تاريخ حملات التنقيب عن الاثار في القطيف التاريخية (الجزء الاول) – بقلم صادق علي القطري

عندما نتحدث عن القطيف التاريخية فنحن نتحدث عن منطقة شاسعة تمتد من الشمال من حدود البصرة (في العراق حاليا) الى عمان في الجنوب ومن الاحساء في الغرب الى جزر الخليج في الشرق (البحرين تاروت دارين وغيرها) اي المنطقة الشرقية بأكملها من المملكة العربية السعودية.

هذه المنطقة الشاسعة من الأرض وموقعها الاستراتيجي الواقعة بين مراكز الحضارات القديمة جعلها تتبوأ وتلعب أدوارا حيوية في تاريخ الحضارات القديمة، فمن الشمال تقع حضارات بلاد الهلال الخصيب متمثلة بحضارة ما بين النهرين (حضارة بلاد الرافدين) وحضارة بلاد الشام وسواحل البحر المتوسط (حضارة الفينيقيين واليونانيين) ومن الجنوب ممالك وحضارات شبة الجزيرة العربية ومن الشرق حضارة بلاد فارس ومن خلفها حضارات بلاد الهند والسند والحضارات الاسيوية الاخرى. فهي حضارة قديمة يعود تاريخها لأكثر من 3500 عاما قبل الميلاد.

الخليج في خرائط تاريخية، من مقتنيات مجموعة الشيخ سلطان القاسمي، “حاكم الشارقة” حفظه الله وتعود الخريطة الى عام 1616م/1024هـ.

وموقعها على ساحل الخليج العربي بجزره المتعددة مثل جزيرة تاروت ودارين والبحرين وفيلكا جعلها مراكز تجارية بين هذه الحضارات وجعلها تتحكم في المنافد البحرية عبر الخليج العربي، إضافة إلى سيطرتها على الطرق التجارية الممتدة عبر الصحاري التي تتوفر فيها آبار المياه الصالحة للشرب.

فمن حضارات الشرق تأتي البهارات والحبوب ومن الجنوب الغربي تأتي منتجات المعادن المصنعة والخام. كذلك، من الجنوب تزدهر تجارة العطور وما تنتجه بقية أجزاء الجزيرة العربية من التمور والاخشاب والمنتجات الحيوانية من قطعان الغنام و الابل والحبوب.

وعليه فمن الشرق البعيد تأتي المنتجات المختلفة وعلى وجه الخصوص البهارات بأنواعها والحبوب، ومن الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية تأتي منتجات المعادن الخام والمصنعة؛ ومن جنوبها تأتيها تجارة المواد العطرية بأنواعها المختلفة بالإضافة إلى ما تنتجه بقية أجزاء شبه الجزيرة العربية الأخرى مثل الحبوب والتمور والأخشاب والمنتوجات الحيوانية كقطعان الإبل والأغنام.

كل هذه المعطيات التي تمتعت بها القطيف التاريخية حتمت قيام حضارات متعاقبة عبر التاريخ ابتداء من العصور الحجرية القديمة والحديثة حيث اكتسبت الكثير من الثقافات من هذه الحضارات مثل حضارة دلمون وبابل وام النار وهيلي والممالك العربية وكونت ثقافتها الخاصة بها.

ولولا اعمال هذه البعثات الاثرية والتنقيبيه والمسحية ابتداء من الرحالة الاوربيون الأوائل والاعمال الفردية وصولا الى البعثات التنقيبية المنظمة وجهودها لما عرفنا التاريخ القديم لهذه المنطقة والحقب التاريخية التي مرت بها لذلك كان لزاما علينا جمع كل ما تركة هؤلاء الباحثون من اعمال وأبحاث ومقالات وتوثيقها في مكان واحد لتسهيلها والرجوع اليها من قبل الباحثين والمؤرخين واستخدامها كمصادر موثوقة.

وهنا يجب علينا الإشادة بما قام به الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن سعود بن جارالله الغزي أستاذ كلية السياحة والآثار قسم الآثار في جامعة الملك سعود من جمع الكثير من هذه الاعمال والمقالات والأبحاث وتوثيقها وجعلها متاحة للباحثين الاكاديميين وعلماء الاثار وجعلها كمصادر موثوقة ويعتمد عليها. ومن هنا كان لزاما تقسيمها حسب الفترات الزمنة التي دونت فيها كما دونها الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن سعود بن جارالله الغزي:
• الفترة الأولى من القرن العشرين:
في هذه الفترة الزمنية ظهرت اعمال واهتمامات بالأثار حيث وجدت بعض الكتابات ونسخ من هذه الكتابات. من الاعمال المهمة التي تولي الاثار أهمية اعمال جفري بيبي، هاري سنت جون فيلبي، بطرس كرونوول، دكسون، فيدال، ورتشارد ليونارد بوين وغيرهم. على سبيل المثال، قام الكابتن شكسبير بنسخ بعض الاعمال قبل توجهه الى مدينة ثاج في عام 1911م وكذلك فعل دكسون وزوجته فيوليت حيث قاما بزيارة ثاج ونسخ بعض النقوش القديمة واقتناء بعضا من اثارها المتناثرة على سطحها وكتابة مقال ونشره.
والبعض الآخر من هؤلاء قام بتوثيق بعض الاعمال التنقيبية عن الاثار ونشرها كما فعل بطرس كور نوول وادراجها كأعمال من اثار المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية منها “اكتشافات قديمة في الاحساء” و “ماضي الجزيرة العربية”.
اما ريتشارد لبونارد بوين فقد نشر دراسة جمعت الدراسات السابقة في دراسة واحدة حيث تتكون من دراستين منفصلتين تتعلق الأولى بدراسة تاريخية للفخار لموقع عين جاوان والتي قام بدراستها فردريك ماتسون والتي تعتبر الوحيدة من نوعها حتي يومنا هذا وتعتبر المصدر الوحيد للباحثين في تاريخ المنطقة الشرقية التي لا يمكن الاستغناء عنها وتجاوز نتائجها.

واما الدراسة الثانية، فقد تمت كتابتها من قبل الباحثة ف. أ. دي والتي تعتبر من ابرز الباحثين المتخصصين في مجال الفخاريات وتاريخها المذكورة والمشار اليها أعلاه والثانية في مجال الفخاريات والتي تخص فخاريات عين جاوان حيث تحتوي على الكثير من المعلومات التاريخية والاقتصادية ذات الصلة بحركة التجارة في تلك الأزمنة مما يدل على اتصالات بشرية والتي تعتبر معرفتها من مهام الباحث في التاريخ القديم.
بالإضافة الى ذلك، نشرت في النصف الأول من القرن العشرين بعض الاعمال في مقالات والبعض الاخر نشر في كتب مستقلة من قبل بعض موظفي شركة أرامكو السعودية، ومن المثلة ما نشرته السيدة جريس بوكهلدر حيث تحتوي اعمالها على المادة الأثرية للفخار، والزجاج، وأدوات الزينة، وآنية الحجر الصابوني، والأختام، والنقوش، والحلي المعدنية.

كذلك، قدمت السيدة ميرني جولدنج بعض الاعمال التي لا يمكن اغفالها من قبل الباحثين في مجال التاريخ القديم للمنطقة الشرقية حيث شاركت اعمالها وابحاثها في الكثير من المؤتمرات الدولية والتي كانت عن بعض المواقع الاثرية في المنطقة حيث ان مادتها المقدمة لا يمكن اغفالها من قبل الباحثين لأهميتها ولكون ان أغلب مادتها العلمية المقدمة التقطتها هذه السيدة المذكورة من المواقع مباشرة عندما كانت تعمل في المنطقة الشرقية.

اما الباحث جيمس ماندفيل, قدم اعمالا ومادة جديدة لا توجد مثيلانها. من هذه الاعمال مقالا يتحدث عن ثاج في العصور القديمة والذي يعتبر من أوفى وأشمل المقالات التي كُتبت حول مستوطنة ثاج الأثرية حتى يومنا الحاضر لشموليته لمعلومات متنوعة وبطريقة مفهومة، كما أنه يحتوي على ذكر لبعض المواد الأثرية التي لا توجد في غيره.

الباحث الأمريكي بطرس فيدال نشر مقالا يتضمن مكتشفات آثارية في قبر من قبور عين جاوان والذي يعكس اتصالات هذه المنطقة بالمناطق المجاورة وأعد أطروحة الدكتوراه عن واحة الاحساء والتي ترجمت الى العربية وتحتوي على الكثير من المعلومات عن التاريخ القديم للمنطقة.

وفي عام 1962م قام الباحث بول لاب بمسح سريع لمدينة ثاج الاثرية وأعد تقريرا ونشره في عام 1963م. هذا التقرير يحتوي على الكثير من المعلومات لعدد من المواقع الاثرية القائمة على المشاهدة الشخصية ومعلومات لمواقع اّخرى مر بها ووقف عليها.

نشر بيتر بار مقالا في عام 1964م والذي ناقش فيه آراء للباحث الامريكي فكس دبليو البرايت حول المادة الأثرية المتوفرة آنذاك من ثاج حيث احتوى معلومات تاريخية مستخلصة عن طريق المعاينة الشخصية لمادة أثرية مودعة في المتحف البريطاني وتتضمن مجموعة السيد دِكسون وزوجته والتي لا يمكن الاستغناء عن الرجوع اليها كمصدر حيث لا توجد في مكان اخر.

“الثيهم وسثيهل” أورد بعض النقوش في دراسة اظهرها ما بين عام 1964م – 1969م وتحتوي على مجموعات من النقوش القديمة التي جمعت من المنطقة خلال فترات متقطعة، ومنها جزء لا يتوافر إلا في الدراسة المعنية هنا، إضافة إلى مقالات أخرى لها صلة بتاريخ المنطقة في عصورها القديمة.

واما دبليو إ. جيمس فقد نشر مقالا في عام 1969م والذي كان جزأ من رسالته للماجستير والتي تتكلم عن مدينة الجرهاء المفقودة ويعتبر من المقالات المهمة والغنية بمادتها العلمية عن هذه المستوطنة المفقودة وما يتصل بها من أحداث تاريخية، كما يحتوي على معلومات قائمة على المشاهدة الشخصية حيث قام كاتب المقال بزيارة لعدد من المواضع الأثرية في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى تحقيق لما جاء في المصادر الكلاسيكية بخصوصها، وعليه فإنه من مصادر دراسة تاريخ المنطقة في عصورها القديمة.

ملاحظة: يجب التنويه أن معظم مصادر هذه المقالة مستقاة من المصادر التي تم جمعها على يد الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن سعود بن جارالله الغزي أستاذ كلية السياحة والآثار قسم الآثار في جامعة الملك سعود التي جمعها في وثيقة واحدة بإسم ” المصادر الإثارية لدراسة التاريخ القديم للمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية” والتي وثقها ونشرها في عدة مقالات في جريدة الرياض في عام 1996م وتم إعادة صياغتها للفائدة مع ارفاق المصدر الرئيسي.

المهندس صادق علي القطري

المصدر:
• http://dhahranhistory.blogspot.com/2012/11/blog-post_5787.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *