إلى كل قلب سكنه الشك، ثم أضاءه يقين الحسين (ع)…
إلى أولئك الذين لم يُولدوا في كربلاء، لكنهم وجدوا أرواحهم هناك…
آمنتُ بالحسين (ع)… لا كما يُؤمن العقل بالقضية، بل كما يُؤمن القلب بمعجزة، وكما يُحبّ العاشق مَن لا يرى له مثيلًا.
آمنتُ به لا لأنه انتصر، بل لأنه اختار أن يخسر كل شيء كي لا يخسر الله.
آمنتُ به لأن صوته لا يزال يدوّي في الزمن: “إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”.
هذا الصوت، وإن مضى عليه اكثر من ألف عام، لا يزال يحاصرنا…
يحاصر سكوتنا، خنوعنا، تنازلاتنا الصغيرة، وكل لحظة نرضى فيها بالذل باسم “الواقعية”.
آمنتُ بالحسين (ع)… لأنّه وحده كان أمة
في اللحظة التي تخلّى عنه الجميع، لم يتخلّ عن الله.
وفي اللحظة التي ظنّ الناس أن لا جدوى من الوقوف، وقف وحده، فكان أعظم من كل الواقفين.
آمنتُ به لا لأنه ابن نبي فقط، بل لأنه اختار أن يكون ابن القيم النبوية:
أن يعيش حرًا، أن يموت واقفًا، أن يُضيء بنوره قرونًا تأتي بعده.
آمنتُ بالحسين (ع)… حين عرفت معنى الإنسان
الحسين ليس فقط إمامًا، بل سؤالًا أخلاقيًّا دائمًا يُطرح علينا:
هل كنتَ ستكون معه؟
هل صوتك اليوم مع المظلوم؟
هل قلبك يثور على الباطل؟
هل فيك ذرة من كربلاء؟
آمنتُ به حين رأيت وجهه محفورًا في وجه كل مظلوم، وكل يتيم، وكل صابر، وكل قلب لا يزال يؤمن أن الحق لا يُقاس بالغالبين.
آمنتُ به… لأنّه لم يُرِد أن يُحبّه الناس، بل أن يُحبّوا الله من خلاله
لم يُرد مجدًا شخصيًّا، ولا عرشًا، ولا حُكمًا…
بل أراد أن يُعيد الناس إلى أنفسهم، إلى ضمائرهم، إلى تلك اللحظة النقيّة التي يقف فيها الإنسان بينه وبين الله، بلا خوف ولا مصلحة.
آمنتُ به لأنّه مات ليبقى.
وسُفك دمه، ليُطهّرنا.
وخسر معركة السيف، ليربح معركة الضمير.
آمنتُ به لأن زينب قالت: “ما رأيتُ إلا جميلًا”
في قمة الفقد، في أقصى المأساة، في قلب الدم…
كانت ترى الجمال.
أي جمال هذا الذي لا يُدركه إلا من ذاق معنى العبودية الكاملة لله؟
أي يقين ذاك الذي يُحوّل رائحة الحريق إلى عطر خلود؟
آمنتُ بالحسين (ع) لأنه صوّر لي الدين حيًّا، ناطقًا، متحركًا…
دينًا لا يسكن في الكتب، بل يُزهِرُ في الساحات، ويُقاتل في الميدان، ويبكي في الخفاء.
آمنتُ به لأني رأيت نفسي فيه
رأيتُ ضعفي أمام صبره، وتخاذلي أمام عزمه، وصمتي أمام كلمته…
رأيتُ شوقي للحرية، ورغبتي في النقاء، وخوفي من أن يمرّ عمري دون أن أعرف لماذا خُلقت.
آمنتُ بالحسين (ع) لأنّه أيقظني من نومي، ولم يُعاتبني.
ناداني لا لأبكي عليه، بل لأبكي على نفسي،
ثم أنهض.
وفي الختام:
إيمان لا يحتاج إلى معجزة
آمنتُ بالحسين (ع)، لا لأنه مشى على الماء، أو أبرأ الأكمه، أو طوى له الزمان
بل لأنه أحب الله حدّ الذوبان،
وذاك وحده يكفي.
آمنتُ به كما يؤمن القلب بأن الليل سيزول،
وأن دمعة المظلوم لن تُهدر،
وأن من مات لله، لا يموت أبدًا.
السلام على الحسين
وعلى علي بن الحسين
وعلى اخيه ابا الفضل كافل عيال الحسين
وعلى أولاد الحسين
وعلى آل بيت الحسين
وعلى أنصار الحسين
السلام عليك يا ابا عبد الله
وعلى الأرواح التي حلت بفنائك
عليك مني سلام الله أبدآ ما بقيت وبقي الليل والنهار
