علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية
ما هي هندسة العلاقات؟
هي علم إتقان بناء وإدارة وتنمية الروابط بيننا كأفراد أو كيانات بطريقة كفوءة لبلوغ الأهداف المشتركة.
من أجل ديمومة علاقات ناجحة ومثمرة ومفيدة لكل أطرافها، فلا بد من إرسائها على ركائز سليمة.
فالعلاقات ليست مجرد حضورٍ جسديٍ أو لقاءات عابرة ولا تبادلٍ عاطفي فقط؛ إنها قنوات محكمة البناء من أجل تأثيرٍ إيجابي متبادل بيننا نرقى به جميعًا دون إيذاء، ويعزز من قدراتنا دون أن نتوحّش. الإنسان كائن إجتماعي بفطرته، لكنه أدرك أن البقاء مع الناس فنّ، والخلوة مع الذات حكمة.
والركائز السليمة هي الوعي والمسؤولية ونبل الخلق.
في هندسة العلاقات، لا نبدأ بالآخرين بل بأنفسنا؛ لأن كل علاقة هي في جوهرها ترجمة لطريقتنا في الفهم والتقدير والمواجهة. لذٰلك، ينبغي منا أن نجيد لغة التواصل والتفاهم، وأن نحسن الوعي.
1) الوعي
أن ترى نفسَك وأنتَ تتفاعل:
لماذا غضبتُ؟
لماذا إنفعلتُ؟
لماذا إنسحبت؟
لماذا…. لماذا….؟
هل تبحث عن فهم أم عن انتصار؟
العلاقة التي تنمو تبدأ من شخصٍ لا يُلقي مشاكله ومتاعبه على الآخرين، بل يَفْهَمُها أولًا.
2) المسؤولية
لا علاقة تنجح بمنطق:
“أُريدُ أنْ آخُذَ دون أنْ أُعْطِي، أو أُفْهَمَ دون أن أُصَارِحَ”.
النضج أن تُشاركَ في البناء بصدق، وألا تُحَمِّلَ الآخرَ فواتيرَ نقصِك أو تقصيرِك.
3) النبل
النبل ليس ضعفًا؛ إنه قوة أن تختار أفضل السلوكيات وألطفها حين يسهل عليك الأسوأ.
أن تترك أثرًا جميلًا وإن كنت ستغادر، وأن تسموَ فوق الغرائز ولا تتورّط في صغائر الانفعالات.
العلاقات الناضجة لا تُقاسُ بعدم وجود خلافات، بل بقدرتنا على حماية الكرامة أثناء الخلاف:
نَختلفُ بود دون شطط، ونُعَاتبُ بصدق دون إهانة، ونَبتعدُ بسلام دون تخريب.
{فالناس لا تحتاج إلى الكمال، بل إلى علاقة يشعرون فيها بأنهم يُقَدَرون ويُحْتَرمون ويُؤَمَنون. فأحيانًا، كلمة طيبة لينة في وقت عاصف تُقيم جسرًا، وكلمة قاسية تُهدم قصرًا}.
في النهاية، هندسة العلاقات ليست محاولة لإصلاح كل فرد، بل هي تأهيل لنا لأن نكون جيّدين وإن لم يكن الآخر كذلك؛ فإن نفع ذٰلك، ربحنا علاقة مستدامة، وإن لم ينفع، ربحنا سمعةً حسنةً.
فلنُحْسِنْ السلوكَ لِتَزْدَهِرَ العلاقاتُ.
وإن تعذّرَ الإصلاحُ فلنُحْسِنْ الرحيلَ.
كلما كانت علاقاتنا أفضل، كانت حياتنا أجمل…
*الأستاذ حسين جاسم الدبيسي ، أحد رواد العمل التطوعي ، له إهتمامات في التاريخ العميق واللغة وألفاظ الذكر الحكيم.