتور باقر في ملامح أخيه السيد جعفر، الشاب الأنيق المهذب، ونتخيله منهمكًا في دراسته هناك، فيكون مصدر إعجاب وإلهام لنا. وكلما التقيت بالسيد جعفر قلت له: صورة والدك عالقة في ذاكرتي كأنها اليوم أمامي.
وبعد أن تخرجنا من الجامعة أواخر السبعينات، قابلنا البروفيسور الدكتور باقر الذي التحق بكادر الأساتذة في كلية الطب بجامعة الملك فيصل. كان قليل الظهور، وبعد تقاعده صار حضوره أوضح؛ يشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، ولا تفوته صلاة الجماعة. حتى عند باب المسجد كان ينصح الناس بشراء النافع من الخضروات والفواكه، وتشعر أنه يخاطبك بعينيه حتى وإن لم يتكلم.
خدم مجتمعه بصمت، فافتتح عيادة استشارية للأطفال كانت ملاذًا للأمهات اللاتي يقصدنه للاطمئنان على صغارهن وعلاجهم. ورغم تقدمه في السن لم يألُ جهدًا في خدمة بلده، فأسس عيادة متخصصة متكاملة لخدمة المحتاجين.
اليوم فقدت القطيف نموذجًا مثاليًا وقدوة حسنة من رجالاتها.
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.