[هذا مهيرش أكليه، ما احد يشاركش فيه]
يُقال هذا المثل الشعبي للتعبير عن أن ما أصاب شخص من أذى أو ضرر هو نتيجة قوله أو فعله، وبالتالي عليه تحمّله برضا ووعي.
وهذا المثل ذو طابعٍ تربوي راسخ، إذ يرسخ في الذاكرة وينبّه صاحبه قبل الإقدام على أي تصرّف أو قول، فيجعله أكثر حذرًا وإدراكًا لما قد يترتب عليه، ويُغرس في النفس حس المسؤولية الشخصية والرقابة الذاتية.
يمكن فهم الجزء الأول من المثل “هذا مهيرش أكليه” في ضوء الآية الكريمة:
“وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ”
وكذلك في ضوء المثل العربي القديم: “جنت على نفسها براقش”، الذي يُضرب لمن يتسبب بالأذى لنفسه أو لقومه بسبب تصرّف أرعن أو قول غير محسوب.
وقد سجّل التاريخ أمثلة كثيرة لأشخاص كانت نهايتهم نتيجة كلام قالوه دون روية. ومن أشهرها مقتل الشاعر بشار بن برد، الذي كان مقرّبًا من الخليفة العباسي المهدي. إذ سخر بشار من خال الخليفة، يزيد بن منصور الحميري، عندما سأله عن صناعته، فأجابه ساخرًا: “أثقب اللؤلؤ!”، فأضحك الخليفة، لكنه نهره قائلاً: “ويلك! أتتندر على خالي؟”، فرد بشار: “وما أصنع به؟ يرى شيخًا أعمى ينشد الخليفة شعرًا، ويسأله عن صناعته!”
وقد أدى هذا الحوار إلى غضب المهدي، الذي ترصّد الشاعر حتى أوقع به وقتله.
وليس بشار وحده، بل كُثُرٌ من الشعراء لقوا حتفهم بسبب ألسنتهم، ومنهم: المتنبي، وطرفة بن العبد، والأعشى الهمداني، ودعبل الخزاعي، وغيرهم. ولهذا قيل: “لسانك حصانك، إن صنته صانك”.
أما مثلنا “هذا مهيرش أكليه، ما أحد يشاركش فيه”، فهو يُستخدم غالبًا في نطاق أسري، وفي سياقات بسيطة، كمن يُهمِل دراسته فيضعف تحصيله، أو من يعصي والديه في شأن تربوي أو سلوكي أو صحي. فالمثل يُقال للتعبير عن الامتعاض أو التنبيه، لا للتشفي أو الشماتة. بل إن من يردده، في الغالب، يهبّ لمساعدة المتضرر بعد تنبيهه، وكأن المثل يأتي كعتابٍ حانٍ أكثر منه عقوبة لفظية.
ومن الناحية البلاغية، يحمل هذا المثل جرسًا موسيقيًا داخليًا وإيقاعًا سهلًا، يجعله شبيهًا بمفتتح أنشودة شعبية، تقع ألحانه على الأذن بسلاسة، وتستقر معناه في النفس بيسر.
يستخدم المثل مفردات محلية مثل (“مهيرش”)، مما يعزز الصورة الذهنية، ويمنحه خصوصية ثقافية وبلاغية. فتصغير “مِهر” إلى “مهيرش” له دلالة لغوية معروفة، إذ يُستخدم التصغير في العربية إما للتهوين أو التقريب أو المحبة، كما في: “أُخَيّ”، “وُلَيْدي”، و”بُنَيّ”.
في “مهيرش” نلمح نبرة تهوين لما حدث، كأن القائل يقلل من حجم المصيبة، لكنه في الوقت ذاته يُحمّل صاحبها كامل المسؤولية في الجزء الثاني: “ما أحد يشاركش فيه”.
أي: ما دمت أنت من جرّ ذلك لنفسك، فعليك أن تتحمل تبعاته دون انتظار نجدة أو تدخل.
اللافت أيضًا هو استخدام صيغة التأنيث في الخطاب، حيث وُضعت “الشين” مكان كاف الخطاب للمؤنث (كِ)، فيقال: “يشاركش” بدل “يشارككِ”. وهذا الأسلوب شائع في اللهجات الخليجية، وقد يكون الغرض منه التخفيف من حدّة العتاب، أو الإيحاء بالقرب والحنو، حتى لو استُخدم المثل مع الذكور أيضًا. فصيغة التأنيث في بعض اللهجات لا تعني حصر الخطاب بجنس معين، بل قد تكون جزءًا من النبرة الشعبية المحببة.
في المجمل، يُجسّد هذا المثل فلسفة تربوية عميقة في قالب شعبي بسيط، يجمع بين الموسيقى اللفظية والبلاغة الإيحائية، ويلخّص مبدأً جوهريًا في التربية: “تحمّل مسؤولية أفعالك، قبل أن تطلب العون من الآخرين”.
