التدخين وضرره على بكتيريا الفم النافعة وعلاقة ذلك بالتهاب اللثة وأمراض القلب والأوعية الدموية – ترجمة عدنان احمد الحاجي

What smoking does to oral bacteria
(باربرا بومغارتنر – Barbara Baumgartner)

بينت دراسة تأثير تدخين السجائر وماذا يحدث بعد الإقلاع عنه.

كجانب من دراسة البحوث الصحية التعاونية في جنوب تيرول الإيطالية(1) (وتُعرف هذا الدرسة  اختصارًا  بدراسة “CHRIS”). قام فريق البحث بدراسة مدى تأثير التدخين في المجتمعات البكتيرية في فم الإنسان.

وكانت النتائج جلية لا لبس فيها: كلما ارتفع معدل تدخين السجائر، كلما انخفضت أعداد البكتيريا الهوائية الفموية [البكتيريا الهوائية هي التي تحتاج إلى أكسجين “aerobic bacteria”]. علاوة على ذلك، وفقًا لنتائج الدراسة – وهي واحدة من أكبر الدراسات في العالم في ميكروبيوم اللعاب، لا يمكن تمييز أولئك الذين أقلعوا عن التدخين من غير المدخنين إلا بعد خمس سنوات من الإقلاع عن التدخين.

مصدر الصورة: the-microbiologist

كان طبيب الأسنان ووالد اختصاصي التكنولوجيا الحيوية جياكومو أنتونيلو (Giacomo Antonello)، يُدْهش بعض الأحيان بعض مرضاه بقدراته التشخيصية التي تبدو بعيدة النظر.  حيث لا يحتاج إلّا فقط إلى نظرة واحدة خاطفة في فم المريض وبعدها قد ينصحه بمراجعة أخصائي، لأنه، كما أوضح، قد يكون مصابًا بمشكلة في القلب أو بمرض السكري.

وكثيرًا ما تبين أن تشخيصه صائب. على الرغم من أن مرضاه كانوا دائمًا منبهرين جدًا بتشخيصه، إلّا أنه بالنسبة للأخصائيين فإن تشخيصات طبيب الأسنان هذه كانت مبررة: فقد أظهرت الدراسات التجريبية أنه غالبًا ما تكون هناك علاقة بين التهاب اللثة (ويُعرف إيضًا بالتهاب دواعم الأسنان)(2)  وأمراض القلب والأوعية الدموية المختلفة، حتى لو لم تكن الآليات الدقيقة التي وراءها مفهومة تمامًا.

جياكومو، الذي يجري حاليًا بحثًا للحصول على درجة الدكتوراه في معهد الطب البيولوجي، أكمل للتو دراسة(3) مع زملائه في معهد أبحاث يوراك (Eurac) للطب البيولوجي تشير إلى عامل واحد محتمل: في الذين يدخنون، التغير في مجتمع  بكتيريا الفم النافعة. يمكن أن يساهم في ارتفاع مستوى احتمال الإصابة بهذه الأمراض.

الدراسة، التي أجريت كجانب من دراسة (CHRIS) في ڤال ڤينوستا (Val Venosta) الإيطالية، سألت سؤالين محوريين: ماذا يحدث بالضبط لمجتمع البكتيريا في الفم، أو ما يسمى بالميكروبيوم الفموي، حين ندخن؟ وما هو تأثير الإقلاع عن التدخين في هذه المجتمعات البكتيرية نفسها؟

لمعرفة ذلك، قام فريق البحث في بولزانو (Bolzano) الإيطالية، بالتعاون مع باحثة الأوبئة بيتسي فوكسمان (Betsy Foxman) من جامعة ميشيغان، بتحليل عينات لعاب أخذت من أكثر من 1600 شخص – وهو ما يُعتبر عددًا كبيرًا من المشاركين في هذا المجال البحثي، كما تؤكد اختصاصية المعلوماتية البيولوجية كريستيان فوكسبرجر (Christian Fuchsberger)، المشرفة على أطروحة الدكتوراه لـ جياكومو.: “بالكاد توجد أي دراسات كبيرة تناولت الميكروبيوم اللعابي.

هذا المجال البحثي يُعتبر بحثًا حديثًا يعج بالكثير من الدراسات في الوقت الراهن، وهو مجال لا زال الكثير من الأشياء غير واضح. العديد من الدراسات الحالية تعمل على عدد بسيط جدًا من الحالات، على سبيل المثال، مما يعني أن نتائجها غير قابلة للتعميم / للتطبيق على نطاق واسع.

كجانب من دراسة (CHRIS)، قامت مجموعة من الباحثين بتحليل تأثير التدخين في النبيت الطبيعي (الباكتيريا النافعة flora الموجودة في الفم(4)).  الدراسة على  الميكروبيوم الفموي تناولت بالتحليل عينات اللعاب المستحصلة من أكثر من 1600 مشارك في دراسة (CHRIS).  من كل مشارك أخذت خمسة ملليلترات من لعابه في أنبوب اختبار واستُخرج منها فقط الحمض النووي الخاص بالميكروبات فقط، وتُرك الحمض النووي للمشارك.

مجال أبحاث الميكروبيوم يُعتبر مجالًا حديث العهد إلى حد ما: فقبل بضعة عقود فقط،  كان الباحثون يعتبرون المجتمعات البكتيرية المكونة من تريليونات من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على البشر وفي دواخل أجسامهم ــ وأغلبها في الجهاز الهضمي ــ لا أهمية لها تُذكر.

في الزمن الراهن، يحتل الميكروبيوم مركز الصدارة في مجال الدراسات العلمية ومن المعروف أنه ذو أهمية كبيرة للتنمية البشرية والصحة.  يُعتبر الميكروبيوم المعوي محور بحث مكثف في وجود دراسة رئيسة جارية حاليًا في معهد الطب البيولوجي. بالمقارنة مع الكثافة الميكروبية في الأمعاء، حيث تعيش آلاف من سلالات البكتيريا المختلفة فيها، فإن محتوى الفم منها ضئيل جدًا.

ومع ذلك، يتمتع اللعاب بميزة خاصة من حيث أهميته للدراسات العلمية: فهو أسهل نسبيًا لأخذ عينات منه. وبالتالي يمكن للباحثين تحصيل البيانات التي يحتاجونها للتحقق مما إذا كان من الممكن التعرف على التغيرات في النبيت الطبيعي (flora) في الفم (والتي تعتبر علامات بيولوجية biomarkers) يستفاد منها للتعرف على وجود أمراض معينة، والتي، لو وجدت، يمكن أن توفر أداة تشخيصية قيمة يمكن لأجهزة الرعاية الصحية توظيفها بسهولة.

في دراسة (CHRIS)، طُلب من المشاركين في الدراسة أن يبصقوا ما مجموعة 5 ملليلترات من اللعاب في أنبوب مختبر خاص. تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات بحسب ما إذا كانوا مدخنين حاليًا، أو أقلعوا عن التدخين، أو لم يدخنوا  قط.

وسُئل أولئك الذين أقلعوا عن التدخين بالضبط متى أقلعوا عن التدخين، وسُئل أولئك الذين ما زالوا يدخنون عن عدد السجائر التي يدخنونها يوميًا. للحصول على صورة عن المجتمعات الميكروبية في كل فم مشارك – ما هي أنواع الميكروبات الموجودة وكم عددها – استخدم فريق البحث تقنية مستخدمة بشكل عام للتعرف على أنواع البكتيريا وعددها، وذلك بعمل تحليل لتسلسل جين الرنا الريبوزي 16S، وهذا الجين هو بمثابة “بطاقة هوية” لكل نوع من أنواع البكتيريا المختلفة.

“لقد لاحظنا أن أثر التدخين بقي لسنوات. إذن، بالطبع، من المثير للاهتمام أن نتساءل عما إذا كان هذا التأثير مرتبط بأمراض معينة، تقول كريستيان فوشسبيرجيرنوني” (Christian Fuchsbergernone).

أثبت البحث الذي أجراه جياكومو باستخدام بيانات الميكروبيوم المستحصل من دراسة (CHRIS) نتائج لا لبس فيها. الذين لم يدخنوا مطلقًا لديهم في أفواههم مجتمع ميكروبي مختلف تمامًا عن الذين لا يزالون يدخنون أو أقلعوا عن التدخين مؤخرًا.

تدخين السجائر يؤثر في المقام الأول في البكتيريا الهوائية [وهي البكتيريا التي تنمو في وجود الأكسجين]. ويتناقص عدد هذه البكتيريا بشكل طردي كلما زاد عدد السجائر التي يدخنها الشخص؛ إذا توقف الشخص عن التدخين، فإن هذه البكتيريا الهوائية تتزايد تدريجياً مرة أخرى.

وكلما طالت فترة الاقلاع عن التدخين، زاد عدد البكتيريا الهوائية في اللعاب. فقط بعد خمس سنوات من الاقلاع عن التدخين، لا يمكن تمييز المدخنين السابقين، من حيث البكتيريا الهوائية الموجودة في الميكروبيوم الفموي، من الذين لم يدخنوا قط. تقول فوشسبيرجر: “لقد لاحظنا أن آثر التدخين يبقى لسنوات”. “لذلك، بالطبع، من المثير للاهتمام أن نسأل ما إذا كان هذه التأثير مرتبطًا بأمراض معينة”.

ومن المعروف أن لدى المدخنين احتمالًا متزايدًا للإصابة بالتهاب اللثة وأمراض القلب والأوعية الدموية. هل يمكن للتغيرات في الميكروبيوم الفموي الناجم عن تدخين السجائر أن تلعب دورًا في هذا الاحتمال؟ هنا تأتي أهمية الدورالذي تلعبه وظيفة البكتيريا التي تعيش في الفم، ومثل كل ما يتعلق بالميكروبيوم في أجسامنا، فقد حظي ميكروبيوم الفم باهتمام متزايد منذ وقت – بعض هذه البكتيريا، وخاصة البكتيريا الهوائية، تختزل الـنترات(5) “nitrate” التي نتناولها في الطعام إلى نترايت(6) “nitrite”، وهذا الأخير يتحول فيما بعد إلى أكسيد النيتريك(7).

يعد أكسيد النيتريك (Nitric oxide) مادة مهمة لتنظيم ضغط الدم، من بين أمور أخرى. إذا لم يتوفر إلًّا القليل جدًا غير الكافي من أكسيد النيتريك، فقد يساهم ذلك في ضعف تروية اللثة وأمراض القلب والأوعية الدموية.

الآن، هذه الدراسة التي أجريت في وادي ڤينوستا (Venosta) في إيطاليا لم تقم بتحليل أكسيد النيتريك في اللعاب، لكنها حللت الميكروبات الموجودة فيه؛ كل ما يستطيع فريق البحث قوله هو أنه كلما زاد تدخين الأشخاص، قل عدد البكتيريا المختزِلة (reducing) للـ نترات “nitrate” (إلى نيترايت “nitrite” التي تعيش في الفم.

ويؤكد جياكومو أن هذا قد يكون تفسيرًا آخر لسبب تعرض المدخنين لاحتمال كبير للإصابة بأمراض اللثة وأمراض القلب والأوعية الدموية، وهذه “فرضية تحتاج إلى اختبار وذلك بإجراء المزيد من الدراسات”. ويقول أنه يتابع بالفعل العمل للاجابة عن السؤال الثاني بناءً على عينات دراسة “CHRIS”.

وعلى وجه التحديد، ما هي بعض العوامل الأخرى التي تؤثر في النبيت الطبيعي flora في الفم وإلى أي مدى يمكن أن يصبح هذا التأثير؟ ما هو الدور الذي تلعبه الوراثيات (الجينتكس)، وما هو الدور الذي يلعبه أيضًا من نشاركهم في السكن معنا؟ لن يتمكن هذا الباحث من الإجابة على هذا السؤال إلا في غضون عام تقريبًا من الآن، ولكن هناك شيء واحد واضح جدًا بالفعل لا لبس فيه: من نعيش معه له دور مهم جدًا.

دراسات في الميكروبيوم في إطار دراسة (CHRIS)

الفريق المشارك في دراسة الميكروبيوم (CHRIS) لا يبحث فقط في تأثير التدخين في ميكروبيوم اللعاب في الفم. دراسة رئيسة أخرى تبحث في دور نبيت (flora) الأمعاء في مرض السكري من النوع 2 ومرض الكبد الدهني غير الكحولي [أو غير المرتبط بتعاطي الكحوليات(8)] (NAFLD).

تفيد الأدلة بأن كلا المرضين يرتبطان بتركيبة متغيرة في المجتمعات الميكروبية في الأمعاء؛ ولكن العلاقات الدقيقة بينها وبين هذين المرضين الآنفين لا تزال غير واضحة. ولفهم هذه العلاقات بشكل أفضل، طُلب من حوالي 350 مشاركًا في دراسة (CHRIS) – نصفهم مصابون بداء السكري من النوع الثاني – المشاركة في عمل فحوصات أخرى؛ ومن بين أمور أخرى، تم إجراء فحص الكبد بالموجات فوق الصوتية.

بالإضافة إلى ذلك، تم جمع عينات براز وعينات من اللعاب لفحص الميكروبيوم. ومن المتوقع أن تظهر نتائج الدراسة، التي يتعاون فيها فريق البحث مع خبيري الميكروبيوم البارزين عالميًا نيكولا سيغاتا (Nicola Segata) من جامعة ترينتو وهيربرت تيلغ (Herbert Tilg) من جامعة إنسبروك (Innsbruck) الطبية، في عام 2024.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “دراسة البحوث الصحية التعاونية في جنوب تيرول (مجموع الحرف الأول لكلماتها = CHRIS) لدراسة تأثير العوامل البيولوجية والبيئية ونمط الحياة البشرية في صحة الناس بمرور الزمن. هذه الدراسة عبارة عن تعاون بين الجهاز الصحي في مقاطعة بولزانو الإيطالية المتمتعة بالحكم الذاتي وأبحاث يوراك (Eurac Research). ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://chrisportal.eurac.edu/chris-study
2- https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/periodontitis/symptoms-causes/syc-20354473
3- https://www.nature.com/articles/s41598-023-42474-7
4- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/امراض-باطنية/النبيت-الطبيعي
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/نترات
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/نتريت
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/الوظائف_البيولوجية_لأكسيد_النيتريك
8- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/امراض-باطنية/مرض-الكبد-الدهني-غير-الكحولي

المصدر الرئيس:
https://www.eurac.edu/en/magazine/what-smoking-does-to-oral-bacteria

الأستاذ عدنان احمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *