تسيُّد العواطف – بقلم علي عبد المحسن الجشي

التجربة والقدرة على التعبير مطلبان اساسيان للنجاح. التجارب تُكسِبنا الخبرة لإدارة حياتنا، والقدرة على التعبير تمكننا من الإقناع والتأثير. ولاكتساب الخبرة وإتقان التعبير، نحتاج إلى سمتين مهمتين هما التحكم في العواطف، وضبط ردود الأفعال.

هاتان السمتان تُسهلان تسيُدَ العواطف والتصرف بعقلانية، وتجعل صاحبها مقبولًا ومحترمًا عند الآخرين، سواء على المستوى الشخصي أو في مجال العمل؛ ومن خلالهما نتمكن من النجاح وكسب ود الآخرين.  

مصدر الصورة: thehansindia.com

الحياةُ تجربةٌ يتطلب نجاحها المرونة للتكيف مع الظروف التي تكتنفها، والسباحة مع التيار إذا لزم الأمر، واستيعاب محفزات الأنا التي تحرك العواطف. ولتكون تجربة الحياة ناجحة، يلزمها:

تفهم العواطف. لا يمكن الاستهانة بتأثير العواطف، لذلك يجب أن نضع عواطفنا تحت السيطرة المستمرة حتى نتمكن من تقليل عواقبها السلبية. أن أي عاطفة – بما في ذلك الابتهاج أو الفرح أو غيرها من المشاعر التي نراها إيجابية عادةً – يمكن أن تتكثف لدرجة يصعب التحكم فيها. لذلك، يُنصح بعدم الحكم على أي شيء في حالة الغضب ولا اعطاء وعد حال النشوة بالفرح. “أحبب حبيبك هونا، عسى أن يكون بغيضك يوما ما؛ وأبغض بغيضك هونا، عسى أن يكون حبيبك يوما ما”.

إدارة العواطف. إدراك فائدة العواطف كغريزة بشرية يُسهِل إدارتها والتحكم فيها. تتطلب المواقف الحرجة ضبط النفس والتنبه للموقف التي وضعنا فيها لكي نكسب القدرة على فهمها والتعامل معها بتعقل. قمع أو كبح المشاعر لا يساعد في حل المشاكل التي نتعرض لها لأنه يمنع تفهمها والتعبير عنها. يجب تحقيق التوازن ما بين قوة المشاعر الغامرة من جهة وغيابها من جهة اخرى. التحكم في العواطف دون قمعها ضرورة لجعل ردود افعالنا متوازنة ومفيدة، فلكل مقام مقال.

التحكم في المشاعر. العواطف تهيج الأحاسيس، وتسيطر على التفكير الذي يحدد ردود الأفعال كاستجابة طبيعية متصورة للمواقف التي نتعرض لها. يستغرق طغيان العواطف وقتًا لتفهم مزاجنا التي يُصاب بنوبات من خيبة الأمل، والالتباس، والارتباك، والغضب. علينا استحضار الملابسات التي تولَد مشاعرنا وتجعلنا في حالة عصبية، ونفسرها تفسيرًا منطقي ؟ هل هو تأثير اجتماعي؟ أم نفسي؟ أم اقتصادي؟

ضبط النفس. بغض النظر عن الاحباط الذي نشعر به، نحتاج إلى السيطرة على الانفعال غير المنضبط للحد من ضرره. علينا أن نكون على دراية بخطورة العواطف وقوة تأثيرها، فنتمهل ونعطي انفسنا فرصة للسيطرة على مشاعرنا والرجوع خطوة إلى الوراء لتثبيطها. { وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون (154)}. ومن أجل الانسجام مع العواطف، يجب أن نعي خبايا انفسنا ونعتني بتهذيبها حتى نتمكن من معاملة الآخرين بالحسنى ومساعدتهم على ضبط مشاعرهم، لأن هذا المسعى يفيدنا قبل أن يفيدهم. لا يمكن لأحد أن يساعد غيره قبل أن يساعد نفسه. فاقد الشيء لا يعطيه.

تقليل التوتر. في أوقات التوتر العصبي، وعندما نكون تحت ضغوط نفسية يصبح التحكم في المشاعر أكثر صعوبة. كما أن تقلبات المزاج والعواطف الشديدة تثير أفكارًا سلبية تؤدي إلى الشعور باليأس أو القنوط. تساعد ممارسات اليقظة مثل التأمل في التخلص من التوتر، أو على الأقل تسهيل التعايش معه. التأمل من أهم الأساليب التي تساعد في التغلب على المشاعر المتطرفة وزيادة مهارات القبول لأنه يرفع من مستوى الاستفادة من التجارب والوعي بالمشاعر. عندما تتأمل، تعلم نفسك معايشة مشاعرك، وملاحظتها دون الحكم على نفسك أو محاولة تغييرها أو التخلص منها، وهذا يجعل التنظيم العاطفي أسهل.

التباعد الجسدي. ترك مكان المواقف المزعجة مفيد، لكن فائدة ابعاد الذهن عن المشاكل أنجع، شريطة ألا يكون الهدف من الابتعاد هو التجاهل التام لجذر المشكلة، فنكون مثل من دس رأسه في التراب. تجنب المشاعر كليةً ليس حلًا دائما، لكن التموضع في مكان أفضل للتعامل معها سيكون اكثر فائدة. الملهيات، وإن كانت صحية، مؤقتة.

التفكير بهدوء. تقبل المشاعر بهدوء وسكينة يجلب الطمأنينة. تحتاج بلورة الافكار إلى هدوء الأعصاب وإلى الثقة والاطمئنان لاستيعاب المشكلة بروية وترتيب الخطط لمواجهة المواقف الحرجة بطريقة منهجية تساعد في تطوير الحلول المناسبة في الأوقات المناسبة.

القدرة على التعبير. إيصال فحوى افكارنا ووجهة نظرنا إلى الطرف الآخر يحتاج الى فصاحة وبلاغة مدعومة بمخزون لغوي ومعرفة بأساليب الاتصال والخطابة. { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)}.

دبلوماسية القوة الناعمة. هذا الاسلوب يساعد على استمالة المشاعر وكسب مواقف الطرف الآخر من خلال الانجذاب غير القسري. {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)}.

احترام قيَّم الآخرين وثقافتهم وأساليبهم المفضلة في التعامل. هذه القيمة الأخلاقية تولد مشاعر طيبة لإقامة علاقات حسنة مع الآخرين مما يساعد على تحقيق النجاح. {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)}.

التفكير في البدائل الممكنة. “لكل داء دواء يُستطبّ به”. حل المشاكل لا يُعدم وجود خيارات بديلة تساهم، على المدى القصير أو الطويل، في إعادة صياغة الافكار التي تساعد على تعديل ردة الفعل العصبية. هل هناك طرق أفضل للتعامل مع هذا الوضع؟ ماذا يمكننا عمله حيال هذه المشاعر؟ صراخ؟ تنفيس الإحباط؟ أو التعامل بحكمة وعقلانية؟ اسئلة مهمة يجب أن نطرحها ونجيب عليها قبل أن نقع في شباك العواطف المستعرة.

قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نمتلك مهارات التنظيم العاطفي ونجعلها عادة لنا ، لكننا بكل تأكيد نستطيع تدريب انفسنا، وتسيد مواقفنا وردود افعالنا.

مع الممارسة، سيصبح امتلاك وتنفيذ هذه الخطوات اسهل، وأكثر فاعلية. المهم أن نتعامل مع عواطفنا بطرق معقولة. ويمكننا اتباع تكتيكات مفيدة لإيجاد طرق مفيدة للتحكم في عواطفنا وتهذيبها، ومن ذلك:

  • رسم ابتسامة صادقة، هَشَّتْ لَكَ الدُّنْيَا فَمَا لَكَ وَاجِمًا، وَتَبَسَّمَتْ فَعَلَامَ لَا تَتَبَسَّمُ؟
  • اضحك تضحك لك الدنيا. الضحك المتوازن يبعث في النفس التفاؤل ويعزز الطاقة الإيجابية. فوائد الضحك اكثر من أن تحصى. الوجه الضحوك البشوش محبوب اكثر من المتجهم. لو ضحكت ضحكة متوازنة محفوفة بالحب، سيكون لها أثر سحري في إذابة الجليد وتلطيف المواقف.
  • التنزه وقضاء بعض الوقت في الطبيعة. تمشى في مكان تشعر فيه بالراحة، في حديقة أو بين البساتين أو عند ساحل البحر.
  • ممارسة تمارين رياضية في الهواء الطلق أو في صالة مغلقة.
  • العناية بحيوان أليف أو طيور جميلة.
  • الاهتمام بحديقة المنزل والورود والنبتات المنزلية.
  • مشاهدة برنامج تلفزيوني ممتع.
  • المشاركة في الفعاليات الثقافية المتاحة واللقاءات المحلية.
  • التحدث مع من يمكن الحديث معه ويبدي تجاوب في حديث ودي.
  • الدردشة مع صديق.
  • زيارة الأرحام.
  • مساعدة محتاج.
  • التصدق بما تيسر.

تأثير العواطف والتكيف معها يتيح لنا تحديد الخطوات التي نحتاجها لاتخاذ القرارات الصحيحة في علاقاتنا الشخصية واعمالنا المهنية. في جميع الظروف، ولنقل في اغلب الأحيان، نستطيع أن نتسيد عواطفنا إذا كنا واعين لها.

هذا الوعي سيساعدنا في السيطرة على الكثير من المشاكل وإيجاد الحلول المناسبة لها في الأوقات المناسبة، مما يجعل حياتنا أفضل واجمل. 

 

3 تعليقات

  1. مهدي ال سلاط

    مقال جميل ومفيش خاصة للشباب وكذلك الموظفين الجدد

  2. علي حسن المسعود

    جميل جدا التحكم في العواطف ك قدره ذاتيه وشخصيه ولا توجد عند الكل تماما ك القدرات المختلفه لدى البشر والاعتقاد بان التحكم في العواطف ممكن قد يكون خارج الاطار الطبيعي….هناك امور يستطيع الانسان التحكم في عواطفها واشجانها وهناك امور لا يستطيع الإنسان ان يحكمها….حسب فطرته السويه. دائما مبدع في اطروحاتك…دمت بخير ابو حسن

  3. حسن عبدالمنعم آل يحيى

    جميل جدا أبو حسن المقال يعكس حقائق علميه وتجارب حياتيه يستفيد منها الجميع
    وفقك الله لكل خير وزادكم توفيق من فضله 🌹🙏🙌❤️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *