[حكاية في تاريخ الرياضة]
{ عبد النبي بن منصور الزاير: الرياضي النبيل }
عند الحديث عن الرياضة في القطيف خلال مراحل نشأتها الأولى، تتداعى إلى الذاكرة، وتجري على الألسن، أسماءٌ تألقت في عالمها. أسماءٌ لها أهمية كبيرة؛ لأنها كوّنت حلقة وصل بين البدايات المتواضعة والمراحل اللاحقة، وأسهمت في تطورها.
ومن أوائل الأسماء التي برزت في المجال الرياضي القطيفي الأستاذ عبد النبي بن منصور الزاير (أبو محمد)، رحمه الله، وهو رياضيٌّ كتب الوفاء في قلبه لأسرته ومجتمعه ووطنه.

فمن هو عبد النبي الزاير؟
يمكن القول ببساطة إنه شخصية رياضية اجتماعية بدأت مسيرتها منذ الطفولة، حين أظهر مواهب لافتة وهو لاعب شبل في نادي النور، ليستمر تألقه في فئة الشباب، ثم لاحقًا في الفريق الأول لنادي البدر.
ومع توسّع الاهتمام بالألعاب الرياضية الأخرى، واصل تقديم موهبته في كل لعبة مارسها: كرة الطائرة، وكرة السلة، وكرة اليد، وتنس الطاولة، إضافةً إلى موهبة التمثيل المسرحي. لقد كان لاعبًا موهوبًا بحق.
ورغم أهمية الجانب الرياضي، فإن التميّز الحقيقي ظهر في قدرته على توظيف الرياضة المحلية لتكون وسيلةً من وسائل الترفيه النافع، يوجّه بها الشباب نحو الطريق السليم، ويسهم من خلالها في بناء مجتمعٍ مثالي يعكس قيمه التاريخية والاجتماعية.
كان يحمل في صدره روحًا مفعمة بالمبادرة والإنجاز، وروحًا سبّاقة إلى المساعدة؛ لم تقتصر على الدعم المادي فحسب، بل امتدت لتشمل رفع معنويات من حوله ومن يعمل معهم.
لقد صنع هذا الرجل، بنبله وشخصيته الأخلاقية المستقيمة، صورةً مشرقة جعلته قدوةً لأبناء عصره، ونموذجًا يشجّع الكثيرين على الاقتداء به. وإن توثيق سيرته الرياضية ورصد رؤيته حول الأحداث الاجتماعية التي رافقت نشأة الرياضة في القطيف لونٌ من الوفاء لشخصه المعطاء، وجزءٌ من تكريمه، وفائدةٌ للأجيال اللاحقة ليستفيدوا من تجربته.

وقبل الاسترسال في الحديث عنه كرياضي، لا بد من الإشارة إلى أن أبا محمد لم يكن ممّن يسعون إلى تسليط الأضواء على أنفسهم، وربما يرجع ذلك إلى قناعة راسخة عنده بقيمة الفريق قبل الفرد. وقد يكون لهذا التوجه دلالة واضحة على سبب اهتمامه العميق وشغفه بالرياضة، الذي اتجه مبكرًا إلى ممارسة الألعاب الجماعية، وفي مقدمتها كرة القدم، التي بدأ بها وهو طفل لا يتجاوز السابعة أو التاسعة من عمره، مع بداية دخوله المدرسة.
منذ ذلك الحين، لفت عبد النبي أنظار عشاق كرة القدم من لاعبين ومشجعين لمهاراته الفائقة وقدراته المتفوقة بين أقرانه؛ إذ امتاز بالسرعة والدقة والقدرة على المناورة، واستلام زمام المبادرة وقيادة الفريق. كل ذلك نال استحسان وإعجاب محبي الألعاب الرياضية، ولا سيما كرة القدم، حتى لقّبته صحيفة اليوم بـ “ساحر الكرة”.
وترافقت مهارته الرياضية مع حسن الخلق، وهي صفة بارزة ميّزت شخصيته المعطاءة بتواضعه ودماثة خلقه وحبه للخير، مما أكسبه محبة الناس واحترامهم وتقديرهم. إنه بحق الرياضي النبيل بإنسانيته ومعاملته.
قد تكون المهارة موهبة ذاتية أو مكتسبة، لكن المتتبع لمسيرته الرياضية والثقافية يدرك أن مهاراته الذاتية ظهرت واضحة جلية دون تكلّف، والأهم من ذلك أنه واصل العمل بجد وإخلاص على تطويرها. وبالتوازي، حافظ على لياقته اللازمة باتباع ما يلزم الإنسان لنيلها؛ فاللاعب الرياضي، على وجه الخصوص، يحتاج إلى المحافظة على صحته وقوته البدنية. “العقل السليم في الجسم السليم”.
وغنيّ عن القول إن الرياضي، خاصة في الألعاب الجماعية، يحتاج — إلى جانب اللياقة البدنية والوعي العقلي — إلى حدسٍ سريعٍ يساعده على اتخاذ القرار، وإلى ردّ فعلٍ فوري يمكّنه من استغلال الفرص السانحة التي تجعله متألقًا بين زملائه ورقمًا مهمًا في تحقيق الفوز لفريقه. فاللاعب إذا تألق وأبدع، اكتسب روح الجماعة، وحجب بذلك الأنانية التي تكون عادةً من الأسباب الرئيسة لهزائم بعض الفرق؛ لأن الأنانية وحب الذات لا يتلاءمان مع طبيعة الألعاب الجماعية.
ومن هنا، يلحظ المتتبع لسيرة عبد النبي إخلاصه لفريقه منذ أن كان شبلًا في نادي النور، إلى أن اعتزل اللعب في نادي البدر، الذي انغمس فيه، وحافظ على حبه وولائه له بصمتٍ تنطق عنه إنجازاته. فمسيرته تحكي جهوده ومساهماته في خدمة النادي بهدوء وإخلاص، ليجسد صورةً مشرقةً لنادي البدر يفتخر بها منتسبوه، ويشيد بها الجميع، وتتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل.
استمرت المحاولات والمساعي الحثيثة، منذ البدايات، لسحب عبد النبي من نادي النور واستقطابه إلى نادي التآلف، لكن، رغم الإغراءات المادية العديدة والجهود المتكررة ممّن حاول التأثير عليه، ورغم إدراكه لوجود أقرانٍ له هناك، مما كان سيهيئ له فرصةً أكبر للبروز في ميدان كرة القدم، بقيت قناعته ثابتةً صلبة، فواصل عن طيب خاطر، وبكل رضا وسرور، ودون تبرم أو امتعاض، اللعب مع نادي النور، ومن بعده البدر، طيلة مسيرته الرياضية.
وهكذا صار من الشخصيات البارزة التي يُشار إليها بالتقدير والإعجاب، رغم ما عاناه نادي البدر من صعوبات وتحديات على المستويين الرياضي والاجتماعي، في مقابل تألق نادي النسور المنافس، الذي حقق مستويات متقدمة ونتائج أفضل على نحو مستمر. كل هذا الوفاء والولاء رسم له صورةً متميزةً في أعين الجماهير، ومحبةً صادقةً في قلوبهم.
ومثّل عبد النبي ثِقَلًا راجحًا في كفة ميزان نادي البدر؛ فتألق في العديد من الألعاب الرياضية الأخرى التي بدأ نشاطه فيها، إلى جانب مهارته في كرة القدم، إذ كان حضوره لافتًا في كرة السلة وكرة اليد وتنس الطاولة. ويضاف إلى ذلك نشاطه المسرحي، إذ شارك في تمثيل عددٍ من المسرحيات على مسرح نادي البدر في سنوات مختلفة من مسيرته.
كان وجود عبد النبي، بما له من ميزات رياضية واجتماعية، سببًا رئيسيًا في جذب المزيد من الشباب الخيّرين إلى النادي. فانضم إليه نجوم آخرون، مثل المرحوم الرائد عبد الإله الحداد، ومجموعة من اللاعبين المتألقين الذين حافظوا على بريق نادي البدر بفخر منجزاتهم ومكتسباتهم في ألعاب السلة والطائرة ورياضة الجري والدراجات الهوائية والملاكمة.
لم ينجح نادي التآلف في كسب عبد النبي أو سحبه من نادي البدر، لكنه نجح في استقطاب لاعبٍ آخر شديد الإبداع، هو اللاعب الشهير عبد الشهيد القصاب (شمروخ)، الذي ترك نادي البدر وانضم إلى نادي التآلف، ليبدأ نجمه في السطوع في عالم كرة القدم، وينتهي به المطاف لاعبًا في نادي الهلال في العاصمة الرياض، ويدخل تاريخ الرياضة من أوسع أبوابه.
يبدو أن شغف عبد النبي بنادي البدر قد رسخ في قلبه، فلم يستطع الحياد عنه، واستمر فيه طيلة مسيرته الرياضية: “نقِّل فؤادَكَ حيثُ شئتَ من الهوى …. ما الحبُّ إلّا للحبيبِ الأوّلِ”.

وإضافة إلى هذا الشغف والميول الشخصي لنادي البدر، كان عبد النبي قريبًا جدًا من كبار داعمي النادي وإدارييه، وكان متيقنًا من استحالة موافقتهم على انتقاله، على عكس ما حدث مع شمروخ الذي سمحوا له بالانتقال إلى نادي التآلف.
وهكذا ظل عبد النبي بن منصور الزاير، طوال مسيرته، وفيًّا للرياضة، صادقًا صدوقًا، عاشقًا لناديه ووطنه، متواضعًا في سموّ مقامه، ليبقى اسمه لامعًا في ذاكرة القطيف الرياضية والإنسانية معًا.
وفي هذا التوثيق، أتحفنا عبد النبي – بكل ودّ – بحديثٍ مفصل عن تاريخ الرياضة وشجونها، منذ أن كان ناشئًا في ملاعبها؛ حديثٌ يلمس فيه القارئ التأني في إصدار الأحكام، ودقة الوصف، وشمولية التحليل الفني والنفسي والاجتماعي، ليغدو وثيقةً ثمينةً عن نشأة الرياضة في القطيف، كما تحكيه السطور التالية.
[ التوثيق ]
المنتديات الاجتماعية
قبل ظهور الأندية، شملت المنتديات التي يرتادها أفراد المجتمع: المساجد، وأماكن الذكر، والمجالس العائلية، والمجالس العلمية، ومجالس الوجهاء، ومجالس الأحياء، ودكاكين السوق وطرقاتها. بل كان من المعتاد، ولا يزال، تخصيص دار لمجلس في كل حيّ لاستقبال الضيوف والزائرين والسمَر.
في الطرف الشمالي من سكة القطيف التجارية، تكوّنت سوق عُرِفت بـ”سوق الشمال”. كان عامة الناس، وأغلبهم من الشباب، يقصدونها في العصريات بعد رجوعهم من أعمالهم. فكانت هذه السوق، بالإضافة إلى كونها مكانًا للبيع والشراء، محلًا للقاء الناس وتدارس شؤونهم وتعزيز علاقاتهم.
أُقيمت على جوانب السوق مقاهٍ لجلوس الناس فيها، ومشاهدة التلفاز، واحتساء الشاي، ورشف القهوة، وتناول المرطبات الباردة والعصائر. كما كانت فيها دكاكين تبيع أكلات مصنّعة خفيفة، تُعدّ فاخرة في ذلك الوقت، مثل البسكويت والشوكولاتة المستوردة، والتي كانت تستهوي اليافعين لشرائها.
مثّلت هذه السوق مراكز اجتماعية ساهمت في بناء وتطوير المجتمع، وقرّبت الناس، وخاصة الشباب، إلى الأندية التي اتخذت مقراتها قريبًا من السوق.
بداية الرياضة
بدأ عبد النبي لعب كرة القدم في حدود عام 1954م أو قبيلها بقليل، حيث كان اللعب يُقام في الساحات المفتوحة عند ساحل البحر، قرب “التيل”، وهو مبنى اللاسلكي الذي كان يوفّر الاتصال البرقي بين الإدارات الحكومية ومرجعياتها، قبل توفّر الهواتف وما تلاها من وسائل الاتصال الحديثة.
شجعت المدارس التلاميذ على ممارسة الرياضة، خاصة وأنها من ضمن البرنامج التعليمي المقرّر رسميًا، ومُخصّص لها حصص دراسية ثابتة في الجدول، ويتم التدريب في ساحة المدرسة أو الساحات المفتوحة المجاورة، بواسطة مدرسين هاوين، شبه متخصصين.
يُذكر أن أول مدرسة ابتدائية رسمية حكومية بُنيت في عام 1367هـ (1948م) عند برج “التيل” في الزاوية الشمالية الشرقية من القلعة، وهو التاريخ الذي تزامن مع بداية لعب كرة القدم في القطيف.
وإضافةً إلى المدارس التي ساهمت في تشجيع الرياضة، تأسس مركز الخدمة الاجتماعية سنة 1382هـ (1962م)، وكانت من ضمن أنشطته التنموية: الاهتمام بالرياضة والثقافة. فكان حلقة الوصل بين المدارس والأندية، مما خلق تعاونًا بينهما لخدمة الشباب. وقد ساهم المركز في رفد الأندية بخيرة الكوادر التي انتسبت إليها. وكان الاسم المتعارف عليه والمتداول عند الناس لهذا المركز هو “الشؤون”.
وقد بُني مقر مركز الخدمة الاجتماعية، الذي ما زال قائمًا في مكانه، في نفس المنطقة التي بُني فيها أول مستشفى في القطيف، وأول مدرسة ابتدائية في مبانٍ حكومية مستقلة، بغرض تقديم خدماتها المتخصصة، وهما متطلبان أساسيان لبناء مجتمع متحضّر.
وفي نفس المنطقة، كان هناك مبنى للسجن، في الجهة الغربية، بُني على الطراز المعماري العثماني، إضافةً إلى مبنى لخفر السواحل مكوّن من دور واحد، يقع شمال الساحة، ومقابل لمبنى المدرسة.
قبل قيام مبنى المستشفى الجديد، كانت الخدمات الطبية تُقدَّم في غرف ذات سقوف عالية، تقع في الطابق الأرضي من مبنى لمجمّع الدوائر الحكومية، بما في ذلك المالية والجمارك.
وكان يعمل في غرف التطبيب طاقمٌ من الممرضين المحليين، من بينهم جويس وعبد المجيد الزاير. وقد تم تدريب هذا الكادر على ممارسة التمريض بالأساليب الطبية الأولية، بهدف استغلال الطاقات المحلية.
ساحات اللعب
كانت ساحات لعب كرة القدم تُتخذ في منتصف الطريق الذي يقع بين مركز خفر السواحل و”الدرويشية” (مركز إمارة القطيف). وكانت الحمير حينها الوسيلة الرئيسية للمواصلات بين جزيرة تاروت وساحل القطيف، قبل إنشاء جسر تاروت الواصل بينهما.
فإذا عبرت الحمير، يتوقف اللعب ليفسحوا لها الطريق، فإذا مرّت، يُعاود اللعب.
إنه مشهد جميل لصورة بقيت في الذاكرة: رجالٌ يسعون في طلب رزقهم، يمرّون على صبية وشباب يستمتعون بلعب كرة القدم ويتسلّون بها في أوقات فراغهم، فيوقفون اللعب احترامًا للعبور.
كانت الملاعب في ذلك الوقت صغيرة، لكنها — مع ذلك — مُقنعة وتفي بالغرض. ولم يكن في الملاعب حينها شبكات أو عوارض، فكان يُكتفى بوضع حجارة على الأرض لتحديد أبعاد مرمى الكرة.
تشكيل الفرق الرياضية
أسفرت البدايات عن تشكيل فرق رياضية متعددة بسيطة، تتكوّن من مجموعات شبابية وبراعم يافعة، وخلال مدة وجيزة، تحوّلت هذه الفرق فيما بعد إلى أندية رسمية، ضمن منظومة تضم أندية رياضية على مستوى الوطن. ومن بين هذه الأندية: نادي النور (الرياضي الثقافي الاجتماعي)، أول نادٍ رسمي في القطيف.
انضم عبد النبي إلى أشبال نادي النور، وكان من رفاقه في ذلك الوقت: منصور عبد الله أبو السعود، وخالد عبد الله الغانم، وعبد الرحمن القصاب (عبد الشهيد “شمروخ”)، وعلي باقي أبو السعود.
اللاعبون القدامى
عندما كان عبد النبي يلعب في فئة الأشبال، كان فريق كرة القدم للكبار في نادي النور يضم لاعبين مثل: زرنكي، ورجب خميس، وعبد الله خميس، وعبد الله الخنيزي (العظم)، وصالح الغانم، وحسن الغانم.
كان هؤلاء الباكورة التي تمحور حولها فريق كرة القدم بنادي النور في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن العشرين المنصرم، ومنهم جاء تشجيع الشباب، جيلًا بعد جيل، للالتحاق بالنادي.
وقد جاءت هذه البدايات عفوية، نتيجة الرغبة في – وربما الحاجة إلى – التقارب والتآلف، وخلق أجواء اجتماعية تتناغم مع روح العصر الذي بدأ يتغير عن سابقه؛ فصنعت تجربة نموذجية يُحتذى بها لدعم وخدمة وتنمية وضمان استمرارية الأندية الرسمية وتألقها.
تنظيم المباريات
كانت مباريات كرة القدم تُنظّم وتُقام في مناطق مختلفة من القطيف، مع الفرق المحلية في: العوامية، وسيهات، وصفوى، وأيضًا تاروت.
لكن اللعب في تاروت كان أقلّ وتيرة، بحكم الفاصل البحري، وعدم سهولة المواصلات، حيث كانت الجزيرة مفصولة عن القطيف إلى أن تم بناء الجسر الواصل بينهما في الستينيات من القرن الماضي.
بعد ذلك، أصبحت المباريات تُقام على ملعب عبد الله يعقوب في الخبر، فكانت الجماهير تذهب إليه لتشجيع فريقها، رغم مشقة المواصلات في ذلك الوقت.
تأثير الأندية الرسمية
مع مرور الأيام، أصبحت الأندية الرسمية جزءًا أساسيًا في رفد الثقافة المجتمعية، وأسهمت في ترسيخ القيم الجماعية لدى الشباب. وقد ترتب على ذلك تعلّق الناشئة بالأنشطة الرياضية، وسعيهم الحثيث نحو تحقيق مراكز متقدمة تليق بمكانة القطيف كمكوّن اجتماعي متميّز، يتمتع بقدرة فريدة على التفاعل مع المجتمعات الأخرى في البلاد، التي باتت أكثر تقاربًا في الجوانب الرياضية والثقافية والاجتماعية.
كما كان لاحتضان الناشئة بروح ودّية من اللاعبين الأكبر سنًا دور فاعل في تأسيس فرق الأشبال والناشئين. ولا يُغفل في هذا السياق أثر التعصّب الجماهيري للنادي، والدعم المتواصل بروح الحبّ والإخلاص، والتشجيع المتفاني، والوقوف الدائم معه في كل الظروف لمواجهة التحديات.
ويُحسب أيضًا للفنيات والمهارات التي قدّمها اللاعبون الأجانب، مثل زرنكي ورجب خميس، دور مهمّ في استقطاب الناشئة للعب كرة القدم، وجذب الجماهير للتشجيع والانضمام إلى النادي. فقد كان لسحر الكرة وجاذبية لاعبيها وقع خاص، وكان يُنشد لهما الأهزوجة:
“النور يا ولفي عجب، ما فيه إلا زرنكي ورجب”.
وفي مجال التدريب، كان رجب وزرنكي يتولّيان تدريب الأشبال – مثل عبد النبي وشمروخ – على أصول وفنون لعبة كرة القدم.
وتوجد صورة نادرة تجمع أبناء الملك سعود – عبد الرحمن وإخوته – ويظهر في الخلف واقفًا خلفهم اللاعب رجب، وتُعد هذه من أقدم الصور المرتبطة بتاريخ نادي النور.
النور وبورسعيد
في بدايات المشوار الرياضي في القطيف، برز فريقان مشهوران في كرة القدم، هما: النور وبورسعيد.
وقبل ذلك، كان هناك فريق الفتح في الظهران، وهو من فرق “الليك” التي كانت تُشرف على تنظيمها شركة أرامكو، وكان يلعب فيه موظفوها من أبناء القطيف.
ومن الذين لعبوا كرة القدم في تلك البدايات، كما يظهر في الصورة التالية من اليمين وقوفًا:
1. مهدي الكاكا. 2. مهدي المحروس. 3. سعيد المحسن. 4. موسى الشيخ الحسان
5. جعفر الشماسي. 6. محسن عيسى سلاط. 7. السيد جعفر الخباز. 8. منصور عيسى سلاط
9. منصور عبد الحسين الخنيزي 10. حميد مكي المدن. 11. السيد أحمد الحواج (أبو أمين).

ومن بين اللاعبين القدامى من مختلف الفرق والدرجات:
رجب عبد الله، رجب خميس (ممن استمروا فترة طويلة مع نادي البدر)، عبد الحسين المصطفى، ميرزا سليم، عبد الرؤوف البيش، عبد الرزاق البيش، هاشم المرهون، عباس أبو شيشة (عمل مع شركة المحروس)، سعيد الغمغام (أبو الفتوح – حارس مرمى)، عبد الهادي المهدي (الرواي)، حسن العنكي، عبد الرؤوف المرزوق، عبد الرحمن القصاب (شمروخ)، السيد محمد العوامي (أبو لطفي)، عبد الغني الجشي، عبد الغفور الجشي، عبد الرؤوف العبد الجبار، حسن المحاسنة، عبد الله يعقوب (الصاروخ).
كما برز لاعب من العوامية يُعرف أيضًا بلقب “الصاروخ”، وكان يُعدّ من أفضل اللاعبين في المنطقة الشرقية؛ إذ تميّز بسرعته ومهاراته العالية في المراوغة.
ومن اللاعبين الآخرين: حسن حماد، حسن فاضل، حسن المرهون، حسين الشواف، عبد الرسول منصور الزاير، سعيد سلمان، عبد الله الوزان (الكبير)، وسلمان التوبي.
أما اللاعبون القادمون من خارج المنطقة، فكان من بينهم: مسلّط، عبده الهواشم، رجب خميس، يوسف ديمو، وعبد الله شعيران.
وقد جاء العديد من هؤلاء إلى القطيف بحثًا عن المعيشة، لما كانت تنعم به من خير وفير في ذلك الوقت. وكانت أندية كبرى مثل النصر والهلال تزور القطيف لاختيار اللاعبين المتميّزين لضمهِم إلى صفوفها، وكان من أبرز من يأتي لهذا الغرض عبد الرحمن بن سعيد. وكان أغلب هؤلاء اللاعبين من دول مثل مالي، وتشاد، والسودان.
وقد احتفظ هؤلاء اللاعبون بودّهم للقطيف وذكرياتهم الطيبة مع أهلها طوال حياتهم، وكانوا يستقبلون من يزورهم منهم بأفضل ترحاب. ويذكر الأستاذ عبد العزيز عبد الكريم المصطفى لقاءً عرضيًا جمعه بكل من رجب خميس وزرنكي في مجلس الأمير هذلول بالرياض، حيث استعادوا معهم ذكريات الأيام الجميلة في القطيف.
وفي تلك الفترة، كان رئيس نادي النور هو منصور إخوان، وسكرتير النادي شقيقه علي إخوان، الذي كان يُعتبر فعليًا رجل إدارة النادي الأول.
بورسعيد والتآلف
تأسس فريق بورسعيد قبل نادي التآلف، الذي نشأ لاحقًا نتيجة انقسام داخل نادي النور، إثر اختلاف في التوجهات والآراء بين بعض الشباب.
وقد ضمّت المجموعة المنفصلة إليهم لاعبي بورسعيد، الذين كانوا يتمتعون بمهارات متميّزة، فكوّنوا فريقًا جديدًا أطلقوا عليه اسم “نادي التآلف”، تعبيرًا عن رغبتهم في الوحدة والانسجام، ليكون ندًّا منافسًا قويًا لنادي النور.
وفي خضمّ هذا التنافس، كانت الجماهير تردد أهازيج شعبية تعبّر عن الروح الرياضية الحماسية، منها:
“عاش التآلف وبورسعيد، والنور مقيّد بحديد”،
فيما كان الردّ من جماهير النور:
“طارت شرارة من النور، وتفلقع التآلف!”
البدر والخط
خلال زيارة الأمير الراحل فيصل بن فهد، رئيس رعاية الشباب آنذاك، صدر توجيه بدمج نادي البدر مع نادي الخط في كيان واحد. وبعد المفاضلة بين التسميات، تم اختيار اسم “البدر” لما يحمله من رمزية دينية مستوحاة من معركة بدر الكبرى. كان نادي الخط يقع في حي ميّاس، فتم نقل محتوياته إلى مقر نادي البدر.

وسبق هذا الاندماج، أيضًا، انضمام نادي الشباب إلى نادي النور، الذي احتفظ باسمه وهويته. وبموجب هذا التغيير، انتقل اللاعب علي القفاص (مدافع نادي البدر) من نادي الخط إلى التشكيلة الجديدة لنادي البدر.
أما نادي الشاطئ، فقد بقي مستقلًا، نظرًا لقوّته في كرة القدم، حيث كان يحقق الفوز في معظم مبارياته، ويُعدّ مرشحًا دائمًا للدرجة الأولى على مستوى المملكة، وهي أعلى درجات المنافسة في كرة القدم في ذلك الوقت. وقد كانت كرة القدم، شأنها شأن أي سلعة، يرتبط ازدهارها بجودة أدائها، وتطوّر فرقها، وقوة منافساتها.
تمويل الأنشطة
في بدايات نشأة الحركة الرياضية، كان المنتسب للنادي – وعلى وجه الخصوص اللاعب – يدفع اشتراكًا سنويًا ليتمكن من اللعب مع الفريق، والاستفادة من الخدمات الأخرى التي توفرها مرافقه، مثل: ارتياد المكتبة الثقافية، ولعب كرة التنس والبليارد، ومشاهدة التلفاز – الذي لم يكن متوفرًا في البيوت آنذاك – أو الجلوس في بهو النادي مع الآخرين وهو يشعر بأنه واحد منهم.
كما كان الدعم المادي يأتي من الأفراد المستطيعين، كلٌّ حسب سعته وسخائه وقوة التزامه بمسيرة الرياضة وحبّه لناديه الذي ينتمي إليه ويشجّعه. وكان بعضهم يصرف نصف راتبه، وأحيانًا كل راتبه، دعمًا للنادي. ومن شدّة شغف الناشئة باللعب مع النادي، كانوا يدفعون اشتراكًا للانضمام إلى الفريق، ويتحمّلون بأنفسهم مصاريف التنقّل إلى الملاعب التي تُقام فيها المباريات.
كان كل من زرنكي ورجب، ومعهم آخرون، يقيمون في القطيف تحت رعاية عبد الباقي أبو السعود (أبو علي)، المعروف بلقب باقي بدو، الذي كان يتولى شؤونهم ويشرف على رعايتهم، ويُعتبر بحق أول من دعم الاحتراف في القطيف.
وأكد عبد النبي قائلًا: “أبو علي هذا المفروض يضعوه أهل القطيف، وخاصة الرياضيين، فوق الرأس، لأنه هو اللي شال الفريق والرياضة كلها في القطيف”.
فهو الذي قدم الدعم المادي غير المحدود للنادي، وأعطى كل ما في وسعه من غالٍ ونفيس دون أن يضع لذلك حدودًا. وفيما يخص نادي النور، فقد كانت مصاريف اللاعبين الأجانب – من نوم وأكل وشرب – على حسابه، بداية في دارهم بالقلعة، ثم استأجر لهم سكنًا في “عمارة الدهن” بحي الشريعة، حيث منحهم مساحة من الحرية كشباب غير مقيدين بضوابط بيت العائلة، مما أتاح لهم تأثيرًا أوسع على من خالطهم.
في تلك الأيام، كان اللاعبون والمشجعون يتحملون جزءًا كبيرًا من المصروفات التشغيلية للنادي، مثل استئجار المباني، وتنقلات اللاعبين إلى مواقع التدريب والمباريات، وتوفير الملابس الرياضية (كالأحذية والقمصان والترينكسوتات والشورتات). وبالرغم من وجود رعاية للاعبين المتميزين، من حيث الاهتمام بصحتهم ونفسياتهم ولياقتهم، إلا أن شعور المنتسبين بالمسؤولية تجاه ناديهم كان أقوى من أي دعم خارجي.
كان الجميع يساهم من موقعه: من يستضيف اللاعبين في بيته، ومن يغسل ملابسهم الرياضية، ومن يحرص على نظافة النادي، ومن يلمع كؤوس الفوز، ومن يحمي الناشئة من تنمّر بعض الكبار. لقد كان الانتماء للنادي بمثابة الانتماء للعائلة، وكان كل فرد يشعر حقًا بأنه بين أهله، وهو ما ولّد شعورًا عميقًا بالمسؤولية والرغبة في خدمة النادي بكل حب.
ويستذكر عبد النبي: كانت مستويات فرق كرة القدم تُصنف حسب العمر والمهارة والقدرة المالية (دفع الاشتراكات) إلى أربع فئات، يُشار إليها بالأحرف اللاتينية: A، B، C، D. وكان اللاعب الراغب في الترقّي إلى فئة أعلى، مطالبًا قبل كل شيء بالالتزام بدفع اشتراكه بانتظام.
التفاني
قوة المشاعر تحفّز الأفراد على السعي لإبراز قيم المجتمع وواقعه الثقافي وسماته الحضارية بطرق تُرضي الطموح المتوقد، فتعمل بروح التكافل التي تمنح الأفراد شعورًا بتفوق مكانتهم الفردية المستمدّة من قوة الجماعة. ومن الطبيعي أن يُحفّز هذا التاريخ المشرق للبدايات هواة الرياضة ومحبي الأندية على الاستمرار في المحافظة عليها والنهوض بها.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، بذل محبّو النادي ومنتسبوه ما بوسعهم، وقدموا الغالي والنفيس من أجل إعلاء شأن ناديهم ورفع مقامه، ليحقق المكانة اللائقة به بين الأندية الأخرى.
فقد قاموا بجهودٍ فاقت طاقتهم العادية وإمكاناتهم المتاحة، وتفانوا فيما يقدمونه إلى حدّ الإرهاق، وهم يستشعرون الراحة والمتعة، وذلك بفضل وعيهم الراسخ بأن لا قوة للفرد إذا لم تكن له حاضنة اجتماعية قوية. فـ”يدُ الله مع الجماعة”، وتأبى العِصِيُّ إذا اجتمعنَ تكسُّرًا، وإذا افترقنَ تكسَّرتْ آحادًا.
لذلك، اجتهد منتسبو النادي – كلٌّ حسب قدرته وسعته – في إنشاء المرافق الضرورية، بما تيسّر لهم، ليتمكنوا من ممارسة هواياتهم الرياضية والثقافية والاجتماعية، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتنمية قدراتهم في المنافسات الكروية على مستوى البلاد.
كما ساهموا في تطوير أنواع الفنون المختلفة، وتأسيس مكتبة ثقافية في النادي، وتكوين فرق فنية ومسرحية ساهمت في إبراز المواهب والمهارات والطاقات الشبابية.
إن المجتمع الواعي يحثّ جميع أفراده على التقارب والمشاركة، ويشعرهم بالترحيب في وسطه، لإيجاد بيئة متعاونة، بغض النظر عن أعراقهم وعقائدهم وأعمارهم، وتفاوت قدراتهم ومستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية. وقد مثّل نادي النور (لاحقًا نادي البدر) هذا التوجّه الحضاري، مما أكسبه شعبية واسعة.

وبمقارنة حالة التقارب والتكامل المجتمعي في الماضي، بالنزعة الفردية التي سادت مؤخرًا، يمكننا أن ندرك مدى التغيّرات التي طرأت على نسيج المجتمع وسلوكه؛ إذ بدأت النزعة الفردية تظهر بوضوح، نتيجة نمط الحياة العصرية، والاعتماد على وسائل الترفيه والتقنية لتلبية الاحتياجات الشخصية. وهذا ما يحدث في معظم المجتمعات نتيجة للعولمة.
عقبات في الطريق
لم تخلُ مسيرة الأندية الرياضية من العقبات، وكان من أبرزها ضعف خبرة بعض مسؤولي الأندية في الإدارة الحديثة ومفاهيمها، خصوصًا فيما يتعلق بالجوانب النفسية والاجتماعية المرتبطة بالرياضة والعمل الثقافي.
يُضاف إلى ذلك نظرة الشك التي كانت سائدة لدى بعض شرائح المجتمع، وخصوصًا الجيل المحافظ، تجاه ماهية الأندية وأهدافها. وصلت هذه الشكوك في بعض الأحيان إلى مستوى سوء الظن، أو على الأقل الغموض حول الفائدة المرجوّة منها، خاصة حينما تظهر إخفاقات تعيق انسجام هذه الأندية مع المجتمع الذي نشأت فيه. وقد ولّد هذا التباعد تخوّفًا عامًا من الانخراط فيها، مما أدى إلى قطع حبل الوصل بينها وبين الناس، فأضعف النادي من جهة، وحرَم المجتمع من الاستفادة من خدماته ككيان ثقافي ورياضي واجتماعي من جهة أخرى.

لم يكن هناك رابط متين ومستمر يمكن الاعتماد عليه لبناء علاقة طويلة الأمد بين النادي والمجتمع المحيط به. وربما كان هناك أسباب وجيهة وراء هذا التباعد، منها: وجود لاعبين من خارج المنطقة يحملون سلوكيات أو ثقافات لا تتماشى مع البيئة المحافظة، إضافة إلى أن بعض القيادات تبنّت أساليب حادة وسريعة في التغيير، ما سبّب ارتباكًا وقلقًا عند الأهالي، وخصوصًا حين أصبحت الأندية مراكز تأثير فعّالة في حياة الناشئة، وربما بدت منافسة للمراكز الاجتماعية التقليدية.
إن تقبّل الناس للمتغيرات الثقافية لا يأتي دفعة واحدة، بل يرتبط بمدى وعيهم، وعمق إدراكهم، وسعة معرفتهم، ومرونتهم في التفاعل مع الجديد، وهو ما يتطلب وقتًا واستيعابًا وتدرجًا، لا فرضًا مفاجئًا.
فالنادي، في حقيقته، كيان اجتماعي يُمثّل مرآة للمجتمع، ولوحة فنية حيّة تعكس تنوّع أفراده وتوجّهاتهم وقيمهم. ومن خلال متابعة أطياف المشاركين فيه وفهم أدوارهم، يمكن قراءة التحولات التي طرأت على المجتمع شيئًا فشيئًا، من حياة بسيطة هادئة إلى أخرى أكثر حيوية وحداثة، وإن كانت لا تخلو من صخب.
هذه التحوّلات، وإن بدت بطيئة أو غير ملحوظة في وقتها، إلا أن أثرها أصبح واضحًا مع مرور الزمن، إذ بدّلت الصورة التقليدية للمجتمع، وولّدت مفاهيم وقناعات جديدة، كجزء من سُنن الحياة وتطورها الطبيعي.
وهكذا، فرضت الأندية نفسها كمنتديات مجتمعية جديدة بنمط حديث، يختلف عن ما اعتاده الناس، لكنها مع ذلك جاءت كضرورة طبيعية لمواكبة التغيّرات التي طرأت على حياة المجتمع.
المجتمع الحديث
مع النهضة العلمية والثقافية التي صاحبت تطوّر المجتمع، ظهرت عوامل إيجابية ساهمت في تجاوز النظرة الشكّيّة تجاه الأندية، وساعدت في جذب الشباب للانضمام إليها.
ومن أبرز هذه العوامل: المدرسة، والعمل الوظيفي الذي انتشر مع صعود اقتصاد النفط، حيث وفّرت الوظيفة أوقات فراغ منظّمة يمكن استغلالها في الأنشطة الرياضية والثقافية، بعكس الأعمال الحرة التي كانت تستهلك وقتًا وجهدًا أكبر، ولا تتيح هامشًا كافيًا للترفيه الممنهج.
في السابق، ربما لم تكن الأجيال بحاجة للتفكير في مفاهيم “الرفاهية” كما نعرفها اليوم، فقد كانت حياتهم بسيطة، مليئة بالحركة، ولم يكونوا يبحثون عن بدائل للراحة أو التسلية.
لكن كرة القدم، بجاذبيتها الخاصة، استطاعت أن تلامس القلوب، خاصة حينما كان يمارسها لاعبون يمتلكون مهارات عالية، تجعل من متابعتها متعةً نفسية، ومن ممارستها رياضة بدنية تعوّض ما فقدته الأجساد من نشاط بدني كانت توفره أعمال البحر والزراعة والحرف، والتي استُبدلت تدريجيًا بوظائف، في اغلبها، مكتبية مريحة.
النشاط الفني والمسرحي
ومن الأنشطة المهمة التي تبنّاها نادي البدر: التمثيل المسرحي.
وهذا الفن ليس بجديد على القطيف، إذ كان يُمارس تمثيل بعض الأحداث التاريخية بهدف تجسيدها وتقريبها إلى المشاهدين بطريقة ممتعة، يُسهم فيها التأثير البصري، فتخفف من رتابة الخطاب الصوتي وقراءة الأسفار.

كما عُرف في المجتمع من يمتلك موهبة تقليد الأصوات والحركات بهدف إضحاك الآخرين، وإيصال رسائل إرشادية وثقافية ممزوجة بالطرافة والمزاح الهادئ الهادف. ومن هؤلاء المرحوم سعود المسعود، الذي قال فيه العلّامة الشيخ عبد الحميد الخطي:
“لو قُدّر أن تكون هناك حركة مسرحية أو سينمائية في القطيف، لكان سعود المسعود هو رائدها”.
ويُستشف من كلام الشيخ الخطي أن القطيف آنذاك كانت بحاجة فعلية إلى مسرح.
وقد تحقق ذلك جزئيًا، حين تمكّن نادي البدر من إنشاء منصة مسرحية تطل على ساحة ملاعب كرة السلة والطائرة المجاورة لمبنى النادي، وأقيمت على هذه المنصة عدة عروض مسرحية، تناولت قضايا اجتماعية ومجتمعية آنية.
من بين هذه الأعمال: تمثيلية عن القضية الفلسطينية شارك فيها عدد من كوادر النادي، وحضرها جمهور غفير. كما نُظمت عروض مسرحية فكاهية لاقت استحسان الحضور.
ومن الأسماء التي شاركت في النشاط المسرحي:
عبد الرؤوف المرزوق، حسين الشواف، علوي السيد باقر الخباز، عبد الإله الحداد، مهدي عاشور (النجار)، ميرزا القطري، حميد مكي السنان، عبد النبي الزاير، حسين السنان، وشاه الغانم.
كما ساهم الأستاذ أديب (وهو فلسطيني) في أحد العروض، ووردت خلال العرض أرجوزة طريفة تقول:
“صالونة والعيش مالح،
الحقنا أستاذ أديب”.
و”الصالونة والعيش” من الأطباق الشعبية في المائدة القطيفية، حيث تشير “الصالونة” إلى مرق الخضار باللحم أو الدجاج، و”العيش” إلى الأرز. وقد حملت الأرجوزة في طياتها رسالة ظريفة موجهة للأستاذ أديب، مفادها: لا ترفع سقف الطلبات، فالإمكانيات محدودة ولا تستطيع تلبية كل ما يُؤمل.
كما أقيمت تمثيلية مشتركة بين نادي البدر ونادي الشاطئ على مسرح نادي البدر، رغبة في تعزيز التقارب الاجتماعي بين الفريقين المتنافسين.
ومن أبرز الذكريات الفنية على مسرح نادي البدر: عرض تمثيلي للفنان والممثل ومقلّد الأصوات السعودي الموهوب عبد العزيز الهزّاع، الذي حضره جمهور غفير من مختلف الفئات، ولاقت استحسانهم الواسع، وذاع صيتها في أنحاء المنطقة الشرقية. وقد اشتهر الهزاع بقدرته على تقليد نحو 15 صوتًا مختلفًا في آنٍ واحد، ومن أشهر أعماله: مسلسل “أم حديجان” وتمثيلية “بدوي في الطائرة”.
من طرائف الذكريات
ذكريات كثيرة يستحضرها الحديث حين يُسترجع التاريخ في تسامر من حضروا مجرياته. ومن تلك الذكريات الجميلة واللطيفة، أن نادي النور ذهب للعب مباراة في البحرين، وذلك في حدود منتصف الخمسينيات، نحو العام 1955م. وقد تمّ ترتيب ذهاب اللاعبين والإداريين والمشجعين عن طريق القوارب أو “اللنجات” التي كانت تصل بين ميناء القطيف وميناء المنامة في ذلك الحين.
في اليوم الثاني من الوصول، خاض نادي النور مباراة مع أحد الفرق البحرينية، وانتهت بهزيمة قاسية، ربما بلغت نتيجتها (11) هدفًا، رغم إمكانيات ومهارات لاعبي النور. لم تكن النتيجة مرضية، ولا الأداء مقبولًا، وكان سبب الهزيمة – كما يقول من عاصرها – الإعياء الناتج عن السفر والسهر، والانشغال بأجواء البحرين الترفيهية المنفتحة، والتي كانت حينها مختلفة كثيرًا عما كان عليه الحال في القطيف. لقد أبهرت اللاعبين وانهمكوا في الاستمتاع بها، ما أثّر على لياقتهم البدنية والتركيز الذهني.
أدرك الجميع – من الطرفين – أن النتيجة لا تعكس المستوى الحقيقي لفريق النور، ولا تُنصف فنيّاته التي جاء من أجلها إلى البحرين. فتمت إعادة المباراة في اليوم التالي، وحقق فيها النور فوزًا مرضيًا، وقدم أداءً ممتعًا نال إعجاب الجماهير.
وقد أذيع خبر فوز النور على الفريق البحريني عبر الإذاعة الرسمية، حيث كانت نتائج المباريات تُبث عبر الراديو في تلك الأيام، وكان ذلك بحد ذاته سببًا للفخر والفرح.
ويُروى أن بعض اللاعبين تمّ وضعهم في “جرار” كبيرة حين ركبوا القارب، ربما بسبب تهيبهم من ركوب البحر! وعند العودة من البحرين، جلب المسافرون معهم هدايا، كان من ضمنها لعبة سيارة جلبها المرحوم عبد الله بن جعفر للطفل عبد النبي، فكانت فرحته بها كبيرة، إذ إن مثل هذه الألعاب لم تكن متوفرة في القطيف آنذاك. وكان من عادة أهالي القطيف أن يجلبوا معهم عند العودة من السفر هدايا للكبار والصغار، تُسمى “صُوغة”. وكما يُقال: “تهادوا تحابّوا”.
من بين اللاعبين الذين شاركوا في هذه الرحلة إلى البحرين كان اللاعبان زرنكي ورجب، وهما من أبرز لاعبي كرة القدم في ذلك الوقت. وكانا، إلى جانب لعبهم في نادي النور بالقطيف، يلعبان أيضًا مع فريق النصر وفريق الرياض في مدينة الرياض.
ومن الذكريات المميزة فوز نادي النور على نادي التآلف في مباراة تنافسية حاسمة، حصل فيها على كأس الفوز، وظل محتفظًا به طويلًا. هذا الكأس بالذات، كان له مكانة خاصة في نفوس جميع منتسبي النور، إذ كان يمثل لحظة انتصار تاريخية على غريمهم التقليدي. وعندما تعرّض نادي البدر (لاحقًا التآلف) لحريق، هبّ الناس لإخماده وإنقاذ مقتنياته الثمينة، فنادى منادٍ: “كل شيء يروح إلا هذا الكأس!”، في إشارة صريحة إلى مدى رمزية هذه المواجهة وتأصّل روح التنافس بين الناديين.
رغم شراسة المنافسة بين ناديي النور والتآلف (الذي كان يُعرف بالنسور)، لم تخلُ من طرفة وفكاهة، مما أضفى عليها طابعًا اجتماعيًا حلو المذاق، وطاقة وجدانية يصعب نسيانها.
والحق أن الرغبة الطبيعية لدى الجميع في إظهار التفوق ونيل المكاسب لم تكن تعني أبدًا القطيعة أو العداء، بل كان هناك دومًا تقدير واحترام متبادل بين الناديين، لما يمثلانه من رمزية اجتماعية، تعبّر عن فسيفساء المجتمع المحلي بكل ألوانه وأطيافه، التي ترسم معًا لوحة فنية واحدة.
وفي تلك المباراة التي حضرها أمير القطيف آنذاك، وقف نادي النهضة إلى جانب نادي النور، دعمًا ومساندة. وضم فريق النور آنذاك كوكبة من اللاعبين المميزين، منهم: عبد الله الرويس، علي باقي، حميد البيش، عبد الهادي الرواي، وعمر أبو السعود، الذي كان محظوظًا في تسجيل الأهداف.
ومن الطرائف التي يُذكرها عبد النبي: أن أحد لاعبي الأشبال طالب بالترقية للعب ضمن الفريق الأعلى درجة، معتبرًا نفسه مؤهّلًا لذلك. إلا أن المسؤول عن فرق الناشئة هدده بالطرد إن أعاد المطالبة مرة أخرى، قائلاً له بحزم: “عليك أن تدفع اشتراكك أولًا، قبل أن تتكلم!”
ومن ذكريات سوق شمال، يبرز “دكان أبو الدرج”، أحد دكاكين البلدية، وكان بجواره دكان المرحوم مهدي الخنيزي (أبو مجيد)، ودكان المرحوم السيد باقر الخباز (أبو علوي). وسُمّي “دكان أبو الدرج” لأنه كان مرتفعًا عن مستوى الشارع، وكان صاحبه المرحوم الحاج أبو شاكر (أبو ذيب) يهتم برغبات الأطفال، ويوفر لهم الحلويات المحببة، وعلى رأسها بسكويت “أبو كيفك”، الذي كان يستورده من لبنان المرحوم حسن الجشي (أبو شوقي).
وكان الجشي يملك سيارة فارهة من نوع “كاديلاك”، تثير فضول الناس، وتشد أنظارهم للتمعّن فيها، وذلك لندرة السيارات آنذاك من جهة، ولفخامتها اللافتة من جهة أخرى. وربما كانت هذه الكاديلاك أول سيارة فخمة في القطيف.
وكان الأولاد الصغار يتجمعون عصرًا أمام الدكان، لشراء وأكل ذلك البسكويت اللذيذ، ويستمتعون بمذاقه المختلف عن خبز التنور وكماج البقصم، فكان المكان ملتقى للفرح.
كان هذا توثيقا مهما لتاريخ الرياضة بالمنطقة تفضل به الإداري واللاعب عبد النبي الزاير قبل رحيله بسنتين ، هذا الرجل الذي قدم الكثير للرياضة في القطيف ، كان يتمتع بمزايا وخصال جعلته محبوبا عند عائلته وعند أبناء مجتمعه ، والنبل والعطاء من شيمه ويستحق بجدارة هذاا اللقب (الرياضي النبيل) رحمه الله بواسع رحمته ورحم الله من يقرأ لروحه الفاتحة….

علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية