ومضات معرفية من كتاب: حروب التكنولوجيا المالية: عمالقة التقنية، فوضى العملات المشفرة ومستقبل المال – ترجمة* عبدالله سلمان العوامي

إسم الكتاب: 
“حروب التكنولوجيا المالية: عمالقة التقنية، فوضى العملات المشفرة ومستقبل المال”
[Fintech Wars: Tech Titans, Chaotic Crypto and the Future of Money]

تنصل:
هذه الترجمات لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو معارضةً للأفكار والآراء الواردة في النصوص الأصلية، بل تهدف إلى إثراء المحتوى العربي بتقديم معارف ووجهات نظر متنوعة من مصادر متعددة مع مراعاة نقل المعنى والسياق بدقة قدر الإمكان. وقد تتضمن هذه المواد رؤى أو معلومات لا تتوافق مع بعض القناعات الشخصية، إلا أن نشرها يأتي كجسر للتواصل الثقافي والفكري وفتح المجال للنقاش الموضوعي في مجالات كالصحة والتقنية والاقتصاد وغيرها. ونأمل أن تسهم هذه الترجمات في توسيع آفاق القارئ العربي وتعزيز الحوار البنّاء حول مختلف القضايا، مع التأكيد على حق كل قارئ في انتقاء الأفكار أو نقدها بوعي واحترام.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون (Amazon):
هذا الكتاب الأكثر مبيعًا حسب تصنيف صحيفة صنداي تايمز (Sunday Times
تتغلغل التكنولوجيا المالية، ويطلق عليها أيضا بـ (“التقنية المالية (الفنتك Fintech)”)، في كل جانب من جوانب حياتنا، من الاقتصادات غير النقدية إلى العملات الرقمية المشفرة، وحتى تأثيرها على المناخ. يكشف هذا الكتاب الستار عن هذا العالم المثير المليء بالتصادم والإخفاقات والثراء.
تتعمق “حروب التكنولوجيا المالية” في واحد من أكثر القطاعات ربحية ونموًا في العالم. شاهد الاستراتيجيات الجريئة والابتكارات الرائدة والدافع المستمر الذي مكّن شركات التكنولوجيا المالية العملاقة مثل شركة بايبال (PayPal) وشركة نوبانك (Nubank) وشركة مونزو (Monzo) من تغيير العالم.
ويضم الكتاب مقابلات مع مؤسسين من الجيل الجديد، من بينهم السيد ريد هوفمان (Reid Hoffman) من شركة (لينكدإن LinkedIn)، والسيد نايجل موريس (Nigel Morris) من بنك (كابيتال وان Capital One)، والسيدة مارثا لين فوكس (Martha Lane Fox) من منصة الدقيقة الاخيرة (Lastminute.com). وقد بنى هؤلاء رواد الأعمال شركات تتجاوز قيمتها السوقية الإجمالية تريليون دولار أمريكي.
بصفته مؤسسًا لبنك رقمي، يُعد السيد جيمس دا كوستا (James da Costa) من المطلعين على أسرار قطاع التقنية المالية (الفنتك). يستند إلى شبكته الواسعة وتجاربـه الشخصية ليقدم نظرة شيقة على التعقيدات والدوافع الكامنة وراء بناء شركات في التقنية المالية الفنتك مغيرة للمشهد بقيمة مليارات الدولارات. وهنا نقدم لك الدعوة للاستعداد وللدخول إلى عالم التقنية المالية (الفنتك) المثير، والمليء بالمفاجآت، والإلهام، وعدم القدرة على التنبؤ.

مؤلف الكتاب:
السيد جيمس دا كوستا (James da Costa) هو شريك في شركة “أندريسن هورويتز” (Andreessen Horowitz)، حيث يركّز على الاستثمار في برمجيات الأعمال بين الشركات (B2B) والخدمات المالية.
قبل انضمامه إلى (a16z)، أسس شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية بدعم من مسرّعة الأعمال الشهيرة “واي كومبينيتور” (Y Combinator). كما شغل منصب مدير مشاريع في شركة الاستشارات العالمية “ماكنزي وشركاه” (McKinsey & Company).
يحمل السيد جيمس درجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) من جامعة ستانفورد (Stanford University)، حيث عمل أيضًا باحثًا في مختبر ستانفورد للذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان، مع تركيز خاص على الآثار الاقتصادية للذكاء الاصطناعي. وهو مؤلف في هذا المجال.
السيد جيمس دا كوستا بريطاني الأصل، يقيم حاليًا في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويهوى رياضات المضرب.

منصة الوميض** (Blinkist) قامت بتلخيص الكتاب في “ست ومضات” معرفية ومقدمة وخلاصة نهائية، وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب وهي كالتالي:

مقدمة – تعلم كيف أحدث الغرباء والمبتكرون ثورة في الخدمات المالية
الأموال تتحرك بطريقة مختلفة في العصر الرقمي. بدلاً من تداول النقود يدًا بيد أو كتابة الشيكات، نضغط على الشاشات لتقسيم فواتير العشاء ونتقدم للحصول على القروض من خلال الخوارزميات.
كلمة الفنتك (Fintech) – وهو اختصار لعبارة “التقنية المالية” – تشير إلى أي شركة تستخدم البرمجيات لتقديم أو تحسين الخدمات المالية، بدءًا من تطبيقات البنوك الرقمية إلى المقرضين عبر الإنترنت.
في هذه الومضات المعرفية، سنستعرض قصص نشأة بعض رواد التقنية المالية (الفنتك) – من المستشارين الذين أحدثوا ثورة في إقراض بطاقات الائتمان إلى صديقين أعادا تصور المدفوعات عبر الهاتف المحمول (الجوال).
ستكتشف كيف تمكن هؤلاء المبتكرون من تحديد المشكلات التي تجاهلها الآخرون، ونجوا من تهديدات وجودية لأعمالهم، وفي النهاية غيّروا علاقتنا مع المال….فلنبدأ.

الومضة الأولى – بنك كابيتال وان (Capital One) وصعود التقنية المالية (الفنتك)
في أواخر الثمانينيات، وضع اثنان من مستشاري الأعمال، السيد نايجل موريس (Nigel Morris) والسيد ريتش فيربانك (Rich Fairbank)، اقتراحًا غير تقليدي. كانا يؤمنان بأن البنوك يمكنها استخدام الخوارزميات والبيانات المالية لتخصيص عروض بطاقات الائتمان لكل عميل، وتعديل الشروط مثل معدلات الفائدة بناءً على السلوك المالي لكل شخص على حدة. في ذلك الوقت، كانت معظم البنوك تعامل جميع العملاء بالطريقة نفسها، وتقدم لهم معدلات موحدة بغض النظر عن مستوى المخاطرة الفردية لكل شخص.

لفت اقتراحهما غير المعتاد انتباه بنك “سيغنت” (Signet)، وهو بنك إقليمي لديه طموحات متزايدة في قطاع بطاقات الائتمان. وسرعان ما وجد الثنائي نفسيهما يسافران يوميًا لمسافة تزيد عن 100 ميل إلى مكاتب سيغنت في مدينة ريتشموند (Richmond) بولاية فيرجينيا (Virginia) الامريكية، عاقدين العزم على تحويل رؤيتهما إلى واقع.
كانت الأيام الأولى مليئة بالتحديات. لم يكن العملاء يتهافتون على تبني عروضهم الجديدة للبطاقات، وتصاعد الضغط داخل بنك “سيجنت” مع نفاد صبر المديرين التنفيذيين. بدأ السيد موريس والسيد فيربانك يخشيان أن يُطردوا قبل أن تتاح لهما الفرصة لإثبات أن فكرتهما قابلة للتطبيق بالفعل.

ولكن ما أنقذهم، وبالمفارقة، كان الركود الاقتصادي. فعندما ضرب الركود العالمي في أوائل التسعينيات، بدأ بنك سيغنت يخسر أموالاً بسبب قروض عقارية سيئة. وبينما ركز البنك على إدارة الأزمات في قطاعات أخرى، وجد السيد موريس والسيد فيربانك نفسيهما أمام مساحة من الحرية غير المتوقعة للتحرك. استغلا الفرصة وأطلقا حملة تقدم معدلات فائدة أقل للعملاء المستعدين لتحويل أرصدة بطاقاتهم الائتمانية إلى بنك سيغنت. نجحت الخطة، وتسببت في تدفق كبير من المستخدمين الجدد.

بحلول عام 1994، كانت عمليتهم التي بدأت صغيرة سابقا قد نمت بشكل كبير إلى درجة أنها انفصلت لتصبح شركة مالية (بنك) مستقلة تدعى “كابيتال وان Capital One”، وتولى السيد فيربانك والسيد موريس إدارتها.
بدأ بنك كابيتال وان (Capital One) بتركيز شديد على منتج واحد فقط وهو البطاقات الائتمانية، لكنها اتبعت إستراتيجية فريدة: الاختبار المستمر. كل جانب من جوانب العمل – من أسعار الفائدة إلى العروض الترويجية ورسائل العملاء – خضع لاختبارات وتعديلات لا تنتهي باستخدام بيانات العملاء.

هذه الإستراتيجية، التي أطلق عليها لاحقاً “الإقراض القائم على المعلومات”، مكنت بنك كابيتال وان من الوصول إلى عملاء كانت البنوك الأخرى تتجاهلهم تماماً. ومن خلال فهم المخاطر بدقة غير مسبوقة، تمكن بنك كابيتال وان من تقديم الائتمان لأشخاص غالباً ما يُستبعدون من النظام المالي التقليدي – وجنت أرباحاً من ذلك.

الومضة الثانية – نموذج مالي جديد يترسخ
داخل أروقة بنك كابيتال وان، تولّى السيد موريس والسيد فيربانك أدواراً مختلفة. ركّز السيد موريس على بناء أنظمة قوية خلف الكواليس وجذب أفضل الكفاءات، بينما قاد السيد فيربانك المبادرات التسويقية ونمو قاعدة العملاء. معاً، أسّسا ثقافة مؤسسية تزدهر على التجريب والتفكير الجديد.

لكن مع صعود نجم كابيتال وان، بدأت الهيئات التنظيمية في إيلاء المزيد من الاهتمام. ففي عام 2002، وبعد الفضائح المتعلقة بالتلاعب المالي التي ضربت شركات بطاقات الائتمان الأخرى، وجد بنك كابيتال وان نفسه تحت مجهر الجهات التنظيمية.

في عام 2008، بينما كان النظام المالي العالمي على شفا الانهيار، واجه بنك كابيتال وان أكبر اختبار في تاريخه. فقد أدى انهيار سوق الإسكان إلى حالات إفلاس وفقدان وظائف في جميع أنحاء أمريكا، ما أصاب بنك كابيتال وان بقوة.

وفي ربع واحد كارثي، أعلنت الشركة المالية (بنك كابيتال وان) عن خسائر مذهلة بلغت 1.4 مليار دولار. ومع ذلك، وعلى عكس بعض المنافسين الذين ترنحوا، كانت كابيتال وان قد استعدت للكارثة مسبقاً. فقد قام فريق إدارة المخاطر لديها بوضع نماذج لأسوأ السيناريوهات واحتفظت الشركة بالموارد اللازمة لذلك. كما أنها بنت أنظمة تقيّم المخاطر الفردية للعملاء بدقة ملحوظة – وهي أدوات ساعدت الشركة على اجتياز العاصفة بينما تعثرت مؤسسات أكبر.

لقد جعل نجاح بنك كابيتال وان في الاستفادة من البيانات والتقنية منها رائدة في مجال التكنولوجيا المالية، حتى قبل أن يدخل مصطلح “فينتك” إلى القاموس التجاري. فقد أثبتت الشركة كيف يمكن تخصيص المنتجات المالية على نطاق واسع باستخدام البيانات، ووضعت بذلك نموذجاً يحتذى به وتم تكراره منذ ذلك الحين.

وبعد مغادرته بنك كابيتال وان، تعاون السيد نايجل موريس (Nigel Morris) مع السيد فرانك روت مان (Frank Rotman) لإطلاق شركة (QED Investors)، وهي شركة متخصصة في الاستثمار في شركات الفينتك الناشئة حول العالم. ومنذ تأسيسها، دعمت الشركة الاستثمارية أكثر من 225 شركة ناشئة، أصبح العديد منها لاحقا شركات بقيمة مليارات الدولارات. في الوقت نفسه، نمت شركة كابيتال وان المالية لتصبح واحدة من أكبر البنوك في أمريكا، بقيمة سوقية تتجاوز 50 مليار دولار.

تعكس قصة كابيتال وان (Capital One) التكنولوجيا المالية على نطاق واسع: الابتكار المتجذر في البيانات، والذي تم اختباره من خلال الأزمات، ومدفوع بأصحاب الرؤية الذين رأوا الفرصة حيث رأى الآخرون المخاطرة فقط. فمن بدايات متواضعة، انطلقت الشركة لتؤسس نهجًا جديدًا بالكامل في تقديم الخدمات المالية.

الومضة الثالثة – جعل عملية الدفع سهلة وخالية من المتاعب
قليل من ابتكارات التمويل تبدأ بحفل موسيقي، لكن هذا بالضبط ما زرع بذور شركة “فينمو Venmo”. في عام 2009، وجد صديقان نفسيهما في قاعة موسيقية في مدينة فيلادلفيا (Philadelphia) الامريكية، يستمتعان بالحفل من الشرفة. شعرا بالإحباط لأنهما لم يستطيعا بسهولة إعطاء إكرامية للفرقة دون الاضطرار لعبور الحشود. بالنسبة للسيد أندرو كورتينا (Andrew Kortina) والسيد إقرام مقدون-إسماعيل (Iqram Magdon-Ismail)، أثار هذا الموقف البسيط سؤالًا: لماذا لا يمكن ببساطة إرسال المال للفرقة الموسيقية عبر رسالة نصية؟

كان الثنائي مؤهلين تمامًا لمعالجة هذا التحدي. فقد عاش السيد مقدون-إسماعيل طفولته بين زيمبابوي وزامبيا وأوغندا، واختبر بنفسه كيف تتعامل ثقافات مختلفة مع المال وتقلبات العملات. أما السيد كورتينا، فقد علمته نشأته المتواضعة في ولاية نيوجيرسي (New Jersey) الامريكية كيفية الاستفادة القصوى من الإمكانيات المحدودة. وقد التقت وجهتا نظرهما المختلفتان لأول مرة كزملاء سكن في جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania)، حيث جمعتهما اهتمامات مشتركة في العزف على الجيتار ورفع الأثقال.

بعد التخرج، جرّب الصديقان حظهما في عدة مشاريع ناشئة — من سوق طلابي إلى مواقع موسيقية، وحتى برمجيات نقاط البيع لسلسلة زبادي مثلج. وعندما لم تنجح تلك المشاريع، افترقا مؤقتًا لاكتساب خبرة في هذا القطاع المالي.

لكن ما بلور رؤيتهما أخيرًا كان نسيان المحفظة. فعندما زار السيد مقدون-إسماعيل السيد كورتينا في نيويورك واكتشف أنه ترك محفظته في مدينة فيلادلفيا، تولّى السيد كورتينا دفع مصاريف تلك الأمسية. هذه المشكلة اليومية المتمثلة في سداد دين لصديق أبرزت مشكلة عالمية تتطلب حلاً. في غضون أسابيع، بنى الصديقان نموذجهما الأولي: نظام بسيط يتيح للمستخدمين إرسال الأموال عبر رسالة نصية.

الاسم الذي اختاراه عكس توجههما الأول نحو الهواتف المحمولة: “فينمو” (Venmo)، حيث جمعا بين الكلمة اللاتينية “vendere” التي تعني البيع، و”mo” اختصارًا لكلمة “mobile” أي الهاتف المحمول (الجوال). لم يكن بوسعهما حينها أن يتنبأ بأن هذا الحل البسيط لمشكلة نسيان المحفظة سيعالج لاحقًا ما يزيد عن 250 مليار دولار من المدفوعات سنويًا.

الومضة الرابعة – أن تصبح اسماً مألوفاً لدى الجميع
أحيانًا، يولد النجاح من حافة الفشل. بحلول عام 2012، كان لدى شركة فينمو (Venmo) خمسة آلاف مستخدم نشط وجمعت تمويلًا بقيمة خمسة ملايين دولار، لكن خطأً قاتلًا كان يهدد وجود الشركة. ففي سعيها الحثيث لجذب المستخدمين، ارتكبت شركة فينمو (Venmo) خطأً جوهريًا: السماح بإجراء معاملات بطاقات الائتمان مجانًا. وسرعان ما اكتشف المستخدمون أنه بإمكانهم استغلال النظام لجني مكافآت بطاقات الائتمان دون إنفاق أموال حقيقية، مما تسبب في استنزاف غير مستدام لموارد الشركة.

ومع بقاء أسبوعين فقط من الأموال التشغيلية، جاء الإنقاذ من مصدر غير متوقع. فقد استحوذت شركة برينتري (Braintree)، وهي شركة لمعالجة المدفوعات يرأسها المدير التنفيذي السيد بيل ريدي (Bill Ready)، على شركة فينمو (Venmo) مقابل 26.6 مليون دولار. كان التوقيت مثاليًا: فـشركة برينتري (Braintree) كانت بحاجة إلى حل للمدفوعات، بينما كانت شركة فينمو (Venmo) بحاجة ماسة للاستقرار المالي والبنية التحتية. وبعد عام، استحوذت شركة بي بال (PayPal) على الشركتين معًا مقابل 800 مليون دولار، ما وفر الموارد اللازمة للتوسع الهائل.

حتى بعد انتقالها إلى الملكية المؤسسية، حافظت شركة فينمو (Venmo) على روحها الغريبة والمميزة. فقد حوّلت حملتها التسويقية تحت شعار “لوكاس يستخدم فينمو” (Lucas uses Venmo) مهندسًا عاديًا إلى ظاهرة على الإنترنت من خلال لوحات إعلانية غامضة في جميع أنحاء مدينة نيويورك، مما أثار ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وصنع الكثير من الميمات. ساعد هذا الإبداع في تعزيز نمو شركة فينمو (Venmo) أثناء منافستها مع تطبيق سكوير كاش (Square’s Cash App) في سوق أصبح أكثر انقسامًا – حيث هيمنت شركة فينمو (Venmo) على المناطق الساحلية الحضرية، بينما استحوذ تطبيق سكوير كاش (Square’s Cash App) على المناطق الريفية وجنوب الولايات المتحدة.

وبحلول عام 2023، كان لدى شركة فينمو (Venmo) 85 مليون مستخدم نشط. لكن ربما لم يكن إنجازها الأبرز ماليًا، بل كان ثقافيًا. فقد أصبحت عبارة “Just Venmo me” (فقط أرسل لي على فينمو) جزءًا من اللغة اليومية، خاصة بين الأجيال الشابة. ما بدأ كحل بسيط لتقسيم الفواتير تطوّر ليصبح شيئًا أكبر: لقد غيّرت شركة فينمو (Venmo) الطريقة التي يدير بها جيل كامل أمواله.

الومضة الخامسة – الخدمات المصرفية للشركات الناشئة
في إحدى الليالي من عام 1983، أدت لعبة بوكر بين اثنين من المديرين التنفيذيين في بنك أوف أمريكا (Bank of America) إلى إثارة نقاش سيغيّر وجه تمويل الشركات الناشئة. كانت فكرتهم بسيطة بما فيه الكفاية: إنشاء بنك لفئة معينة من العملاء الذين تعتبرهم المؤسسات المالية الأخرى محفوفين بالمخاطر – وهم شركات التقنية الناشئة والمستثمرون المغامرون (مستثمرو رأس المال الجريء) الذين يدعمونها.

من هنا وُلد بنك وادي السيليكون (Silicon Valley Bank)، أو ما يُعرف اختصارًا بـ (SVB). تمركز في مدينة سانتا كلارا (Santa Clara) بولاية كاليفورنيا (California) الامريكية، في قلب صناعة التكنولوجيا، وتمكن (SVB) من حجز مكانة فريدة من نوعها من خلال تقديم خدمات لم تكن البنوك التقليدية لتفكر في توفيرها. ففي الوقت الذي رأت فيه البنوك الأخرى أن الشركات الناشئة مجرد مغامرة مثقلة بالمخاطر، أدرك بنك وادي السيلكون (SVB) أن هناك فرصة للنمو جنبًا إلى جنب مع هذه المشاريع الطموحة.

اتسم مسار البنك بالمنهجية والصبر في عقوده الأولى. فبدلاً من السعي وراء الأرباح السريعة، عمل بنك وادي السيلكون (SVB) على بناء علاقات عميقة داخل منظومة الابتكار، حيث ربط رواد الأعمال بالمستثمرين وقدم منتجات مالية متخصصة تلبي الاحتياجات الفريدة للشركات التقنية الناشئة. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها؛ فبحلول عام 2019، وبعد 36 عامًا من النمو المتواصل، كان البنك قد جمع ودائع بقيمة 100 مليار دولار.

ثم جاء عام 2020، وجلب معه عاصفة مثالية من الظروف التي رفعت من شأن بنك وادي السيلكون (SVB) ثم عرضته للخطر. ومع تداعيات جائحة كوفيد-19 التي دفعت أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة تاريخيًا، شهد تمويل رأس المال الاستثماري انفجارًا غير مسبوق. ضخت شركات التقنية الناشئة، التي أصبحت غارقة في أموال المستثمرين، أموالها في بنك وادي السيلكون (SVB) بمعدلات لم يسبق لها مثيل. ففي غضون اثني عشر شهرًا فقط، ضاعف البنك ودائعه إلى 200 مليار دولار – أي ما يعادل ما جمعه خلال أكثر من ثلاثة عقود في عام واحد فقط.

لقد دفعت هذه التوسعة الدراماتيكية بنك وادي السيليكون (SVB) من كونه بنكًا إقليميًا متخصصًا إلى أن يصبح في مرتبة السادس عشر بين أكبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة. تضمنت قائمة عملائه نخبة من صانعي قصص النجاح في عالم التكنولوجيا، بمن فيهم إير بي إن بي (Airbnb) وبينترست (Pinterest). فالبنك الذي بدأ بفكرة وُلدت على طاولة لعبة بوكر، أصبح لاعبًا محوريًا في صناعة التكنولوجيا العالمية.

ومع ذلك، فقد حمل هذا الصعود الصاروخي في طياته بذور سقوط بنك وادي السيلكون (SVB) في نهاية المطاف. فالتدفق الهائل للودائع الذي كان رمزًا لنجاحه، أجبر البنك لاحقًا على اتخاذ قرارات مصيرية حول كيفية استثمار هذا الكم الضخم من الأموال – وهي القرارات التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى واحدة من أكثر الانهيارات المصرفية إثارة في تاريخ أمريكا.

في مارس 2023، تسببت أسعار الفائدة المرتفعة في انهيار قيمة استثمارات بنك وادي السيلكون (SVB) في السندات الحكومية، مما أدى إلى اندلاع حالة هلع مصرفي حديثة وأثار موجة سحب ودائع هائلة (bank run)، حيث سحب العملاء 42 مليار دولار في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة فقط، انهار البنك السادس عشر في أمريكا، الأمر الذي تطلب تدخلاً فدراليًا لمنع وقوع أزمة شاملة في القطاع المصرفي.

المفارقة أن البنك الذي بنى سمعته على فهم مخاطر الشركات الناشئة، سقط في النهاية بسبب سوء إدارته لأبسط أساسيات العمل المصرفي التقليدي.

الومضة السادسة – الرهان على المتميزين الاستثنائيين
عندما حملت زوجة السيد ماريو شلوسر (Mario Schlosser)، وجد نفسه ضائعًا في متاهة نظام الرعاية الصحية الأمريكي المعقد. فوسط بحثه في محرك البحث لشركة جوجل ونصائح الأصدقاء، لم يتمكن من إيجاد إجابات واضحة حول تكاليف الولادة أو أطباء الأطفال الموثوقين. هذا الإحباط أشعل في ذهنه فكرة ستغير وجه التأمين الصحي: شركة أوسكار هيلث (Oscar Health).

واستنادًا إلى خبرته السابقة في مجال الألعاب الإلكترونية، حيث كان يصمم اقتصادات افتراضية لإبقاء اللاعبين مندمجين، طبق السيد شلوسر مبادئ مشابهة في الرعاية الصحية. فكما تستخدم الألعاب فعاليات محددة زمنياً لضمان عودة اللاعبين باستمرار، أنشأت شركة أوسكار هيلث (Oscar Health) أنظمة تشجع على السلوكيات الصحية؛ إذ كان الأعضاء الذين يحققون أهداف التمارين اليومية يحصلون على بطاقات هدايا من متجر أمازون، بينما يؤدي الحصول على لقاح الإنفلونزا إلى مكافآت مالية.

نجحت الاستراتيجية. فقد حققت شركة أوسكار هيلث (Oscar Health) معدلات رضا غير مسبوقة بين العملاء، وفي النهاية أصبحت شركة مساهمة عامة بقيمة سوقية بلغت 5 مليارات دولار. لكن طريق النجاح لم يكن سهلاً؛ إذ واجهت الشركة تهديدات جدية عندما شرعت إدارة الرئيس ترامب في تفكيك قانون الرعاية الصحية الميسرة (Affordable Care Act)، ولم تنجُ إلا من خلال التكيف الاستراتيجي واستثمار حاسم بقيمة 375 مليون دولار من شركة ألفابت (Alphabet)، الشركة الأم لشركة جوجل (Google).

وتوضح قصة أوسكار هيلث (Oscar Health) نمطًا أوسع في مجال التقنية المالية: فالنجاح غالبًا ما يتبع ما يُعرف بـ”قانون القوة” (power law)، حيث تأتي العوائد الاستثنائية من أحداث نادرة واستثنائية. هذا المبدأ يشكل كلاً من صناعة التأمين ورأس المال الجريء؛ فشركات التأمين تراهن ضد الكوارث غير المتوقعة، بينما تسعى شركات رأس المال الجريء إلى هذه الأحداث النادرة نفسها — على شكل نجاحات خارقة.

تُظهر أبحاث البروفيسور إيليا أ. ستريبولاييف (Ilya A. Strebulaev) من جامعة ستانفورد (Stanford University) هذا الأمر بشكل واضح: إذا أزلت الاستثمار الأعلى أداءً من معظم صناديق رأس المال الجريء، فإن ترتيب الصندوق يهبط من النسبة الخامسة والتسعين إلى النسبة الثلاثين. رهان واحد ناجح يمكن أن يعوض الصندوق عدة مرات. هذا يفسر لماذا حتى الشركات الاستثمارية الكبرى وسعت استراتيجياتها الاستثمارية لضمان عدم تفويت أي “يونيكورن unicorn” محتمل. للمعلومية: الشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر (يُطلق عليها “يونيكورن” أو “الشركات الأحادية القرن”).

حتى مشهد الاستثمار الجريء نفسه يتطور؛ فالشركات الرائدة اليوم تركز على تقديم الدعم التشغيلي للشركات الناشئة، وليس مجرد ضخ رؤوس الأموال، إذ لم يعد المال وحده كافيًا لتمييز المستثمرين.

هذا التحول في كل من قطاع التأمين ورأس المال الجريء يكشف عن حقيقة أساسية: في عالم المال، غالبًا ما تأتي الابتكارات الأكثر أهمية من القدرة على فهم عدم اليقين (الغموض) واحتضانه. سواء كان ذلك من خلال تحويل الرعاية الصحية إلى تجربة محفّزة على السلوك الصحي كما فعلت شركة “أوسكار هيلث” (Oscar Health)، أو من خلال سعي شركات رأس المال الجريء وراء العوائد الاستثنائية النادرة، فإن النجاح يعتمد على تحويل عدم القدرة على التنبؤ إلى فرصة حقيقية.

خلاصة نهائية
الخلاصة الرئيسية من هذه الومضات المعرفية، هي أن الابتكار المالي التحويلي غالبًا ما يأتي من الغرباء الذين يرون فرصًا لا يدركها الآخرون.

من الإقراض القائم على البيانات في بنك كابيتال وان، إلى المدفوعات الاجتماعية في شركة فينمو (Venmo)، وتركيز بنك وادي السيليكون على التكنولوجيا، وطريقة التأمين في شركة اوسكار هيلث (Oscar Health) القائم على التحفيز – نجحت هذه الشركات لأنها تحدت الحكمة التقليدية واستغلت البيانات والتقنيات الجديدة بذكاء.

ما بدأ كقطاع متخصص أصبح الآن صناعة عالمية. اليوم، تغطي التكنولوجيا المالية كل شيء من المدفوعات عبر الجوال في الدول النامية إلى تداول العملات المشفرة. لم تقتصر هذه الشركات الرائدة على بناء أعمال ناجحة فحسب، بل غيّرت أيضًا الطريقة التي ندخر وننفق ونقترض ونستثمر بها.

*تمت الترجمة بتصرف.

**المصدر: منصة الوميض (Blinkist) وهي منصة تقوم بتلخيص الكتب ، ومكتبتها تحتوي على آلاف الكتب ويشترك في هذه المنصة الملايين من القراء.

الأستاذ عبدالله سلمان العوامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *