مصدر الصورة: wise.com

الطلاب الذين يخوضون تجربة الفشل المثمر هم أكثر معرفة بالمواد التعليمية – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Those who fail productively are all the wiser
(بقلم: كريستوف إلهارت – Christoph Elhardt)

قدم وراجع الترجمة البرفسور رضي حسن المبيوق، منسق برنامج التطوير المهني للمدرسين، جامعة شمال أيوا.

مقدمة البرفسور رضي حسن المبيوق

كلمة “فشل” او “الفشل” لها مداليل كثيرة ومعظمها، اذا لم تكن كلها، سلبية ومثبطة وتضيف الى رصيد التجارب والذكريات التي يتمنى المرء ان يمحيها من وعيه بضغطة زر الحذف «delete».

ولكن إضافة صفة «المثمر» لهذه الكلمة الثقيلة تصبح عبارة «الفشل المثمر» أخف وطأةً،  وتجعلنا ننظر اليها والى ما تشير اليه بنظرة ايجابية وأكثر تقبلًا.

المقال الذي إختاره لنا الاستاذ عدنان أحمد الحاجي هذا اليوم يحمل في عنوانه عبارة «الفشل المثمر». هذا الوصف يدل على ان هناك نقيضًا له وهو نوع ‘الفشل غير المثمر’ والذي في العادة لا نتعلم منه شيئًا.  محتوى المقال من نتائج بحثية مهمة يضيف الى الأدلة المتنامية التي تثبت ما للفشل من دور توجيهي وتعليمي اذا ما طبق بوجهه الصحيح.

أتذكر في أحدى جولاتي في أحد الصفوف الدراسية في المرحلة الإبتدائية، لفتت انتباهي صورة (بوستر) لقلم رصاص مكتوب عليها العبارة التحفيزية التالية: “الخطأ مقبول ولذلك قلم الرصاص فيه ممحاة” (Mistakes are okay; that’s why pencils have erasers). وسألتُ المعلمة جينياك عن الرسالة التي من وراء وضع هذا البوستر في الصف، فقالت: “كنت أريد إيصال رسالة الى طلبتي بأن ارتكاب الأخطاء مرحب به هنا لأنه جزء من العملية التعليمية. وهذا بالفعل ما أفادت به النتائج البحثية لهذه للدراسة المترجمة أدناه من فوائد علمية كثيرة للفشل المثمر و منها: التعلم من الخطأ وما نتعلمه يبقى معنا ونتذكره لفترة طويلة وهذا مما يجعلنا مؤهلين لنقل ثمرة ما تعلمناه للآخرين. عندما نخوض تجربة “الفشل المثمر” ينشط الفكر ويطلق العنان للإبداع الذي من شأنه أن يهدينا الى حلول أفضل. الفشل المثمر يكسر رتابة النجاح المتتالي والذي قد يقودنا الى الثقة المتضخمة ، والتي من شأنها أن تفقدنا المناعة ضد اي تجربة “فشل”.

ومن أعظم وأكبر فوائد الفشل هو التغلب على حالة الخوف من الفشل، والذي غالبًا ما يشل ويعطل حافزيتنا للمضي قدمًا مهما كان مستوى التحدي الذي نواجهه. يضيف هذا المقال الشيء الكثير إلى ثقافة القبول بالفشل، ومنها كيف نتصرف حتي نتغلب على عوائق النجاح في المحاولات التالية.

( الدراسة المترجمة )

أثبت باحثون من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich) الآثار الإيجابية ل «الفشل المثمر» (productive failure) (انظر 1، 2) في مخرجات التعلم (3). معدل النجاح في واحدة من أكبر الدورات التدريبية في (ETH) ارتفعت بنسبة 20 بالمائة.

لو كنت ترغب في تحقيق نتائج تعليمية مثالية ، فإن إمعان التفكير في المسائل ذات الصلة قبل تعلم الأساسيات تؤتي ثمارها. المصدر: معهد ETH في زيورخ. 

منذ فترة طويلة، كان البراديم (النموذج) السائد في التدريس هو أننا نتعلم أشياء جديدة بشكل أفضل عندما يشرحها لنا أحد الأشخاص. شرح الدرس أولًا، ثم التمرين عليه: هذه هي الصيغة التعليمية التي لا تزال مطبقة في عدد لا يحصى من الصفوف الدراسية وقاعات المحاضرات اليوم.

أثبت باحثون من أستاذية علوم التعلم في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ أن العكس تمامًا هي الحالة التي يجب أن يكون عليها التدريس. يوضح مانو كابور (Manu Kapur) ، برفسور في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ الذي ألف الدراسة مع طالب ما بعد الدكتوراة تانماي سينها (Tan­may Sinha):  “إذا كنت ترغب في تحقيق مخرجات تعلم مثالية (3) ، فمن الأفضل أولاً أن تمعن التفكير في حل مسألة تتعلق بموضوع معين قبل استكشاف المبادئ الكامنة وراء ذلك الموضوع”. مفتاح هذه المقاربة هو ممارسة «الفشل المثمر» – وهي نظرية صاغها وطورها البرفسور كابور.

15 عامًا من البحث التربوي

الدراسة التي أجراها كل من سينها (Sinha) وكابور (Kapur) كانت عبارة عن تحليل تلوي meta-analysis) (4)) لبحوث تربوية نشرت على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. راجع المؤلفون 53 دراسة مع 166 تحليلًا مقارنًا، جميعها تتناول مسألة أي استراتيجية تعليمية هي أكثر فعالية: شرح الدرس قبل [حل] التمارين عليه أو العكس. كان الاهتمام الأولي الذي يركز على مدى استيعاب طلاب المدارس وطلاب الجامعات للمفاهيم في تخصصات الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والطب أو يركز على ما إذا يتمكن هؤلاء من تطبيق هذه التخصصات بنجاح.  لم تتضمن الدراسة مهارات عامة، كمسائل من تخصصات العلوم الانسانية.

النجاح التعليمي بلغ ثلاثة أضعاف كفاءة المدرس الجيد

نتائج هذه الطريقة قلبت عقود عديدة من البحث التربوي رأسًا على عقب: حقق جميع الطلاب نجاحًا تعليميًا أفضل بكثير عندما كان عليهم حل التمارين والمسائل قبل أن تُشرح المفاهيم اللازمة لهم.  ولكن هذا الأسلوب ينطبق على طلاب المدارس الثانوية وطلاب البكالريوس الجامعيين أكثر مما ينطبق على طلاب المدارس الابتدائية. وفقًا للمؤلفين، يمكن تفسير ذلك بمجموعة عوامل: غالبًا ما يكون لدى طلاب المدارس الابتدائية معرفة قليلة جدًا بمادة معينة مما يجعلهم غير متمكنين من حل المسائل المتعلقة بهذه المادة بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون تفكيرهم التحليلي وقدراتهم على حل المسائل غير ناضجة.

لماذا الفشل المثمر مجدٍ

ولكن ما الذي يحدث بالضبط عندما يفشل الطلاب فشلًا مثمرًا؟ يقول سينها وكابور إن هناك أربع آليات فاعلة هنا، يشار اليها ب”As” الأربع: أولاً، لا بد للمسألة أن تنشِّط (Activate) أكبر قدر ممكن من المعرفة ذات الصلة. “الفشل المثمر يتطلب قدرًا معينًا من المعرفة المسبقة. لو اراد زيدٌ أن يحل مسألة إحصائية، كإيجاد الانحراف المعياري، على سبيل المثال ، يجب أن تكون المفاهيم الأساسية على الأقل، مثل المتوسط الحسابي ، مألوفة لديه”. ثانيًا، يجب على الطلاب تمييز الفجوة بين ما يفعلونه وما لا يعرفونه بالفعل؛ هذا يجعلهم واعين لذلك (Aware­ness) ، ثالثًا، هذا الأسلوب يجعلهم أكثر تقبلاً للمفاهيم الجديدة ويثير اهتمامهم بحل المسائل، أي أنه يغير شعورهم (A­ffect) أو حالتهم النفسية.

المرحلة الرابعة والأخيرة هي أن يقدم المدرس أو المادة الدراسية شرحًا يطبق المفهوم الجديد لحل المسائل ويثبت لماذا أخطأت الحلول التي قدمها الطلاب الهدفَ. هذا يمكن وصفه بأنه [خط] تجميع المعرفة (knowledge As­sembly). يوضح كابور: “تعتمد مخرحات التعلم على التدريس بطريقة تؤدي فيها هذه الآليات الأربع دورًا رئيسًا”. هذا صحيح بشكل خاص عندما يتناول الطلاب المسائل التي يمكن ادراكها حدسيًا ولكنهم لا يزالون يفتقرون إلى المعرفة المطلوبة لحلها ما لم يتم تعليمهم المفاهيم الجديدة.

معدلات نجاح أعلى بنسبة 20٪ في معهد زيورخ (ETH Zurich)

لكن فريق البرفسور كابور ذهب إلى أبعد من التحليل التلوي واختبر نظريته مباشرة في واحدة من أكبر المواد الدراسية التي تدرس لمدة عام في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH) ، وهو الجبر الخطي، والتي يلتحق بها حوالي 650 طالبًا من قسم الهندسة الميكانيكية وهندسة العمليات.  نظام تدريس هذه المادة يتبع المنهج التقليدي: حيث تُقدم المفاهيم في المحاضرات / الدروس أولًا ثم يُعمل على تطبيقها واستكشافها من خلال التمارين.

مخطط ڤين (Venn) يوضح التسلسل الهرمي لتصميمات التعلم عن طريق الفشل المثمر (PF) و حل المسائل متبوعًا بالشرح (PS-I) والتحضير للتعلم الفي للمستقبل (PFL). هنا ، نعرض فئة واحدة من تصميمات التحضير للتعلم في المستقبل (PFL) حيث تسبق ممارسات التعقل (اعطاء المعنى “sensmaking”، انظر  5) تسبق الشرح.  ومع ذلك ، على نطاق أوسع ، يمكن تصور (PFL) على أنه أي تجربة تعد الطلاب للتعلم في المستقبل – يمكن أن يحدث التعلم ليس فقط من خلال الشرح الصريح (explicit) ولكن أيضًا من خلال الاستكشاف والممارسة وما إلى ذلك. (PF = الفشل المثمر) ؛ (PS-I = حل المسائل متبوعًا بالشرح). المصدر: DOI: 10.3102/00346543211019105

بقيادة طالبة الدكتوراه ڤيرا بومغارتنر (Vera Baumgart­ner) وبالتعاون مع برفسور الرياضيات في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH)  نوربرت هونجيربولر (Norbert Hun­gerbühler)، أستحدث فريق كابور مجموعة من المهام التي يمكن للطلاب أن يحاولوا حلها طوعًا قبل خمس محاضرات رئيسة في كل فصل (سيمستر) دراسي. كان الهدف من التمارين هو تحقيق «الفشل المثمر».  تقريبًا، استغل ستون بالمائة من الطلاب الفرصة وأكملوا العمل الإضافي. كانت النتائج مثيرة للإعجاب:  تاريخياً ، ما يزيد قليلاً عن نصف الطلاب (55 بالمائة) ينجحون في المادة.  وأما معدل النجاح بين هؤلاء الطلاب الذين خاضوا تجربة «الفشل المثمر» قبل المحاضرات كان أعلى بنسبة 20 في المائة، وكانت علاماتهم أفضل بكثير.  بالنسبة للمؤلفين، يُثبت هذا بوضوح أن الذين ينخرطون في تجربة «الفشل المثمر» يتعلمون أكثر في كثير من الأحيان.

الدراسة نشرت في دورية مراجعة البحوث التعليمية (Review of Edu­ca­tional Re­search) (انظر 6).

مصادر من داخل وخارج النص:

1- من أساليب التعـلّم التي أثبتت نجاحها ما يعرف بـ «الفشل المثمر» (Productive Failure) ، وهي طريقة تدريس ابتكرها البروفسور (Manu Kapur) من سنغافورة تقوم فكرتها على الآتي:  عند حل مسائل بصفة عامة بدلاً من أن يشرح المعلم طريقة الحل أولاً ثم يطلب من التلاميذ التطبيق يقوم بإعطاء الفرصة للطلبة (فرادى أو مجموعات) بالتفكير والبحث والتقصي لمعرفة حل المسألة بأنفسهم ويمنحهم الوقت الكافي لذلك دون أن يقدم لهم أية مساعدة، ثم يقوم الطلبة بشرح ما قاموا به من خطوات لمعرفة الحل، ويقوم المعلم بالمقارنة بين الحلول المطروحة من الطلبة، وفي النهاية يشرح لهم الدرس أو طريقة الحل. في العادة قد لا يتمكن الطلبة من حل المسألة بالشكل الصحيح ، ولكن رغم فشلهم في الحل فإن تجربتهم مع هذا الفشل غالباً ما تكون مثمرة تساهم في تنمية مهارة التعلّم لديهم وتجلب المزيد من التعلّم الناجح على المدى الطويل. اقتبسناه مع بعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان: https://100mounir.blogspot.com/2017/04/productive-failure.html

2- https://www.colorado.edu/artssciences-advising/resource-library/life-skills/productive-failure

3- “مخرجات التعلم عبارة عن العبارات سهلة الاستخدام تخبر الطلاب ماذا بمقدورهم أن يفعلوه في نهاية فترة زمنية معينة، وهي قابلة للقياس وملموسة”،  ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:  https://citl.indiana.edu/teaching-resources/course-design/developing-learning-outcomes/index.html

4- “التحليل التلوي هو تحليل في عِلم الإِحصاء يتَضَمَّن تطبيق الّطُرُق الإحصائيّة على نَتائِج عِدّة دِراسات قد تكون مُتوافِقة أو مُتضادّة، وذلك من أجِل تَعيين تَوجُّه أو مَيل لِتلك الّنتائِج أو لإيجاد عِلاقة مُشتَركة مُمكِنة فيما بَينها.  يُمكن أن يُفهَم الّتحليل الّتلوي على أنَّه إجراء خُطوَة تحليل تالية ضِمنَ أسلوب بحث عِلمي على بيانات ناتِجة عن عَمليَّات تحليل سابقة، أيّ أنّه بِبَساطة إجراء عمليّة تحليل للتحاليل. يُمكِن للتحليل الّتلوي أن يتَضمّن استِخدام وسائِل إحصائيّة تَدرُس حجم الأثَر أو القيمة الاحتماليّة وحِساب مُتَوسِط مِن المُريح اتِّباع المُصطَلحات المُستَخدَمة في مُؤسَّسة كوكرين، و استِخدام “الّتحليل الّتلوي” للإِشارة إلى الّطرق الإحصائيّة لِجمع الأدلَّة، و تَرك الجوانِب الأخرى مِن “تجميع الأبحاث” أو “تجميع الأدلّة”، مِثِل جَمع المعلومات المُستَمدّة مِن الّدراسات الّنوعيّة، كَجُزء مِن الّسياق الأَعَم لِمُصطلح “المُراجَعات المنهجيّة”. مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تحليل_تلوي

5- “الفهم هو العملية التي يعطي الناس بها معنى لتجاربهم الجماعية. وهو التطوير المستمر بأثر رجعي للصور العقلية التي تبرر ما يفعله الناس”، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/الفهم_(علم_النفس)

6- https://journals.sagepub.com/doi/10.3102/00346543211019105

المصدر الرئيس:

https://ethz.ch/en/news-and-events/eth-news/news/2021/09/produktives-scheitern.html

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *