ليوناردو دا فينشي …. أسطورة الغرب – حسن المرهون

عندما يذكر ليوناردو دا فينشي يتبادر الى الذهن الفن الراقي واللوحات الرائعة الغالية الثمن، لكن في الحقيقة أن ليوناردو دا فينشي ليس فنانا فحسب بل هو أسطورة يتغنى بها الغرب وأنه شخصية تمثل الذكاء الإنساني في ألمع صوره. فقد جمع هذا الرجل إمكانيات هائلة في المجال الفني والمعماري والعلمي والهندسة والطيران وعلم الأحياء والميكانيكا وغيرها لدرجة الإعجاز إن صح كل ما قيل عنه. فمن هو ليوناردو دا فينشي ؟

ولد ليوناردو عام 1452 ميلادية في قرية صغيرة تدعى أنشيانو على بعد ثلاث كيلومترات من مدينة فينشي بمنطقة توسكاني الإيطالية والتي ينسب اليها ليوناردو. وهو ولد غير شرعي إذ أن أمه كاترينا كانت خادمة تعمل في بيت السيد بييرو دا انتونيو دا فينشي وهو محامي وكاتب عدل. وهو وحيد أمه وأخ لــ 17 ولد من أبيه. ولا شك أن جمال هذه القرية ساهم في صقل ذكاء وخيال وإبداع ليوناردو الصغير ليكون واحد من أشهر عباقرة العالم.

أجبر ليوناردو دا فينشي الطالب على ترك المدرسة لأنه ليس من الشرفاء وعمره 15 سنة فأرسله أبوه الى مدينة فلورنسا ليعمل في ورشة للرسم يملكها الفنان الإيطالي أندريا دِل فِـرّوكيو كمتدرب. فتعلم الرسم والنحت وقبل في نقابة الرسامين في فلورنسا وعمره 20 سنة. وانتقل الى مدينة ميلانو وفينيسيا ثم عاد الى فلورنسا وعمل كمهندس معماري عسكري، وقبل وفاته بثلاث سنين دعاه ملك فرنسا ليعمل عنده ومات في فرنسا عام 1519 ميلادية عن عمر ناهز 67 سنة. ليوناردو لم يتزوج طيلة حياته ومن خلال بعض سلوكياته ورسوماته أتهم بأنه إنسان شاذ لكن لم يثبت عليه ذلك قانونيا. أشهر رسوماته هي موناليزا والعشاء الأخير وعذراء الصخور والرجل الفيتروفي. لم يكن ليوناردو الفنان الوحيد في عصره لكنه كان من أفضلهم بلا منازع فقد عاصرالفنان الشهير ساندرو بوتيلي والفنان أندريه مانتجنا وماساكيو وغيرهم ، لكن ما كان يميز ليوناردو عن أقرانه الفنانين أنه ترك أكثر من 4000 ورقة مخطوطة مليئة بالغرائب والأسرار ، على اثرها أطلق عليه لقب سيد النهضة الأوروبية. وتحتوي هذه المخطوطات على الكثير من الدراسات حول الإنسان والحيوانات والرسومات الغريبة وبجانبها تعليقات تتضمن مختصرات غريبة ومفردات بأحرف غير مألوفة. ويقال أنه يكتب بهذه الطريقة خوفا من السلطة الدينية آنذاك والتي كانت لا ترحم من يخالفها ويقال أحيانا أنه يخفي أسرارا عجيبة ورسائل خاصة بين طيات لوحاته ورسوماته قد أعدها لأناس معينين في المستقبل، ويذهب الهوس عند الغرب أن ليوناردو رجل له إتصال بعوالم أخرى وأن له علاقة مع كائنات من كواكب أخرى وأنه سافر معهم في طبق طائر وتم تزويده بكثير من العلوم التي إنعكست في لوحاته الفنية أو في المخطوطات التي تركها، كرسوماته لألات تشبه طائرة الهيلوكبتر والدراجة العادية وبعض الأسلحة العسكرية ومضخات الماء والساعات المائية وغيرها. وقد قالوا فيه من العجائب ما لم يقال لا في نبي مرسل ولا ملك مقرب.

بعض أقوال الغربيين في ليوناردو دا فينشي:

النحات والكاتب الإيطالي بنفينتو سيليني المتوفي عام 1571م: لايوجد رجل قد تعلم فن النحت والرسم والهندسة على الإطلاق مثل ليوناردو ومع هذا فهو فيلسوفا عظيما.

الفنان والمهندس الإيطالي جورجو فازادي المتوفي عام 1574م : هدايا السماء تمطر بالجملة على بعض البشر بشكل رائع وليوناردو دا فينشي لديه موهبة نادرة تؤهله لإتقان كل ما يلفت إنتباهه.

الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي هيبوليت تين المتوفي عام 1893م :ربما لا يوجد مثال في أي مكان في العالم كليوناردو دا فينشي ملهم عالمي يمتلك روح الإبداع.

الكاتب والناقد الأدبي الروسي ديمتري ميرزوفيسكي المتوفي عام 1941م: هو ذاك الرجل الذي إستيقظ مبكرا في الظلام في الوقت الذي كان فيه الأخرون نائمون.

الرسام الإمريكي آندي وارهول المتوفي عام 1987م : لا يوجد هذه الأيام فنان يمكن مقارنته بهذه العبقرية.

وكلما تعاقب الزمن زاد المديح والإعجاب حتى وصفه المتأخرين بالتالي:

أول عقل متطور في التاريخ الحديث – رجل النهضة – توراة النهضة الأوروبية – رجل جميع المراحل والأزمنة – المهندس الهدية.

إنجازات ليوناردو دا فينشي:

  1. الروائع الفنية:

ليوناردو دا فينشي رسام ونحات فقد صمم وعمل تمثال لحصان ضخم من النحاس. ويعتبر ليوناردو أول من رسم بالزيت بدل خلط البيض والخل والحبر المتعارف عليه آنذاك وكان يمتلك دقة عالية في رسم التفاصيل حتى قيل عنه أنه يرسم من العظام. رسم ليوناردو العديد من اللوحات الفنية لكن أشهرها:

  • العشاء الأخير: تعتبر واحدة من أفضل لوحات الفن المسيحي وتبين آخر عشاء تناوله المسيح مع أوصيائه الإثني عشر والذي أخبرهم بأن واحدا منهم سيخونه واللوحة تبين ردة فعل كل وصي على سماعه الخبر من المسيح. توجد اللوحة في مدينة ميلانو الإيطالية وهي لوحة كبيرة إذ يبلغ طولها 880 سم وعرضها 460 سم. والجدل القائم على هذه اللوحة هو: هل أن الوصي الجالس يسار المسيح هو جون أم ميري ماجدلين؟
  • موناليزا: وتسمى في ايطاليا لاجيوكوندا وتعتبر أفضل الأعمال الفنية حتى الآن واشهرها على الإطلاق. عرضها 53 سم وطولها 77 سم موجودة في متحف اللوفر بفرنسا. ما يميز هذه اللوحة هو الإبتسامة الغامضة والنظرة المليئة بالحيوية والموجهة لليمين لمن يشاهدها. واللوحة كغيرها من لوحات ليوناردو غير موقعة ولا مؤرخة. البعض يعتقد انها رسمة لولد وليست لبنت لعدم وجود قلادة و أسورة وخواتم وانعدام الحواجب والرموش. ويقول بعض الباحثين أن لوحة موناليزا إذا ما قلبتها فإنها تحتوي على رسومات لبعض الحيوانات كالأسد والقرد وأنها تحتوي على قدر عالي من التجانس الهندسي.
  • عذراء الصخور: وتم رسمها بنسختين الأولى موجودة في متحف اللوفر بفرنسا والأخرى موجودة في المتحف الوطني بلندن والتي رسمها مساعد ليوناردو وتحت إشرافه لأن الأولى لم تنال رضا الممول. واللوحتان تظهران السيدة العذراء والمسيح الطفل الرضيع والطفل يوحنا المعمدان والملاك واللوحتان تختلفان في نوعية النظرة واليد اليمنى والألوان والإضاءة والنباتات. أبعاد الأولى 199سم في 122سم والثانية 189 سم في 120سم.
  • الرجل الفيتروني: وهو رسم لرجلين عاريين في وضع متداخل أحدهم داخل دائرة والآخر داخل مربع كما وصفه المعماري الروماني فيتروفيوس الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد وسماه بالرجل الفيتروفي نسبة اليه. وهي رسمة على ورقة مقاسها 34سم في 26سم.

2. الروائع العلمية:

في مجال الهندسة:

  1. صمم وخطط لكثير من الشوارع والقنوات المائية والجسور والمجاري والقلاع كما قام بتصميم مدينة مثالية.
  2. صمم ورسم هياكل لمعدات عسكرية ووسائل نقل مثل الدراجة العادية والسيارة الدائرية وطائرة الهيلوكبتر والدبابة والغواصة والبندقية والبرشوت والمدافع والجسر الدوار.
  3. صمم خفاش صناعي يطير.
  4. أول من فكر في تصميم جهاز نقل الحركة او ما يعرف بالقير.
  5. أول من صمم جهاز قياس السرعة والرافعة او ما تعرف بالعفريتة.
  6. أول من صمم جهاز قياس الرطوبة والمحور الميكانيكي.
  7. أول من صمم بدلة الغوص.
  8. أول من صمم عربة ذاتية الدفع.

في مجال التشريح: قام بتشريح العمود الفقري للإنسان وعضلاته ومخه والجهاز التناسلي والجهاز الهضمي. وهو أول من ناقش أمراض القلب التي تؤدي الى الموت.

في مجال الفيزياء: أول من ناقش كيف ترى العين وهو الذي اكتشف ان النور ينعكس على العين. وشرح كيفية رؤية ضوء القمر من الأرض وراقب الطيور وفكر في ديناميكية الهواء وراقب الماء يجري في الأنهار وفكر في قوة الماء.

3. الروائع الفلسفية:

له الكثير من الحكم والأقوال والأسئلة كقوله بأن الفن والعلم يكملان بعضهما البعض ومناداته لإحترام قوة الطبيعة وسؤاله: هل الماء للأرض كالدم للإنسان؟ وهذه بعض الأقوال التي تنسب اليه:

البساطة هي أعلى مراتب التعقيد – الفن لا ينتهي لكنه يهجر – لا يمكن أن تحب وتكره قبل أن تفهم – الدموع تأتي من القلب وليس من العقل – راقب السمكة وهي تسبح في الماء تستطيع أن تفهم كيف يطير الطير في السماء – وغيرها الكثير.

4. التوقعات المستقبلية:

توقع ليوناردو من خلال مخطوطاته حدوث الكثير من الزلازل والفيضانات وأن الأرض سيضربها طوفان عظيم يرتفع فيه الماء فوق قمم الجبال ويسقط على البشرية ويهلكهم جميعا. وتوقع أيضا أنه سياتي زمان تؤخذ الأطفال من أمهاتهم ويرمون ويقطعون الى قطع.

أسرار ليوناردو دا فينشي:

كان ليوناردو يكتب بالطريقة المعكوسة أو ما يسمى بالكتابة المرآة، إذ أنه يكتب الكلمات كما تعكسها المرآة حين توضع الكلمة أمامها ويقال انه كان يكتب بهذه الطريقة خوفا من معرفة الكنيسة بما يكتب ويتعرض للعقاب او ليخفي ما يفكربه عن أهل زمانه.

وأن لوحاته فيها من الأسرار والرسائل للمستقبل ما لا يعد ولا يحصى والإنسان في وقتنا الحاضر بما يملك من تقنية عالية عاجز عن كشف هذه الأسرار. فلقد دار الجدل حول لوحته العشاء الأخير والشخص المرسوم على يمين المسيح ، هل هو رجل ام إمرأة؟ ويعتقد كثير من المؤرخين والكتاب الغربيين أن ليوناردو دفن سر المسيح في رسوماته إذ يعتقد الكثيرين أن ليوناردو كان يعلم أن المسيح متزوج وله ابنة لكنه كان يخاف قول هذا فأودع هذا السر في لوحاته. وتحارب الكنيسة هذه الإدعاءات وتنكر بشدة زواج المسيح وأنه قد أنجب وأن له سلالة موجودة على قيد الحياة وتعيش بيننا، لأن هذا يزلزل عقائد المسيحية ويؤدي الى أن الكنيسة بنيت على كذبة. وقد صدرت العديد من الكتب حول مسألة أسرار ليوناردو ولاقت رواجا غير مسبوق من قبل الناس بالرغم من معارضة الكنيسة وأشهرها:

  1. كتاب شيفرة ديفنشي للكاتب دان براون والذي طبع عام 2003م وبيع منه أكثر من 60 مليون نسخة.
  2. كتاب الدم المقدس … القدح المقدس للكتاب هنري لنكولن وميشيل بيجنت وريتشارد ليغ والذي طبع عام 1982م.
  3. كتاب وحي الهيكل وسر الأوصياء من الهوية الحقيقية للمسيح للكاتب لين بيكبنت وكليف برنس والذي طبع عام 1997م.

أما لوحته موناليزا فقيل فيها الكثير من الأسرار وما زال الباحثون في الجامعات يحاولون معرفة أسرارها فقد توصل أحدهم أن لوحة موناليزا تحتوي على رسائل لمخلوقات فضائية فعندما تضع صورتين للرسمة جوار الأخرى وتمسح الرسم الأصلي يظهر رسم لكائن فضائي غريب، وهكذا يتخيلون ويصرون على وجود أسرار كثيرة بحاجة لإكتشاف. وينطبق هذا القول والإصرار على وجود أسرار خفية على جميع رسومات ومخطوطات ليوناردو.

النهضة الأوروبية و ليوناردو دا فينشي:

ولد ليوناردو دا فينشي بعد فتح القسطنطينية من قبل السلطان العثماني محمد الفاتح بأشهر قليلة وعاصر ثلاثة سلاطين من سلاطين الدولة العثمانية وهم السلطان محمد الفاتح والسلطان بايزيد الثاني والسلطان سليم الأول كما عايش سقوط غرناطة في الأندلس وحتى يتبين لنا الجو العلمي والفني والسياسي الذي سبق ليوناردو والذي عايشه كي نخلص لماهية الثقافة الموجودة أثناء ولادته وبعدها وما هي الثقافات التي يمكن أن يتأثر بها ويستقي منها، نحاول رصد الأحداث التي يمكن ان تؤثر في حياة ليوناردو دا فينشي:

أحداث قبل ميلاد ليوناردو عدد السنوات قبل ميلاده احداث عاشرها ليوناردو عمر ليوناردو آنذاك
ترجمة كتاب الأسرار في الكيمياء للرازي 155 فتح القسطنطينية 1
ترجمة كتب ابو العباس المقريزي 10 ترجمة كتاب الشيخ آق شمس الدين 7
إختراع الأبجدية الكورية 6 ترجمة كتاب القانون لإبن سينا 21
بناء المدفع العملاق 3 موت السلطان محمد الفاتح 29
إعلان فلورنسا عاصمة الفن 2 سقوط مملكة غرناطة 40
إختراع الطباعة بالحروف المتحركة في المانيا 2 فاسكودي جاما يكتشف رأس الرجاء الصالح 45
ترجمة كتاب الجدري والحصبة للرازي 46
تزيين الكنائس في إيطاليا 54

من خلال الجدول نستنتج الآتي:

  1. يتواجد قبل ولادة ليوناردو دا فينشي نتاج علمي ضخم لفلاسفة كبار من جميع الحضارات السابقة وخاصة الإسلامية منها مثل الفارابي وابن سينا والرازي والخوارزمي والبيروني وابن حيان وغيرهم، وكثير منها مترجم الى لغات اوروبا.
  2. العالم بديع الزمان ابو العز ابن البزاز الجزري له مخترعات وافكار ورسومات تشبه كثيرا رسومات ليوناردو في مخطوطته وخاصة الساعة المائية ومضخات المياه، والجزري هذا توفي قبل ميلاد ليوناردو بـ 246 سنة.
  3. العالمان ابو العباس تقي الدين المقريزي والمتوفي قبل أن يلد ليوناردو بعشر سنين والعالم الشيخ آق شمس الدين بن حمزة معلم السلطان محمد الفاتح والمتوفي قبل ان يلد ليوناردو بسبع سنين، الأول بحث في اصول البشر واصول الديانات وكتب عن الماء والفلزات والف كتاب المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية وكتاب الإشارة والإيماء في حل لغز الماء والثاني (الشيخ آق) أول من وضع تعريف للميكروب.
  4. الأندلس كانت تغص بالعلماء والمعروف أنها أثرت كثيرا في اوروبا بحكم الجوار ومدرستا برشلونة وطليطلة خير شاهد على ذلك. ومن أشهر علماء الأندلس ابو القاسم خلف الزهراوي والذي اهتم بالتشريح البشري والمتوفي قبل ولادة ليوناردو بـ 417 سنة وحسن الرماح الذي درس تركيب البارود المندفع وصمم الرعادات وهي كالمدافع وتوفي حسن الرماح عام 1275 اي قبل ان يلد ليوناردو بـ 177 عام.
  5. إذا ما تتبعنا إنجازات ليوناردو وخاصة العلمية منها نرى أن كثير من العلماء السابقين قد تطرق لها وناقشها ورسمها وما زال الغرب يصر على أن وحي العلم نزل فقط مع بداية النهضة الأوروبية.

منطق التفاعل الفكري:

من الطبيعي أن اللاحق يبني على السابق ويتابع البحث ويضيف ليتابع من يأتي بعده وهكذا،،،، ولا يختلف إثنان أن الحضارة اليونانية والرومانية والفارسية والصينية والهندية أخذت من الحضارة البابلية والأشورية والمصرية بحكم الأسبقية والسياق الطبيعي واتى الإسلام وبنى حضارته مستفيدا من الحضارات التي سبقته وعلماء المسلمين يفتخرون بهذا وكثيرا منهم ترجم الكتب العلمية والفلسفية والأدبية من الحضارات الأخرى وبنى عليها وناقشها ولم يتجاهل كتابها بل رفعهم واحيا ذكرهم، فالبيروني مثلا ترجم عدة كتب من الهندية الى العربية ككتابي سلنك وباتنجل. وعائلة بني نوبخت التي تخصصت في ترجمة الكتب من الحضارات السابقة والعالم الكندي الذي بين في كتبه أنه التقى مع الفيلسوف أرسطو في فكرة ربط الزمان بالحركة وربطهما معا بالجسم لكنه خالفه في أن الزمان لا يمكن أن يسبق الحركة. والعالم ابن رشد له شرح في مؤلفات أرسطو، والطوسي كتب كتابا أسماه تحرير اقليدس. فعلماء المسلمين تفاعلوا وبقوة مع المد الفكري اليوناني وغيره وخاصة في أواخر القرن الثاني الهجري.

الخاتمة:

لا شك أن ليوناردو دا فينشي رجل ذكي ومتميز وفنان لا يشق له غبارلكنه ليس أسطورة وليس كل ما نسب اليه صحيح فمعظم ما قيل عنه ليس واقعي وهو كغيره من  الباحثين إستطاع أن يقرأ لكثير ممن سبقه من الفلاسفة الرومان والمسلمين ودوّن ما أعجبه وبنى على مافهمه من علوم وأفكار. ولا حاجة الى الهوس الزائد عن الحد المعقول – فكل ما قيل عن رسوماته وأطروحاته العلمية هي موجودة في أمهات الكتب وتم مناقشتها من قبل الفلاسفة والعلماء قبله بمئات السنين، نعم ربما أضاف شيئا أو ناقش فكرة.

إن ما نراه من تطور علمي وفكري للإنسان هو تطور تراكمي كانت بدايته مع بداية خلق الإنسان على هذه الأرض ولم تكن بدايته في أي محطة بعد ذلك وإنما كل محطة هي خلاصة لأفكار سابقة عرضة للنقاش. وهذه الأفكار هي مجموعة نتاج لعدد لا يحصى من المفكرين على مر الزمن وكلها تخضع لنظام التطور والتي تمر بمراحل عديدة من التلاقح والتفاعل. لذا ينبغي على الإنسان أن يلجأ الى منطق التفاعل الفكري لا منطق الغلبة الذي يبني ويهدم كما يهوى عند تقييمه لأي محطة من محطات التاريخ الإنساني ومفاصل الحضارات.

وعند الخروج عن هذه القاعدة نلاحظ لجوء عدد كبير من الكتاب المتأخرين في الغرب الى الخزعبلات لتعليل ما قيل عن إنجازات ليوناردو وما نسب اليه من إختراعات وأسرار مثل قولهم أن إندماج الخيال مع الذكاء جعل ليوناردو يبتكر الكثير على الورق. أو أنه قد تعرف على كائنات فضائية قادمة من عوالم أخرى متقدمة وسافر معهم وتم إطلاعه على كثير من الأفكار وصناعة الأسلحة وآخر يعلل بأنه من سلالة المسيح عليه السلام.

إن نكران الغرب بأن العلوم تراكمية وتصديقهم أن الله أنزل عليهم العلوم مع بداية النهضة الأوروبية لهو تكبر وغرور وهنا تكمن مشكلة الغرب مع العالم بأسره في وقتنا الحاضر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *