?Universities are embracing AI: will students get smarter or stop thinking
(بقلم: هيلين بيرسن – Helen Pearson)
ملايين الطلبة الوافدين إلى الجامعات يستخدمون حاليا الذكاء الاصطناعي، وتتزايد المخاوف.
عندما التحق الطلبة بجامعة تسينغهوا في بكين هذا العام، لم يكن أحد أوائل ممثلي الجامعة الذي التقوا به شخصًا حقيقيًا. وجاءت خطابات القبول في المؤسسة المرموقة مع رمز دعوة إلى وكيل ذكاء اصطناعي. وصُمم الروبوت للإجابة على أسئلة الطلبة حول الدورات والنوادي والحياة في الحرم الجامعي.
وفي جامعة ولاية أوهايو في كولومبوس، سيأخذ الطلبة هذا العام [2025] دورات إلزامية في الذكاء الاصطناعي كجزء من مبادرة لضمان أن يكون جميعهم “متمكنين من الذكاء الاصطناعي” بحلول وقت تخرجهم. وفي جامعة سيدني بأستراليا، سيخضع الطلبة لاختبارات تقليدية وشخصية لإثبات أنهم تعلموا المهارات المطلوبة ولم يستعينوا بالذكاء الاصطناعي.

كل هذا جزء من تغيير جذري يجتاح الحرم الجامعي حيث تسارع الجامعات والطلبة للتكيف مع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل “شات جي بي تي”. ويمكن لهذه الأدوات، في غضون ثوانٍ، تحليل المعلومات المعقدة والإجابة على الأسئلة وإنشاء مقالات مصقولة – وهي بعض المهارات الدقيقة التي تدرسها الجامعات تقليديًا. ووفقًا لمسح عالمي واحد(1)، استخدم 86% من طلبة الجامعات الذكاء الاصطناعي بانتظام في دراساتهم في عام 2024، وتُظهر بعض الاستطلاعات نسبة أكبر. ويقول مارك واتكينز، المحاضر والباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي والتعليم في جامعة ميسيسيبي في أكسفورد بولاية المسيسيبي: “نرى طلبة يصبحون مستخدمين أقوياء لهذه الأدوات”.
ويُمثل الذكاء الاصطناعي بالنسبة للبعض فرصةً مثيرةً لتحسين التعليم وإعداد الطلبة لعالم سريع التغير. وتُدمج جامعات مثل جامعة تسينغهوا وجامعة ولاية أوهايو الذكاء الاصطناعي في تدريسها بالفعل، وتُشير بعض الدراسات إلى أن الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تُساعد الطلبة على التعلم. وأشارت تجربة عشوائية مضبوطة(2) شملت طلبة جامعيين في الفيزياء بجامعة هارفارد في كامبريدج، بولاية ماساتشوستس، إلى أن أولئك الذين استخدموا مُعلمًا مُصممًا خصيصًا باستخدام الذكاء الاصطناعي تعلموا أكثر في وقت أقل من الطلبة الذين تلقوا تعليمهم من البشر فقط.
ولكن العديد من المتخصصين في التعليم يشعرون بقلق بالغ إزاء انفجار [التوسع غير المنضبط] الذكاء الاصطناعي في الحرم الجامعي: فهم يخشون أن تُعيق أدوات الذكاء الاصطناعي التعلم لأنها جديدة جدًا لدرجة أن المعلمين والطلبة يُكافحون من أجل استخدامها بشكل جيد. ويشعر أعضاء هيئة التدريس بالقلق أيضًا من أن الطلبة يستخدمون الذكاء الاصطناعي لاختصار طريقهم في الواجبات والاختبارات، وتشير بعض الأبحاث(3) إلى أن تفريغ العمل الذهني بهذه الطريقة يمكن أن يكبت التفكير النقدي المستقل.
ويشعر بعض الأكاديميين بالغضب من أن الجامعات تسمح أو حتى تشجع على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي – التي تسيطر عليها الشركات، ولها تأثيرات معرفية غير معروفة وتلاحقها مخاوف أخلاقية وبيئية. وقد جمعت رسالة مفتوحة أصدرها باحثون في يونيو [2025] يعترضون على التبني غير النقدي لتقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الجامعات أكثر من 1,000 توقيع من الأكاديميين حول العالم (انظر: https://openletter.earth/open-letter-stop-the-uncritical-adoption-of-ai-technologies-in-academia-b65bba1e). وجاء في الرسالة: “يجب ألا يُهدر تمويلنا على شركات ربحية، لا تقدم سوى القليل في المقابل وتؤدي بنشاط إلى تقليص مهارات طلابنا”.
وهناك نقطة اتفاق واحدة بين المتحمسين والمتشككين: المستقبل قد أشرق (وصل) بالفعل. وتقول شفيقة إسحاق، رئيسة قسم التقنية والذكاء الاصطناعي في التعليم بمنظمة الأمم المتحدة للثقافة (اليونسكو) في باريس: “لقد تسارع معدل تبني أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية المختلفة من قبل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في جميع أنحاء العالم بسرعة كبيرة بحيث لا تستطيع السياسات المؤسسية والتربوية والأخلاقية مواكبة ذلك”.
جيل الذكاء الاصطناعي
تتكيف الجامعات مع التقنيات الجديدة منذ عقود، بدءًا من أجهزة الكمبيوتر والإنترنت ووصولًا إلى الدورات التدريبية عبر الإنترنت. لكن يقول الباحثون إن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية تُمثل تحديًا جوهريًا. فهي لا تُنجز بسرعة بعض المهام الأساسية التي تُدرّسها الجامعات للطلبة فحسب، بل إنها انتشرت وتتغير بوتيرة متسارعة. وتقول سو أتويل، رئيسة قسم الذكاء الاصطناعي في لجنة أنظمة المعلومات المشتركة[1] (Joint Information Systems Committee (JISC))، وهي هيئة رقمية وبيانات غير ربحية للتعليم العالي في المملكة المتحدة، ومقرها بريستول بجنوب غرب انجلترا: “إن ما يُميز الذكاء الاصطناعي عن أي تقنية أخرى هو سرعته”.
وتُظهر الاستطلاعات حول العالم أن الطلبة يُدمجون الذكاء الاصطناعي بسرعة في حياتهم. ويقول واتكينز: “إن عدد المستخدمين، وهم في الأساس من المراهقين الصغار، مرتفع بشكل فلكي. نحن نتحدث عن مئات الملايين من المستخدمين حول العالم دون سن الرابعة والعشرين”. ويبدو أن طلبة العلوم من أوائل المُستخدمين.
وهذا العام، قامت شركة الذكاء الاصطناعي “أنثروبيك” (Anthropic)، في سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا، بتحليل مليون محادثة مجهولة المصدر بين طلبة الجامعات وذكائها الاصطناعي التوليدي “كلود”. وقد وجدت أن الطلبة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات يستخدمونه بشكل غير متناسب أكثر من طلبة مجالات (تخصصات) مثل ادارة الأعمال والعلوم الإنسانية(4).
ولكن ما الغرض من استخدام الطلبة للذكاء الاصطناعي؟ في استطلاع رأي لأكثر من 1,000 طالب في المملكة المتحدة أجراه معهد سياسة التعليم العالي (HEPI)، وهو مركز أبحاث في أكسفورد بالمملكة المتحدة، كان معظمهم، كما هو متوقع، يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لكتابة النصوص أو تحسينها أو تلخيصها (انظر الرسم البياني “كيف يستخدم طلبة الجامعات الذكاء الاصطناعي”).
وقال ما يقرب من 90٪ من الطلبة إنهم استخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقييمات مثل الامتحانات أو الدورات الدراسية. وقال معظمهم (58٪) إنهم استخدموه لشرح المفاهيم في التقييم، واستخدم 25٪ نصًا مُولّدًا بواسطة الذكاء الاصطناعي بعد تحريره أولاً، واعترف 8٪ بأنهم استخدموا نصًا خامًا مكتوبًا بواسطة الذكاء الاصطناعي(5).

وتقول أتويل، التي أجرت مجموعات تركيز طلابية حول الذكاء الاصطناعي، إن العديد من الطلبة يستخدمون هذه الأدوات لتبسيط دراستهم وزيادة كفاءتهم، وليس للغش. وتضيف أن الكثيرين يريدون فقط إرشادات حول كيفية تعزيز تعلمهم باستخدام الذكاء الاصطناعي. قد “يعرف الطلبة كيفية استخدام [الذكاء الاصطناعي] ببراعة على وسائل التواصل الاجتماعي أو في حياتهم الاجتماعية، لكن هذا لا يعني أنهم يعرفون كيفية استخدامه للاستخدام الأكاديمي”.
ومع ذلك، فإن هذا هو ما ينقص العديد من الجامعات. فقد سعت المؤسسات حول العالم جاهدةً لوضع سياسات للموظفين والطلبة حول أفضل طرق استخدام الذكاء الاصطناعي – ولكن بنتائج متباينة. ويقول واتكينز: “في الجامعات الأمريكية، كانت الأمور فوضوية على مدار العامين والنصف الماضيين، ولا أعتقد أنها ستتغير في أي وقت قريب”.
ويضيف أن ذلك يعود إلى أن العديد من المؤسسات تسمح لأعضاء هيئة التدريس بتحديد ما إذا كان يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مقرراتهم الدراسية وكيفية استخدامه، مما يترك بعض الطلبة في حيرة. ويتابع: “قد يكون لدينا طالب جديد يدرس خمسة فصول دراسية، وسيتعرض لخمس سياسات مختلفة للذكاء الاصطناعي”.
وفي أستراليا، على النقيض من ذلك، كانت هناك استجابة قوية ومنسقة على المستوى الوطني، كما يقول المعلمون، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن وكالة جودة ومعايير التعليم العالي عملت على تطوير إرشادات مع الجامعات منذ عام 2023. وفي الصين، يقول البروفيسور رونغهواي هوانغ، العميد المشارك لمعهد التعلم الذكي في جامعة بكين للمعلمين: “إن دمج الذكاء الاصطناعي في الجامعات ليس اختياريًا، بل جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الوطنية”.
وتشير البيانات والحكايات إلى أن أعضاء هيئة التدريس يتبنون الذكاء الاصطناعي بحذر أكبر من الطلبة. ويقول الباحثون إن بعض الموظفين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لأتمتة عملهم، مثل المساعدة في صياغة التغذية الرجعية على المهام، بينما يرفضها آخرون تمامًا. وقد وجدت دراسة استقصائية هذا العام لأكثر من 1600 عضو هيئة تدريس من 28 دولة أجراها مجلس التعليم الرقمي، وهي منظمة تركز على التقنية في التعليم العالي، أن حوالي 60٪ كانوا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في التدريس – أقل من نسبة الطلبة الذين يستخدمونها(6).
ومع ذلك، قال 80٪ إن مؤسستهم لم توضح كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في التدريس. ويقول البروفيسور جورج سيمنز، الذي يدرُسُ التقنية والتعليم في جامعة جنوب أستراليا في أديلايد: “استخدام أعضاء هيئة التدريس أقل تطورًا من استخدام الطلبة”.
وفي الوقت نفسه، دأبت شركات التقنية الكبرى مثل “أوبن أيه آي” و”غوغل” على عرض منتجاتها على الطلبة والجامعات. ويقول البروفيسور رافي بيلامكوندا، نائب الرئيس التنفيذي وعميد جامعة ولاية أوهايو: “نتلقى الكثير من الشركات التي ترغب في الشراكة معنا”.
في العام الماضي [2024]، قدمت “أوبن أيه آي” برنامج “تشات جي بي تي إيديو” (ChatGPT Edu)، وهو نسخة من برنامج الدردشة الآلي الشهير المصمم خصيصًا للجامعات. وفي فبراير من هذا العام [2025]، عندما أعلن نظام جامعة ولاية كاليفورنيا عن منح طلبتها وأعضاء هيئة التدريس البالغ عددهم 520 ألفًا إمكانية الوصول إلى هذه الأداة، أصبح ذلك “أكبر تطبيق لبرنامج ،تشات جي بي تي، من قِبل أي منظمة أو شركة في أي مكان في العالم”، وفقًا لـ “أوبن أيه آي”. وفي أغسطس [2025]، أعلنت “غوغل” أنها ستتيح أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا مجانًا للطلبة الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا في الولايات المتحدة وفي عدد قليل من البلدان الأخرى.
ويقول متخصصو التعليم إن شركات التقنية مدفوعة بمصالح تجارية وفرصة دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها في حياة ملايين المستخدمين الشباب. وعادةً ما تحصل الجامعات التي تبرم اتفاقيات مع شركات التقنية على وصول شامل إلى أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي وحماية البيانات، مما يعني أن بيانات الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والعمل الأكاديمي لا تُدرج في نموذج تدريب الذكاء الاصطناعي.
وتمسك بعض الجامعات بزمام الأمور في مجال الذكاء الاصطناعي. وكان البروفيسور داني ليو، عالم الأحياء المتخصص في تقنية التعليم بجامعة سيدني، من أوائل من طوروا منصة ذكاء اصطناعي توليدية مصممة خصيصًا للتعليم العالي. وطُوّرت المنصة، التي تُسمى “كوغنيتي” (Cogniti) عام 2023، وهي الآن مُدمجة في منصة التعلم الرقمي بالجامعة، وتتيح للمعلمين تصميم وكلاء ذكاء اصطناعي مُخصصين لدوراتهم. وقد يكون هذا مُدرسًا مُتخصصًا في الذكاء الاصطناعي لوحدة علمية، أو أداة ذكاء اصطناعي تُوسّع نطاق تعليقات التصحيح الموجزة لتشمل ملاحظات الطلبة الأكثر تحديدًا. ويقول البروفيسور ليو إن أكثر من 1000 مُعلم في جامعته يستخدمون “كوغنيتي”، وقد تمت مُشاركة [المنصة] مع أكثر من 100 جامعة حول العالم.
وفي جامعة تسينغهوا، بدأ الأكاديميون بسرعة بتجربة “تشات جي بي تي” بعد إصداره في نوفمبر 2022، وفقًا لما ذكره المحاضر شوايجو وانغ، مدير مركز التعليم الإلكتروني هناك. وفي غضون عام، ظهر حوالي 100 مساعد تدريس متخصص في الذكاء الاصطناعي، وسعت الجامعة إلى اتباع نهج أكثر منهجية. كما لم ترغب في الاعتماد على نموذج ذكاء اصطناعي واحد – مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) التي تُشكل أساس “تشات جي بي تي” والأدوات المرتبطة به – لأن “نموذجًا جديدًا يظهر كل يوم تقريبًا”، كما يقول وانغ. وكان من الأهداف الرئيسية الأخرى تصحيح الهلوسة، وهي المحتوى غير الدقيق الذي تُطلقه نماذج اللغة الكبيرة أحيانًا.
وفي أبريل من العام الماضي [2024]، قادت الجامعة تطوير “بنية” مركزية ثلاثية الطبقات لدمج الذكاء الاصطناعي في التدريس. وتُدمج في الطبقة السفلية نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث يعتمد النظام على حوالي 30 نموذجًا من شركات، منها “ديب سيك” و”علي بابا كلاود” و”أوبن أيه آي” و”غوغل”، وفقًا لوانغ. وتحتوي الطبقة الوسطى على “محركات المعرفة” (Knowledge Engines) التي تحتوي على معلومات دقيقة ومُحدثة لمختلف المجالات الأكاديمية. وتتكون الطبقة العليا من منصات متنوعة موجهة للطلبة، بما في ذلك منصة تعليمية تستضيف مساعدي التدريس، بالإضافة إلى روبوت الذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلبة الجدد في جامعة تسينغهوا.
وكجزء من هذا النظام، على سبيل المثال، يمكن للطلبة مراجعة الشرائح بعد انتهاء المحاضرة والنقر على زر يقول “أنا مرتبك”. ويسمح لهم هذا بطرح أسئلة منبثقة لوكيل الذكاء الاصطناعي. وتحلل الطبقة الوسيطة السؤال وتوجهه إلى نموذج الذكاء الاصطناعي المناسب، بالإضافة إلى البحث في قواعد بياناتها الخاصة؛ ثم تجمع المعلومات لتقديم إجابة دقيقة. ويقول وانغ إن النظام قد تم اعتماده من قبل مئات الجامعات في جميع أنحاء الصين.
ويغير وانغ هذا العام [2025] مساره ويطلق دراسات لطرح سؤال حاسم ومميز: هل يتعلم الطلبة الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر بالفعل؟ وقد أثارت النتائج الأولية – التي لم تُنشر بعد – بعض علامات التحذير. فقد وجد وانغ وزملاؤه أن الطلبة الذين يستخدمون مُعلّمًا ذكيًا غالبًا ما يحصلون على درجات أعلى في الاختبارات مباشرةً بعد انتهاء الحصة الدراسية، مقارنةً بمن لا يستخدمونه. ولكن بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، كانت درجات مستخدمي الذكاء الاصطناعي أقل من أقرانهم. ويقول وانغ: “قد يكون لدى الطلبة فهم زائف”.
مخاوف الفصل الدراسي
المحاضر وانغ ليس الوحيد التي يشعر بالقلق إزاء تأثير الذكاء الاصطناعي على تعلم الطلبة – كما اكتشفت العالمة والباحثة الدكتورة ناتاليا كوزمينا عندما أصدرت هي وزملاؤها في يونيو [2025] مسودة أولية(7) تشير إلى أن الطلبة الذين يستخدمون “تشات جي بي تي” للمساعدة في كتابة مقال يستخدمون أدمغتهم بشكل أقل من الطلبة الذين يكتبونه بأنفسهم.
ومنذ ذلك الحين، تلقت حوالي 4,000 رسالة بريد إلكتروني من معلمين في المدارس والجامعات حول العالم قلقين من أن النتيجة تعكس ما يحدث للطلبة في فصولهم الدراسية الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي. وتقول إنه في كثير من الحالات، “يبدو أنهم في الواقع يائسون للغاية”.
وقد استخدمت الدكتورة كوزمينا، وهي باحثة علمية في معهد ماساتشوستس للتقنية في كامبريدج، وفريقها تخطيط كهربية الدماغ (EEG) لدراسة أنماط النشاط الكهربائي في أدمغة 54 طالبًا أثناء كتابتهم مقالات مدتها 20 دقيقة حول أسئلة مثل “هل للأعمال الفنية القدرة على تغيير حياة الناس؟”. وقُسّم الطلبة إلى ثلاث مجموعات: مجموعة لديها إمكانية الوصول إلى نماذج التعلم الكبيرة؛ ومجموعة أخرى يمكنها استخدام مواقع الويب ومحركات البحث ولكن ليس نماذج التعلم الكبيرة؛ وثالثة اعتمدت فقط على معرفتهم الخاصة. واستخدم الفريق تخطيط كهربية الدماغ لقياس “الترابط” بين مناطق الدماغ – أي مدى تواصل المناطق مع بعضها البعض.
وقد أظهر الطلبة الذين استخدموا أدمغتهم فقط أقوى وأوسع نمط من الترابط، وكانوا عادةً قادرين على تذكر ما كتبوه لاحقًا. وأظهرت المجموعة التي استخدمت نماذج اللغة الكبيرة أضعف ترابط – مما يشير إلى وجود تواصل أقل بين أدمغتهم – وكانوا بالكاد يتذكرون كلمة واحدة من نثرهم (مما كتبوا) في بعض الأحيان.
وتقر الدكتورة كوزمينا بأن الدراسة شملت عددًا صغيرًا فقط من الطلبة ولم تبحث في الآثار طويلة المدى لاستخدام الذكاء الاصطناعي، من بين قيود أخرى (كما وجدت أنه من المفارقات أن بعض المعلقين أساؤا تفسير الدراسة لأنهم استخدموا الذكاء الاصطناعي لإنشاء ملخصات غير صحيحة من نماذج مطبوعة مسبقا بحجم 200 صفحة).
لكن الدراسة أثارت قلقًا واسع النطاق من أن الطلبة الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في دراساتهم يفشلون في تطوير مهارات قيّمة مثل التفكير النقدي – القدرة على تحليل المعلومات ونقدها والتوصل إلى استنتاجات مدروسة. وأظهر تحليل “أنثروبيك”[2] لمليون محادثة بين الطلبة والذكاء الاصطناعي في شركة “كلود” (Claude) أن ما يقرب من نصفها تضمن أفرادًا يبحثون عن إجابات أو محتوى مباشر مع مشاركة ضئيلة من جانبهم.
وتقول البروفيسور أوليفيا غيست، عالمة الإدراك الحاسوبي في جامعة رادبود نيميخن في هولندا، والتي قادت كتابة رسالة الاحتجاج في يونيو [2025]، إنها لاحظت مشاكل ذات صلة لدى الطلبة في العامين الماضيين [2023 و 2024]. وتقول: “لقد تغيرت مهاراتهم بشكل كبير”، حيث يجد بعضهم صعوبة في الرجوع إلى مصدر أو كتابة مقال.
وتقول أتويل إن الطلبة في مجموعات التركيز قلقون أيضًا. وتضيف: “يدرك الطلبة حقيقة أن الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى عدم نموهم الفكري”، ويقول البعض إنهم يقللون من استخدامهم للذكاء الاصطناعي نتيجة لذلك. وهذا أحد أسباب توصية لجنة أنظمة المعلومات المشتركة هذا العام بأن تقوم الجامعات بتعليم الطلبة الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي من خلال تضمين التدريب في مقرراتهم الدراسية.
لكن البروفيسور بيلامكوندا يُجادل بأن المخاوف مُبالغ فيها، وأن استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض المهام يُمكن أن يُحرر مساحةً ذهنيةً لأشياء أخرى مفيدة، تمامًا كما يُتيح استخدام الآلة الحاسبة للناس الاستعانة بمصادر خارجية لبعض الرياضيات دون ضرر كبير.
وفي الوقت الحالي، لا تُقدم الأدلة البحثية إجابةً واضحةً حول تأثيرات تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإدراك والمهارات، كما يقول الباحثون، نظرًا لتنوع الأدوات، وتضارب النتائج، وقلة الدراسات الدقيقة التي أُجريت. وتقول الزميلة الباحثة البروفيسور ميليسا بوند (أستاذ مشارك مساعد)، باحثة في مجال التعليم في كلية لندن الجامعية، والتي راجعت الأدبيات، إنه من المهم اختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل أكثر دقة، وعلى مدى فترات أطول، وعلى مجموعة متنوعة من الطلبة وفي أنحاء العالم.
وتشير بعض الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُعزز التعلم – إذا استُخدم بالطريقة الصحيحة. وقاد البروفيسور جريج كستين، الفيزيائي النظري والمدير المساعد لتعليم العلوم في جامعة هارفارد، التجربة العشوائية لمُعلم الفيزياء المُعتمد على الذكاء الاصطناعي هناك(2).
وفي تطوير المُدرس الخاص، اعتمد هو وزملاؤه على نهج يُعرف باسم التعلم النشط، حيث يتفاعل الطلبة بنشاط مع المواد التعليمية من خلال المناقشة وحل المشكلات. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن هذا الأسلوب أكثر فعالية في التدريس بقيادة بشرية من الأساليب السلبية (غير النشطة) مثل المحاضرات أو الكتب المدرسية(8).
وقام مدرس خاص معتمد على الذكاء الاصطناعي، طوره البروفيسور كستين، بتوجيه الطلبة خلال الدروس ودفعهم لفهم المفاهيم بأنفسهم، بدلاً من تقديم إجابات جاهزة. فعلى سبيل المثال، قد يسأل طالب عما يحدث للضغط في سائل عندما يتدفق من أنبوب ذي قطر واسع إلى أنبوب صغير.
ويوضح البروفيسور كستين: “يمكن للمدرس الخاص المعتمد على الذكاء الاصطناعي أن يقول: حسنًا، لنأخذ خطوة إلى الوراء. ما هي المعادلات والمفاهيم التي تعرفها والتي قد تؤثر على تدفق السوائل؟”.
وفي التجربة، تلقى ما يقرب من 200 طالب جامعي إما درسًا قياسيًا في الفيزياء قائمًا على التعلم النشط من معلمين بشريين، أو درسًا في المنزل مع مُدرس خاص معتمد على الذكاء الاصطناعي. واختبر الباحثون معرفة الطلبة قبل الدرس وبعده. وقد ارتفع متوسط درجات الاختبار من خط أساس 2.75 (من 5) إلى 3.5 في المجموعة التي درّسها الإنسان، و4.5 في المجموعة التي درّسها الذكاء الاصطناعي.
ويقول البروفيسور كستن إنه جرّب مُدرس خاص معتمد على الذكاء الاصطناعي على مدار فصل دراسي كامل، وتشير النتائج – التي لم تُنشر بعد – إلى استفادة الطلبة في هذه الحالة أيضًا.
ويقول البروفيسور كستن إن الدرس المستفاد هو أن “الذكاء الاصطناعي قد يُنجز لك واجباتك المدرسية ويمنعك من التفكير – أو قد يُساعدك على التفكير بشكل أفضل. لذا، السؤال الحقيقي هو: هل تستخدم الذكاء الاصطناعي في التعليم بطريقة تُشجّع التفكير النقدي – الذي يعزز التعلّم؟”
مشاكل الاختبارات
من أصعب الأسئلة التي يواجهها المعلمون كيفية تقييم ما تعلمه الطلبة، بعد أن أصبح بإمكانهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في أي اختبار غير خاضع للإشراف (أظهرت الدراسات أن الأدوات المصممة للكشف عن النصوص المُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي قد تكون غير دقيقة(9)). فإذا لم تتمكن الجامعات من اختبار الطلبة بفعالية، “فهذا يُشكّل عبئًا كبيرًا على القطاع التعليمي ككل”، كما يقول البروفيسور سيمنز، لأن المؤهل الجامعي “لم يعد قادرًا على إظهار قدرات الطالب للمجتمع بوضوح”.
ويشير بعض المعلمين إلى جامعة سيدني كرائدة في إعادة التفكير في التقييمات. وفي يوليو [2025]، طرحت الجامعة نظامًا ثنائي الإتجاه للعام الدراسي المقبل [2026]. وسيخضع جميع الطلبة الآن لتقييمات “آمنة” مثل الامتحان الشفهي أو العملي أو الحضوري، والذي سيحضرونه شخصيًا وسيخضعون للمراقبة. كما سيُكملون تقييمات غير خاضعة للمراقبة، والتي، على غير العادة، لا يُسمح فيها لأعضاء هيئة التدريس بحظر أو تقييد استخدام الذكاء الاصطناعي.
ويقول البروفيسور ليو إن الفكرة هي تحفيز الطلبة على استخدام التقييمات غير المُراقَبة لتطوير مهارات مُحددة، مثل كتابة تقرير مُختبري. فهم سيحتاجون إلى هذه المهارات لاجتياز الاختبارات المُوثوقة، مثل تحليل البيانات في تدريب عملي مُختبري تحت الإشراف. ويقول البروفيسور ليو، الذي ساعد في تطوير النظام، إنه يتم اعتماده حاليا من قِبل جامعات أخرى في أستراليا ونيوزيلندا.
ولكن البورفيسور ليو هو أحد أولئك الذين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يُبشر بمحاسبة أعمق للتعليم العالي. ويقول: “أعتقد أنه يتطلب إعادة تفكير كاملة ليس فقط فيما نُدرِّسه، بل فيما نُعنى به”. ويتوقع أن يكون هناك “تركيز أقل على المحتوى وتركيز متزايد على تطوير الشخص”.
وعمليًا، قد يعني ذلك قضاء وقت أقل في حفظ الحقائق وإنتاج النصوص – وهي قدرات قد تُصبح أقل قيمة في القوى العاملة إذا استطاع الذكاء الاصطناعي القيام بها بثقة – والمزيد من الوقت على المهارات التي تُمكّن الناس من التواصل والازدهار في عصر الذكاء الاصطناعي. ويقول البروفيسور مايكل غيرلش، الباحث في الإدارة بكلية الأعمال السويسرية في زيورخ، والذي درس أدوات الذكاء الاصطناعي: “إذا تحولت [الجامعات] إلى تدريس الحكم والتفسير والنقد والتصميم والتعاون مع الذكاء الاصطناعي، فإنها ستصبح أكثر أهمية، لا أقل”.
وصرح بعض الباحثين والمعلمين لمجلة “نيتشر” بأنهم يرغبون في رؤية قيادة أقوى من الجامعات في تفاعلاتها مع شركات التقنية. فعلى سبيل المثال، تعرضت العديد من الشركات لانتقادات واسعة النطاق لبناء أدوات ذكاء اصطناعي تديم التحيز والمعلومات المضللة، وتستغل عمل الآخرين كبيانات تدريب، وتتحمل تكاليف بيئية عالية. ويقول البروفيسور غيست: “إنها ليست شركات نريد للجامعات أن تدخل معها في شراكات دون تمحيص”.
ويقول البروفيسور سيمنز إن “قطاع الجامعات يتحمل مسؤولية جسيمة تجاه المجتمع ليكون صوتًا مضادًا يشكل طريقة نشر الذكاء الاصطناعي في العمليات الاجتماعية والمتعلقة بالتعلم”. وبشكل جماعي، يمكن للمؤسسات أن تطلب من شركات الذكاء الاصطناعي أدوات ذات خصائص محددة، مثل أداة “تتمتع بالحواجز المناسبة لحماية سرية الهوية، وتمثل فئات سكانية متعددة”، أو أداة تعكس قيمًا معينة وتسعى لحماية الطلبة من الأضرار المحتملة.
ولكن هذا لا يحدث، كما يقول البروفيسور سيمنز. ويضيف: “الجامعات تقف حائرة، تنتظر هذه المؤسسات الممولة جيدًا لتفتح أبوابها”، ثم توقع معها عقودًا بملايين الدولارات. ويتابع: “إنه تخلي مطلق عن دور القيادة”.
*تمت الترجمة بتصرف
المراجع:
1. Digital Education Council. AI or Not AI: What Students Want (DEC, 2024).
2. Kestin, G., Miller, K., Klales, A., Milbourne, T. & Ponti, G. Sci. Rep. 15, 17458 (2025).
3. Gerlich, M. Societies 15, 6 (2025).
4. Handa, K. et al. Anthropic Education Report: How University Students Use Claude (Anthropic, 2025)
5. Freeman, J. Student Generative AI Survey 2025 (Higher Education Policy Institute, 2025).
6. Digital Education Council. Global AI Faculty Survey (DEC, 2025).
7. Kosmyna, N. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2506.08872 (2025).
8. Freeman, S. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 111, 8410–8415 (2014).
9. Weber-Wulff, D. et al. Int. J. Educ. Integr. 19, 26 (2023).
المصدر:
https://www.nature.com/articles/d41586-025-03340-w
الهوامش:
[1] تأسست لجنة أنظمة المعلومات المشتركة (JISC) في الأول من أبريل 1993 بموجب شروط خطابات التوجيه من وزراء الدولة إلى مجالس تمويل التعليم العالي التي أنشئت حديثًا في إنجلترا واسكتلندا وويلز، ودعوتهم إلى إنشاء لجنة مشتركة للتعامل مع الشبكات وخدمات المعلومات المتخصصة.
[2] يشير مصطلح “تحليل انثرونيك” بشكل عام إلى الأبحاث والتقارير التي نشرتها شركة الذكاء الاصطناعي “انثروبيك” حول موضوعات تشمل سلامة الذكاء الاصطناعي، وإمكانية التفسير، والتأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي، وسلوك النموذج.

علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية