“اللُّحمة إذا ما حَبَّت غَارَت” – حِكمة تُفَسِّر النَّفْس البشريّة بمفهوم القُربى
هذا المثل الشعبي القصير يمزج بين جمال اللغة التراثية وبلاغة الأمثال الشعبية في اختزال المعاني العميقة، فهو يحمل بين حروفه حكمة اجتماعية وإنسانية بليغة، ويكشف عن بُعد نفسي دقيق في العلاقات البشرية، لا سيما تلك التي تربطها وشائج القربى والدم والانتماء.
فاللُّحمة، في التعبير الشعبي، لا تشير إلى الطعام كما قد يُفهم لغويًّا، بل إلى صلة الرحم والقرابة، تلك الرابطة الفطرية التي تشدّ الأفراد إلى بعضهم، حتى إن ضعفت المحبة بينهم أو غابت تمامًا.
والمثل يقول: “اللُّحمة إذا ما حَبَّت غَارَت”؛ أي أن صلة القرابة – حتى في غياب المحبة – تستثير الغيرة والحمية حين يُمسّ القريب بسوء. وهذه الغيرة ليست من جنس الحسد، بل هي نوع من الانحياز العاطفي التلقائي الذي ينبع من أصل النسب أو الجيرة أو الصحبة أو حتى الانتماء الفكري.
فترى الإنسان، رغم ما بينه وبين قريبه من فتور أو خصام، لا يحتمل سماع ذمّه من غريب، بل قد يهبّ للدفاع عنه مدفوعًا بغريزة القربى، لا محبةً، بل حميةً لـ”اللُّحمة” التي لا يمكن أن تتلاشى.
ومن هذا الباب، يُفهم الدرس الأخلاقي العميق الكامن في المثل: لا تُظهر كراهيتك، ولا تفتح باب المذمة تجاه أحد أمام من يمت له بصلة قرابة، مهما كانت العلاقة بينهما باهتة أو مشوشة. فهذه اللُّحمة – وإن لم تُظهر حبًا – قد تغار، وتتحرك في الخفاء لتقلب ميزان القبول والمواقف.
وقد أشار الشاعر العربي إلى هذا المعنى حين قال:
وَإِنَّ الَّذي بَيني وَبَينَ بَني أَبـي…
وَبَينَ بَني عَمِّي لَمُختَلِفٌ جِدّا
أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُمُ…
دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا
فالعلاقات بين الأقارب، وإن شابها الجفاء، تظل خيوطًا خفية تشدهم بعضهم إلى بعض، لا تظهر في الرخاء، ولكنها تُفاجئك في لحظات الحمية والانتصار والانحياز العاطفي.
خلاصة القول:
لا تغترّ ببرود العلاقة بين الأقرباء؛ فالنفس مشدودة بفطرة لا تخطئ إلى أهلها.
وكن حكيمًا؛ اكبت مشاعرك السلبية، ولا تتحدث بالسوء عن أحد أمام من يمت له بصلة، مهما بدت العلاقة بينهما متوترة.
فاللُّحمة، إذا حَبَّت غَارَت… وإن لم تُحب، فهي تغار أيضًا.

اخسنت ابو حسن
سرد وتوضيح جميل لمثل شعبي دارج