كيف يستخدم الدماغ المعالم البصرية للاسترشاد بها وكيف نفهم فشل المصابين بالزهايمر في ذلك – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Scientists reveal how the brain uses objects to find direction
(معهد مونتريال لعلم الأعصاب في جامعة ماكغيل – McGill University)

أثبتت دراسة مدى تأثير المعالم البصرية على بوصلة الدماغ الداخلية(1، 2).

عادةً ما نأخذ معرفتنا بموقعنا (مكان تواجدنا) أخذ المسلمات، حتى نتيه ولا ندري أين نحن. حين نضيع في الغابة أو البرية أو في مدينة جديدة، تبدأ أعيننا وأدمغتنا بالعمل، باحثةً عن أشياء مألوفة باعتبارها معلمًا يرشدنا على مكان تواجدنا.

إلا أن الآلية، التي تستخدمها أدمغتنا لتمييز المعلم البصري (الشيء الذي نركز عليه باعتباره معلمًا بصريًا نسترشد به) عما يحيط به عندما نحاول معرفة اتجاهنا أو إيجاد الاتجاه الصحيح، بقيت أحجية لم يعرف الباحثون حلًا لها إلّا مؤخرًا.

مصدر الصورة؛ موقع العلوم العصبية

تُقدم الدراسة الجديدة أفكارًا قيّمة عن هذه الآلية، والتي قد تساعدنا في تفسير أو علاج مشكلات التنقل من مكان إلى أخر، والتي يعاني منها، بالخصوص، مرضى الزهايمر.

في مرض الزهايمر، منطقتا الحُصين والقشرة الشمية الداخلية المهمتان للتنقل المكاني هما من أوائل المناطق التي تتضرر في الدماغ بسبب هذا المرض. لهذا السبب غالبًا ما يفقد مرضى الزهايمر إحساسهم بالاتجاه ويتيهون.

لذلك، تحاول هذه الدراسة الجديدة شرح الآلية التي يستخدمها الدماغ لينتقي معلمًا بارزًا من المحيط يسترشد به، ما لم يكن متضررًا بسبب الإصابة بمرض الزهايمر.

أجرى باحثون، من معهد مونتريال لعلم الأعصاب والمستشفى (Neuro) في جامعة ماكغيل والمركز الطبي الجامعي في غوتنغن، تجربةً على الفئران باستخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية لقياس وتسجيل نشاط الدماغ. عُرضت على الفئران مُحفِّزات بصرية، إما جسم (معْلم) أو صورة لا يظهر عليها أي معْلم مُميز (كما في الصورة أدنّاه).

وجد الباحثون عددًا قليلًا من باحات الدماغ التي تنشط (تصدر خلاياها العصبية فعل جهد)، خاصةً عندما ينظر الفأر إلى معلم ما. هذه الباحات موجودة في منطقة دماغية تُسمى “مرفد الحصين” (postsubiculum)، وهي متخصصة في تتبع اتجاه نظر (اتجاه رأس) الفأر في أي لحظة. كل اتجاه يُنشّط خلية معينة في هذه المنطقة.

منطقة مرفد الحصين: تعمل عادةً بمثابة بوصلة داخلية. فيها خلايا مُعينة تصدر فعل جهد (نشاط) بناءً على الاتجاه الذي ينظر إليه الفأر.

رؤية المعلم من قبل الفأر زاد من نشاط (فعل الجهد الذي تصدره) الخلايا المسؤولة عن الجهة الذي ينظر باتجاهها الفأر. كما أنها ثبّطت نشاط الخلايا المسؤولة عن الجهات التي لا ينظر إليها الفأر. يعزز هذا النوع من النشاط معًا إدراك الفأر الحسي (رؤية الفأر البصرية) للمكان المتواجد فيه بالنسبة للمعْلم.

يربط الدماغ خلايا البوصلة (الجهة المتوجه اليها) بالمشهد البصري (المعـلم البصري). بهذه الطريقة، فالفأر لن يعرف”أنه متجه نحو جهة معينة” فحسب، بل هو متجه نحو تلك الجهة المعينة نسبةً إلى ذلك المعلم.

تُقدّم هذه النتيجة قرائن على لماذا يفقد المصابون بأمراضٍ، مثل الخرف والزهايمر، مقدرتهم على تتبع مكان تواجدهم. وقد بينت دراسةٌ من جامعة أكسفورد(3) أن تراكم بروتين تاو(4) نتيجة لتفاعلات موضعية بين بروتينات بيتا أميلويد(5) وبروتينات تاو في القشرة الحديثة(6، 7) المسؤلة عن الذاكرة الدلالية، ما من شأنه أن يتسبب في استقلالها (انفصالها) عن منطقة الحصين – وهو سمةٌ مميزةٌ لمرض الزهايمر – يحدث أول ما يحدث في مناطق الدماغ المسؤولة عن التوجيه المكاني [أي معرفة موقع الجسم المكاني وعلاقته بالمعالم المحيطة].

ففي حالة الإصابة بمرض الزهايمر، يتراكم بروتين تاو ويتلف الخلايا العصبية أولاً في هذه المناطق بالذات، ولا يعرف المصابون أين هم ولا إلى أين يتجهون، لذلك يتيهون ولا يستطيعون معرفة طريق العودة إلى منازلهم، حتى او كانوا ضمن الأماكن التي خبروها جيدًا في السابق قبل الإصابة.

هذه الدراسة تبين كيف يعمل نظامان دماغيان رئيسيان معًا – النظام البصري (ما نراه) ونظام التعرّف المكاني (معرفة الموقع والاتجاه الذي نحن بصدده). أصبح لدى الباحثين الآن فكرة أفضل عن مدى تأثير هذين النظامين في بعضهما البعض.

في حالة الأمراض العصبية التنكسية (مثل الزهايمر)، قد ينفصل هذان النظامان عن بعضهما البعض. معرفة هذا الانفصال قد يُساعد في الأبحاث المستقبلية التي ستجرى للتعرف على سبب هذه الاضطرابات المتعلقة بمعرفة المكان والاتجاه (سبب التيه).

قال ستيوارت ترينهولم (Stuart Trenholm) الباحث في المعهد والمستشفى “Neuro” والمؤلف المشارك الرئيس في الدراسة: “من الجوانب المفيدة جدًا في دراستنا أنها تقدم فهمًا عميقًا لنظامين يتفاعلان معًا: التعرّف البصري والمكاني”. وأضاف: “لدينا الآن فهم جيد لمدى تفاعلهما معًا. كلاهما له وظائف دماغية عالية المستوى، والعديد من هذه الاضطرابات العصبية التنكسية تؤدي إلى انفصال بين هاتين الحالتين، لذا من المثير للإهتمام أن يُعنى بالبحث في هذه المسألة مستقبلًا”.

قال أدريان بيراش (Adrien Peyrache)، الباحث في “Neuro” والمؤلف المشارك الرئيس في الدراسة: “نتائجنا مذهلة جدًا. توقعنا أن عملية التعرف على الأشياء (تحديد ماهيتها) تتم بشكل رئيس في القشرة البصرية (مركز الرؤية في الدماغ). ولكننا وجدنا أنها تحدث في نظام الملاحة في الدماغ [وهو نظام تحديد المواقع الداخلي والذي يعتمد على منطقتي الحُصين والقشرة الشمية الداخلية(7) (التي تمثل الواجهة بين الحصين والقشرة الجديدة(8))، ومنه تصدر خرائط ذهنية عبر خلايا عصبية متخصصة].

هذا يعني أن الأشياء لا تُرى فحسب، بل ترتبط ارتباطًا مباشرًا بكيفية فهمنا للمحيط والمعالم فيه والاسترشاد بها لتوجيه أنفسنا في اتجاه معين.

هذه الدراسة هي أول دراسة حقيقية تناولت مدى ربط الدماغ الأشياء بالقدرة على معرفة الشخص العلاقة المكانية بينه وبين المعالم المحيطة به. الدراسة تشرت في مجلة العلوم(9) في 11 سبتمبر 2025.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “يمتلك البشر والحيوانات المعقدة فسيولوجيًا بوصلة داخلية مكونة من خلايا دماغية تستخدم المعلومات الداخلية والخارجية لتوليد إحساس بالاتجاه. في ذبابة الفاكهة، اكتشف العلماء هذه الخلايا تعرف بخلايا اتجاه الرأس (2) تصدر فعل جهد حين يغير الرأس اتجاهه”. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://hms.harvard.edu/news/how-brains-compass-guides-body
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/خلايا_اتجاه_الرأس
3- https://academic.oup.com/brain/article/146/12/4935/7222857
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/بروتين_تاو
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/ببتيد_بيتا_النشواني
6- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC7612398/
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_جديدة
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_شمية_داخلية
So 9- https://www.science.org/doi/10.1126/science.adu9828

المصدر الرئيس:
https://www.mcgill.ca/brain/channels/news/scientists-reveal-how-brain-uses-objects-find-direction-367562

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *