ومضات معرفية من كتاب: لا تصدق كل ما تفكر فيه: لماذا يشكّل تفكيرك بداية ونهاية المعاناة – ترجمة* عبدالله سلمان العوامي

إسم الكتاب: 
لا تصدق كل ما تفكر فيه: لماذا يشكّل تفكيرك بداية ونهاية المعاناة
[Don’t Believe Everything You Think: Why Your Thinking Is The Beginning & End Of Suffering]

تنصل:
هذه الترجمة لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو رفضًا للمحتوى الأصلي، وإنما الهدف منها هو نشر المعرفة وعرض وجهات نظر متنوعة. قد تحتوي المادة المترجمة على معلومات لا تتوافق بالضرورة مع بعض المعتقدات أو التوجهات الشخصية، إلا أنها محاولة جادة لنقل الفكرة الأساسية مع الحفاظ قدر الإمكان على السياق العام، وإن لم تكن الترجمة دقيقة تمامًا.
نسعى من خلال هذه الترجمات إلى توسيع آفاق التفكير وتعزيز التواصل الثقافي والفكري، عن طريق تقديم أبحاث ورؤى في مجالات متعددة مثل الصحة، والتقنية، والاقتصاد وغيرها، مما يُتيح للقارئ العربي الاطلاع على مختلف وجهات النظر بلغته الأم، وتعزيز التفاهم بين الثقافات الى جانب تشجيع النقاش الموضوعي للاستفادة منها أو نقدها بشكل واعٍ وبنّاء.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون (Amazon):
هذا الكتاب هو أحد أكثر الكتب مبيعًا في قائمة نيويورك تايمز وعلى الفور!
وفي هذا الكتاب: تعلّم كيف تتغلّب على القلق، وانعدام الثقة بالنفس، وتدمير الذات، دون الحاجة للاعتماد على التحفيز أو قوة الإرادة.
يقدم هذا الكتاب نموذجًا وفهمًا جديدين تمامًا لمصدر تجربتنا الإنسانية، مما يسمح لنا بإنهاء معاناتنا وخلق الطريقة التي نريد أن نشعر بها في أي لحظة.
واليك ما قيل عن الكتاب:
• “خطوة أولى أساسية للتخلّص من تلك المعاناة” — السيد سيمون سينك (Simon Sinek).
• “دليل ملهم” — السيد ديباك شوبرا (Deepak Chopra).
• “الأدوات اللازمة لإعادة اكتشاف حدسنا وخلق مستقبل يتماشى مع أهدافنا الفردية وإلهامنا” — الدكتورة نيكول ليبيرا (Dr. Nicole LePera).
• “دليل مؤثر يوضح لنا جميعًا كيف نتحرر من الإفراط السام في التفكير ونستبدله بالسلام الداخلي” — السيدة لوري غوتليب (Lori Gottlieb).
• “حلول رائعة وسهلة لتجنب الإفراط في التفكير” — السيد فرانسيسك ميراليس (Francesc Miralles).
• “طريقة مدروسة لمساعدتك على إعادة تدريب عقلك” — منصة شركة أبل للكتب (Apple Books).

الجديد في هذه النسخة الموسعة من الإصدار ذي الغلاف المقوى:
• فصول جديدة تتناول أسئلة القرّاء وتعليقاتهم
• محفزات للكتابة التأملية وتمارين ذهنية للتخلص من التفكير السلبي المتكرر
• أشعار أصلية تهدف إلى الإلهام، والتشجيع، ورفع المعنويات

في هذا الكتاب، ستكتشف:
• السبب الجذري لكل معاناة نفسية وعاطفية، وكيفية تحقيق حرية العقل لخلق الحياة التي طالما رغبت في عيشها بسهولة وبدون عناء
• كيفية عدم التأثر بالأفكار والمشاعر السلبية
• كيفية اختبار الحب والسلام والفرح غير المشروط في الحاضر، بغض النظر عن الظروف الخارجية
• كيفية خلق تجربة جديدة للحياة فورًا إذا لم تكن راضيًا عن تجربتك الحالية
• كيفية التحرر من دوامات التفكير السلبي
• كيفية التخلص من القلق، وانعدام الثقة بالنفس، والتخريب الذاتي، والعادات المدمرة
• كيفية الإبداع بسهولة من حالة وفرة وتدفق وطمأنينة
• كيفية تنمية القدرة الخارقة على تقبّل عدم اليقين
• كيفية الوصول إلى الحدس والحكمة الداخلية خارج حدود التفكير
• أن الألم أمر لا مفر منه، إلا أن المعاناة اختيارية
بغض النظر عمّا حدث لك، أو من أين أتيت، أو ما الذي فعلته، لا يزال بإمكانك أن تجد السلام الكامل، والحب غير المشروط، والإشباع التام، ووفرة من الفرح في حياتك. لا يوجد شخص مستثنى من ذلك. فالظلمة لا توجد إلا بسبب النور، مما يعني أنه حتى في أحلك لحظاتنا، لا بد من وجود النور.
بين صفحات هذا الكتاب، ستجد حكمة خالدة تمنحك الفهم لقدرة عقولنا اللامحدودة على خلق أي تجربة حياة نرغب بها، بغض النظر عن الظروف الخارجية.
كتاب “لا تصدق كل ما تفكر فيه” ليس عن إعادة برمجة دماغك، أو إعادة كتابة ماضيك، أو التفكير الإيجابي. لا يمكننا حل مشكلاتنا بنفس مستوى الوعي الذي خلقها. فالحيل مؤقتة، أما توسيع الوعي فهو دائم.
لقد كُتب هذا الكتاب لمساعدتك على تجاوز تفكيرك واكتشاف الحقيقة التي تعرفها بالفعل بحدسك العميق في أعماق روحك.

مؤلف الكتاب:
السيد جوزيف نغوين (Joseph Nguyen) هو مؤلف الكتاب العالمي الأكثر مبيعًا: “لا تصدق كل ما تفكر فيه”، والذي تُرجم إلى أكثر من 31 لغة. يكرّس كتاباته لمساعدة الناس على التحرر من القيود الذهنية والتصورات الخاطئة، من أجل عيش حياة هادئة وغنية خالية من المعاناة النفسية.
يمزج السيد نغوين بين التأمل، والتعليم، والكتابة بأسلوب بسيط وعميق، ليساعد قرّاءه على اكتشاف حقيقتهم الداخلية. وعندما لا يكون مشغولًا بالتأليف أو المحاضرات، يقضي وقته مع قططه الثلاث التي رغم حساسيته تجاهها، يحتفظ بها بحب ومرح.

منصة الوميض** (Blinkist) قامت بتلخيص الكتاب في “أربع ومضات” معرفية ومقدمة وخلاصة نهائية، وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب وهي كالتالي:

مقدمة – اكتشف كيف تخفف من معاناتك من خلال اختراق طريقة تفكيرك.
من الفيلسوف الحكيم بوذا إلى الفيلسوف والمحلل في علم النفس فرويد، غالبًا ما لاحظ دارسو الطبيعة البشرية مفارقة في سلوكنا.
لا أحد يختار أن يعاني، ومع ذلك فإن معظمنا متعلق بمعاناته الخاصة. نحن نعلم أن ما نفعله يجعلنا تعساء، ومع ذلك نجد أنفسنا نكرره باستمرار. أرجع المحلل في علم النفس فرويد هذا الميل إلى القوى اللاواعية وغير العقلانية في نفوسنا، تلك التي تقوّض ذواتنا الواعية والعاقلة. أما البوذيون، فليست لديهم حاجة لتحديد عملاء خفيين يسببون التعاسة؛ إذ يرون أن مجرد فعل التفكير كافٍ ليحبسنا في دائرة المعاناة. وهم يميزون بوضوح بين الألم والمعاناة.

الألم أمر لا مفر منه. فالأشياء الفظيعة التي تسبب لنا ألماً حقيقياً تحدث طوال الوقت. أما المعاناة، فلا تنجم عن خيبات الأمل والخسارات التي يلحقها بنا العالم، بل هي نتاج لطريقة تفكيرنا. فعندما نفسر ما يحدث لنا بأنماط تفكير يغلب عليها الغضب، والاستياء، وكراهية الذات، والقلق، فإننا نُطيل الألم ونجعله أشد قسوة. نحن من نختار المعاناة.

والمثير للدهشة أن كسر هذا النمط لا يعتمد على التفكير الإيجابي، بل على تعليق التفكير التلقائي والسماح للأفكار ببساطة بأن تكون كما هي، دون إخضاعها لدورات لا نهائية من التفسير. وعندما نتعلم القيام بذلك، فإننا لا نقلل فقط من معاناتنا، بل نتيح لأنفسنا أيضًا الوصول إلى كامل طاقاتنا الكامنة. يبدو رائعًا، أليس كذلك؟ دعنا نستكشف كيف يمكنك الوصول إلى هذه الحالة الذهنية الأكثر سلامًا.

ومضة رقم 1 – نحن نخلق واقعنا بالتفكير
دعنا نبدأ بسؤال خالد: ما هي الجنة وما هو الجحيم؟ بعض التقاليد الدينية تفسر هذين المفهومين تفسيرًا حرفيًا.
فعلى سبيل المثال، يرى العديد من المسيحيين والمسلمين أن الجنة والجحيم هما أماكن حقيقية، إما للنعيم المطلق أو للعذاب الأبدي. أما أغلب البوذيين، فيرون أن الجنة والجحيم مفهومان مجازيّان ونفسيّان. فبالنسبة لهم، الجنة والجحيم هما حالات ذهنية وليستا مواقع أو وجهات مادية. وتوضح هذه الفكرة حكاية قديمة من تقاليد الزن البوذية اليابانية. تقول الحكاية: ذات يوم، ذهب محارب ساموراي ضخم الجثة، يكسو جسده آثار المعارك، لزيارة أحد معلمي الزن.
وجد الساموراي الرجل يتأمل في حديقة منزله. وكان الساموراي، الذي اعتاد إصدار الأوامر أكثر من النقاش في المواضيع الفلسفية، قد قاطع المعلم بخشونة وزمجر بصوته الجهوري وطالبه بإجابة على سؤاله: ما هي الجنة وما هو الجحيم؟ فتح المعلم عينيه ونظر إلى الساموراي، وقال: ولماذا ينبغي لي أن أجيب شخصًا وقحًا مثلك، رجلاً يأمر ولا يسأل؟ تفاجأ الساموراي من الرد.
فأمثاله من طبقة المحاربين كانوا معتادين على أن يُعاملوا بإجلال، وكانوا معروفين بأنهم يعاقبون بوحشية أي شخص يسيء إليهم. وبغضب، رفع الساموراي سيفه فوق رأس المعلم. لكن المعلم لم يرتجف ولم يتوسل للرحمة، بل قال ببساطة وبصوت هادئ: هذا هو الجحيم. تجمد الساموراي في مكانه. وفهم على الفور ما كان يعنيه المعلم.

لقد استهلكته مشاعر الغضب والاستياء والشعور بالأحقية. فبسبب جرح تافه لغروره، كاد أن يقتل هذا الرجل. أعاد سيفه إلى غمده، وضم كفيه معًا، وانحنى ممتنًا لحكمة المعلم. ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه الأخير. وقال: وهذه هي الجنة. والسؤال: ماذا يمكن أن تُعلّمنا هذه الحكاية؟

يمكن للفيلسوف الأسكتلندي السيد سيدني بانكس (Sidney Banks) أن يساعدنا هنا. فقد جادل السيد بانكس بأننا نعيش الواقع من خلال أفكارنا. فالعالم الموضوعي في الخارج لا يجعلنا نرى الأشياء بطريقة معينة، بل إن عملياتنا الفكرية الداخلية هي التي تشكّل إدراكنا للعالم. بعبارة أخرى، نحن نخلق واقعنا، سواء كان جيدًا أم سيئًا، من خلال الفكر. كما قال الشاعر الإنجليزي السيد جون ميلتون (John Milton) في القرن السابع عشر: “العقل هو عالم قائم بذاته، ويمكنه أن يجعل من الجحيم جنة، ومن الجنة جحيمًا”.
هذا بالضبط ما كان المعلم يحاول أن يعلّمه للسّاموراي. فالجحيم الذي يعاني منه المحارب لا تسببه أحداث العالم، بل هو من صنع نفسه، نابع من غروره وأناته المتضخمة. وكذلك الجنة، فهي حالة ذهنية داخلية، حيث يشعر بها عندما يتخلى عن أناته وغروره. بعبارة أخرى، نحن نعيش من خلال إدراكنا للواقع، لا في الواقع ذاته.

وبناءً على ذلك، فالواقع ليس إلا سلسلة من الأحداث التي تحدث بشكل مستقل عن الفكر. “لا يوجد شيء جيد أو سيئ بطبيعته، وإنما الفكر هو من يجعله كذلك”، كما قال هاملت في مسرحية شكسبير (Shakespeare’s Hamlet). فشعورنا الإيجابي أو السلبي تجاه شيءٍ ما لا يخبرنا بالكثير عن طبيعة ذلك الشيء، لكنه يخبرنا بالكثير عن أساليبنا في التفسير. ومن الطبيعي أن نفسر بعض الأشياء بطرق معينة؛ فعلى سبيل المثال، سيكون غريبًا أن نقول إن الحزن ليس استجابة مناسبة إذا توفي شخص نحبه. لكننا لا نعاني فقط لأسباب مفهومة.

لو كان الأمر كذلك، لما احتجنا إلى حكماء مثل بوذا أو محللين في علم النفس مثل فرويد. لكننا نحتاج إليهم، لأننا غالبًا ما نكون نحن من نصنع معاناتنا غير الضرورية. ومع ذلك، فإن هذا النوع من المعاناة يمكن علاجه. فطالما أن التفكير هو من يصنع واقعنا، فمن المنطقي أننا نستطيع تغيير تجربتنا للواقع من خلال تغيير تفكيرنا. وإذا كان ذلك صحيحًا، فإننا على بُعد فكرة واحدة فقط من تحويل جحيمنا إلى جنة بأنفسنا.

ومضة رقم ٢ – التفكير يساعدنا على البقاء، لا على الازدهار
وقبل أن نصل إلى العلاج، دعونا نتحدث عن التشخيص. كيف يتسبب التفكير في المعاناة؟ للإجابة عن ذلك، نحتاج إلى القيام بجولة سريعة في تطور نوعنا البشري.
لقد زوّدتنا عملية التطور بأدمغة ضخمة قادرة على التفكير والتحليل والتبرير، وكان ذلك لسبب وجيه. لقد ساعدنا على البقاء. فالتفكير، باختصار، هو آلية دفاعية. أدمغتنا مبرمجة لمسح محيطنا بحثًا عن الأخطار المحتملة، وهي بارعة في هذه المهمة. ولا يقتصر عمل عقولنا على تحليل العالم من حولنا فحسب، بل إنها تنبش أيضًا ذكريات التجارب الماضية وتولد توقعات بشأن المستقبل. حتى الآن، يبدو كل شيء عقلانيًا.
المشكلة هي أن أدمغتنا صُمّمت لعالم كانت فيه التهديدات للحياة والأطراف كامنة خلف كل شجيرة. لكن العالم قد تغيّر الان. لم نعد بحاجة إلى صيد حيوانات مفترسة أو المجازفة بتناول توت قد يكون سامًا لتجنّب المجاعة. أغلبنا يملك بطاقات ائتمان ويمكنه الوصول إلى متاجر مليئة بالمواد الغذائية. جيراننا على الأرجح سيزعجوننا بموسيقى صاخبة أكثر من أن يشكّلوا خطرًا على حياتنا. كسر الساق كان في الماضي حكمًا بالموت.
اليوم، هو مجرد إزعاج. بيئتنا المحيطة أصبحت ببساطة أقل خطورة بكثير مما كانت عليه في السابق. لكن التطور يحدث على مدى ملايين السنين، وأدمغتنا لم تلحق بعد بالإنجازات المعجزة التي حققتها البشرية عبر القرون. أجسادنا تعيش في عصر المعلومات، لكن أدمغتنا لا تزال تعيش في عصور ما قبل التاريخ. كان الاستعداد المشحون بالأدرينالين Adrenaline للقتال أو الهروب منطقيًا في الماضي البعيد، لكنه في الغالب غير منطقي اليوم. لكن عقولنا لا تدرك ذلك، لذا نستمر في تفحّص الضواحي الآمنة والخالية من الجريمة، والمكاتب المريحة، والجيران المزعجين بحثًا عن تهديدات وجودية.
هذا الميل يتجلى في شكل تفكير قلق، تلقائي، ودائم. أدمغتنا الزاحفة المهووسة بالخطر تدفعنا إلى الإفراط في التفكير بشأن ما نرتديه أو نأكله، وإلى اجترار المحادثات القديمة، والقلق من كيفية تلقي الآخرين لما قلناه أو فعلناه. إنها السبب في أننا نشكّك في الزملاء والرؤساء، ونعيد صياغة الرسائل الإلكترونية مرات لا تُعد، ونقنع أنفسنا بأن الأعراض الصحية البسيطة هي نُذُر موت وشيك. والأسوأ من ذلك، أنها تجعلنا نُعيد عرض الأحداث الماضية في ذهننا بلا توقف، مما يُنعش الألم ويُطيله. وهذه تعتبر وصفة مثالية للمعاناة. ومن منظور بوذي: فإن التشخيص واضح.
الكثير من شقائنا ناتج عن تعلقنا بأنماط التفكير، مما يعيدنا إلى العلاج. كيف يمكننا إنهاء هذا الشقاء غير الضروري؟ الجواب، كما سنرى في الومضة القادمة: أن نتوقف عن التفكير.

ومضة رقم ٣ – الأفكار تخلق؛ التفكير يُدمّر
الأفكار هي أسماء. هي شيء تمتلكه، لا شيء تفعله. إنها تلقائية وعفوية. إنها تحدث ببساطة.
أما التفكير، فهو فعل. إنه شيء تفعله. في جوهره، هو فعل التفكير في أفكارك. التفكير يستهلك طاقة، ويتطلب جهدًا وقوة إرادة، وكلاهما موارد محدودة. دعنا نجرب تجربة ذهنية صغيرة لتوضيح هذا الفرق. كل ما عليك فعله هو أن تُسمّي دخلك السنوي الذي تحلم به.
لا تُفرط في التفكير في هذا الأمر. فقط دع الرقم يظهر في ذهنك. هل حصلت عليه؟ حسنًا، الآن اضربه في خمسة. هل لاحظت شيئًا؟ إذا كنت مثل معظم الناس، فالرقم الأول ظهر في ذهنك دون حاجة للكثير من التحفيز.
من المحتمل أنه جعلك تشعر بشيء جيد. ربما اختبرت اندفاعًا خفيفًا من البهجة والإثارة. أما الرقم الثاني، فربما كان مختلفًا. هل وجدت نفسك فجأة تقلق وتتوتر؟ هل بدأت تتساءل كيف يمكنك كسب هذا القدر من المال، أو ما إذا كنت تستحقه أصلًا؟ إذا كانت إجابتك نعم، فقد اختبرت الانتقال من الفكرة إلى التفكير.

كما ترى، فإن الأخير يشبه الأفعوانية العاطفية. يدفعك إلى قمة القلق والغض، ثم يُغرقك في أعماق الشك في الذات، والذنب، وعدم الاستحقاق. إذن، ما الذي تخبرنا به هذه التجربة الفكرية الصغيرة؟ ببساطة، إن التفكير في الأفكار— وليس الأفكار نفسها — هو الجذر الأساسي للمعاناة النفسية. الأفكار بسيطة وسهلة. لا تتطلب جهدًا كبيرًا ولا تثير مقاومة تُذكر. للتوضيح: الافعوانية: هي لعبة ترفيهية كبيرة على شكل قطار يسير بسرعة عالية على مسارات منحنية وحادة الصعود والهبوط، تُوجد عادة في مدن الملاهي.

لكن الأمور تسوء عندما تبدأ في معالجة هذه الأفكار والحكم عليها. ولكن إليك الحقيقة: لست مضطرًا للتفاعل مع أفكارك. لست بحاجة للتفكير فيها، ولا للحكم عليها. الأفكار بطبيعتها خَلاّقة وإيجابية. إنها تخبرك بما ترغب فيه حقًا وما تهتم به بالفعل.
التفكير لا ينتمي إلى أيٍّ من هاتين الفئتين. في الواقع، إنه مدمر وسلبي تمامًا. فبمجرد أن تبدأ في التفكير، تبدأ في إسقاط معتقداتك المحدودة، وأحكامك، وانتقاداتك، وبرمجتك، وتكييفك الذهني على أفكارك. والسؤال هو: كيف يمكنك منع هذه البرمجة السلبية من تلويث أفكارك؟

الخطوة الأولى، وكما هو الحال دائمًا، هي الإدراك. بما أنك لا تشعر إلا بما تفكر فيه، فإن المشاعر تُعد بمثابة لوحة معلومات داخلية، تخبرك ما إذا كنت عالقًا داخل رأسك. إذا كنت تعاني بالكثير من المشاعر السلبية، فمن المحتمل أنك تفرط بالتفكير في هكذا أمور. فلنلقِي نظرة على ما يمكنك فعله عندما تجد نفسك عالقًا في هذه الدوامة.

ومضة رقم 4 – نحقق صفاءً ذهنيًا عندما نتوقف عن محاولة فعل الأشياء بأفكارنا
إذا كان التفكير يسبب المعاناة، أليس من المفترض أن نتوقف عن التفكير؟ ومع ذلك، فإن هذه فكرة غريبة. هل يمكننا حقًا أن نتوقف عن القيام بشيء مبرمج عليه دماغنا بيولوجيًا؟

الجواب المختصر هو نعم. دعونا نختتم بتفصيل النسخة الأطول. أولًا، دعونا نحدد المصطلحات. التوقف عن التفكير لا يعني إيقاف تدفق الأفكار عمومًا. كما رأينا، الأفكار والتفكير ليسا مترادفين. ما نسعى إليه هو حالة ذهنية تتدفق فيها الأفكار من خلالنا دون مقاومة.

بعبارة أخرى، التوقف عن التفكير يعني التوقف عن التفكير في الأفكار والحكم عليها. هذا ليس إجراءً (فعلا) محددًا، بل هو غياب الإجراء (الفعل). كلما أصبحنا أكثر وعيًا بحقيقة أن التفكير يسبب لنا المعاناة، أصبح من الأسهل فصل أنفسنا عن هذا التفكير. يمكن أن تساعدنا الاستعارة في فهم معنى هذه الفكرة. تخيّل أنك أُعطيت وعاءً من الماء العكر مأخوذ من بركة.

مهمتك هي جعل الماء صافيًا. هناك العديد من الطرق لحل هذه المشكلة. يمكنك مثلًا غلي الماء، أو تمريره عبر مصفاة قهوة. هذه الأنواع من الحلول هي حلول نشطة. إنها تتعلق بفعل شيء ما تجاه الماء. لكن هناك حل أبسط.
اترك الماء وشأنه. مع مرور الوقت، ستترسّب الأوساخ في قاع الوعاء وسيتصفى الماء من تلقاء نفسه. يعمل العقل بهذه الطريقة أيضًا. غالبًا ما نحاول غلي الأفكار أو تصفيتها بشكل نشط. بعبارة أخرى، نحاول أن نفعل شيئًا تجاهها. وهذا هو ما يُسمى بالتفكير.

ولكن إذا تركناها وشأنها، فإن الأفكار ستهدأ من تلقاء نفسها. تمامًا كما أن الماء غير المضطرب يميل إلى الصفاء، فإن عقولنا تفعل الشيء ذاته. المفتاح هو تجنّب الإثارة والاضطراب. في الثقافة اليابانية، لهذه الظاهرة كلمة خاصة، وهي “موشين” (Mushin). تصف هذه الكلمة حالة ذهنية يتحرر فيها العقل من الغضب والخوف والأفكار العشوائية، والأهم من ذلك تحرر العقل من الأنا. عادةً ما تُستخدم هذه الكلمة لوصف الحالة الذهنية لفنان الدفاع عن النفس أثناء القتال، لكنها تنطبق أيضًا على مجالات أخرى من الحياة.

عندما تتحقق حالة الـ”موشين”، يصبح الممارس قادرًا على الاستجابة لما أمامه دون تردد. وبدلاً من أن يضيع في أفكار متشابكة أو شكوك ذاتية، فإنه يستند إلى تدريبه وحدسه ليتصرف بسرعة وحسم. في السياقات الغربية، غالبًا ما نستخدم مفهوم “حالة التدفق” (Flow State) لوصف نوع الوضوح الذهني الذي نحققه عندما نكون منغمسين تمامًا في مهمة معينة. كل من حالة التدفق وحالة الـ”موشين” تتعلقان بكونك حاضرًا بالكامل في اللحظة. أدمغتنا لا تكون مغلقة عن العمل؛ بل على العكس، نكون عادةً في قمة الإبداع والابتكار عندما نبلغ هذه الحالات.

وذلك لأننا لا نفكر، بل نسمح للأفكار بأن تتدفق من خلالنا. التفكير يعوق الأداء في جميع مجالات الحياة. التردد، والتحفظ، والشك، وانعدام الثقة، والمخاوف هي من نواتج التفكير. وعلى العكس من ذلك، نكون في أفضل حالاتنا عندما ندخل في حالة “اللا تفكير”. فعندما نتوقف عن التفكير، نحرر أنفسنا من قيود الأنا، ونصبح قادرين على تحقيق أقصى إمكاناتنا.

خلاصة نهائية
في هذه الخلاصة لهذا الكتاب، تعلمت أن أدمغتنا تطورت لتفرط في التفكير. فلو لم تكن عقولنا قادرة على مراقبة محيطها باستمرار بحثًا عن مؤشرات الخطر، لما تمكن جنسنا البشري من البقاء والتطور. ولكن في عالم اليوم الأكثر أمانًا، أصبحت هذه القدرة سببًا في معاناة لا داعي لها. وإذا أردنا أن نتحرر من هذه المعاناة، فعلينا أن نتوقف عن تصديق كل ما نفكر فيه.

وللقيام بذلك، يجب أن نسمح للأفكار بأن تمر عبر عقولنا دون حكم أو مقاومة. تطلق الثقافة اليابانية على هذه الحالة الذهنية اسم موشين، وتصفها الثقافة الغربية بحالة التدفق. كلتاهما تصفان حالة من “اللا تفكير” المتحرر، والتي تخلصنا من المعاناة وتمنحنا القدرة على إطلاق العنان لإمكاناتنا الحقيقية.

*تمت الترجمة بتصرف.

**المصدر: منصة الوميض (Blinkist) وهي منصة تقوم بتلخيص الكتب ، ومكتبتها تحتوي على آلاف الكتب ويشترك في هذه المنصة الملايين من القراء.

الأستاذ عبدالله سلمان العوامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *