التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين، بل بالعامل النفسي – ترجمة عدنان احمد الحاجي

Gluten sensitivity: It’s not actually about gluten
(بجامعة ملبورن – University of Melbourne)

[كتب مقدمة الترجمة: الدكتور عبد الله علي الراشد، استشاري باطنية وأمراض دم]

مقدمة الدكتور عبد لله علي الراشد:
في عيادات الباطنية، أو تحديدًا في الجهاز الهضمي، الكثير من أعراض المراجعين تتداخل فيما بينها، وكذلك التشخيص المحتمل لتلك الأعراض. فمن شأن ذلك أن يأخذ وقتًا أطول مما ينبغي من كل من المريض والطبيب لمحاولة التوصل إلى التشخيص الأكثر احتمالًا أو الأكثر صوابا للحالة المرضية التي وراء تلك الأعراض، ما يسبب أحيانًا حيرة وتوترًا أو قلقًا عند المرضى، خاصة عندما تطول فترة ظهور الأعراض وتطول فترة محاولة التوصل إلى تشخيص سببها المحتمل.
كل من التحسس الغلوتيني اللابطني، والتحسس البطني (أو ما يعرف بمرض السيلياك)، ومتلازمة القولون العصبي تتداخل كثيرًا في الأعراض لكنها تختلف في آلياتها الأساسية ومعايير تشخيصها، ولذلك تصعب محاولة التمييز بينها، وبالتالي قد تخفق إجراءات التوصل إلى التشخيص الدقيق للسبب الحقيقي التي وراء تلك الأعراض.
يجب أن يعرف المريض مدى التداخل بين الأعراض، وبذلك يصبح التشخيص غير قاطع. معرفة الفروق الدقيقة بين تلك الحالات مهمة لبناء خطة علاج لاحقة. بعض تلك الأعراض قد لا تكون أسبابها مرضية عضوية أو جينية، كما هو الحال في اضطراب تحسس الغلوتين أو السيلياك. ولكن ربما تكون في الغالب، لأسباب غير عضوية وهو ما يحدث في متلازمة القولون العصبي. ولذا اخضاع المريض لجملة من الفحوصات المخبرية بعد أخذ التاريخ المرضي السريري مهم جدًا للإطمئنان على طبيعة حالة المريض.
الدراسة المترجمة أدناه تستعرض النتائج التي توصل أليها الباحثون لبيان الفروقات بين أعراض هذه الاضطرابات وما كانت أعراضًا حقيقيّة أم متصورة، وضرورة توعية المرضى بها وتثقيف العامة عنها.

( الدراسة المترجمة )
كشفت دراسة رائدة أن حساسية الغلوتين (اضطراب في الجهاز الهضمي بسبب عدم تحمل مادة الغلوتين(1))، التي تصيب حوالي 10% من سكان العالم، ليست، في الواقع، بسبب مادة الغلوتين، بل بسبب العلاقة بين العمليات العقلية (الدماغ) والعمليات البدنية (الأمعاء)، ما يّعرف بـ محور الأمعاء والدماغ، وهذا يعني أن العوامل النفسية (مثل التوتر والقلق والتوقعات) لها دور في هذا الإحساس بالتأثير.

ومن المتوقع أن تُرسي هذه النتائج معيارًا جديدًا لإعادة تعريف حساسية الغلوتين وتشخيصها، وبالتالي علاجها في المستقبل.

دراسة المراجعة(2) التي نشرت مؤخرًا في مجلة ذا لانسيت (The Lancet)، فحصت الأدلة المنشورة حاليًا حول تحسس الغلوتيني اللابطني (أو التحسس الغلوتيني “NCGS”) لفهم هذه الحالة الشائعة بشكل أفضل.

المصابون بمتلازمة التحسس الغلوتيني (NCGS) يعانون من أعراض بعد تناول الغلوتين (وهو المكون الرئيس في القمح والشعير)(3)، لكنهم لا يعانون من الداء البطني (المعروف بـ السيلياك(4))، وهو مرض مناعي ذاتي يسببه تناول الغلوتين. تشمل الأعراض الشائعة انتفاخ في البطن(5) وآلام في المعدة(6) والإعياء(7).

صرحت الباحث الرئيس، جيسيكا بيزيكيرسكي (Jessica Biesiekierski)، الأستاذ المساعد بجامعة ملبورن، بأن النتائج مخالفة للافتراضات القديمة السائدة المتعلقة بأسباب حساسية الغلوتين.

وأضافت: “بعكس الاعتقاد السائد، معظم المصابين بالتحسس الغلوتيني اللابطني لا يصابون بحساسية الغلوتين”.

وأضافت: “تُبين نتائجنا أن الأعراض غالبًا ما تُثيرها مجموعة الكربوهيدرات القابلة للتخمر، المعروفة باسم فودماب(8)، والتي قد تسبب مشكلات هضمية، أو تثيرها مكونات القمح الأخرى، أو عوامل نفسية، مثل توقعات الناس أو تجاربهم السابقة مع أطعمة مُعينة”.

أثبتت نتائج دراسات حديثة أن ردود الفعل (حساسية) المصابين بمتلازمة القولون العصبي(9)، والذين يعتقدون أنهم حساسون للغلوتين، هي نفسها سواء تناولوا الغلوتين أو القمح أو حتى مادة غذائية وهمية (مادة غذائية خالية من الغلوتين تمامًا). بعبارة أخرى، لم تعتمد الأعراض على الغلوتين نفسه، بل على ما توقعوه عند تناول أطعمة معينة (بعبارة أخرى، العامل النفسي).

لذا، تقول الأستاذ المشارك بيزيكيرسكي إن توقعات الشخص وتصوراته عن الطعام (كيف يتوقع ويفسر الأحاسيس في أمعائه، أي العامل النفسي) يمكن أن تؤثر بشدة في ظهور الأعراض، حتى لو لم يكن الطعام هو المسبب الفعلي لها.

بعبارة أخرى، الأعراض التي ظهرت عليهم لا علاقة لها بوجود الغلوتين نفسه، بل على ما توقعوا أو اعتقدوا أنه مسبب لهذه الاضطراب عند تناول أطعمة معينة، فإذا اعتقد الشخص أن ما تناوله من طعام سيُسبب له اضطرابًا في معدته، فإن هذا الاعتقاد بحد ذاته قد يُسبب له هذه الأعراض، حتى لو لم يكن الطعام هو المسبب الفعلي للاضطراب، حسبما قالت الأستاذ المشارك بيزيكيرسكي.

عند أخذ هذه النتائج مجتمعةً في الاعتبار، فإنها تُعيد تعريف التحسس الغلوتيني اللابطني كجزء من طيف التفاعل بين المعدة والدماغ (العامل النفسي)، تعريفًا أقرب إلى تعريف حالات مثل متلازمة القولون العصبي، لا اضطراب غلوتين معين.

يقول فريق البحث – من أستراليا وهولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة – إن لهذه النتائج آثارًا بالغة الأهمية على من يحاولون معالجة مشكلاتهم الهضمية بأنفسهم، دون إشراف طبي [مثل أولائك الذين لا يأكلون إلا أطعمة خالية من الغلوتين أو يتناولون مكملات غذائية أو علاج يُصرف دون وصفة طبية]، وعلى الأطباء الذين يصفون برنامجًا غذائيًا مُقيدًا لمرضاهم، وعلى صانعي السياسات الذين يصيغون رسائل توعوية تثقيفية تتعلق بالصحة العامة.

تقول الاستاذ المشارك بيزيكيرسكي: “يتجنب ملايين الناس حول العالم تناول الغلوتين اعتقادًا منهم بأنه يضرّ بجهازهم الهضمي، وغالبًا ما يحدث ذلك بعد ظهور أعراض حقيقية تتراوح بين انزعاج خفيف وضيق أو انزعاج شديد من جراء معاناته من مشكلات نفسية آو بدنية. تحسين فهمنا العلمي والسريري لحالة تؤثر فيما يصل إلى 15% من سكان العالم يعد أمرًا بالغ الأهمية”.

يقول البروفيسور المشارك جيسون تاي-دين، مدير مركز سنو للصحة المناعية وأخصائي أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى رويال ملبورن، إن المعرفة العلمية المُحدثة يمكن أن تساعد الأطباء على عمل تشخيصات أكثر دقة وعلاج مُخصص للمرضى الذين يُعانون من متلازمة التحسس الغلوتيني اللابطني.

وقال البروفيسور تاي دين (Tye-Din): “التمييز بين التحسس الغلوتيني اللابطني وأمراض المعدة ذات العلاقة يعتبر ضروريًا للأطباء حتى يستطيعوا إعطاء تشخيص دقيق ورعاية متخصصة، بالإضافة إلى علاج العوامل الأساسية المسببة للمرض”.

الهوامش:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/تحسس_غلوتيني_لابطني
2- https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(25)01533-8/abstract
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/غلوتين
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/داء_بطني
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/انتفاخ_البطن
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/ألم_البطن
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/إعياء
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/فودماب
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/متلازمة_القولون_المتهيج

المصدر الرئيس:
https://www.unimelb.edu.au/newsroom/news/2025/october/gluten-sensitivity-its-not-actually-about-gluten

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *