قد يكون الشيب وسيلة الجسم لتجنب السرطان القاتل – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

Gray Hair Might Be The Body’s Way of Avoiding a Deadly Cancer
(Russell McLendon – بقلم: راسل ماكليندون)

الشيب (الشعر الرمادي) ليس شيئا يخجل منه. ففي الواقع، ووفقًا لدراسة جديدة أجراها باحثون في اليابان، قد يكون وجود الشيب علامة جيدة على أن جسمك يحمي نفسه بشكل طبيعي من السرطان.

مصدر الصورة: ليلاند بوبي / صور غيتي

وتشير سلسلة من التجارب التي أُجريت على الفئران إلى أننا تطورنا للتخلي عن الخلايا المعرضة لخطر الإصابة بالأورام على حساب القليل من اللون.
وتتعرض خلايانا بشكل روتيني لوابل من “التأثيرات الجينية السامة”، أو تلف الحمض النووي الناتج عن مجموعة واسعة من العوامل البيئية. وتتحمل خلايا الجلد العبء الأكبر من هذه التأثيرات، نظرًا لدورها في حماية أعضائنا الداخلية من العالم الخارجي.

ويمكن أن يساهم تلف الحمض النووي في شيخوخة الخلايا وكذلك في تطور السرطان، على الرغم من أن السموم الجينية والإشارات والآليات الخلوية المحددة المرتبطة بالعلامات الجسدية للشيخوخة لا تزال غير مفهومة جيدًا.

وتركز الدراسة الجديدة بشكل خاص على الورم الميلانيني[1]، وهو نوع من السرطان يوجد بشكل رئيسي في الجلد، حيث ينشأ في الخلايا الصباغية – وهي خلايا جلدية متخصصة تنتج الميلانين، الصبغة المسؤولة عن لون الجلد والشعر.

تنشأ الخلايا الصباغية نفسها من الخلايا الجذعية (McSCs)[2] الموجودة داخل بصيلات شعر جلد الثدييات، حيث تحافظ على تصبغ الجلد والشعر من خلال التجدد المنتظم.

وباستخدام الفئران، قام الباحثون بتحليل تعبيرات جينات الأنسجة للكشف عن مصير الخلايا الجذعية الصباغية المعرضة لأنواع مختلفة من تلف الحمض النووي.

وفي حالة التلف المعروف باسم كسر الشريط المزدوج، حيث ينقطع كلا الشريطين في الحلزون المزدوج للحمض النووي، حدد الباحثون استجابة محددة.

وتمايزت الخلايا الجذعية الصباغية بشكل لا رجعة فيه واختفت، مما أدى إلى تحول شعر الفأر إلى اللون الرمادي.

عند التعرض للسموم الجينية السامة للخلايا، مثل الأشعة السينية، يضعف تجديد الخلايا الجذعية الصباغية، مما يؤدي إلى استنزافها وشيب الشعر. في حالة التوازن الداخلي، تحافظ الخلايا الجذعية متعددة الخلايا على تجديدها الذاتي وتوازن الصبغة. أما السموم الجينية المسرطنة، فتعزز إشارات مستقبل السيتوكين (KIT) [يعبر عنه على سطح الخلايا الجذعية المكونة للدم وكذلك أنواع أخرى من الخلايا. المصدر: ويكيبيديا] وتغير أيض حمض الأراكيدونيك، مما يُحفز ظهور الورم الميلانيني. مصدر الصورة: جامعة طوكيو
وتُعرف هذه العملية باسم التمايز المقترن بالتقدم في السن (الشيخوخة)، أو “التمايز المقترن بالتقدم في السن”[3]، وتعتمد على تنشيط “مسار إشارات بي53-بي21”[4] (p53-p21 signalling pathway) ، الذي يُساعد على تنظيم دورة الخلية.

ومن ناحية أخرى، أثارت بعض المواد المسرطنة استجابةً مختلفةً بشكلٍ ملحوظ. وعالج الباحثون جلد الفئران بضوء الأشعة فوق البنفسجية من النوع بي (UVB) ومادة 7,12-ثنائي ميثيل بنز (أ) أنثراسين (7,12-dimethylbenz(a)anthracene – (DMBA))، وهي مادة مسرطنة قوية تُستخدم عادةً لتحفيز نمو الأورام في الأبحاث المختبرية.

وقد وجدت الدراسة أنه عند تعرض الخلايا الجذعية الصباغية لهذه المواد المسرطنة، تجاوزت عملية التمايز التي تحدث بعد انكسار السلسلة المزدوجة، حتى لو كانت الخلايا قد تعرضت لتلف في الحمض النووي.

وعلى الرغم من الفوائد العامة للمرونة، إلا أن معرفة متى تتوقف أمرٌ بالغ الأهمية. بالنسبة للخلايا الجذعية الصباغية، قد يكون التوقف استجابةً لتلف الحمض النووي أمرًا يستحق فقدان لون الشعر إذا كان ذلك يعني انخفاض خطر الإصابة بسرطان الجلد.

وقد أفاد الباحثون أنه عند تعرض الخلايا الجذعية الصباغية للأشعة فوق البنفسجية من النوع بي، احتفظت بقدراتها على تجديد نفسها واستمرت في استنساخ نفسها. ويدعم هذا التأثير سايتوكين يُسمى عامل الخلايا الجذعية (Stem Cell Factor)، وهو مسؤول عن توجيه الخلايا الصباغية إلى مكانها الصحيح في الجلد.

ويُفرز عامل الخلايا الجذعية في البيئة الدقيقة المحلية للخلايا الجذعية، وهو يُثبط أيضًا التمايز مع التقدم في السن. فبدلًا من احتواء تلف الحمض النووي، يزيد هذا العامل من خطر تطور الأورام عن طريق تشجيع الخلايا الجذعية الصباغية الضعيفة على الاستمرار.

وتقول الباحثة الرئيسية البروفيسور إيمي نيشيمورا، عالمة الأحياء في جامعة طوكيو: “تكشف هذه النتائج أن نفس مجموعة الخلايا الجذعية يمكن أن تتبع مصائر معاكسة – الإرهاق أو التوسع – اعتمادًا على نوع الإجهاد وإشارات البيئة الدقيقة”.
وتضيف: “يُعيد هذا صياغة شيب الشعر وسرطان الجلد ليس كحدثين منفصلين، بل كنتائج متباينة لاستجابات إجهاد الخلايا الجذعية”.

ويشير الباحثون إلى أن هذا لا يعني أن الشيب بحد ذاته وسيلة دفاع ضد خطر الإصابة بالسرطان. فالشيب نتيجة للتمايز مع التقدم في السن، وهو مسار وقائي يساعد الجسم على الاستجابة للإجهاد الجيني السام من خلال التخلص من الخلايا التي يحتمل أن تكون خطرة.

ومع ذلك، عندما لا تحدث هذه العملية، فإن بقاء وانتشار الخلايا الجذعية الصباغية التالفة قد يؤدي إلى ظهور سرطان الجلد (الورم الميلانيني).
وستكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتسليط الضوء على الآليات المعنية ودراسة الظواهر المماثلة لدى البشر، إلا أن هذا يمثل بالفعل قفزة نوعية في فهمنا.

وبناءً على هذه الرؤية الثاقبة للدوائر الجزيئية التي تحكم المصائر المتباينة للخلايا الجذعية المكونة للدم، تقدم الدراسة نموذجًا للمساعدة في شرح تفاصيل رئيسية حول العلاقة بين شيخوخة الأنسجة والسرطان، كما كتب المؤلفون. وقد تم نشر هذه الدراسة في مجلة “نيتشر سيل بيولوجي” (Nature Cell Biology) ، الرابط: https://www.nature.com/articles/s41556-025-01769-9

*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:

https://www.sciencealert.com/gray-hair-might-be-the-bodys-way-of-avoiding-a-deadly-cancer
الهوامش:
[1] الورم الميلانيني هو نوع من سرطان الجلد يبدأ في الخلايا الصبغية (melanocytes)، وهي خلايا تُنتج الصبغة (pigment) التي تُعطي الجلد لونه، وتُسمى هذه الصبغة الميلانين (melanin). يبدأ الورم الميلانيني عادةً على الجلد المُعرّض لأشعة الشمس بكثرة، ويشمل ذلك جلد الذراعين والظهر والوجه والساقين، كما يُمكن أن يُصيب العينين. وفي حالات نادرة، يُمكن أن يحدث داخل الجسم، مثل الأنف أو الحلق. السبب الدقيق لجميع أنواع الورم الميلانيني غير واضح. وتنتج معظم الأورام الميلانية من التعرض للأشعة فوق البنفسجية، التي تأتي من ضوء الشمس أو مصابيح وأسرة التسمير [تحويل لون الجلد الى أسمر]. يُمكن أن يُساعد الحد من التعرض لهذه الأشعة في تقليل خطر الإصابة بالورم الميلانيني، الذي يتزايد لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا، وخاصةً النساء. يُمكن أن تُساعد معرفة أعراض سرطان الجلد في ضمان اكتشاف التغيرات السرطانية وعلاجها قبل انتشار السرطان، ويُمكن علاج الورم الميلانيني بنجاح إذا تم اكتشافه مُبكرًا. المصدر: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/melanoma/symptoms-causes
[2] الخلايا الجذعية الصباغية (Melanocytes Stem Cells – McSCs) هي خلايا نادرة وغير متمايزة توجد في الجلد وبصيلات الشعر، وتتجدد لتصبح خلايا صباغية منتجة للصبغة. وهي ضرورية للشعر ولون البشرة، وتوجد في بروز بصيلات الشعر وجرثومة الشعر الثانوية (secondary hair germ (sHG)). خلال دورة نمو الشعر، تنشط هذه الخلايا وتتمايز، حيث تعمل مع الخلايا الجذعية الظهارية لتجديد الشعر المصبوغ، إلا أن هذه العملية قد تتراجع مع التقدم في السن، مما يؤدي إلى شيب الشعر. وجرثومة الشعر الثانوية (sHG) هي بنية رئيسية للتجديد السريع لبصيلات الشعر وتوجد في أنواع مثل الفئران والخنازير، وهي بنية مؤقتة تتشكل في الطرف السفلي من بصيلات الشعر (hair follicle – HF) خلال نهاية مرحلة التراجع وبداية مرحلة التيلوجين (مرحلة الراحة حيث يبقى الشعر في البصيلة ولكنه لا ينمو؛ وبعد هذه المرحلة، يتساقط الشعر ويحل محله شعر جديد). واليتلوجين مجموعة من الخلايا الجذعية النشطة التي تلعب دورًا حاسمًا في بدء دورة نمو الشعر التالية من خلال الاستجابة السريعة لإشارات محفزة لمرحلة النمو من الحليمة الجلدية. المصدر: محرك غوغل للبحث https://www.google.com/search?q=melanocyte+stem https://www.google.com/search?q=secondary+hair+germ
https://www.google.com/search?q=telogen&sca_esv
[3] التمايز مع التقدم في السن (senescence-differentiation) هو عملية تدخل فيها الخلايا الجذعية في حالة توقف دائم للنمو (التقدم في السن أو الشيخوخة) وتنضج في الوقت نفسه إلى نوع خلوي متخصص، مما يؤدي إلى إزالتها من تجمع الخلايا الجذعية.
[4] “مسار الإشارة 53-بي21” هو منظم مركزي لاستجابة الخلايا للحمض النووي والإجهاد التأكسدي، وهو ضروري للحفاظ على الاستقرار الجينومي ومصير الخلايا. المصدر: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2352320425000616#sec2.

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *