ومضات معرفية من كتاب: أخلاقيات العطاء والأخذ: منهج ثوري لتحقيق النجاح – ترجمة* عبدالله سلمان العوامي

إسم الكتاب: 
“أخلاقيات العطاء والأخذ: منهج ثوري لتحقيق النجاح”
[Give and Take: A Revolutionary Approach to Success]

تنصل:
هذه الترجمات لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو معارضةً للأفكار والآراء الواردة في النصوص الأصلية، بل تهدف إلى إثراء المحتوى العربي بتقديم معارف ووجهات نظر متنوعة من مصادر متعددة مع مراعاة نقل المعنى والسياق بدقة قدر الإمكان. وقد تتضمن هذه المواد رؤى أو معلومات لا تتوافق مع بعض القناعات الشخصية، إلا أن نشرها يأتي كجسر للتواصل الثقافي والفكري وفتح المجال للنقاش الموضوعي في مجالات كالصحة والتقنية والاقتصاد وغيرها. ونأمل أن تسهم هذه الترجمات في توسيع آفاق القارئ العربي وتعزيز الحوار البنّاء حول مختلف القضايا، مع التأكيد على حق كل قارئ في انتقاء الأفكار أو نقدها بوعي واحترام.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون (Amazon):

كتاب حقق مبيعات ضخمة بحسب قوائم صحيفة نيويورك تايمز (New York Times* وصحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal)، وهو من تأليف أحد أشهر أساتذة كلية وارتون (Wharton) المرموقة.

وقد تم تصنيفه كأحد أفضل كتب عام 2013 من قبل شركة أمازون، وصحيفة فايننشال تايمز، وصحيفة وول ستريت جورنال، بالإضافة إلى كونه من الكتب المميزة ضمن اختيارات الإعلامية المشهورة السيدة أوبرا (Oprah)، ويعتبر هذا الإصدار من أهم كتب الأعمال التي يجب قراءتها حسب مجلة فورتشن (Fortune)، ويعد أحد الكتب التي ينصح بقراءتها كل قائد حسب صحيفة واشنطن بوست (Washington Post).

على مدى أجيال، ركزنا على الدوافع الفردية للنجاح مثل الشغف والعمل الجاد والموهبة والحظ. لكن في الوقت الحاضر، أصبح النجاح يعتمد بشكل متزايد على كيفية تفاعلنا مع الآخرين. يتبين أن معظم الناس في بيئة العمل يتصرفون وفق ثلاث أنماط: “الآخذون”، و ”المتطابقون”، و ”المعطون”. الآخذون يسعون للحصول على أكبر قدر ممكن من الآخرين، بينما يسعى المتطابقون إلى التعامل بالمثل وتبادل المنافع بشكل متساوٍ، أما “المعطون” فهم النوع النادر من الناس والذي يساهم في خدمة الآخرين دون توقع أي مقابل.

وبالاعتماد على أبحاثه الرائدة كأصغر أستاذ مُنَصَّب في كلية وارتون (Wharton)، يوضح السيد آدم جرانت (Adam Grant) أن هذه الأساليب لها تأثير مفاجئ على النجاح. فعلى الرغم من أن بعض المعطين يتعرضون للاستغلال والإرهاق، فإن البقية يحققون نتائج استثنائية عبر مجموعة واسعة من الصناعات.

من خلال الجمع بين الأدلة الحديثة والقصص الشيقة الآسرة، يُظهِر السيد آدم جرانت كيف استطاع أحد أفضل أصحاب العلاقات في أمريكا بناء شبكته الواسعة، ولماذا ظل العبقري الإبداعي وراء واحد من أكثر البرامج التلفزيونية شهرة يعمل لسنوات في الظل دون أن يعرفه أحد، وكيف نجح مسؤول تنفيذي في كرة السلة، رغم إخفاقاته المتعددة في اختيار اللاعبين لفريقه، في تحويل ناديه إلى رابح، وكيف كان يمكننا توقع انهيار شركة إنرون (Enron) قبل أربع سنوات من سقوطها، دون الحاجة للنظر إلى أي أرقام مالية.

حظي هذا الكتاب إشادة من مؤلفين عالميين مثل سوزان كاين (Susan Cain)، ودان بينك (Dan Pink)، وتوني شيه (Tony Hsieh)، وسيث جودين (Seth Godin)، ودان أرييلي (Dan Ariely)، وجريتشين روبين (Gretchen Rubin)، وديفيد ألين (David Allen)، ودان جيلبرت (Dan Gilbert)، وروبرت سيالديني (Robert Cialdini)، إلى جانب قادة كبار من شركات مرموقة مثل جوجل (Google)، وماكنزي (McKinsey)، وميرك (Merck)، وإستي لودر (Estee Lauder)، وتويتر (Twitter)، ونايكي (Nike)، وناسا (NASA).

تبرز أهمية هذا الكتاب في تسليطه الضوء على القاسم المشترك بين مهارات التواصل الفعال، والتعاون، والتأثير، والتفاوض، والقيادة. ويكشف هذا الكتاب الرائد عن نهج جديد في تحقيق النجاح الذي له القدرة على إحداث تحول ليس فقط على مستوى الأفراد والمجموعات، بل أيضاً على مستوى المؤسسات والمجتمعات بأكملها.

مؤلف الكتاب:

السيد آدم جرانت (Adam Grant) هو عالم نفس تنظيمي بارز في كلية وارتون (Wharton)، حيث شغل منصب الأستاذ الأعلى تقييمًا لمدة سبع سنوات متتالية. يُعد جرانت من أشهر مؤلفي الكتب الأكثر مبيعًا وفقًا لقائمة صحيفة نيويورك تايمز (New York Times)، وهو من أكثر المتحدثين شعبية على منصة تيد (TED)، إذ بيعت كتبه بملايين النسخ وتُرجمت إلى أكثر من 45 لغة، كما تجاوزت مشاهدات محاضراته 35 مليون مشاهدة، وتم تحميل بودكاستاته (Re:Thinking) و(WorkLife) أكثر من 65 مليون مرة.
ألهمت أبحاثه الرائدة الكثيرين لإعادة النظر في الافتراضات الجوهرية حول التحفيز والسخاء والإبداع والقدرات البشرية. وقد اختير السيد آدم جرانت ضمن قائمة أكثر عشرة مفكرين تأثيرًا في الإدارة عالميًا، وأدرجته مجلة فورتشن (Fortune) في قائمة الأربعين تحت سن الأربعين، كما نال جوائز علمية مرموقة من الجمعية الأمريكية لعلم النفس (American Psychological Association)، وأكاديمية الإدارة (Academy of Management)، والمؤسسة الوطنية للعلوم (National Science Foundation).
من أبرز أعماله، مقالته الشهيرة حول الشعور بالخمول (languishing) التي كانت الأكثر قراءة وحفظًا في صحيفة نيويورك تايمز لعام 2021. يحمل السيد جرانت شهادة البكالوريوس من جامعة هارفارد (Harvard) ودرجة الدكتوراه من جامعة ميشيغان (University of Michigan). هو أيضًا غواص سابق في الألعاب الأولمبية للناشئين وساحر هاوٍ. يعيش حاليًا في مدينة فيلادلفيا (Philadelphia) مع زوجته أليسون (Allison) وأطفالهما الثلاثة.

منصة الوميض** (Blinkist) قامت بتلخيص الكتاب في “تسع ومضات” معرفية ومقدمة وخلاصة نهائية، وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب وهي كالتالي:

مقدمة – الآخذون (Takers) أنانيون ويركزون فقط على الفوائد التي يمكنهم الحصول عليها من الآخرين.

كلنا نعرف أشخاصًا لا يهتمون إلا بأنفسهم، ويتجاهلون تمامًا احتياجات الآخرين. هؤلاء الأشخاص هم “الآخذون”. في أي مكان يذهبون إليه، يبدو أن همهم الأساسي هو جمع أكبر قدر ممكن من المال والمكانة والإعجاب.

عادةً ما يروّج الآخذون لأنفسهم بحماس، ويفضلون استخدام كلمات مثل “أنا” و”ملكي” بدلاً من “نحن” و”لنا”. كما أنهم يميلون إلى السيطرة، مستخدمين لغة قوية لإقناع الآخرين، ولا يترددون في مدح أصحاب النفوذ بشكل مبالغ فيه لتحقيق مصالحهم الشخصية.

فلماذا هم أنانيون إلى هذا الحد؟

ببساطة، لأنهم يرون العالم مكانًا تنافسيًا. بالنسبة للآخذ، الحياة لعبة قاسية حيث عليك أن تأخذ كل ما تريد، ولا تساعد الآخرين إلا إذا كانت الفائدة الشخصية من ذلك تفوق التكلفة.

ومن أبرز الأمثلة على شخصية الآخذ هو السيد كينيث لاي (Kenneth Lay)، المدير التنفيذي السابق لعملاق الطاقة “إنرون Enron”. فقد أخذ قروضًا ضخمة من الشركة، وباع أسهمًا بقيمة 70 مليون دولار في توقيت مناسب ليؤمّن نفسه قبل أن تعلن الشركة إفلاسها، تاركًا وراءه 20,000 موظف بلا عمل.

لكن الشخص الآخذ العادي ليس بالضرورة شريرًا أو فاسدًا. مثال أقل حدة هو لاعب كرة السلة الأسطوري السيد مايكل جوردان (Michael Jordan). فعندما كان لاعبًا، تحدث لصالح زيادة حصة اللاعبين من عائدات الفريق، لكنه دافع عن العكس تمامًا عندما أصبح مالكًا لأحد الفرق. وفلسفته: “لكي تكون ناجحًا، عليك أن تكون أنانيًا”.

على الرغم من أن دوافعهم الأساسية قد تختلف، إلا أن جميع الآخذين يحملون نفس النظرة للعالم: يعتقدون أن هناك كمية محدودة من “الكعكة” للجميع، وأن عليهم الحصول على أكبر جزء منها لأنفسهم.

الخلاصة الرئيسية هنا هي أن الآخذين يتمحورون حول ذواتهم، ويركزون فقط على الفوائد التي يمكنهم الحصول عليها من الآخرين. فما الحل للخروج من هذه الدائرة؟

الومضة الأولى – “المعطون” (Givers) مدفوعون برغبة صادقة في مساعدة الآخرين وتحقيق النجاح للمجموعة:

معظمنا يتذكر موقفًا أثرت فيه كرم شخص آخر في حياتنا. ربما قدم لنا نصيحة، أو وفر فرصة عمل، أو ساعدنا في مهمة صعبة، وكل ذلك دون أن ينتظر أي مقابل. هؤلاء الأشخاص يُسمون بالمعطين.

السمة الأساسية للمُعطي هي أنه في معظم التعاملات يعطي أكثر بكثير مما يأخذ. فهو كريم بمعرفته ووقته، وغالبًا ما يتنازل عن الفضل أو الشهرة لصالح تحقيق هدف مشترك. تركيزه الرئيسي هو تقديم قيمة للآخرين، أما حصوله على مقابل أو اعتراف بالمساعدة فهو أمر ثانوي أو مجرد مكافأة إضافية. ومن منظور المعطي، فإن مساعدة الآخرين مكافأة في حد ذاتها، لأنها تمنحه شعورًا بالرضا والسعادة أيضًا.

يُعد السيد جورج ماير، الكاتب الحائز على جائزة إيمي (Emmy Award) لمسلسل “عائلة سيمبسون (The Simpsons)، مثالًا كلاسيكيًا للمعطي. فقد كان السيد ماير يشجع الكتّاب الآخرين باستمرار على استخدام أفكاره دون أن يطلب أي تقدير شخصي. وعلى الرغم من أنه ساهم في صياغة أكثر من 300 حلقة من حلقات “عائلة سيمبسون”، إلا أنه لم يُنسب إليه الفضل إلا في 12 حلقة فقط. ومع ذلك، كان ما يهمه أكثر من احتساب رصيده الشخصي هو نجاح العرض ككل. حتى إنه ابتكر كلمة “مه meh” (تعبير عن الملل)، التي استخدمها “بارت Bart” لأول مرة في المسلسل، وأصبحت اليوم موجودة في القواميس، لكنه مع ذلك كان غير مكترث إلى درجة أنه نسي أنه هو من اخترع الكلمة أصلاً. كان نجاح المسلسل بالفعل هو هدفه الرئيسي.

يدرك المُعطون فوائد الإنجاز التعاوني ويسعون لخلق وفرة يستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس.

الومضة الثانية – في مكانٍ ما بين المعطين والآخذين، يسعى المتطابقون إلى تبادلات عادلة ومتساوية مع الآخرين:

“سأفعل شيئًا من أجلك إذا فعلت شيئًا من أجلي”. هذه هي السمة المميزة للمتطابقين: أولئك الذين يسعون إلى أن يعطوا بقدر ما يأخذون. يمكن التعرف عليهم بسهولة من خلال عقليتهم القائمة على المعاملة بالمثل. يُمكن رؤيتهم وهم يبرمون صفقة مع أطفالهم حول جزّ العشب، أو يستعينون بصديق يدين لهم بجميل ليوصلهم إلى المطار. ولكن، وعلى عكس الآخذين أو المعطين، فإن هدف المتطابق في مفاوضاته هو أن يكون عادلاً ومنصفًا لجميع الأطراف، وليس لطرف واحد فقط.

بالنسبة للمتطابقين، يجب أن يكون العالم ساحة لعب متكافئة يتبادل فيها الناس المعرفة والمهارات والموارد على نحو متساوٍ. يشعر هؤلاء بعدم الارتياح عندما تكون التبادلات غير متوازنة، لذلك إذا قدموا المساعدة لشخص ما، فإنهم يتوقعون مقابلاً، وإلا شعروا بالامتعاض. لكن هذا الأمر يسير في الاتجاهين: فإذا تلقى المتطابق معروفًا، يشعر بأنه مُلزَم بردّه بسرعة. هذا الميل إلى المعاملة بالمثل يعني أيضًا أنه إذا عرض المتطابق المساعدة على أحدهم، فعادةً ما يكون لديه نية لاستثمار هذا المعروف لاحقًا، وهو ما يعتبره أمرًا مشروعًا تمامًا.

نظرًا لأن المطابقة (التبادل المتكافئ) تبدو عادلة لمعظم الناس، فإن غالبية الأفراد منا هم في الواقع متطابقون. المطابقة هي طريقة منطقية للتعامل مع الآخرين، خاصة في مكان العمل حيث يساعد المتطابقون أنفسهم وزملاءهم من خلال تبادل المهارات والخبرات. كما أن التبادل المتكافئ هو أكثر أنماط التفاعل شيوعًا في عدة مواقع مثل موقع كريغزلست (Craigslist)، حيث يتبادل المستخدمون السلع والأموال والخدمات بطريقة متساوية.

سواء كان المتطابقون يتبادلون السلع أو الخدمات، فهم يرون ذلك توازنًا أنيقًا بين العطاء غير المشروط والأخذ المتهور.


الومضة الثالثة – مقدار ما نعطيه أو نأخذه يتأثر بالأشخاص الذين نتعامل معهم:

متى كانت آخر مرة شعرت فيها أن مجموعة أثرت عليك لتتصرف بطريقة معينة؟ على الرغم من أن لكل واحد منا أسلوبًا فرديًا في العطاء أو الأخذ أو المطابقة، إلا أننا نكيّف سلوكنا أيضًا ليناسب أشخاصًا وظروفًا محددة.

فمن طبيعتنا أن نميل إلى التوافق مع ما نعتقد أنه متوقع منا في المواقف الجماعية. فعلى سبيل المثال، عادةً ما يكون الآخذون أكثر سخاءً في الأماكن العامة، لأنهم لا يرغبون في أن يظهروا بمظهر البخلاء أمام الآخرين. ومن ناحية أخرى، قد يكبح المعطون كرمهم في العمل عندما لا يرغبون في أن يُنظر إلى لطفهم على أنه ضعف.

إحدى المجتمعات التي تؤثر في أعضائها هي “فريسايكل (Freecycle ) هي شبكة عالمية غير ربحية وحركة شعبية تهدف إلى إعادة استخدام المواد وتقليل النفايات”. حيث يقدّم الأعضاء الأشياء غير اللازمة مثل الكاميرات أو مستلزمات الأطفال مجانًا. فعندما ينضم الآخذون إلى الموقع ويتفاعلون مع المجتمع، يدفعهم معيار العطاء المتوقع إلى أن يعطوا أكثر مما يفعلون عادةً.

وبالإضافة إلى ضغط المجموعة، هناك عامل آخر يؤثر في سخائنا، وهو مدى شعورنا بالتشابه مع الشخص الآخر: فكلما كان الشخص الآخر أشبه بنا، زادت احتمالية أن نعطيه. في إحدى الدراسات، صادف مشجعو كرة القدم لفريق مانشستر يونايتد (Manchester United) عدّاءً “مصابًا”. إذا كان العدّاء يرتدي قميص فريق مانشستر يونايتد، توقف ٩٢ بالمئة من المشجعين لمساعدته. أما إذا كان العدّاء يرتدي قميصًا عاديًا، فقد انخفضت النسبة إلى ٣٣ بالمئة. وتُظهر نتائج هذه الدراسة أننا أكثر ميلاً للعطاء تجاه من يشبهوننا.

في الختام، من المرجح أنك أنت ومن حولك تشكلون سلوكياتكم بشكل كبير وفقًا لمن تتفاعلون معهم – دون أن تدركوا ذلك حتى.

الوميض الرابعة – الآخذون المستمرون يفقدون الاحترام ويلحقون الضرر بسمعتهم:

المعرفة الشائعة تصر على أنه لكي تنجح، يجب أن تأخذ ما تريد. ومع ذلك، تُظهر الأمثلة التاريخية أنه عندما يبالغ الناس في الأخذ، فإنهم يفقدون الاحترام. وعندما يحدث ذلك، تتدهور سمعتهم، مما يعرّض فرصهم المستقبلية للنجاح للخطر، حيث لم يعد الآخرون يرغبون في التعامل معهم.

خذ على سبيل المثال العالم السيد جوناس سالك (Jonas Salk)، بمساعدة فريقه البحثي، وعلماء آخرين، وآلاف من المتخصصين في الرعاية الصحية والمتطوعين، طور لقاح شلل الأطفال. خلال مؤتمر صحفي شهير أعلن فيه عن هذا الإنجاز، فشل السيد سالك في شكر من عملوا معه، مما أثار استياء فريقه إلى حد البكاء. وفي النهاية، ارتدت أنانيته عليه سلباً: فلم يُنتخب السيد سالك أبداً لعضوية الأكاديمية الوطنية للعلوم – في حين تم اختيار العديد من الباحثين الآخرين في مجال شلل الأطفال – ولم يحصل أبداً على جائزة نوبل. ويقول البعض إن فشله في تقدير الآخرين كان سبباً في عدم ترشيحه لهذه الجوائز.

كان للمعماري الشهير السيد فرانك لويد رايت (Frank Lloyd Wright) أيضًا سمعة مفرطة في الأخذ: فقد كان لا يدفع أجور المتدربين لديه، ويجبرهم على وضع اسمه على جميع أعمالهم. والأدهى من ذلك، أنه عندما عمل ابنه معه وطلب الحصول على أجر، أرسل له السيد رايت، وهو والده، فاتورة بجميع تكاليف المعيشة التي أنفقها عليه بصفته ابنه. وقد صرّح أحد عملاء السيد رايت بأنه كان يفضل توظيف المتدربين بدلاً من السيد رايت نفسه بسبب تجاهله لمن يعملون معه – وهو ما كلّف السيد رايت خسارة بعض الأعمال.

تظهر أمثلة السيد سالك والسيد رايت أن الآخذين معرضون لـ “ضريبة الآخذ” (taker tax). تتضمن ضريبة الآخذ نشر أخبار السلوك السيئ للآخذ، مما يضر بسمعتهم بدوره – وهي طريقة شائعة يستخدمها الناس لمعاقبة الآخذين.

لذا، على الرغم من أن بعض الآخذين قد يستمتعون بفترات من النجاح ويقدمون مساهمات قيّمة للمجتمع، إلا أنهم في النهاية يُعاقبون غالبًا بضريبة الآخذ، مما يحد كثيرًا من فرصهم في الاستمرار في النجاح.

الومضة الخامسة – غالبًا ما يحقق المعطون أعلى المراتب في المجتمع لأنهم يركّزون على المصلحة العامة:

يعتقد الكثيرون أنه عندما يتعلق الأمر بتحقيق النجاح المهني، فإن الأخذ أكثر فعالية من العطاء. هذا صحيح بشكل خاص في المهن التنافسية تقليديًا مثل الأعمال والسياسة. ومن المثير للاهتمام، أنه اتضح أن المعطين غالبًا ما ينجحون في مثل هذه البيئات، حيث أن اهتمامهم بمساعدة الآخرين يفيدهم أيضًا.

يُعد الرئيس الأمريكي السابق السيد أبراهام لينكولن (Abraham Lincoln) مثالاً مثاليًا لشخص كان يهتم بالعطاء من أجل المصلحة العامة أكثر من الأخذ لنفسه. قبل أن يصبح رئيسًا، انسحب السيد لينكولن من سباق مجلس الشيوخ ليفسح المجال أمام منافسه السيد ليمن ترمبل (Lyman Trumbull) للفوز. وقد تنازل السيد لينكولن عن موقعه لأن كلاً منهما كان يشترك في هدف إلغاء العبودية، واعتقد السيد لينكولن أن السيد ترمبل لديه فرصة أفضل للفوز. كان إلغاء العبودية بالنسبة للسيد لينكولن أكثر أهمية من التقدم الشخصي. وفيما بعد، رد السيد ترمبل الجميل بأن أصبح مؤيدًا للسيد لينكولن عندما ترشح مجددًا لمجلس الشيوخ.

مثال أكثر حداثة على كيف أن التركيز على المصلحة العامة يفيد المعطين يمكن رؤيته في نكران الذات الذي أظهره السيد جيسون جيلر (Jason Geller) في شركة ديلويت للاستشارات (Deloitte Consulting). فقد ابتكر السيد جيلر نظام إدارة معلومات لجمع وتخزين البيانات حول عملاء الشركة ومنافسيها، وبدلاً من احتكار المعلومات ليجني الفائدة وحده، أتاحها لجميع زملائه على أمل أن يساعد ذلك الشركة كلها على تحقيق نتائج أفضل. هذا الكرم ترك انطباعًا كبيرًا لدى رؤسائه الذين سرعان ما رقوه إلى شريك – ليصبح بذلك أحد أصغر الشركاء سنًا في شركة ديلويت (Deloitte).

المعطون يهتمون بالمصلحة العامة، ولهذا السبب يمكنهم الوصول إلى القمة وتحقيق مناصب قوية وذات تأثير.


الومضة السادسة – المعطون الناجحون يطوّرون ويستثمرون شبكاتهم الواسعة لإفادة الآخرين وأنفسهم أيضًا:

هل شعرت يومًا بالحرج عند طلب معروف من شخص لم تره منذ سنوات؟ الأشخاص المعطون غالبًا لا يشعرون بهذا الإحراج. فعلى الرغم من أنهم قد يفقدون التواصل مع بعض معارفهم مع مرور الوقت، إلا أن جو الثقة والاستعداد للمساعدة يبقى قائمًا. وهذا يجعل من السهل على المعطين طلب معروف لأنفسهم أو لمن يعرفونهم، حتى بعد فترات طويلة من الانقطاع.

السيد آدم ريفكين (Adam Rifkin)، وهو معطٍ دائم وصُنف كأفضل صانع علاقات من قبل مجلة فورتشن (Fortune) عام ٢٠١١، شارك في تأسيس شبكة “١٠٦ ميل 106 Miles”، وهو تجمع يُعقد مرتين في الشهر حيث يجتمع رواد الأعمال للتواصل وتبادل المعرفة. ومن خلال هذا الحدث، يساعد السيد ريفكين الناس في الحصول على وظائف، ويمنحهم تغذية راجعة حول أفكارهم التجارية، ويربطهم بآخرين في شبكته الواسعة.

لكن اهتمام السيد ريفكين الشديد بمساعدة الآخرين من خلال بناء الشبكات عاد عليه بالنفع أيضًا. فبفضل سمعته الطيبة وكرمه، استطاع بسهولة الحصول على نصيحة لتأسيس شركته الجديدة من السيد غراهام سبنسر (Graham Spencer)، الشريك المؤسس لموقع (Excite)، رغم أنه لم يلتقِ به منذ خمس سنوات. هذا مثال نموذجي على الفائدة التي يجنيها المعطون: فعندما يحتاجون إلى مساعدة من شبكة تبدو وكأنها راكدة، يصبح إعادة التواصل أمرًا سهلاً لأن الطرف الآخر يعلم أن المعطي لا يسعى للمقايضة أو لتحقيق مكاسب أنانية.

يؤمن المعطون بأن تجميع الموارد والمعرفة يعود بالنفع على الجميع. وتبقى شبكاتهم نابضة بالحياة بفضل سمعتهم الطيبة واستعدادهم لرد الجميل للآخرين كلما سنحت الفرصة.

الومضة السابعة – المعطون يرون الإمكانات في كل من يقابلونه، مما يجعلهم بارعين في اكتشاف المواهب وتنميتها:

عندما تُعرض على الكثيرين فرصة لتوجيه شخص ما، يبحث معظم الناس أولًا عن بذور الموهبة ليروا ما إذا كان الأمر يستحق استثمار وقتهم. لكن المعطين يختلفون في هذا الجانب: فبدلاً من انتظار إثبات القدرة، يفترض المعطون وجود الإمكانات في الجميع ويبدؤون في تنميتها من البداية. وبفضل هذا الدعم المبكر، غالبًا ما يحقق من يرعونهم نجاحًا كبيرًا، وينعكس هذا النجاح في الغالب على المعطين أنفسهم.

يقدم مدير كرة السلة الشهير في دوري الـ(لرابطة الوطنية لكرة السلة “NBA”)، السيد ستو إنمان (Stu Inman)، مثالًا مثيرًا للاهتمام عن المعطي الناجح من خلال أسلوبه في اختيار اللاعبين لفرقه. فعلى الرغم من أن السيد إنمان تجاهل بعض عمالقة كرة السلة، بمن فيهم اللاعب الأسطورة السيد مايكل جوردان (Michael Jordan)، إلا أنه حقق نجاحًا هائلًا باختياره السيد كلايد دريكسلر (Clyde Drexler)، الذي كان سابقًا غير مُقدَّر، لكنه دخل لاحقًا قاعة مشاهير كرة السلة، وشارك في عشرة منتخبات كل النجوم، ودورة الألعاب الأولمبية. لقد كان السيد إنمان محل احترام كبير لقدراته في اكتشاف اللاعبين المغمورين ولتفانيه في تطوير من رعاهم.

شخص آخر حقق النجاح من خلال إيمانه بمن لم يبدوا واعدين في البداية هو السيد سي. جيه. سكندر (C. J. Skender)، أستاذ المحاسبة الحائز على جوائز. يكمن نجاح السيد سكندر في رعاية طلابه وتوجيههم. بعد أن درّس ما يقرب من 600 حصة دراسية، قام السيد سكندر في إحدى المرات بكتابة رسائل لكل طالب من طلابه الذين خضعوا لامتحان المحاسب القانوني المعتمد (CPA)، مهنئًا الذين اجتازوا الامتحان وأيضًا الذين لم ينجحوا.

ماذا كانت نتيجة هذا الجهد؟

لقد فاز أكثر من 40 طالبًا من طلاب السيد سكندر بميداليات الشكر والتقدير لأدائهم في امتحان المحاسب القانوني المعتمد (CPA). حتى أن أحد الطلاب السابقين، السيد ريجي لوف (Reggie Love)، ارتقى ليصبح المساعد الشخصي للرئيس الأمريكي السيد باراك أوباما (Barack Obama).

ومن خلال إدراك العظمة في الجميع، يهيئ المعطون بيئة خصبة لنجاح الآخرين، مما يخلق النجاح للمعطي نفسه أيضًا.

الومضة الثامنة – التواصل “المتواضع” يمنح المعطين ميزة قوية:

لو سألنا أحدهم عن نوعية التواصل التي تحقق أكبر قدر من النجاح، فمن المرجح أن نجيب بأنه يتطلب لغة واثقة وحازمة. لكن الدراسات الحديثة أظهرت أنه على عكس رفع الصوت وإظهار القناعة الشديدة، يمكننا أن ننجح من خلال التواصل بأسلوب متواضع.

التواصل المتواضع يقوم على التركيز على الطرف الآخر؛ على سبيل المثال، من خلال طلب النصيحة وطرح الأسئلة. وبدلاً من التسلط الذي يثير المقاومة، فإن هذا الأسلوب الأكثر لطفًا له تأثير إقناعي لافت. وتأتي هذه التقنية بسهولة للمعطين، إذ إن اهتمامهم بالآخرين فطري لديهم.

لقد تم إثبات قوة التأثير في التواصل المتواضع بشكل مقنع من خلال دراسة لشركات البصريات (النظارات والعدسات): فقد كان أخصائيو البصريات الذين يُعرفون بأنهم معطون هم أيضًا الأكثر تحقيقًا للمبيعات. وكان السبب في ذلك هو أسلوبهم في التواصل. على سبيل المثال، يختلف أخصائي البصريات السيد كيلدار إسكوتو (Kildare Escoto) عن معظم البائعين في أنه بدلاً من الترويج للبيع مباشرة، يسأل العملاء عن احتياجاتهم ونمط حياتهم. إن طرح الأسئلة يغرس الثقة في العملاء ويُمكّنه من خدمتهِم بشكل أفضل. ونتيجة لذلك، يُعد السيد إسكوتو المعطي الأول والأكثر مبيعًا في شركة لينز كارافتر (LensCrafters).

مثال آخر على التواصل “المتواضع” يتضح من خلال السيدة “آني Annie”، وهي عالمة كانت تعمل في شركة مدرجة ضمن قائمة (فورتشن ٥٠٠ Fortune 500) أثناء دراستها للماجستير في إدارة الأعمال. عندما أُغلق المصنع الذي كانت تعمل فيه، عُرض عليها الانتقال إلى موقع آخر، لكن ذلك كان يعني اضطرارها إلى التوقف عن الدراسة. وبدلاً من مطالبة الشركة بحل، لجأت السيدة آني إلى مديرة الموارد البشرية وطلبت نصيحتها قائلة: “ماذا كنت ستفعلين لو كنت مكاني؟” ونظرًا لكون السيدة آني موظفة قيّمة، فقد أدى أسلوبها المتواضع إلى منحها على مواصلات غير محدودة بواسطة طائرة الشركة الخاصة، مما مكنها من الانتقال إلى الموقع الجديد ومواصلة دراستها في الموقع القديم.

يمكن أن يكون التواصل المتواضع مفيدًا للغاية؛ فبدلاً من فرض المطالب على الآخرين، يقنعهم هذا النهج الكلاسيكي للمعطي بأن يكونوا أكثر تقبلاً لنا.


الومضة التاسعة – المعطون ينجحون فقط إذا تمكنوا من تجنب الإرهاق أو استغلالهم من قبل الآخذين:

ينجح كثير من المعطين بفضل سخائهم. لكن للأسف، هذا ليس الحال دائمًا، وينتهي المطاف ببعضهم إلى إرهاق أنفسهم وهم يحاولون إرضاء الجميع. ولتجنب هذا الإنهاك، يجب على المعطين أن يتعلموا كيف يحافظون على طاقتهم وكيف يتعاملون مع الآخذين الذين يستغلون كرمهم.

من المثير للدهشة أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن علاج الإنهاك لا يكمن في تقليل ساعات مساعدة الآخرين، بل في القدرة على رؤية أثر ما يقدمونه.

كانت السيدة كونري كالهان (Conrey Callahan)، المعلمة المثقلة بالأعباء، تعاني من الإنهاك حتى قررت إنشاء برنامج إرشادي. وبالنظر للوهلة الأولى، بدا هذا القرار غير منطقي إذ أن البرنامج أضاف ساعات إضافية إلى جدولها. إلا أن ذلك مكنها من العمل عن قرب مع الطلاب المُسترشدين (الموجهين) أثناء استعدادهم للالتحاق بالجامعة، وبالتالي شهدت بنفسها الفوائد التي حققها ما قدمته لهم من مساعدة. ونتيجة لذلك، شعرت بأنها استعادت نشاطها في الإرشاد والتدريس.

وبالإضافة إلى الإنهاك، قد يشعر المعطون بأن الآخرين “يدوسون عليهم (walked over)” عندما يستغل الآخذون سخاءهم، ولهذا يُطلق عليهم مصطلح “حصيرة الأقدام (بساط الباب doormat)”. ولتجنب ذلك، يجب على المعطين أن يجدوا استراتيجية تسمح لهم بإشباع غريزتهم في العطاء ولكن تحميهم أيضًا من الاستغلال. وتحدد الرياضيات الحيوية (البيولوجية) مثل هذه الاستراتيجية باسم “المعاملة بالمثل الكريمة (generous tit for tat)”. أي “لا تنسَ الجميل أبدًا، لكن سامح الإساءة أحيانًا”.

وفي التطبيق العملي، يعني ذلك أن المعطين يسايرون سلوك الآخذين معظم الوقت، لكنهم يُظهرون سخاءهم الفطري (نزعتهم الكريمة) أحيانًا من خلال تقديم لفتة طيبة للآخذين. وهذا يوفر للمعطين إحساسًا بالسيطرة بينما يشجع السلوك الإيجابي لدى الآخرين استجابة لطفهم.

يساعد هذان العاملان – مشاهدة تأثير جهودهم وكبح غريزتهم المفرطة في العطاء في مواجهة الآخذين المستمرين – المعطين على تحقيق النجاح على المدى الطويل.

خلاصة نهائية

لقد تعلمنا تقليديًا أن النجاح يتطلب منا التنافس مع الآخرين وأخذ ما نحتاجه. ومع ذلك، تُظهر الأبحاث الحديثة والأدلة التاريخية أن الآخذين ليسوا بالضرورة هم من يفوزون في النهاية. فالذين يعطون يمكنهم الوصول إلى قمم عظيمة، وعلى عكس الآخذين، فإنهم يحققون النجاح للآخرين أيضًا على طول الطريق.

*تمت الترجمة بتصرف.

**المصدر: منصة الوميض (Blinkist) وهي منصة تقوم بتلخيص الكتب ، ومكتبتها تحتوي على آلاف الكتب ويشترك في هذه المنصة الملايين من القراء.

الأستاذ عبدالله سلمان العوامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *