مقدرتنا على التعرف على الحروف یمكن أن تكون متأصلة في أدمغتنا – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Our ability to recognise letters could be hard-wired
into our brains
الكاتب: بول برین (Paul Breen)
راجعه ودققه وقدم له محمد خضر الشاخوري – طالب دكتوراة في
اللسانیات – أصوات ولھجات – وعلوم اللغة الحاسوبیة، جامعة ارزونا*

مقدمة محمد خضر الشاخوري
من أحد الأسئلة الشائكة في علوم اللسانیات الحدیثة, سؤال ما الذي یجعل شكل الحروف كما ھو علیه الآن في لغاتنا؟ لماذا مثلاً حرف الواو متشابه في معظم اللغات بنسبة كبیرة, ویتسق مع الشكل المستدیر للشفتین في حالة نطقه؟. صعوبة الإجابة على مثل ھذا السؤال القول بأن الارتباط بین الصوت وشكله في العقل مرتبط ارتباطاً اعتباطیاً – أي لا علاقة نظامیة بینھما. ھذه العلاقة الاعتباطیة رسخھا عالم اللسانیات دي سوسییر في كتابه “منھج في اللغویات الحدیثة”. ولعل قدوم نعوم تشومسكي في عام ١٩٥٥ للمدرسة الادراكیة جعل مفھوم العلاقة الاعتباطیة صلبا (راسخاً) في البحوث اللسانیة, خصوصا بعد تمدد نفوذ نظریته: التراكیب الكونیة الإدراكیة في العلوم اللسانیة وغیرھا, وبدت المحاولات الساعیة لإیجاد إجابات بدیلة صغیرة في حجمھا العلمي رغم رصانتھا البحثیة والعلمیة. لكن, منذ بدایة التسعینیات تم إعادة إحیاء نظریة التطور واللغة في أروقة اللسانیين, والتي تزامنت مع اندماج الحقول التجریبیة كالتجارب الدماغیة مع الادراكیة. منذ ذاك الحین, بدأت البحوث تتوالى للعثور على إجابة للسؤال أعلاه. ھذا المقال من ضمن أحد المحاولات والتي یحاول فیھا الباحث عقد بعض التجارب بین بعض متحدثي لغات مختلفة, لإعطاء النتائج صبغة الكونیة اللغویة (١)، ھذا البحث محاولة مھمة جداً لإیجاد علاقة نظامیة بین شكل الحرف وصوت الحرف. , ولكن المأخذ على مثل بعض ھذه الدراسات, أنھا محدودة على أصوات محددة جداً لا یتجاوز عددھا صوتین أو ثلاثة. لكن ھذا القول لا یعني التقلیل من البحث أدناه أو نتائجه, وإنما جزء من بعض الفجوات التي أھملھا الباحث ولم یتطرق لھا بشكل جید.

النص المترجم
في الستینات من القرن الماضي، ادعى العالم اللغوي والناشط السیاسي نعوم تشومسكي أن الدماغ البشري مجبول على المعرفة الفطریة باللغة. وقد أصبح ھذا الإدعاء یعرف باسم نظریة (١)، وقدمت Universal Grammar theory القواعد العالمیة كتفسیر للسرعة التي یمیل الأطفال إلى تعلم لغتھم الأولى. ووراثیا، العقل البشري مھیأ لفھم الكلمات وترتیبھا في تسلسل منطقي كما ھم یتغلبون على الاضطراب الأولي لتعلم اللغة.

وبطبیعة الحال، لم یتفق الجمیع مع نظریة تشومسكي اللغویة، تماماً كما (لا یتفق الجمیع مع مواقفه السیاسیة التي أصبح یعرف بھا مؤخرا (٢).  ذھب أحد علماء النفس، وھو ھربرت تراس Herbert Terrace بعیداً في معارضته لأفكار تشومسكي حتى أنه أجرى تجربة حاول فیھا تعلیم الشمپانزي لغة الإشارة الأمریكیة (٣). في تلاعب بالكلمات بطریفة غریبة أو ذكیة ، حتى انه سمى المشارك في بحثه Nim Chimpsky نیم تشیمبسكي.

ولكن صدر بحث جدید یشیر إلى وجود صلة بین اللغة المكتوبة وشيء أكثر جوھریة في أدمغتنا یمكن أن یعني أننا بحاجة إلى إعادة النظر مرة أخرى في أفكار تشومسكي. ووجدت دراسة، نشرت في مجلة جمعیة العلوم الملكیة المفتوحة (٤)، أن المشاركین الذین أُجریت علیھم الدراسة بإمكانھم تخمین أي الأصوات ممثلة بحروف ھجائیة غیر المألوفة بمعدلات أفضل مما تتوقعه أنت أو غیرك من (ضربة حظ بسیطة). لو كان لدینا القدرة الفطریة على معرفة الكتابة، اذاً ربما أن اللغة بشكل عام ھي شيء وجد أعمق بكثیر في الأدمغة من غیرھا من المھارات المكتسبة.

البحث الجدید اخذ في الإعتبار كیف تعمل عقولنا عندما نحاول فك تركیبة الصوت، وفقا للحروف، كما عندما نعمل على ایجاد الفرق بین Chimpsky و تشیمبسكي Chomsky تشومسكي ما الذي یدفعنا بالصوت الحاد [ یقصد الإنفجار K إلى ربط الحرف المصاحب المصاحب لصوت الكاف المھموس **] الذي یمثلھ؟ ھل ھو  بسبب شكل الحرف المادي physical حیث نقاط حادة تبرز من الساق المستقیم والقائم [أتوقع أنه یقصد مكان نطق الكاف الذي یتكون بارتفاع المنطقة الخلفیة للسان ولمسھا لسقف الفم الخلفي**]؟ ھل ھذا التمثیل البصري في ذكریاتنا یلامس شیئاً مفطوراً hardwired (أي نحن مجبولون علیه) على قدم المساواة مع قواعد اللغة الكونیة؟ أو، من ناحیة أخرى، ھل ھذه ھي الطریقة التي عُلمنا ایاھا لتفسیر الحرف K؟

قامت باحثة علم الأعصاب نورا تورومان في سویسرا وباحثة النفس التجریبي سوزي ستایلز في سنغافورة بسلسلة من التجارب لمحاولة معرفة ما ھو الشيء الذي یجعل الحروف تبدو بالطریقة التي تبدو علیھا؟، وما الذي یشكل/یؤثر على المعرفة البشریة للأصوات التي تمثله ھذه الحروف؟. وشملت التجارب عرض حروف فردیة من أنظمة كتابة قدیمة على عینة بحثیة من ٩٨ طالباً جامعیاً سنغافوریاً ومجموعة أكبر من ٣٠٠ مستخدم إنترنت دولي.
في كلتا الحالتین، عرض على المشاركین حروف غیر مألوفة من مجموعة متنوعة تصل إلى ٥٦ حرفاً ھجائیاً، والتي تمثل أصوات ال / i / (صوت “ee” في “feet”) ، و / u / (صوت “oo” في “shoe”). وكانت مھمتھم تخمین أي من الحروف یمثل الصوتین وإبلاغ الباحثین بذلك.

النتائج الأولیة من البحث توحي بأنه قد یكون ھناك بالفعل علاقة بین بعض الأشكال المكتوبة والأصوات التي تمثلھا. عندما عُرضت على القرّاء مع زوج من حروف غیر مألوفة، تمكنوا من تخمین اي منھا یمثل أي صوت بمعدلات أعلى مما كان یُتوقع أن یحصل عن طریق الصدفة. وھذا یشیر إلى أن بعض خصائص الأصوات اللغویة یمكن استخلاصھا من شكل كل حرف عن طریق شيء آخر غیر التعلم أو الخبرة السابقة. قد یناقش البعض أن القراء قد یكونوا مجرد معتمدین على مجموعة من الخصائص المادية physical المشتركة في جمیع اللغات. ولكن ھذا لن یكون إلا إذا كانت الخصائص المادیة physical لجمیع الحروف الھجائیة ھي نفسھا، ولكنھا لیست كذلك. الیابانیة، على سبیل المثال، تختلف كثیرا عن العربیة أو اللاتینیة. ویبدو إذاً أن شیئا قد یحدث على مستوى أعمق بكثیر في أدمغتنا عندما نفك رموز أصوات كل حرف. ویعتقد الباحثون أن الخصائص الأساسیة لحواسنا لھا دخل في مطابقة أصوات الكلام والأشكال التي تعتبر انھا تمثلھا. على وجه الخصوص، فھم یعتقدون أنه قد یكون ھناك صلة بین مدى تفاصیل الحرف من حیث مقدار الحبر المستخدم لكتابتھ، ونبرة الصوت المرتبطة بھ. وفي تجاربھم، كلما زادت تفاصیل الحرف، كلما كان من الأرجح ان یخمن المشاركون أنه یمثل أخفض نبرة صوت/ u /.  لماذا ھذا مھم؟

ماھي أھمیة الدراسة

دراسة واحدة لیست دلیلا قاطعا، وبطبیعة الحال، نحن بحاجة إلى المزید من البحوث لمعرفة الواقع. لكنھا تشیر إلى أنه، في نفس السیاق كنظریة تشومسكي للنحو العالمي، یمكن جعل العلاقات بین الأصوات اللغویة والخصائص البصریة یمكن أن تكون مفطورةً  hardwired في الدماغ البشري ( أي جزء لا یتجزأ منه). وھذا یجعل الدراسة مھمة جداً لعدة أسباب. أولا، إنھا تسھم إسھاما ھاما في مجالات علم النفس اللغوي (العلاقة بین اللغة والعملیات النفسیة) وفھم كیف نكتسب / نتعلم اللغات، لكل من متحدثي اللغة الأصلیین ومتعلمي اللغة غیر الأصلیین.

ثانیاً، یمكن أن تؤدي إلى طرق جدیدة لمعرفة وتعلیم اللغة من خلال إعطاء القراء معرفة أفضل بكیف تم ربط أصوات الكلام بالحروف المكتوبة. ویمكن أن یكون ھذا مفیداً بشكل خاص لأولئك الذین لدیھم صعوبات في فك كل حرف بوحده داخل الكلمات.

وأخیرا، یمكن أن یكون للبحث تأثیر على الطریقة التي یتم فیھا تسجیل اللغات النادرة, التي یِتخدث بھا بشكل رئیسي، في الإصدارات المكتوبة. معرفة الخصائص المرئیة لأصوات الكلام یمكن أن یساعد في تطویر أنظمة كتابیة جدیدة التي تمثل عن كثب اللغة المنطوقة.

لو كان الدماغ البشري ھو في الواقع مفطوراُ hardwired بطرق معینة لفك رموز الكلمات نفسھا، ولیس فقط ترتیبھا النحوي، إذاً قوة كل حرف یمكن أن تكون أكبر بكثیر مما كنا نتخیلھ في أي وقت مضى. وقد أعطت ھذه الدراسة لنا طریقة جدیدة كاملة للنظر في كلمتي “تشیمبسكي وتشومسكي”، والعلاقات التي لدینا لیس فقط مع الأسماء ولكن مع الحروف التي تعطیھا الشكل.

:تعلیقات ومصادر من داخل وخارج النص
تعلیق المراجع محمد خضر الشاخوري*
مفھوم جاء بھ عالم اللسانیات تشومسكي بأن كل اللغات تشترك في خصائص لغویة مشتركة مما یجعل ھذه الخصائص كونیة وموحدة  عند جمیع متحدثي اللغات
http://thebrain.mcgill.ca/flash/capsules/-١
outil_rouge06.html
https://www.nytimes.com/2013/12/10/opinion/-٢
fish-scholarship-and-politics-the-case-of-noamchomsky.
html?mcubz=0
https://www.npr.org/2008/05/28/90516132/the–٣
chimp-that-learned-sign-language
https://royalsocietypublishing.org/doi/full/-٤
10.1098/rsos.170882

:المصدر

https://theconversation.com/our-ability-to-recognise-letters-could-be-hard-wired-into-our-brains-83991

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *