الزواج: تفاهم!؟… أولوية!؟… معايير!؟ – بقلم امير الصالح

[يبدو ان عقود الانكحة تحتاج الى ادراج وتضمين كمية اكبر من التفاهمات وتحديد الاولويات بين طرفي الزواج قبل الشروع فيه. ولضمان استمرار عش الزوجية لابد من وضع عدد كاف من صمامات الامان اثناء تصميم عقد النكاح لا سيما في ظل تسجيل نسب الخلع والطلاق المتزايدة والعولمة الاعلامية وتأثيرات السوشل ميديا الاجتماعية السلبية ومواكبة المتغيرات الجيواجتماعية، والعمل الجاد والذكي على تخطي اي مفاجأات ووضع حدود واضحة بين طرفي عقد النكاح. ساحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على بعض الزوايا المستجدة في عقد النكاح واطرح وجهة نظر الصوت السائد وكذلك الصوت الخافت في الوقت الراهن].

“قريب عهد”، كان ادراج الشرطيين التاليين في عقود الانكحة ضمن الشروط التي تطالب بها الزوجة البِكر أو اهلها:

١- توفير الزوج لزوجته سكن مستقل للعيش معا

٢- التعهد بضمان حرية اكمال التعليم للزوجة الى مرحلة البكالوريس / الماجستير / الدكتوراة.

في المقابل لا يدرج الزوج اي شرط في حق زوجته البِكر. يومذاك أُعتبر البعض ان كلا “الشرطان” لا سيما بعض اهل ذاك الزمان امور مستجدة اجتماعيا وعرفيا ووصفت تلك الشروط من قبل بعض اهالي الزوج بانها تعجيزية ومخلة بالقوامة وتحريض ضمني على التفلت من وحدة العائلة الكبير. وقف البعض موقف المعارض والبعض الاخر موقف المؤيد لها لبعض الوقت. بالمحصلة ، ومع مرور الوقت تقبل المجتمع الشرطان واضحت معظم عقود الانكحة الحالية تُدرج كلا الشرطين بشكل شبه تلقائي.

مودة ورحمة ام مكاسب وغنائم

حتما لكل رجل ولكل فتاة معايير لاختيار شريكة/ شريك حياته. قد يوفق الرجل / المرأة في انتقاء ما يطابق ويناسب معاييره وقد لايوفق / لا توفق لذاك. وقد يصل الانسان بعد الزواج الى مرحلة الرضا والقناعة بما وفق له من خيار لشريك/ة حياته وقد لا يصل لذلك. في العقود الماضية، كانت الجملة الشهيرة للتعبير عن الموافقة على الخاطب المتقدم هو الجملة الشهيرة “خذوها بعبائتها”.

الا ان مع ادراج الشروط المختلفة في عقد النكاح والتفنن في التمسك من قبل كل طرف بمواقفه ، سمعنا عن قصص غير سعيدة. مثل زواج امتد عقدين او اكثر من الزمان ، بعض النساء المخلصات وجدن انفسهن خاليات الوفاض بعد طلاقهن ويرجعن بعد الطلاق الى بيوت ابائهن أو اخوانهن او ابنائهن او دور الضمان الاجتماعي دون ادنى حقوق مالية من قبل ازواجهن تحفظ ماء وجوههن بعد كل تلكم الفترة الزمنية.

هذا سيناريو يمكن تسميته بما يردده البعض “بيت رباكِ صغيرة يلفيكِ كبيرة!”. المشكلة ان البعض من الرجال الانانيين اوقعوا جورا وظلما وغرورا وغطرسة ظلم كبير على زوجاتهن المخلصات القانتات الصالحات المضحيات. والسيناريو الاخر، بعض النساء وجدن انفسهن فجأة بواقع جديد وانهن امام ضرة لهن ، زوجة ثانية ، بعد تضحيات جسام وتنازلات كثيرة وصبر طويل على ازواجهن. فتشتعل قلوبهن بالاحتقان والغبن ضد ازواجهن وبالمناوشات ضد ضرائرهن! والحياة تصبح جحيم للبعض منهن وقد ينتقل الاحتقان والعداء بين ابناء كل زوجة ضد اخوانهم من الاب (half brother).

اتى بعد ذلك جيل جديد من النساء إرتأين بان التعليم هو حبل الامان والحصن الحصين لتقلبات الزمان وخذلان شريك الحياة بعد تقادم الايام وتصرم الجمال. واتى بعد مخاض تجارب عديدة تضمين عقود الانكحة عند البعض بشرطا ضمان حق الاستمرار في التعليم وحق السكن المستقل ، اتى جيل نساء آخر ترعرعن وهن يرون بام اعينهن احداث وتجاذبات غير طيبة بين ابائهن وامهاتهن او اقاربهن مع ازواجهن الى جانب ملاحظاتهن او سماعهن عن تراشقات وتلاسنات داخل بيوت المتخالفين من الازواج.

فتشبع بعض اولئك الفتيات بفكرة وجوب استحصال الضمانات المالية المسبقة والسعي نحو الاستقلال المالي من جهة. والبعض الاخر منهن وقعن في فخاخ الدعوات الايدلوجية المتطرفة للنسويات اليساريات وكرهن حكم التعدد في الزواج لمعايشتهن نماذج فاشلة في ادارة بيت الزوجية ، فعزفن عن فكرة الزواج من الاساس وحرضوا الاخريات على ذلك. واصطففن بعض منهن في طابور الولاء للنفس بشكل اناني صارخ وعدم الاكتراث بمفهوم وميثاق العائلة والاسرة والمجتمع. واصبح كل همهن هو حصد اكبر عدد من المغانم اثناء اجراء عقد النكاح إن هن اقدمن على تلكم الخطوة. فنسمع عن اشتراطات جديدة مثل:

١- توفير سيارة فارهة للزوجة نوع كذا موديل نفس العام
٢- تسجيل عقار سواء ارض أو شقة أو بيت أو مزرعة
٣- ادراج مؤخر صداق يتجاوز خمسة او ستة اصفار

فاخذ البعض يتسأل هل هذا العقد عقد رحمة ومودة ام عقد مكاسب وغنائم!!

مستجدات سوق العمل

استجدت امور اجتماعية عديدة واكبها احراز المرأة مستويات تعليمية متعددة وعالية بعد ان من الله على البعض بالثروات الطبيعية. وبعد ان تهيأت الظروف التشريعية والقانونية في معظم البلدان ، اقتحمت النساء سوق العمل بكل تشعباته وقطاعاته ومهنه ، واصبحن موظفات ورائدات اعمال ذوات طموح عالي وسقف مرتفع. وانخرطت المرأة في الانتاج الاقتصادي واضحت مستقلة ماليا وانطلقت في تخطيط مستقبلها لتحقيق ضمانات متعددة وامان نفسي اكبر واستقلال في السكن والمال وادارة شؤون الحياة وابراز نفسها.

في منطقة الشرق الاوسط ، الزوجة في العرف الاجتماعي والأصول التربوية تراعى بيتها وتربي ابناءها وتساند زوجها. والزوج مُلزم عرفا وشرعا واخلاقا بإطعام وكسوة وايواء افراد اسرته لكونه المُعيل الاول والاخير والمؤسس للاسرة. ومع زيادة نسبة فتح الفرص الوظيفية للنساء في سوق العمل في بعض الدول ، اضحى خروج المرأة للعمل والتنافس على المراتب الوظيفية والارتقاء في السلم الوظيفي والانخراط في الانتدابات والمناوبات في تصاعد مستمر. ولكن لكل تلكم المظاهر تبعات وتكاليف يجب اخذها بالحسبان بالنسبة للمرأة المتزوجة أو المخطوبة.

مصدر الصورة: ifeelithinkisay

راتب المرأة

في السابق ، كان العضل هو الخيار الذي يتخذه بعض الاباء عديمي الرحمة ضد بناتهم الموظفات لضمان عدم انتقال الراتب الى جيب الزوج المستقبلي للمرأة. في الوقت الحاضر ، ومع تهشم صنم العضال ، يتسآل البعض عن مصير راتب المرأة ان هي التحقت ببيت زوج لها ام لم تتزوج. وبغض النظر عن الجواب ، فان السؤال المترتب على ذلك راتب الزوجة في اي جهة يُصرف؟
١- هل راتبها للمساعدة على تدبير شؤون بيت الزوجية ام انه يصرف على اكسسوارات شخصية للزوجة ام تستثمره لصالح نفسها في العقار والاسهم؟!
٢- ان لم تكن متزوجة فهل تبادر المرأة وتشارك بفعالية في تغطية بعض مصاريف بيت والدها ومد يد العون لاخواتها واخوانها ، ام انها تحرق مداخيلها على صوالين التجميل واجراء العمليات التجميلية والسفر والمطاعم والمقاهي والسيارات الفارهة!

مصير الاولاد

مع ولوج كثير من النساء سوق العمل ، تضخم عدد الاطفال المسجلين في دور الحضانة ونشط استقدام الخادمات الاجنبيات وزادت مبيعات المطاعم واهملت حاجات الزوج واضطرب الاستقرار العائلي داخل بعض البيوت واضحت الوظيفة خارج المنزل هي الاولوية المطلقة عند بعض النساء العاملات.

تكبد عدد ليس بالبسيط من الرجال خسائر عديدة ونذكر اختصارا الخسائر المادية:
١- تكاليف استقدام الخادمة وراتب شهري للخدامة
٢- تكاليف تسجيل الاطفال في دور الحضانة
٣- تكاليف دروس خصوصية للابناء
٤- تكاليف استقدام ورواتب سائق ان تم استدعاء ذلك
٥- تكاليف مشتروات المطاعم اليومية او شبه البومية

الخسائر المعنوية:
١- اضطراب الاستقرار للزوج
٢- الجفاف العاطفي بين افراد الاسرة
٣- تضارب اوقات الاجازات بين الزوج والزوجة واجازة مدارس الابناء
٤- التشتت الاسري بسبب انتدابات الزوجة او العمل في مدن بعيدة لمدد طويلة
٥- القلق المتكرر والمستمر نتيجة لتاخر الموظفة خارج المنزل أو زيادة تكاليف الاستهلاك المحموم داخل المنزل

حتما هكذا تكاليف تخلق اجواء مفسدة للمودة بين الزوج وزوجته ، ويكون مصير الاولاد على صفيح ساخن وفي مهب الريح.

تكاليف الحياة الاسرية: مساهمة مشتركة أم مسؤولية من طرف واحد

طُرحت عدة اسئلة داخل اروقة الديوانيات وعدة محاضرات في دور العبادة وجرت عدة مناقشات في مؤتمرات تربوية مختلفة تتمحور بافاق الزام الزوجة بالمشاركة والمساهمة الفاعلة في المشاركة بدفع بعض تكاليف الخدمات التي تتعلق بالخدامة والسائق ومدارس الروضة ان هي تمسكت بخيار الالتحاق بسوق العمل. هل نرى قرار ملزم بالمشاركة بالنفقة للمرأة العاملة؟!

من حق الزوج ان يدرج ضمن شروط الزواج ترتيب الاولويات:
١- الاسرة اولا
٢-عند تعارض العمل مع مصالح الاسرة يجب تقديم مصالح الاسرة
٣- التفاهم على حجم الاسرة ومتى يجب الانجاب
٤- المشاركة في المصاريف اذا انخرطت الزوجة في سوق العمل
٥- ابداء التنازل عن بعض الحقوق من قبل الطرفان لتستمر الحياة

راتب الزوج
١- هل الراتب كاف لتغطية تكاليف البيت الضرورية؟
٢-هل هناك تدبير منزلي للمصاريف؟
٣-هل نمط الاستهلاك للاسرة نمط تبذير او نمط راشد؟
٤- هل الزوج مبذر أو بخيل أو سخي على اهل بيته؟
٦- هل الزوج طائش أو نسونجي أو سربوت أو ينفق على نفسه وينافق اهل السوء من اصحابه؟
٧- هل الزوج يعمل في اكثر من نشاط ليزيد دخله سعيا لتلبيه احتياجات اسرته المستمرة؟

اختيار الزوجة
بما ان تاسيس بيت الزوجية يبدأ من الرجل ، وجب على الرجل تمحيص خياراته وادراج معاييره ومواصفاته بكل وضوح والتدقيق في كل بنود اشتراطاته ليكون صادق مع ذاته وامام ربه ومع شريكة حياته. ولعل البعض وبعد ادراج اشتراطاته الجسمانية ( طول – خصر – شعر … الخ ) في شريكة حياته قد يبني خياره بعد ذلك على المرحلة التعليمية للمرشحة ان تكون زوجته. فعلى سبيل المثال التصنيف يكون بهذا الشكل:

١- المرشحة تكون طالبة بالمرحلة الثانوية
٢-المرشحة تكون طالبة جامعية
٣- المرشحة تكون جامعية متخرجة غير موظفة
٤- المرشحة تكون متخرجة جامعية وموظفة على رأس العمل وتعمل في مكان مخصص للنساء
٥- المرشحة تكون متخرجة جامعية وموظفة على رأس العمل وتعمل في مكان مخصص او مختلط

وعلى الرجل المتقدم على الزواج أن يكون صريحا وواضحا من البداية مع نفسه ومحيطه لتلافي مشاكل مستحدثة مثل:
١- يقبل او يرفض ترشيح فتيات لا يلتزمن بالحجاب
٢- يقبل او يرفض ترشيح فتيات مدمنون على زيارة الكوفي شوب
٣- يقبل او يرفض ترشيح فتيات يعملون في اماكن مختلطة

وفي المقابل الفتاة البكر التي يتقدم لها رجل للزواج تكون واضحة وصريحة في رفض او قبول:
١- الرجل الذي لا يلتزم بحقوق الاسرة
٢- الرجل الذي لا يقبل حق العمل لها
٣-الرجل الذي يدخن أو يتعاطى الخمور والمخدرات
٤- الرجل الذي لا يستطيع ان يوفر حياة كريمة لها ولأبناءها
٥- الرجل الذي عُرف ان عينه زائغة نحو النسوان
٦- الرجل الذي عُرف عنه انه يمد يده على الاخرين ظلما وجورا

افاق إنتاج عقود نكاح اكثر نضجا

نسب الخلع والطلاق المعلنة رسميا تُفطر قلب كل ذي بصيرة. الاكتفاء بالتفرج امر مذموم عقلانيا. والمناقشات الرصينة الهادفة امر ضروري لوقف هذا النزيف المستمر من الطلاق والطلاق العاطفي الذي ينتج اولاد وفتيات ضحايا لتشرذم الاسر.

شخصيا أؤمن بحق العمل للمرأة وهو امر راشد ان تم دراسة كل نواحية: الدوافع – الضروريات – المجالات – البدائل – التوافق – التفاهم. وعليه على الزوجين الجديدان الاجتهاد في استكشاف كل منهم لطباع وسلوك وعقلية ومبادئ وقيم الاخر قبل انجاب اطفال وامتداد الفترة. وقد يقرأ السؤال: هل اضحى تأمين حق الالتحاق بسوق العمل للمرأة خارج المنزل شرط يجب ادراجه ضمن عقد النكاح أو عبارة عن تفاهم بين الزوج والزوجة بناء على سد حاجة اقتصادية طارئة أو مشاركة اسرية مرحب بها من كل الاطراف؟ قبل الاجابة على هذا السؤال دعونا نسرد تساؤلات عامة:

١- التفاهم أم التضحية أم الدافع الاقتصادي اساس خيار انخراط الزوجة في سوق العمل
٢- كثرة الشروط من قبل الزوجة في عقد النكاح هل تعطي كامل الامان والضمانات ام تؤجج النفوس ضد بعض
٣- هل نموذج عقد نكاح الاجداد والجدات البسيط افضل ام اسوء من النموذج الحالي؟ لماذا لا يتبنى المجتمع النموذج الانجح؟
٤- هل الزوج في الوقت الراهن اضحى على قدرة تامة على تلبية كل الاحتياجات المادية المتصاعدة لزوجته وابناءه ام انه يحتاج زوجته ان تسانده؟ وما هي افضل الطرق التي تساند الزوجة زوجها ( الترشيد في الاستهلاك ام الوظيفة خارج المنزل )؟
٥- هل تحديد حجم افراد الاسرة مطلب ملح ام محاكاة لمجتمعات اخرى؟
٦- هل حان الوقت لاعلان وجوب ترشيد الاستهلاك داخل المنزل في كل مرافقه ام مازال الوقت مبكرا؟
٧- اذا كان راتب الزوجة اعلى من راتب زوجها ، فهل الزوجة على استعداد التضحية بوظيفتها للحفاظ على كيان اسرتها؟
٨- اذا كانت الزوجة طلبت الخلع من زوجها الذي انفق عليها لكامل رسوم مراحل تعليمها الجامعي فهل للزوج الحق بالتعويض الكامل لتلكم النفقات؟
٩- اذا ضحى الزوج بوظيفته ليكون مرافق لزوجته في مدينة ابتعاثها أو انتدابها فهل له الحق بالتعويض ان هي خلعته بعد اتمام البعثة او الانتداب!!

ختاما، المشهد للنسيج الاجتماعي في بعض البلدان المحافظة قد يزداد تذبذبا مع زيادة الشروط المادية المكلفة في عقود النكاح لان تسليع الزواج ماديا حتما يحطم روح المودة بين الزوجين ان عاجلا او آجلا. ولك ان تتخيل اخي القارئ المحترم المشهد ان تم فتح الباب على مصراعية للسماح بالزواج من خارج البلاد. فحينذاك قد تكون المقارنة عند البعض على اساس دراسة مشاريع تجارية وليس زواج حيث حساب التكلفة والمردود ونسبة العائد على المبلغ المدفوع بدل التركيز على النسب والحسب والسمعة الطيبة والالفة والتجانس والنسيج الواحد والمودة والامتداد.

حتما لك وجهة نظر في كامل الموضوع وقد تشارك نفس وجهة النظر تلك او وجهة نظر اخرى! ولكن من المهم جدا هو تنبيه الشباب والفتيات على تهذيب وتشذيب خياراتهم والتعاون لتذليل الصعوبات والتنازل من الطرفين لانجاح مؤسسة الزواج.

تعليق واحد

  1. ورقة بحث علمية مهمة واضحة المعالم فيها إثراء للفكر المجتمعي. بوركتم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *