كيف يساعدنا الدماغ في تركيز انتباهنا – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

How the brain helps us focus our attention
(معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية – Max Planck Institute for Human Development)

يُعتقد أن الموضع الأزرق (Locus coeruleus)، وهو بنيوية دماغية صغيرة جدًا،  ينظم حساسية دماغنا للمعلومات ذات العلاقة

كيف يمكننا التحول من حالة غفلة (عدم انتباه) إلى حالة انتباه بالغ جدًا؟  الموضع الأزرق1 (locus coeruleus) ، وهي تجمع صغير من الخلايا في قاعدة الدماغ.  كمصدر رئيس للناقل العصبي نورأدرينالين (noradrenaline)، يساعدنا الموضع الأزرق في التحكم في تركيزنا الانتباهي.  بتوليف مجموعة أدلة من دراسات أجريت على الحيوانات والبشر، طور باحثون من معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية وجامعة جنوب كاليفورنيا مؤخرًا إطارًا جديدًا يصف الطريقة التي ينظم بها الموضع الازرق حساسية دماغنا للمعلومات ذات العلاقة في المواقف والأوضاع التي تتطلب انتباه.  نُشرت النتائج التي توصلوا إليها في مقال رأي في مجلة اتجاهات في العلوم المعرفية Trends in Cognitive Sciences) 2) [المترجم:  مقال الرأي يعكس في الأساس رأي المؤلف حول الموضوع الذي كتبه، وتُعد مقالات الرأي من المقالات المتميزة في العديد من الدوريات3].

انتباهنا يتذبذب. في بعض الأحيان، تتشتت أذهاننا وينصرف انتباهنا عما نحن بصدده ولا نوليه انتباهنا، بينما في أوقات أخرى يمكننا بسهولة التركيز على ما هو مهم.  تخيل أنك تمشي في طريقك إلى المنزل بعد نهار من العمل؛ ربما وأنت كذلك تقوم ذهنيًا بإعداد قائمة مشتريات من البقالة لوجبة العشاء – فأنت في حالة غفلة (عدم انتباه).  ولكن لو مرت سيارة لم تلاحظها وأطلقت مزمارها فجأة، فستتمكن بسهولة من إعادة توجيه انتباهك والاستجابة سريعًا لهذا الوضع الجديد.  لكن كيف ينتقل الدماغ من حالة غفلة (عدم انتباه) إلى حالة تركيز انتباه؟

خلال حالة الغفلة (عدم الانتباه)، أدمغتنا محكومة بتقلبات بطيئة وإيقاعية في النشاط العصبي.  على وجه الخصوص، الإيقاعات العصبية عند تردد مقداره 10 هرتز تقريبًا، والتي تسمى موجات ألفا4، يُعتقد أنها تثبط المعالجة النشطة للمدخلات الحسية أثناء عدم الانتباه.  وبالتالي، يمكن فهم موجات ألفا على أنها مرشح (فلتر) يقوم بتنظيم حساسية دماغنا للمعلومات الخارجية.

“على الرغم من أن الرابط بين ارتفاع وانخفاض موجات ألفا والانتباه قد أُثبت منذ مدة، إلا أنه لا يُعرف الكثير عن سبب ظهور أنماط النشاط الإيقاعي هذه واختفائها”. يقول ماركوس ويركل بيرجنر (Markus Werkle-Bergner) ، كبير الباحثين في مركز علم نفس الفترة العمريةLifespan Psychology) 5) في معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية ومؤلف مشارك لمقالة الرأي.

لاستكشاف هذه المسألة، ركز الباحثون على الموضع الأزرق (locus coeruleus)، وهي بنيوية خلوية صغيرة موحودة في جذع الدماغ، مختبئة في أعماق القشرة الدماغية.  يبلغ حجم تجمع هذه الخلايا حوالي 15 ملم فقط، ولكنها متصلة بمعظم الدماغ عبر شبكة واسعة من الألياف (المحاور axons) العصبية الطويلة المدى6.  يتكون الموضع الأزرق من خلايا عصبية تعد المصدر الرئيس للناقل العصبي نورأدرينالين.  من خلال تنظيم التواصل العصبي (neural communication7) يساهم النورادرينالين في التحكم في التوتر النفسي والذاكرة والانتباه.

“نظرًا لصغر حجمه وموقعه في عمق جذع الدماغ كان من المستحيل تقريبًا في السابق فحص نواة النورأدرينالية بشكل غير باضع (بغير جراحة) في البشر الأحياء.  لحسن الحظ، كشفت الأبحاث التي أجريت على الحيوانات على مدى السنوات الماضية أن التقلبات / التغيرات في حجم حدقة (بؤبؤ) العين مرتبطة بنشاط الموضع الأزرق. وبالتالي، يمكننا أن نعتبر أعيننا بمثابة نافذة على منطقة دماغية بدت لفترة طويلة أنها يتعذر الوصول إليها، “كما تقول مارا ماثر (Mara Mather)، برفسورة علم الشيخوخة في جامعة جنوب كاليفورنيا والمؤلفة المشاركة في مقال الرأي.

لدراسة ما إذا كان النورأدرينالين في الموضع الازرق يمكن أن يكون أحد العوامل التي تنظم موجات ألفا، قام الباحثون بدمج سجلات حجوم حدقة العين والتذبذبات العصبية [أي موجات ألفا التي تتذبذب في نطاق 10 – 12 هرتز4] معًا حينما كان المشاركون منهمكين في حل مهمة انتباه [المترجم: واحدة من أشهر مهمات الانتباه هي مهمة بوسنر (Posner) للتنبيه المكاني (Posner spatial cuing task) لتقييم الانتباه، ويطلق عليها أيضًا بوسنر برادايم8]. كما هو متوقع، خلال لحظات كان فيها حجم الحدقة كبيرًا اختفت تذبذبات ألفا، مما يدل على ارتفاع نشاط النورأدرينالية.

التواصل العصبي – المصدر رقم 7

علاوة على ذلك، المشاركون الذين أظهروا تأثيرات قوية في حجم حدقة العين وموجات ألفا كانوا أفضل في حل مسألة مهمة الانتباه.  هذه النتائج، التي نُشرت عام 2020 في ورقة في مجلة علم الأعصاب، أشارت إلى أن تعديل  تذبذبات ألفا إلى المستوى المناسب، يمكن أن يساعدنا الموضع الأزرق في تركيز انتباهنا.

ما بقي دون إجابة في هذه الدراسة هو كيف يؤثر النورأدرينالين في تذبذبات ألفا4.  ولمقاربة هذا السؤال، تحول المؤلفون أيضًا إلى أبحاث سابقة أُجريت على حيوانات سجلت نشاطًا عصبيًا مباشرة من الخلايا العصبية الموجودة في المهاد، وهي منطقة تقع في منتصف الدماغ تعمل كجهاز تنظيم لموجات ألفا.  الأهم من ذلك، أن النشاط المنتظم / الايقاعي لهذه الخلايا العصبية في حالة الراحة [أي حين لا يقوم الشخص بأي نشاط] يؤدي إلى تذبذبات ألفا قشرية (cortical alpha) تُشاهد خلال حالات عدم الانتباه.  ومع ذلك، فإن إضافة النورأدرينالين إلى هذه الخلايا العصبية يلغي استجابتها الإيقاعية.

“بوضع النتائج من مختلف الدراسات معًا تمكنا من وصف كيف يتفاعل النورادرينالين والمهاد للتحكم في نشاط موجات ألفا الإيقاعي.  نقترح أن النورادرينالين في الموضع الأزرق هو ما يقوم بتنظيم حساسية دماغنا للمعلومات المتعلقة بعملية الانتباه عن طريق كبت مولدات موجات ألفا في المهاد، “كما يقول مارتن دال (Martin Dahl)، باحث ما بعد الدكتوراه في مركز سيكلوجيا فترة الحياة، ومعهد ماكس بلانك للتنمية البشرية، وجامعة جنوب كاليفورنيا.  والمؤلف الأول في مقال الرأي.

وبالتالي، أثناء المواقف / الأوضاع التي تتطلب تحولًا مفاجئًا في الانتباه، تساعدنا الزيادة المفاجئة في افراز هرمون النورأدرينالين على إعادة تركيز الانتباه – وتفادي السيارة التي تقترب منا بسرعة.

مزيد من الدراسات الطويلة الأمد التي تقيَّم كلًا من الموضع الأزرق والمهاد في نفس المشاركين قد تتمكن من تسليط ضوء جديد على الآليات العصبية للانتباه وانخفاض مستوى الانتباه في الشيخوخة والمرض.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/موضع_أزرق
2- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1364661321002643
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مقال_الرأي
4- “موجات ألفا هي تذبذباتٌ عصبية ضمن نطاق تردد 8 – 12 هرتز حيثُ تنشأ من التزامن والتماسك (في الطور أو النشاط البنائي) في النشاط الكهربائي للخلايا ناظمة الإيقاع في المهاد عند البشر. تُسمى أيضًا موجات برفر وذلك بعد إنشاء تخطيط أمواج الدماغ.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/وجة_ألفا
5- يهدف علم نفس الفترة العمرية (من الولادة حتى الموت) لأحد الأشخاص إلى تشخيص وتسليط الضوء على التغيرات التطورية / النمائية الطبيعية في جميع مجالات قدرته على تحقيقه لأهدافه في نفسه وفي محيطه الخارجي، بما في ذلك سلوكه وانفعالاته ومهاراته الاجتماعية وصحته النفسية بشكل عام. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-0-387-78665-0_6467
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/محور_عصبي
7-“غالبًا ما يشار إلى التواصل العصبي على أنه حدث كهروكيميائي. انتقال جهد الفعل عبر المحور العصبي هي حدث كهربائي، ويمثل انتقال الناقل العصبي عبر المشبك العصبي الجزء الكيميائي من العملية”. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://courses.lumenlearning.com/wmopen-psychology/chapter/outcome-neurons/8- https://en.wikipedia.org/wiki/Posner_cueing_task
المصدر الرئيس:
https://www.mpg.de/18108721/0106-bild-how-the-brain-s-blue-spot-helps-us-focus-our-attention-149835-x
الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *