السكون يُظهر الحقيقة – بقلم المهندس سعيد المبارك*

The Sound of Silence
{السكون يُظهر الحقيقة}
[تمت الترجمة الى العربية بمساعدة الذكاء الاصطناعي وبتصرف من قبل الكاتب]

الضجيج قد يخدعنا. يمنحنا وهماً بالحركة،بالنشاط، بالإنتاجية، بالحياة وكأنها تمضي مسرعة إلى الأمام. لكنه في الغالب، يكون سببا في تشتيت سمعنا لما قد يكون مهما.

في عالمٍ يعج بالصخب، ويُقدّر الصوت الأعلى، وردّ الفعل الأسرع، والحركة الدائمة، صرنا نخلط بين النشاط والفهم، وبين الضجيج والمعرفة. وعندما يعلو الصوت أكثر من اللازم، ويزدحم المشهد بالناس والانشغالات، تتلاشى القدرة على التركيز. لا نعود نُفرّق بين ما هو جوهري، وما هو مجرّد جالب للانتباه.

دعني اذكر لك قصة قصيرة: فقد أحد المزارعين ساعته الثمينة في الحظيرة. لم تكن ساعة عادية، بل هدية من والده تحمل ذكرياتٍ عزيزة. بحث عنها بين أكوام القش، يقلبها مرةً بعد مرة، دون جدوى. تعب الرجل، فاستدعى مجموعة من الأطفال يلعبون في الخارج، ووعدهم بمكافأة لمن يجدها.

اندفع الأطفال إلى الداخل بحماس، ينقّبون بين القش، ينادون بعضهم بعضًا، تتردّد أصواتهم في أرجاء الحظيرة. وبعد وقتٍ طويل، استسلموا. فلم يستطع اي منهم إيجاد الساعة.

وقبل أن يغادروا، اقترب صبي صغير من المزارع وقال بهدوء:
«هل يمكنني أن أحاول مرة أخرى؟ لكن أحتاج أن يخرج الجميع».

وافق المزارع وقد أثار فضوله الطلب. دخل الصبي وحده، وجلس ساكنًا. دقائق قليلة مضت، ثم خرج وهو يحمل الساعة في يده.

تعجّب المزارع وسأله: «كيف وجدتها بينما فشل الجميع؟»
ابتسم الصبي وقال: «جلست بهدوء، وأصغيت. وبعد حين، سمعت صوت دقاتها، فتتبعت الصوت حتى وجدتها».

كانت الحقيقة في تلك اللحظة بسيطةً وعميقة في آنٍ واحد. الساعة لم تكن بعيدة، لكن الضجيج كان يخفي صوتها. وما كشفها لم يكن الجهد، بل السكون.

وهكذا هو العالم حولنا. في الأسرة، يتلاشى الفهم وسط الجدال المتواصل. وفي المؤسسات، تُخفي الاجتماعات الكثيرة والرسائل العاجلة جوهر الرؤية. وفي المجتمعات، تُسكت الأصوات العالية أصوآت الحكمة. وحتى على مستوى العالم، يُضخّم الضجيج الصراعات ويُخفي صوت العقل.

أمّا داخلنا نحن، فهنا تقع أعظم الضبابية: نفقد رؤيتنا لأنفسنا، قيمنا، وغاياتنا، ليس لأنها اختفت، بل لأن عقولنا مزدحمة، ومشاعرنا مضطربة، وأرواحنا صاخبة فلا نسمع «الدقات» بداخلنا.

الصمت إذن ليس غيابًا، بل وعيًا. القادة الذين يتوقفون للاستماع قبل أن يتكلموا، يرون ما يعجز الآخرون عن رؤيته. الفرق التي تتريّث قبل القرار، تتجنّب الأخطاء الفادحة. والأفراد الذين يمنحون أنفسهم لحظاتٍ من السكون، يستعيدون توازنهم واتجاههم.

لكن الصمت ليس كسلاً ، بل قرارٌ واعٍ لإسكات الضوضاء، وكبح الرغبة في الرد السريع، وتهيئة المساحة لظهور الحقيقة وبهدوء.

الصبي في الحظيرة وجد ساعة، لكنه في الحقيقة اكتشف مبدأً: أحيانًا، أسرع طريقٍ لإيجاد ما فُقد هو التوقف عن البحث، والبدء في الإصغاء.

وحين يهدأ العالم، لا تختفي الحقيقة؛ بل تصبح أوضح لمن يُصغي لها وبهدوء.

المهندس سعيد المبارك

*المهندس سعيد المبارك – مهندس بترول ومستشار في الحقول الذكية و التحول الرقمي ورئيس قسم الطاقة الرقمية بجمعية مهندسي البترول العالمية ، فاز بجائزة جمعية مهندسي البترول للخدمة المتميزة. ألقى محاضرات كثيرة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك سعود بالرياض وفي محافل كثيرة أخرى. مؤلف كتاب “أي نسخة من التاريخ ليست إلاّ رواية”.

رابط المقال الأصلي باللغة الإنجليزية:

https://www.linkedin.com/feed/update/urn:li:share:7382494625216786432/

تعليق واحد

  1. صادق القطري ابو حسام

    اخي وعزيزي أبو احمد، ان ما تطرحه حول فقدان الرؤية الذاتية والقيم والغايات يعتبر دعوة للتأمل والتفكير العميق. فعلاً، في عالم مليء بالضغوط والضوضاء، من السهل أن نفقد الاتصال بأنفسنا. الصمت ليس مجرد غياب للصوت، بل هو فرصة لاستعادة التوازن والهدوء الداخلي. عندما نتوقف لنستمع إلى أنفسنا، نستطيع أن نرى الأمور من منظور جديد، ونستعيد الوضوح الذي فقدناه في زخم الحياة. القادة الذين يتأنون قبل اتخاذ القرارات هم أولئك الذين يميزون بين الأصوات المهمة والضوضاء، مما يمكنهم من اتخاذ خيارات أكثر حكمة. لذا، يجب علينا جميعا ان نمنح لأنفسنا هذه اللحظات الثمينة من السكون، لنستعيد توازننا ونستكشف ما هو حقيقي ومهم في حياتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *