كأنّه حن إلى المكان: زوج بَطُّ الشَهْرَمَان الجميل يعود إلى ساحل تاروت – بقلم صادق علي القطري

بطّةُ التّدورنا الجميلة (Tadorna tadorna) ، تلك التي أحبّت شاطئَ تاروت حدّ الامتزاج بالموج، عادت من جديد. عادت كما تعود الكائنات الصغيرة التي تحفظ للبحر أسراره، وكأنها تعرف بفطرةٍ لا تُخطئ الطريق إلى موطنٍ لا يُسمّى إلا بالحنين. لم تكن بطّةً عابرة في رحلتها الأولى، بل كانت شاهدًا صغيرًا على علاقةٍ قديمة بين هذا الطائر والماء؛ بين الرمل الذي يحتضن الأثر، والموج الذي يكتب ويُمحّي، ثم يعيد الكتابة من جديد.

ولتوثيق الحدث للتاريخ، شوهد زوجُ البطّ للمرة الأولى في السنة الماضية، في 26 ديسمبر 2024م، ثم غاب كما تغيب الكائنات التي تأخذ نصيبها من الرحيل. لكنه عاد في 21 نوفمبر 2025م، حيث أطَلَّ مرّة أخرى على شاطئ قرم تاروت الجميل، حيث بدا وكأن البحر يستعيد جزءًا من ذاكرته الضائعة، أو كأن المكان نفسه يبتسم لعودة شيءٍ لطيفٍ كان ينتظره في صمت. لم تكن العودة حدثًا عابرًا، بل كانت رسالةً خفيّة من الطبيعة تقول إنّ المودّة المتبادلة بين المخلوقات والمكان أعمق مما نظن، وإنّ الأشياء التي تُحب موطنها، مهما ابتعدت، تجد طريق الرجوع دائمًا.

هذا النوع الرائع من البط, التادورنا الشائع (Tadorna tadorna), هو واحدٌ من أجمل الطيور المائية التي تزور السواحل. يُعرف بألوانه المميزة وسلوكه الهادئ، وهو طائر كبير نسبيًا، يفضّل العيش في البيئات الساحلية، خصوصًا عند المصبّات والأنهار والمستنقعات المالحة.

ويُوصف عادةً بأنه يجمع في هيئته شيئًا من البطّ البري وشكل الإوزة الصغيرة قصيرة العنق؛ حجمًا وشكلًا وحضورًا. إنه طائر مدهش بمنقار وردي مائل إلى الحمرة، وقدمان ورديتان، وجسمه أبيض تتناثر عليه بقعة كستنائية وامتدادٌ للبطن الأسود. أمّا الرأس والرقبة فبلونٍ أخضر داكن يلمع تحت ضوء الشمس. وتبدو أغطية الجناحين بيضاء ناصعة، بينما يظهر الريش الأساسي أسود، والريش الثانوي بلونٍ أخضر وكستنائي لا يظهران إلا عند الطيران، يكشف عنهما الطائر لغرض الاستعراض فقط.

وتتميّز صغار التادورنا الشائع بلونٍ يغلب عليه البياض، تعلوه غطاءات سوداء على الظهر والرقبة الخلفية والأجنحة، فتبدو كلوحة أولى لما سيصبح عليه الطائر حين يكتمل نموّه. ورغم أن ألوان الصغار متشابهة، يميل أعلاها إلى الرمادي بينما يبقى باطن الجسم أبيض في معظمه، وإنها تحمل منذ لحظاتها المبكرة نمط الجناح الذي يميز البالغين، وكأن الطبيعة تكتب هويتها على ريشها منذ البداية.

يُعدّ خليجُ تاروت، الواقع في شرق المملكة العربية السعودية، أحد أهم المواقع البيئية التي أولتها رؤيةُ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان “حفظه الله” اهتمامًا كبيرًا ضمن جهود حماية البيئة والحياة الفطرية. ففي هذا الخليج تُرصَد الطيور المائية المهاجرة والمقيمة على حدٍّ سواء، ومن بينها هذا البطّ الأنيق الذي يضفي حضورًا مميزًا على المشهد الساحلي. وتمتاز المنطقة بتنوّعٍ بيولوجي ثريّ يجعلها محطة رئيسية للطيور العابرة لمسارات الهجرة، إلى جانب كونها منطقة جذب سياحي يزورها عشاق الطبيعة والمصورون، خاصة في الأشهر الشتوية حين يتحوّل الخليج إلى ملاذٍ دافئ تستريح فيه هذه الكائنات قبل أن تُكمل رحلتها الطويلة عبر البحار.

المهندس صادق علي القطري

مقالات لكاتب المقال ذات علاقة:
https://www.qatifscience.com/?p=26928
https://www.qatifscience.com/?p=26978

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *