كيف يقرر دماغك اللوم والعقوبة (لمرتكب الذنب) – وكيف يمكن أن يتم تغيير ذلك – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

How your brain decides blame and punishment—and how it can be changed
by Amy Wolf
راجعه وقدم له البرفسور علي آل علي

مقدمة البرفسور علي آل علي

لعل الحديث في دقة البناء القانوني على مستوى التحليل وترجمة مقال علمي يخدم دائرة القرار والسلوك القائم عليه جهد يشكر عليه ا.م.عدنان الحاجي ان يخوض في ترجمته واعتز بذلك للخوض في دراسة متعددة التخصصات النامية للقانون وعلم الأعصاب كماورد في المقال.

إن التأمل في الواقعة القانونية وصولاً للإثبات و اصدار لائحة الاتهام يعد من أدق الامور التي يواجهها المتمرس في هذا السلك وبهذا التخصص فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما نود أن نبت في قضايا تُعرف شعبياً بقضاياً الشرف “are commonly called “honour killings نجد ان المفردات تأخذ كل منها اتجاهاً مع ان الواقعة في حال ثبوتها لها منحنىً قد يتوحد عبر التجريم، فاذا تم الجرم من قبل الزوج يسمى ب Uxoricide، واذا كان من قبل الأخ يسمى ب Sororicide، واذا مارسه الابن يسمى ب Matricide، واذا تولى الأب ذلك يسمى ب Filicide، واما اذا اوُكل الجرم الى غرباء فينعت ب Femicide ؛ وهذا مايستدعي الوقوف بدقة عند التأمل في المحتوى القانوني تجد الفوارق،  فكيف بالفلسفي إذا اجتمع في أفق فلسفة القانون.

إن البحث او مطالعة قضية او مراجعة مذكرة قانونية أو قراءة محضر تدوين والوقوف على قرارات فيه يزيد التخصص عبئاً اذ تنهض امام المعول عليه بالقرار التجرد عن علمه الذاتي بالواقعة،  فالقاضي ((لايحكم بعلمه)) وهنا تكمن المفارقات التي لابد أن ينسلخ الممارس للقانون سيما في سدة القضاء عن ذاته ليبت في أمر يعلم هو بالاساس محتواه او ملامحه الاساسية فلابد له أن يتجرد عن أحكامه المسبقة ويخوض فيها؛  وقد اتفقت التشريعات القانونية ببعضها السماوي أو الوضعي والتي تتغذى من بعضها البعض اذ تعمل الاولى على شرعنة العرف بما لايتعارض مع النص السماوي وتاتى الاخيرة للنهوض بارائها نحو التجرد الذي يتجلى سماوياً والذي يتعاطى مع العرف وفي أقصى مسار لعقلانية العرف ومدركاته.

فتجد مثلا كراهيه جلوس القاضي على سدة القضاء مع شعور (ولو أولي) ذاتي في احتياجاته الطبيعيه Call of nature، فاذا كانت الدقة بهذا المستوى، بل تتجاوز الضمانات التي توضع لمدى تأثير أو تأثر الفرد في احكامه تجد أن القاعدة التي تتجاوز ذلك وهي ((قاعدة درء الحدود بالشبهات))، القاعدة تحكم حتى مع اكتمال الاشهاد والبينات حتى في المحاكم ومحاكم النقض تزخر بذلك إذ تأخذ قوانينها الجزائية بالقوانين التي تعتمد لابديه الجزم واليقين في تقرير ثبوت التهمة، أخذاً بقاعدة الأصل في الإنسان البراءة، وقاعدة ما ثبت باليقين لا يزول بالشك، أو تستمد منها، فقد نجد هذه القاعدة بنصها في أحكام المحاكم تأثراً بالفقه الإسلامي وقواعد الإثبات وتفسير النصوص فيه، وأحياناً نجد ما يقابلها، وهو تفسير الشك لمصلحة المتهم، أو البراءة الأصلية وكمثال اخر ، في القضاء السوداني: جاء في حكم المحكمة العليا في السودان برقم م ع فحص جنائي/ 151/1405هـ قد يدرأ الحد عن المدان بمقتضى البينة الظرفية، بسبب ثبوت الجريمة بالشبهة، لأن الحد أو القصاص أصلاً لا يجب إنزاله إلا ببينة مباشرة أو بإقرار غير معدول عنه، أي بعد ثبوت الجريمة من دون شبهة. وذلك عملاً بحديث الرسول – صلى الله عليه (وآله) وسلم -: «ادرؤوا الحدود بالشبهات». فالإثبات غير المباشر، أي بقرائن الأحوال، شبهة توجب درء الحدود، لأن الشبهة واضحة من تعريف القرينة في المادة 52 من قانون الإثبات لسنة 1983 بأنها استنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت بناء على الغالب من الأحوال. وإذا درئ الحد قد تكون العقوبة الدية أو التعزير»، تدرك عندها ذلك، حتى شُرّع في الممارسات القانونية أن يكون للقاضي الإعراض عن البت في القضية ((منعاً للحرج )) وهو مستشف من واقع القضاء الجناسي لمنع التداخل بين العلم الذاتي والتجرد عنه وهذا مانجده متداولاً في قانون المرافعات وقد وضعت نصوص قانونية تتعلق بأهم مبادئ تحقيق العدالة لضمان حياد القاضي واستقلال القاضي، وهذه المبادئ إذا ما حدث خلل في استقرارها وتوافرها كان على المحكمة أن تتنحى عن نظر القضية، كذلك من ضمن أسباب تنحي القاضي أن يكون أحد خصوم الدعوى ذو صلة أو قرابة بالقاضي، أو حصل منه على هدية سابقة، وهنا يخشى القاضي أن يغلبه الهوى ويخرج عن حياد العدالة ولو بشكل غير مقصود فيقرر التنحي عن الاستمرار في نظر الدعوى وهذه أسباب تنحي القضاة وهي تختلف تمامًا عن أسباب رد المحكمة من قبل أحد خصوم القضية، فاسباب الرد تتلخص في وجود خصومة سابقة بين القاضي والخصم في الدعوى، أو استشعار أحد المتهمين خروج المحكمة عن حيادها وعدم منحها الدفاع حقه في تقديم ما لديه من دفوع قد تثبت براءة موكله، وقد قيل “الفساد يعيق الوظيفة الدستورية والقانونية ، لأنه يحرف سيادة القانون ويحدث تحيزات في النظام القانوني” (Corruption obstructs constitutional and legal participation, for it distorts the rule of law and creates biases in the legal system).

طبعا هذا هو الاساس النظري لهيكلية وتطبيق القوانين ، ولعل اسباب التخلف عنها هو الذي افرز مانراه من “شلل وانحياز القضاء” “the paralysis and partiality of the judiciary”.

ولم يقف الأمر حتى على مستوى الاقاليم فيذكر الطبري في تاريخه (5/320): قال أخبرنا كليب بن خلف عن طفيل بن مرداس ((كليب وطفيل من المجاهيل بحسب السند الروائي وان كنت شخصياً أرى أن قواعد السند لكل علم لها قواعد لكن ساد اعتماد قواعد اسناد الحديث لذا اقتضى التنويه)) قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى سليمان ابن أبى السرى أن اعمل خانات في بلادك فمن مر بك من المسلمين فاقروهم يوما وليلة وتعهدوا دوابهم فمن كانت به علة فاقروه يومين وليلتين فان كان منقطعا به فقووه بما يصل به إلى بلده فلما أتاه كتاب عمر قال أهل سمرقند لسليمان إن قتيبة غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا وقد أظهر الله العدل والانصاف فائذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكون ظلامتنا فان كان لنا حق أعطيناه فان بنا إلى ذلك حاجة فأذن لهم فوجهوا منهم قوماً فقدموا على عمر فكتب لهم عمر إلى سليمان ابن أبى السرى إن أهل سمرقند قد شكوا إلي ظلما أصابهم وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضى فلينظر في أمرهم فان قضى لهم فاخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة قال:

فأجلس لهم سليمان جُميع بن حاضر القاضى الناجى فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء فيكون صلحاً جديداً أو ظفرا عنوة فقال أهل السغد (مكان في سمرقند) بل نرضى بما كان ولا نجدد حرباً وتراضوا بذلك فقال أهل الرأى قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم وأمنوا وأمناهم فإن حكم لنا عدنا إلى الحرب ولا ندرى لمن يكون الظفر وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة فتركوا الامر على ما كان ورضوا ولم ينازعوا.

ترجمة نص البحث 

تقرر هيئة المحلفين في القضايا الجنائية عادةً ما إذا كان شخص ما مذنباً ، ثم يحدد القاضي مستوىً مناسبًا من العقوبة.  يؤكد بحث جديد أن هذين التقييمين المنفصلين للذنب/للجرم  والعقاب – على الرغم من ارتباطهما – يتم حسابهما في أجزاء مختلفة من الدماغ.  في الواقع ، وجد الباحثون أن بإمكانهم تعطيل وتغيير أحد القرارين دون التأثير على الآخر.

يؤكد بحث جديد قام به باحثون في جامعة فاندربيلت وجامعة هارفارد أن منطقة  معينةً من الدماغ ، وهي القشرة ماقبل الجبهية الظهرانية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex,  منطقة حاسمة في قرارات العقوبة.  تنبأ الباحثون ووجدوا أنه من خلال تغيير نشاط الدماغ في منطقة الدماغ هذه، يمكنهم تغيير كيف يعاقب المشاركون في التجربة المتهمين المفترضين بدون تغيير مقدار  استحقاق اللوم الموجه الى المتهمين.

وقال رينيه ماروا ، البرفسور ورئيس قسم علم النفس في جامعة ڤاندربيلت والمؤلف المشارك الرئيسي للدراسة: “لقد تمكنا من تغيير سلسلة اتخاذ القرار بشكل كبير وخفض العقوبة على الجرائم دون التأثير على استحقاق اللوم غلى ذنب/جرم مرتكب”.  “هذا يعزز الأدلة على أن القشرة ماقبل الجبهِية الظهرانية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex تدمج المعلومات من أجزاء أخرى من الدماغ لتحديد العقوبة وتظهر إنفصالاً عصبياً واضحاً بين قرارات العقوبة وأحكام المسؤولية الأخلاقية”.

نُشر البحث الذي يحمل عنوان “من اللوم إلى العقوبة: ارباك نشاط قشرة ماقبل الجبهِية تكشف آليات لفرض القواعد المعيارية” في ١٧ سبتمبر ٢٠١٩ في مجلة نيورون (١).

التجربة

استخدم الباحثون التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة المتكرر (rTMS) في منطقة معينة من قشرة القشرة ماقبل الجبهِية الظهرانية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex لتغيير النشاط في هذه المنطقة لفترة وجيزة وبالتالي تغيير مقدار العقوبة التي يخضع لها الشخص.

“تظهر العديد من الدراسات الوظيفة التكاملية للقشرة ماقبل الجبهِية الظهرانية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex في المهام الإدراكية/المعرفية cognitive البسيطة نسبيًا ، ونعتقد أن هذه العملية الأساسية نسبيًا تشكل أساسًا لأشكال أكثر تعقيدًا بكثير من السلوك واتخاذ القرارات ، كالتي لفرض القواعد المعيارية ، كما يقول المؤلف الرئيسي.  جوشوا بوكهولتز ، وهو الآن أستاذ مساعد في علم النفس بجامعة هارفارد.

أجرى الباحثون تجارب على ٦٦ من الرجال والنساء المتطوعين.  طُلب من المشاركين اتخاذ قرارات العقوبة واستحقاق اللوم blameworthiness في سلسلة من السيناريوهات التي ارتكب فيها المشتبه فيه جريمة.  تباينت السيناريوهات هذه حسب الضرر الناجم (تتراوح بين خسارة  الممتلكات والإصابات الخطيرة والموت) ومدى مسؤولية المشتبه فيه عن الفعل (مسؤول بالكامل أو لا ، بسبب ظروف مخففة، ك) (لتعريف الظروف المخففة، راجع ٢). تلقى نصف الأشخاص rTMS نشطًا بينما تلقى النصف الآخر من المشاركين نسخة وهمية من rTMS.

مستوى الضرر

في جميع المشاركين وفي جميع التجارب ، كانت كل من ‘استحقاقية اللوم لإرتكاب الذنب/الجرم ‘ culpabilit  ومستوى الضرر عاملين تنبؤيين مهمين بحجم/بمقدار العقوبة التي اعتبرها المشاركون مناسبة.  لكن الأشخاص الذين تعرضوا ل  rTMS نشط اختاروا عقوبات أقل بكثير ضد الملام بالجرم المتهم fully culpable suspects مما اختاره أولئك الذين تعرضوا ل rTMS وهمي ، وخاصة في السيناريوهات التي أدت إلى ضرر منخفض إلى متوسط.  تحليلات إضافية أشارت الى أن التأثير كان بسبب ضعف تكامل إشارات (دماغية) الضرر واستحقاقية اللوم لإرتكاب الذنب/الجرم culpabili.

“يبدو أن تعطيل/ ارباك وظيفة القشرة ما قبل الجبهِية الظهرانية الجانبية بشكل مؤقت يؤدي إلى تغيير كيف يستخدم الناس المعلومات المتعلقة بالضرر ‘واستحقاقية اللوم لإرتكاب الذنب/الجرم ‘ culpability ليسلموا /ليحكموا؟ بهذه القرارات render these decisions،  وبكلمات أخرى ، تتطلب العقوبة أن يوازن الناس بين هذين التأثيرين ، وأن التلاعب ب rTMS يتداخل مع هذا التوازن ، خاصة في ظل الظروف التي تكون فيها هذه العوامل غير متناغمة ، مثل عندما تكون النية واضحة ولكن نتيجة الضرر خفيفة، كما قال بوخولتز.

التبعات والاتجاهات المستقبلية

الهدف الرئيسي لفريق البحث في هذا العمل هو توسيع معرفة كيف يقيّم الدماغ المعلومات وبعدها كيف يدمج ذات الصلة منها بقرارات الجرم والعقوبة.  كما أنه سيؤدي إلى تقدم الدراسة المتعددة التخصصات النامية للقانون وعلم الأعصاب.

“يمنحنا هذا البحث رؤىً أكثر عمقاً في كيف يتخذ الناس قرارات ذات الصلة بالقانون ، وخاصة في كيف تساهم أجزاء مختلفة من الدماغ في اتخاذ قرارات متعلقة بالجريمة والعقاب.  وقال أوين جونز ، أستاذ القانون والعلوم البيولوجية بجامعة ڤاندربيلت ومدير برنامج” (شبكة أبحاث مؤسسة ماكارثر MacArthur في القانون والعلوم العصبية ٣). نأمل أن تساعد هذه الأفكار في بناء أساس لمعرفة أفضل بالتحيزات في اتخاذ القرارات ، وربما في يوم من الأيام ، في التصدي لهذه التحيزات في النظام القانوني”.

استند هذا العمل الجديد الى مجموعة من الأوراق البحثية بما في ذلك الأوراق التالية ٤-٦).

تم تمويل البحث من خلال منحة من شبكة أبحاث مؤسسة ماكآرثر في القانون وعلم الأعصاب ومركز جامعة ڤاندربيلت لعلم الأعصاب التكاملي والإدراكي (CICN).

مصادر من داخل وخارج النص 
١-https://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(15)00717-5?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS0896627315007175%3Fshowall%3Dtrue
٢-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/عامل_مخفف_(قانون)
٣-http://lawneuro.org/
٤-https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1715509
٥-https://www.nature.com/search?journal=neuro&q=Corticolimbic%20Gating%20of%20Emotion-Driven%20Punishment
٦-https://www.nature.com/articles/nn.3087
المصدر الرئيسي:

https://news.vanderbilt.edu/2015/09/16/how-your-brain-decides-blame-and-punishment—and-how-it-can-be-changed/?utm_source=feedburner&utm_medium=feed&utm_campaign=Feed%3A%20vanderbilt-news%20%28Vanderbilt%20News%29

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *