ومضات معرفية من كتاب: الإرهاق الرقمي: قواعد بسيطة لاستعادة السيطرة على حياتك – ترجمة* عبدالله سلمان العوامي

إسم الكتاب: 
“الإرهاق الرقمي: قواعد بسيطة لاستعادة السيطرة على حياتك”
[Digital Exhaustion: Simple Rules for Reclaiming Your Life]

تنصّل:
هذه الترجمات لا تعبّر بالضرورة عن تأييدٍ أو معارضةٍ للأفكار والآراء الواردة في النصوص الأصلية، وإنما تهدف إلى إثراء المحتوى العربي من خلال نقل معارف ورؤى متنوعة من مصادر متعددة، مع الحرص على إيصال المعنى والسياق بأكبر قدر ممكن من الدقة والأمانة. وقد جرى في إعداد هذه الترجمات الاستعانة بأكثر من منصة من منصات الذكاء الاصطناعي للمقارنة والمراجعة واختيار الصياغات الأنسب، إلى جانب تدخل وبتصرف واعٍ في التحرير والمراجعة، شمل تعديل الترجمة الحرفية عند الحاجة بما يراعي السياق الثقافي والفكري، ويضمن وضوح المعنى وعدم اختلاله.
وقد تتضمن هذه المواد أفكارًا أو تصورات قد لا تنسجم بالضرورة مع بعض القناعات الشخصية، إلا أن نشرها يأتي في إطار الإسهام في الحوار المعرفي، وبناء جسور للتواصل الثقافي والفكري، وفتح المجال للنقاش الموضوعي في مجالات متعددة مثل الصحة، والتقنية، والاقتصاد، وغيرها. ونأمل أن تسهم هذه الترجمات في توسيع آفاق القارئ العربي، وتعزيز التفكير النقدي، مع التأكيد على حق كل قارئ في تبنّي ما يراه مناسبًا أو نقده بوعي واحترام.

توطئة:
الإرهاق الرقمي (Digital Exhaustion) هو حالة من الإنهاك الذهني والعاطفي تنشأ نتيجة الاستخدام المفرط والمستمر للتقنيات الرقمية، مثل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والاجتماعات الافتراضية، من دون فترات كافية للراحة أو الانفصال الذهني.
ويُعدّ الإرهاق الرقمي شكلًا من أشكال الاستنزاف العقلي والعاطفي، إذ يشعر الفرد بأن ذهنه مثقل ومُرهق بسبب التدفق المتواصل للمعلومات والتنبيهات، حتى في غياب أي مجهود بدني مباشر. وتظهر أعراضه في صورة قلق، وضعف في التركيز، واضطرابات في النوم، وقد تفاقمت حدّته مع توسّع أنماط العمل والتعلّم عن بُعد، لا سيما خلال فترة الجائحة، ومابعدها.
وبعبارة مبسطة، يمكن وصف الإرهاق الرقمي بأنه الإحساس بأن العقل أصبح «ممتلئًا أكثر من اللازم»، نتيجة التعرض المستمر لكمٍّ هائل من المعلومات والتنبيهات، حتى وإن لم يكن هناك جهد جسدي يُذكر.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون (Amazon):
صُنِّف كأحد أفضل كتب الإدارة لعام 2025 من قِبل صحيفة ذا غلوب آند ميل (The Globe and Mail)
وهو بمثابة دراسة كاشفة توضح أسباب شعورك بهذا الإنهاك الشديد، وتقدم استراتيجيات يومية عملية لتغيير علاقتك بأجهزتك.
إن قطع الاتصال (Unplugging) عن التكنولوجيا ليس حلًا طويل الأمد للتوتر الذي تسببه. فإذا أردت الحفاظ على وظيفتك، والمشاركة في المجتمع، والحفاظ على علاقات ذات معنى، فلا يمكنك الهروب من تطبيقاتك وأجهزتك المتعددة.
يرسم المؤلف السيد بول ليوناردي (Paul Leonardi) مسارًا عمليًا وقابلًا للتطبيق لتقليل من (الإرهاق الرقمي Digital Exhaustion)، مستندًا إلى أبحاث واسعة تُظهر كيف يمكن لأشخاص حقيقيين استخدام التكنولوجيا بطرق صحية. هذه مقاربات واقعية لن تشتت انتباهك ولا تستنزف احتياطاتك المعرفية والعاطفية. كثير من التغييرات بسيطة لكنها فعّالة على نحو مدهش، مثل الانتظار لفترة أطول قبل الرد، والتأكد من استخدام الأداة المناسبة لكل مهمة، وزيادة الوعي بالوقت والطاقة اللذين نخصصهما لأجهزتنا. كما يشرح الفخاخ العاطفية التي تقودنا إلى علاقات مختلة مع التكنولوجيا، وكيفية الإفلات منها.
بإرشاد من المؤلف السيد (ليوناردي Leonardi)، يمكنك بناء علاقات أقوى، وأن تكون أكثر إبداعًا وإنتاجية، وأن تخلق مساحة ذهنية تستعيد بها طاقتك وحياتك.

مؤلف الكتاب:

يُعد السيد بول ليوناردي (Paul Leonardi) مرجعاً عالمياً في مجالات التحول الرقمي (Digital Transformation) والتغيير المؤسسي (Organizational Change)، ويشغل حالياً منصب أستاذ كرسي “عائلة دوكا” لإدارة التكنولوجيا (Duca Family Professor of Technology Management) في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا (University of California, Santa Barbara).
الخبرة الاستشارية والتأثير المهني: يُعرف السيد ليوناردي (Leonardi) بدوره كمستشار لكبار القادة التنفيذيين حول كيفية إعادة تنظيم القوى العاملة للمنافسة بفعالية باستخدام البيانات والتحليلات المتقدمة. وقد تعاون مع نخبة من الشركات العالمية الكبرى مثل:
• مايكروسوفت (Microsoft)
• جنرال موتورز (General Motors)
• ديسكفر (Discover)
وتركزت جهوده في هذه المساهمات والاستشارات على:
• توظيف الأدوات الرقمية لتعزيز مشاركة المعرفة (Knowledge Sharing) الداخلية.
• هيكلة وتحسين عمليات تطوير المنتجات العالمية (Global Product Development).
• إدارة الجوانب البشرية (Human Aspects) لضمان النجاح عند تنفيذ التقنيات الجديدة.
المكانة الأكاديمية والإعلامية
حصل السيد ليوناردي (Leonardi) على درجة الدكتوراه من جامعة ستانفورد (Stanford University)، وهو باحث ومُعلم نال العديد من الجوائز المرموقة. وتتمتع أعماله بانتشار واسع وموثوقية عالية، حيث:
• أشرف على تحرير مجلدين متخصصين في التكنولوجيا والخبرة.
• نُشرت أبحاثه في أرقى المجلات والدوريات العلمية العالمية.
• استُشهد بآرائه وأبحاثه في كبرى الوسائل الإعلامية مثل: نيويورك تايمز (The New York Times)، ووول ستريت جورنال (The Wall Street Journal)، وفوربس (Forbes)، وفايننشال تايمز (Financial Times).
أبرز المؤلفات: أصدر السيد ليوناردي (Leonardi) كتابين محوريين حول الابتكار التكنولوجي والتغيير المؤسسي وهما:
1. حوادث السيارات من دون سيارات (Car Crashes without Cars).
2. اختيارات التكنولوجيا (Technology Choices).

منصة الوميض** (Blinkist) قامت بتلخيص الكتاب في “خمس ومضات” معرفية ومقدمة وخلاصة نهائية، وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب وهي كالتالي:

المقدمة – فائدة هذا الكتاب هي تعلّم ثماني قواعد للتوقف عن الشعور بالإرهاق الرقمي.
هل سبق أن أغلقت حاسوبك المحمول وأنت تشعر بالإنهاك، رغم أن لديك طاقة جسدية لا بأس بها؟ تلك الحالة المربكة بين “النشاط والفراغ الداخلي” (Wired-but-empty)، الناتجة عن سيل لا ينتهي من رسائل البريد الإلكتروني والمحادثات ومراسلات وسائل التواصل الاجتماعي، هي ما يُعرف بـ (الإرهاق الرقمي Digital Exhaustion)؛ حيث تُستنزف بطاريتك الذهنية بينما تواصل أجهزتك المطالبة باهتمامك.
في هذه الومضات المعرفية، ستستكشف مفهوم الإرهاق الرقمي، وعلاقته بالتوتر والاحتراق النفسي، ولماذا تُعد عاداتك مع الشاشات أكثر أهمية من أي تطبيق بمفرده. ستتعرّف بدقة على ما يستنزف طاقتك، وتكتشف ثماني قواعد بسيطة لحمايتها، وتسريع إعادة شحنها في وقت أقرب، وجعل أدواتك مصدرًا للتجديد والانتعاش بدلًا من أن تُنهك قواك.

الومضة الأولى – كيف تستنزف شاشاتك طاقتك بهدوء
يهتز هاتفك على الطاولة الجانبية للسرير؛ فتوقف المنبه، تفتح عينيك بصعوبة لتنظر إلى الوقت، ثم تجد نفسك – وبدون تفكير تقريباً – غارقاً في “التصفح المأساوي” (Doomscrolling) وأنت لا تزال في السرير وعلى فراشك. رسائل، وأخبار، ورسائل بريد إلكتروني خاصة بالعمل، ومحادثات دردشة جماعية.
يحاول صوت ما جذب انتباهك، لكنك بالكاد تدرك ما قاله شريكك للتو. هذه هي بداية ما يسميه المؤلف السيد (بول ليوناردي Paul Leonardi) “ثلاثية الإرهاق” (The Exhaustion Triad)؛ وهي دورة من التحولات المستمرة في الانتباه، والتخمين الذهني، والمشاعر المضطربة التي تستنزفك حتى قبل أن يبدأ يومك أصلًا.
غالباً ما نعتقد أن الانتباه عملية سلبية، لكن الحفاظ على التركيز يتطلب طاقة حقيقية. في كل مرة تنتقل فيها بين المهام – من قراءة مقال إلى إرسال نص ثم إلى إشعار- يتعين على دماغك إعادة توجيه نفسه وحرق وقود إضافي. وكلما زاد عدد مرات هذا الانتقال، زاد شعورك بالاستنزاف، حتى لو لم تقم بأي مجهود بدني. تجعل الهواتف هذه القفزات تبدو سهلة وبلا مجهود، لكن تكلفتها تتراكم بسرعة. ربما تتنقل بين التطبيقات، أو تقفز عبر المنصات، أو تحاول إنهاء تقرير بينما ترد على رسائل مدرسة طفلك. وسواء كان ذلك في المنزل أو العمل أو في الطريق بينهما، فإن هذا الانتباه المشتت يتراكم؛ ففي نهاية المطاف، لا يقتصر الأمر على ما توليه انتباهك فحسب، بل بعدد المرات التي يُسحب فيها انتباهك بعيدًا. فكل انتقال يحمل كلفة صغيرة، وهذه الكلفة تتضاعف على مدار اليوم.

ثم يتسلل الاستنتاج الضمني (Inference)؛ فتري منشوراً لزميل في العمل أو تلاحظ صمت أحد العملاء، وتُقرر فوراً ما يعنيه ذلك، وكيف يشعرون، وماذا يقول ذلك عنك. لم تتحدثوا فعلياً، ولكن بعد بضع إعجابات (Likes) أو إشارات (Tags) أو ردود، يسهل عليك الشعور بأن هناك علاقة كاملة بدأت تتشكل. أو قد تتصفح صوراً لرحلة جماعية وتتساءل لماذا تبدو حياتك مملة وأقل اثارة بالمقارنة. تعمل الشاشات كبوابات ومرايا في آن واحد؛ فهي تسحبك لتخمين ما يفكر فيه الآخرون، بينما تعكس صورتك أمام نفسك أيضاً. وحتى في مكالمات الفيديو، يحوم جزء من انتباهك حول وجهك، مراقباً أداءك. كل تلك المراقبة الذاتية تستنزف الطاقة المعرفية وتضيف عبئاً عاطفياً.
تلعب العواطف دوراً ضخماً في الاحتراق النفسي (Burnout)، وتعمل التقنية على تضخيمها بجعلك تشعر بضعف السيطرة. وتظهر خمس عواطف على وجه الخصوص مراراً وتكراراً، وهي:
1. الخوف: تزايد القلق من فوات أداة أو رسالة أو تحديث.
2. القلق: كثرة الخيارات اللانهائية – من قوائم ولوحات تحكم وعمليات بحث صحية – تجعل كل خيار يبدو محفوفاً بالمخاطر، فتتوقف عن الفعل.
3. الشعور بالذنب: مراقبة الآخرين وهم يردون أو ينشرون أو ينتجون بشكل أسرع يجعلك تشعر بالتأخر.
4. الغضب: يتراكم الاستياء عندما تدرك أن المنظومة نفسها تبقيك على حافة التوتر.
5. الحماس والاثارة: حيث تجذبك المنصات والميزات الجديدة للحصول على جرعة واحدة إضافية فقط. كل عاطفة من هذه العواطف ترهق الجسد والعقل معاً، وتتراكم فوق الاستنزاف الناتج عن التنقل المستمر والتخمين المتكرر.

ليست التقنية بحد ذاتها هي ما ينهكك، بل الطريقة التي تستحوذ بها على انتباهك، وتغذي الافتراضات، وتغمر نظامك العاطفي. وبمجرد أن تدرك عمل تلك “الثلاثية”، يمكنك البدء في استعادة طاقتك من خلال قواعد بسيطة وملموسة تكسر قبضتها عليك.

الومضة الثانية – قلّص أدواتك، وواءم بين تقنيتك والمهمة المطلوبة
فكّر في عدد الأدوات الرقمية التي تستخدمها في يوم واحد، سواء في العمل أو في المنزل. هاتفك، حاسوبك المحمول، التلفاز، واجهة السيارة… ثم تأتي التطبيقات: سلاك (Slack)، زوم (Zoom)، جي ميل (Gmail)، واتساب (WhatsApp)، نتفلكس (Netflix)، أليكسا (Alexa). تطول القائمة بسرعة، وقد تفاجأ بمدى ضآلة ما تملكه حقاً من سيطرة عليها.
القاعدة الأولى لتخفيف (الإرهاق الرقمي Digital Exhaustion) بسيطة من الناحية النظرية: استخدم أدوات أقل. استهدف إجراء تقليص جوهري، كأن تحذف نصفها مثلاً. فتطبيقات اليوم تتغير باستمرار، مع ظهور ميزات جديدة، وتبدل القوائم، وتجد نفسك مضطرًا لإعادة تعلم الواجهات مراراً وتكراراً. فاستخدام أدوات أقل يعني مرات أقل من إعادة التعلم، ومرات أقل من التنقل بين التطبيقات، وبالتالي إرهاقاً أقل.
استخدم أربع خطوات لتقليص هذه الأدوات، وهي كالتالي:
• أولاً، ضع قائمة بكل أداة تستخدمها وصنفها في ثلاث فئات: العمل، أو المنزل، أو كلاهما؛ فالتطبيقات المنزلية تسبب فوضى رقمية بقدر ما تسببه أدوات العمل، وعادةً ما تملك سيطرة أكبر عليها.
• ثانياً، قيم كل أداة بناءً على ثلاثة معايير: القابلية للاستبدال (هل يمكن لشيء آخر القيام بنفس المهمة؟)، والوظيفة (هل هي ضرورية لمهمة محددة؟)، والارتباط بالشبكة (Network lock-in) (هل تستخدمها فقط لأن الجميع يفعل ذلك؟)؛ فالأدوات التي تفشل في هذه الاختبارات هي الأحق بالاستبعاد.
• ثالثاً، ابدأ بالتحرك حيث تملك تأثيراً فعلياً؛ فقد لا تتمكن من التخلي عن منصة تفرضها عليك الشركة التي تعمل فيها، لكن يمكنك توحيد الجهود في أماكن أخرى، كالاتفاق على وحدة تخزين مشتركة واحدة، أو طلب استخدام خدمة الفيديو التي تتقنها بالفعل.
• رابعاً، أجرِ تدقيقاً للطاقة (Energy audit)؛ هل تمنحك هذه الأداة النشاط أم تستنزفك؟ إذا كانت تكلفتها النفسية أكبر من نفعها ولا تحتاجها حقاً، فتخلص منها، أما إذا كانت تمنحك دفعة حقيقية، فقد تستحق مكانها.
والآن مع القاعدة الثانية: حقق المواءمة (Make a match). فبشكل أساسي، يجب أن تتناسب التقنية التي تستخدمها مع المهمة المطلوبة؛ وإلا فستخلق احتكاكاً (Friction) لم تكن بحاجة إليه أبداً.
تمتلك كل أداة ما يطلق عليه المصممون “الإمكانات المتاحة” (Affordances)، وهي الأفعال التي تمكنك الأداة من القيام بها. هذه ليست ميزات ثابتة؛ بل تعتمد على أهدافك ومهاراتك وسياقك. قد يكون برنامج إكسل (Excel) أداة بسيطة لفرز قائمة بريدية لشخص ما، بينما يكون نموذجًا ماليًا متكاملًا لشخص آخر. مهمتك هي مواءمة هذه الإمكانات مع العمل القائم أمامك.
وهناك عاملان يمكنهما مساعدتك في الاختيار، وهما:
• أولاً: “الالتباس” (Equivocality)، وهو عندما يكون الشيء قابلاً للتفسير بطرق مختلفة؛ فإذا كانت المعلومات تحتمل تأويلات متعددة، فاستخدم قناة توفر سياقاً أكبر، مثل القنوات المتزامنة أو المقابلة وجهاً لوجه حيث تكون النبرة والتوقيت والتعليقات فورية. أما إذا كان المعنى مشتركاً بالفعل والمهمة واضحة، فإن القنوات الأبسط مثل البريد الإلكتروني توفر الوقت وتتجنب الضجيج وتقلل التشويش.
• العامل الثاني هو “التنسيق” (Coordination)؛ فإذا كان الآخرون يعتمدون بشكل وثيق على أفعالك، فإن التواصل الأغنى والأسرع يكون أنسب. وإذا كان العمل مستقلًا أو يُسلَّم على مراحل، فإن الأدوات الخفيفة تحافظ على الكفاءة.

ولا تتجاهل البُعد الاجتماعي؛ فقد تُفهم الرسالة النصية على أنها “أنا مشغول”، بينما تُفهم المكالمة على أنها “أنا أهتم”. حتى الخيارات البسيطة ترسل إشارات؛ فإذا كانت القناة التي اخترتها تعطي انطباعاً خاطئاً، فعليك التعديل وتوضيح نيتك.

الومضة الثالثة – عالج أعمالك بنظام الدفعات أو التدفقات (حركة متواصلة)، وحدد أوقاتاً أكثر منطقية للرد
قد تعتقد أنك توفر الوقت بالرد السريع على رسالة ما فور وصولها، أو بالتنقل بين التطبيقات في منتصف تنفيذ المهمة، أو بتفقد صناديق الوارد كل بضع دقائق. لكن عادة تبديل السياق (Context-switching) المستمرة هذه تعد استنزافاً خفياً للطاقة. تدعوك القاعدة الثالثة، “المعالجة بالدفعات والتدفقات” (Batch and stream)، إلى التوقف عن خلط كل شيء معاً، وبدلاً من ذلك إدارة المهام بشكل يشبه عمل المصنع: بعضها في دفعات، وبعضها في تدفقات (حركة متواصلة).

تعد المعالجة بالدفعات (Batching) هي الأفضل للمهام التي تتطلب تركيزاً ولكنها لا تتغير كثيراً من بند إلى آخر؛ مثل جدولة الاجتماعات، ومراجعة الوثائق والمستندات، وإدخال النفقات. وبدلاً من توزيعها على مدار اليوم، قم بتجميعها معاً في كتلة زمنية واحدة دون انقطاع. واحرص على تنظيم عملك بناءً على “نوع التفكير” الذي يتطلبه – مثل القراءة، أو اتخاذ القرار، أو الصياغة – بدلاً من تنظيمه بناءً على التطبيق المستخدم.

المعالجة المتدفقة (Streaming) تعني التعامل مع مدخلات مختارة فور وصولها، مثل صندوق الوارد المخصص للأولويات، مع معالجة كل ما تبقى بنظام الدفعات. حدد أي المصادر تتبع نظام التدفقات وأيها تتبع نظام الدفعات؛ فليس عليك القضاء على كل المقاطعات، بل يكفي أن تتوقف عن خلق مقاطعات جديدة يمكن تجنبها من خلال محاولة القيام بمهام متعددة عبر أنماط غير متوافقة.

وهذا يقودك إلى القاعدة الرابعة: الانتظار — إمّا ساعة واحدة، أو يومًا واحدًا، أو أسبوعًا واحدًا. وهي تذكير بأن “توقيت” ردك لا يقل أهمية عن “كيفية” الرد نفسها. تخيل أن الوقت قد تأخر، وومضت شاشة هاتفك برسالة عبر تطبيق (سلاك Slack)؛ فتجيب على الفور، لكنك متعب، فيأتي ردك غامضاً ومشحوناً بالاستياء. ماذا لو كنت قد انتظرت ساعة واحدة وأجبت بوضوح وموضوعية؟

صنف كل رسالة إلى ثلاث فئات: الرد خلال ساعة، أو يوم، أو أسبوع؛ ووجّه الرسائل غير العاجلة إلى كتلة “الدفعات” التالية أو نافذة “التدفقات” المخصصة لها. تريث قبل الرد، وراقب كيف سيبدأ الآخرون في محاكاة إيقاعك. هذا هو الإيقاع الذي تنشده: ردود أبطأ وأكثر وضوحاً في أوقات يمكن التنبؤ بها. اجمع الردود متى أمكن، فأرسل رسالة واحدة مدروسة بدل خمس رسائل سريعة. ومن خلال إطالة زمن الاستجابة الافتراضي قليلًا، ستتمكن من صياغة رسائل أفضل تقلّل من الأخذ والرد.

هناك مقايضات بالطبع؛ فقد تفوتك لحظة من العفوية أو يتأخر إغلاق حلقة نقاشية لمدة ساعة. ولكن ما ستكسبه في المقابل هو الطاقة، والتركيز، والسيطرة.

الومضة الرابعة – توقف عن القفز إلى الاستنتاجات، واستخدم التقنية بوعي وقصد
عندما ترى صور عطلة متألقة لصديق ما أو منشوراً لزميل عن ترقية كبيرة، ما مدى سرعتك في تكوين حكم عن نوع الشخص الذي هو عليه؟ وعندما يسود الصمت في محادثة ما، ما مدى السرعة التي تملأ بها الفراغات بقصص من نسج خيالك؟ تطلب منك القاعدة الخامسة، “لا تفترض”، أن تتراجع عن الأحكام المتسرعة التي تدعوك إليها الأدوات الرقمية، ويقدمها عقلك بكل سرور.

تجعل الأدوات الرقمية الانتقال من البيانات إلى القصة أمرًا سهلًا، بل وأحيانًا أمرا سهلًا أكثر من اللازم. فقد يُظهر نظام إدارة المشاريع من أنجز ماذا وبأي سرعة. ثم يبدأ الناس بملء الفراغات: يفترضون أن «مسؤول الطابعة» يحب مهام الطابعة، أو توجيه المهام نحو الأسرع أو الأكثر دقة، أو تضخيم مدخلاتهم الخاصة. وسرعان ما تتحول تلك الافتراضات إلى روايات زائفة. الحل؟ لا تبالغ في تفسير الأرقام، وأضف ما هو مفقود – كالاهتمامات، والتعلم، والنتائج الفعلية – قبل استخلاص الاستنتاجات.

في وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن لصورة واحدة مبتسمة أن تغريك بتحويل لحظة عابرة إلى قصة حياة كاملة. بدلاً من ذلك، اجعل تفسيرك مقتصرًا على المنشور ذاته. فكر بوعي في وجهة نظر الشخص الآخر – ما الذي يحفزه، وما الذي يهتم به، وكيف قد يرى الموقف – قبل أن تطلق حكماً. وفي زمن تتولى فيه وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI agents) غالبًا معالجة الرسائل أو جدولة المواعيد، تذكّر أن الخيارات الركيكة أو الخالية من الحسّ تعكس طبيعة التصميم وليس الشخص الذي يقف خلفها. الناس ليسوا “روبوتاتهم”، ومعاملتهم بشكل منفصل سيوفر عليك الكثير من الاستياء الصامت.

أما القاعدة السادسة، “تصرّف بقصد”، فهي تعالج استنزافاً من نوع آخر: النقرات بلا هدف. كم مرة تركت هاتفك على الطاولة لتبقى حاضراً في اللحظة، ثم التقطته لتفقد نصف ساعة في تصفح المنشورات أو التجول العشوائي؟ أو قلت لنفسك إنك ستتحقق من أمر واحد يخص العمل، ثم بقيت مستيقظاً لفترة طويلة بعد انتهاء الوقت؟ هذا النوع من الوقت يتركك مستنزفاً لأنه ينتهك “مبدأ الإنجاز”: فأنت تشعر بالنشاط عندما ترى خطوات نحو هدف ما ومكاسب ملموسة، وتشعر بالإنهاك عندما تبتلع أدواتك وقتك دون أي إنجاز للأمام.

لذا، كن قاصادًا في أفعالك، واجعل لكل مرة تمسك فيها جهازك غرضاً ونقطة نهاية. قبل أن تفتح أي شاشة، حدد ما تريده وكيف ستعرف أنك انتهيت – على سبيل المثال، “إيجاد ثلاثة خيارات سأكون سعيداً بشرائها” – ثم توقف.

إن وضع حواجز بسيطة يمكن أن يجعل هذا الأمر أسهل؛ كأن تضع هواتف العائلة في محطة شحن مشتركة، أو تخفي التطبيقات المغرية داخل “مجلدات Folders” كي تتوقف لحظة قبل النقر. هذه العقبات الصغيرة تكسر وضع “الطيار الآلي autopilot” في داخلك، وتسمح لـ “القصد” بالتدخل، وتجعل الإنجاز مرئياً، وتمنع الحياة الرقمية من استنزافك بشكل تلقائي.

الومضة الخامسة – تعلم من شبكة علاقاتك، واعثر على تركيزٍ مُنشِّط
من خلال القواعد الست الأولى، تعلمت كيف تمنع أجهزتك من استنزافك. أما القاعدتان الأخيرتان، فتوضحان كيف يمكن لهذه الأدوات نفسها أن تمنحك الطاقة بالفعل.
دعنا ننتقل إلى القاعدة السابعة: التعلم غير المباشر (Learn vicariously). يوضح عمل المؤلف السيد (بول ليوناردي Paul Leonardi) مع شركة (ديسكفر للخدمات المالية Discover Financial Services) هذا الأمر؛ فعندما ظهرت منصة “جايف” (Jive) – وهي منصة اجتماعية على مستوى الشركة – كان المسوقون قد سئموا بالفعل من كثرة الأدوات. ولكن مع مرور الوقت، منحهم مجرد مراقبة المنشورات والردود والإعجابات رؤية جانبية لأعمال لم يروها من قبل؛ فأصبح بإمكانهم تحديد من يعرف خفايا التسعير، ومن يفهم اللوائح التنظيمية، ومن يتفوق في التحليلات. ومن خلال “التلصص” (Eavesdropping) على التبادلات اليومية، بنوا خارطة ذهنية للخبراء والموصلين، وحسنوا قدرتهم على العثور على الأشخاص المناسبين بشكل كبير.

للاستفادة من ذلك بنفسك، عليك إعادة التفكير في كيفية استخدامك لروابطك وانتباهك. ففي أغلب الأحيان، يرجح أنك تركز على شريحة صغيرة ومألوفة من شبكة علاقاتك، وهو ما تعززه الخوارزميات. أما الأشخاص الذين حققوا أقصى استفادة من منصة (جايف Jive) فقد فعلوا العكس؛ إذ راقبوا “الروابط الضعيفة” والزملاء “غير ذوي الصلة”، مستخدمين المنشورات العابرة لتوسيع خريطتهم الذهنية للمؤسسة. كما توقفوا عن التعامل مع كل معلومة صغيرة على أنها مهملة؛ فبدلاً من البحث فقط عند وقوع مشكلة، سمحوا للتفاصيل الصغيرة بالتراكم في الخلفية، ثم قاموا لاحقاً بربطها معاً لتوليد أفكار جديدة. يتطلب ذلك جهدًا للملاحظة والتخزين وإعادة التركيب، لكن الرؤى الناتجة كانت مُنشِّطة.

حان وقت القاعدة الثامنة والأخيرة: الحضور الكامل (كن هنا، لا في مكان آخر). ابدأ بسؤال نفسك: كم مرة أفعل شيئًا بيدي بينما يكون ذهني تائها وعقلي غارقا في تبويب آخر أو محادثة أخرى؟ تجعل الأدوات الرقمية «الانتقال الآنيteleport» سهلًا عندما تشعر بالملل أو الإرهاق. لكن كل قفزة تسحبك بعيداً عن “النقطة المثالية sweet spot” التي يلتقي فيها التحدي مع المهارة، وحيث يمكنك الانغماس في حالة “التدفق الذهني genuine flow” الحقيقية.

ويأتي هذا التدفق المراوغ عندما تطوع أدواتك لتناسبك؛ فحافظ على مرونتك، وعدل التنسيقات وسير العمل، وجرب الميزات الجديدة، وأضف لمسة من المرح بدلاً من الاستمرار في النقرات الروتينية الرتيبة ذاتها.

وعندما تبتعد عن الشاشات، لا تكتفِ بالاستلقاء على الأريكة؛ بل ابحث عن مشاريع واقعية (خارج نطاق الإنترنت) تكون نقيضاً لعملك اليومي من حيث الوسيلة والمكان، ولكنها لا تزال تشكل تحدياً لذهنك ومحفِّزة لعقلك؛ ربما شيء مثل الطهي، أو النجارة، أو التسلق، أو صيانة سيارة.

خصص وقتاً لهذه الأنشطة، ثم انغمس فيها تماماً. إن الاستغراق الكامل في ذلك العالم يجعل الأجهزة أقل إغراءً، وعندما تعود إليها مجدداً، ستفعل ذلك بمزيد من التركيز والطاقة.

الخلاصة النهائية
في هذه الومضات المعرفية لكتاب الإرهاق الرقمي (Digital Exhaustion) لـلمؤلف السيد بول ليوناردي (Paul Leonardi)، تعرّفت على ماهية الإرهاق الرقمي، وكيف يتصاعد من التوتر إلى الاحتراق، ولماذا تترك الشاشات بطاريتك الذهنية مستنزفة حتى عندما يشعر جسدك بالراحة.

لقد تعلمت ثماني قواعد بسيطة مصممة لإعادة تشكيل كيفية استخدامك للتكنولوجيا وتجنب الاحتراق النفسي، وهي:
1. قلّص أدواتك: خفّض عدد التطبيقات والأجهزة التي تستخدمها للحد من التشتت.
2. واءم بين تقنيتك والمهمة: اختر الأداة التي تناسب طبيعة العمل (مثلاً: اتصال هاتفي للمواضيع الحساسة، وبريد إلكتروني للمعلومات المباشرة).
3. عالج أعمالك بنظام الدفعات والتدفقات: جمّع المهام المتشابهة معاً، وخصص مسارات محددة للمدخلات العاجلة.
4. انتظر (ساعة، أو يوماً، أو أسبوعاً): لا تستجب فوراً لكل إشعار؛ فالتريث يحسن جودة ردودك ويحمي طاقتك.
5. لا تفترض: توقف عن قراءة ما وراء النصوص أو الصور على وسائل التواصل، ولا تبنِ استنتاجات حول نوايا الآخرين بناءً على بيانات رقمية ناقصة.
6. تصرّف بقصد: حدد هدفاً واضحاً ووقت نهاية لكل مرة تمسك فيها بجهازك لتجنب التصفح اللانهائي.
7. تعلم بشكل غير مباشر: راقب كيف يتفاعل الآخرون ويحلون المشكلات في شبكتك الرقمية لبناء معرفة واسعة دون جهد مضاعف.
8. كن حاضراً: ركّز على ما تفعله الآن، واستثمر في أنشطة واقعية (خارج الإنترنت) تعيد شحن طاقتك الذهنية.

إن طاقتك ثمينة وهي أمر مقدس؛ فاستخدمها بحكمة، وستنهي كل يوم وأنت أقل إرهاقاً، مما يجعل التكنولوجيا تعمل لصالحك، وليس العكس.

*تمت الترجمة بتصرف.

**المصدر: منصة الوميض (Blinkist) وهي منصة تقوم بتلخيص الكتب ، ومكتبتها تحتوي على آلاف الكتب ويشترك في هذه المنصة الملايين من القراء.

الأستاذ عبدالله سلمان العوامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *