البيولوجيا العصبيّة للُّغة البشريّة – بقلم الدكتور أحمد فتح الله

مدخل
اللُّغة جزءٌ أساسيًٌ في التجربة الإنسانيّة وواحدة من الوظائف المعرفيّة (cognitive functions) الأكثر تعقيدًا عند البشر، حيث تسمح لهم بالتواصل وتبادل المعرفة – على اختلاف أنواعها- مع بعضهم البعض منذ سن مبكرة. لقد ناقش اللُّغويُّون أصول اللُّغة لعدة قرون، دون التوصل بعد إلى إجماع حازم حول نظريّة من النظريّات المتعددة في هذا الأمر.

إن تحقيق فهم أفضل لآليّات اللُّغة في الدماغ البشري ومقارنتها بتلك الموجودة في الحيوانات الأخرى يمكن أن يساعد العلماء على تحديد كيفية تطور هذه الوظيفة المعرفية المهمة مع مرور الوقت.

وفقًا للنظريات اللُّغوية، فإن اللُّغات البشريّة متجذرة في القدرة على دمج الكلمات في هياكل ذات ترتيب أعلى، وإنشاء التبعيّات النحويّة بين الكلمات وترتيبها في تسلسلات معينة في الجملة الصادرة.

وجدت الدراسات التي قارنت قدرات إنتاج اللُّغة لدى الطفل العادي (الذي يسمع)، والطفل الأصم، والشمبانزي، أن الأطفال قادرون على إنتاج تسلسلات مكونة من أكثر من كلمتين في سن ثلاث سنوات وثلاث ونصف على التوالي، في حين لم ينطق الشمبانزي أكثر من كلمة واحدة متتالية.

ومع ذلك، فقد وجدت الأبحاث الحديثة أن العديد من أنواع القرود، مثل “الشمبانزي”، و”قرد كامبل” (Campbell’s)، و”القرد ذو الأنف المعجون” (putty nosed monkey)، و”قردة ديانا” (Diana monkeys)، كانت قادرة على الجمع بين نداءات إنذار محددة في أنواع نداء خاصة في سياق معين، على سبيل المثال، عندما تكون محاطة بالحيوانات المفترسة.


اللُّغويّات وعلم الأعصاب
على مدار مسيرتها المهنية، قامت العالمة اللّغوية أنجيلا فريدريشي[1] بمجموعة كبيرة من الأبحاث لاستكشاف الأساس العصبي للُّغة على أمل أن يساعد هذا المجال في النهاية على توسيع الفهم الحالي لكيفية تطور هذه الوظيفة المعرفيّة المهمة مع مرور الوقت.

أجرت البروفيسور فريدريشي مؤخرًا بحثًا مكثفًا يستكشف كيفية معالجة الدماغ البشري للُّغة واكتسابها في مراحل مختلفة من التطور من خلال دمج النظريّة اللُّغوية مع دراسات تصوير الدماغ، وكيف تتم هذه المعالجة مقارنة بالآليات العصبيّة الحيوية (neurobiological mechanisms) مع تلك الموجودة في الرئيسيّات غير البشريّة[2].

وتقترح أنه إذا كانت الآليات العصبيّة الحيويّة للُّغة لا تزال موضع نقاش، فذلك يرجع جزئيًّا إلى أن مصطلح “اللُّغة” نفسه غالبًا ما يفتقر إلى تعريف ملموس[3]، فغالبًا ما ركزت الدراسات العلميّة المبكرة في المقام الأول على مناطق الدماغ التي تسمى القشرة الأماميّة والزمانيّة (frontal and temporal cortex) التي تشارك في الإنتاج الصوتي وإدراك الكلام بدلاً من التركيز على اللُّغة كنظام معرفي (Cognitive System).

بمعنى آخر، عرّف العديد من الباحثين اللغة بأنها “اتصال صوتي” (acoustic communication)، دون الأخذ في الاعتبار مدى تعقيد نظام اللُّغة البشريّة. وتؤكد البروفيسور فريدريشي أن هذا التعريف للُّغة مبسط ومحدود للغاية، وتقترح تعريفًا بديلاً يأخذ في الاعتبار كلاً من النظرية اللُّغوية والأدلة البيولوجيّة العصبيّة.
 إستنادًا إلى علم الأحياء العصبي للُّغة يركز عمل البروفيسور فريدريشي وزملاؤها في “معهد ماكس بلانك للعلوم المعرفيّة والدماغيّة البشريّة” على محاولة التعرف على البنيّة الوظيفيّة والأساس التشريحي العصبي للُغة في الدماغ، في مراحل مختلفة من التطور.

للقيام بذلك، يستخدم الفريق العلمي طرقًا مختلفة لتحليل نشاط الدماغ والبنيّة التشريحيّة، بما في ذلك تخطيط  كهرباء الدماغ (electroencephalography: EEG)[4]، وتخطيط الدماغ المغناطيسي (magnetoencephalography: MEG)[5]، والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (functional magnetic resonance imaging: fMRI)[6]، والتصوير الهيكلي، مثل “التصوير الموتر الناشر” (diffusor tensor imaging: DTI)[7].

وقد قدم مشروع هذا الفريق العلمي أدلة تدعم تعريف نظام اللُّغة البشريّة كآليّة معرفيّة فريدة ومستقلة، مما ينتج عنه مجموعة كبيرة ومتنوعة من العبارات والجمل المنظمة. على سبيل المثال، تشير دراسات التصوير الدماغي التي أجرتها البروفيسور فريدريشي على الأطفال والشباب إلى أن نظام اللُّغة البشريّة يرتكز على عدة شبكات دماغيّة، مع قدرة التسلسل الهرمي النحوي على إنشاء جمل موضعيّة في جزء معين من الدماغ يسمى “منطقة بروكا” (Broca’s area’) التي تعمل جنبًا إلى جنب مع مناطق أخرى من القشرة لتحقيق فهم اللُّغة.

وتجادل هذه العالمة بأن هذه العلاقة الوظيفيّة مدعومة أيضًا بألياف المادة البيضاء التي تشكل اتصالات سريعة وموثوقة بين المناطق المرتبطة باللُّغة عبر الدماغ. وقد تبين أن هذه العناصر أكثر بروزًا في دماغ الإنسان منها في دماغ الرئيسيّات الأخرى.

كما قامت الدكتورة فريدريشي وفريقها بربط مناطق معينة من الدماغ بمبدأ اللُّغويات النظريّة المعروف باسم “الدمج” (Merge)، ويراد به العمليّة الحسابيّة الأساسيّة التي تسمح للبشر بربط الكلمات معًا بشكل هرمي لتشكيل هياكل وجمل نحويّة أكبر.

تم التوصل إلى أن عمليّة الارتباط الخاصة بالإنسان هذه لها أساس عصبي في منطقة محددة جدًا من الدماغ، تسمى “منطقة برودمان” (Brodmann Area، وتعرف بـ BA 44) ويتم تنشيط هذه المنطقة من الدماغ بشكل متزايد عند معالجة العبارات النحويّة للكلمات. تشير هذه النتائج، حسب نظر هؤلاء الباحثين، إلى أن توطين النشاط واتساقه يشيران إلى الطبيعة البيولوجيّة العصبية الأساسيّة لعمليّة “الدمج” نفسها، وبالتالي توفير وجهة نظر جديدة حول العلاقة بين النظرية اللغوية وعلم الأحياء العصبي.

تعلم اللُّغة في منظور البيولوجيّة العصبيّة
يكتسب الأطفال الرضع المهارات اللُّغويّة بسرعة، بغض النظر عن البيئة التي يولدون فيها. كما هو الحال مع القدرات المعرفية الأخرى، يتضمن تطوير اللُّغة ثلاثة عوامل متفاعلة رئيسية: الوراثة (genetics)، والمدخلات الخارجيّة أو الخبرة (external input or experience)، ومبادئ مستقلة أخرى خاصة باللُّغة (independent principles specific to language). فيما يتعلق بالوراثة (المحددة مسبقًا)، يُعرف أحد المكونات اللغويّة المقترحة باسم القواعد العامة (universal grammar)، اختصارًا (UG).
تحدد القواعد العامة الخصائص التي يجب أن تتمتع بها اللغة حتى يتمكن العقل البشري من اكتسابها بنجاح. “اللُّغات” أو تسلسل الكلمات التي لا تتوافق مع مبادئ القواعد العالمية (أي تلك “اللُّغات المستحيلة” impossible languages)، يجب أن تكون، كما يوحي المصطلح، مستحيلة على الأطفال الرضع تعلمها.

ومع ذلك، يتم اكتساب جميع اللُّغات الحقيقيّة (real languages) بسهولة، ربما لأن القواعد العالميّة جزء من الطبيعة البشريّة. ومن ناحية أخرى، فإنّ مدخلات الخبرة الخارجيّة (external experience input) هي التي تحدد اللُّغة التي سيتعلمها الطفل، بسبب تعرضه لها في البيئة المحيطة به.

وتشير الدراسات السابقة إلى أن القواعد العامة دون أي مدخلات لُغويّة، كما هو الحال في الأطفال المحرومين (deprived children)، ليست كافيّة للطفل لاكتساب اللُّغة بنجاح. ولكن حتى مع قلة الخبرة (impoverished experience)، يستطيع الأطفال بناء هياكل لغوية (linguistic structures) لم يسمعوها من قبل من البالغين في بيئتهم.

البروفيسور أنجيلا فريدريشي

وجدت البروفيسور فريدريشي في أبحاثها علاقة بين الدقة المتزايدة في معالجة الجمل المعقدة طوال مراحل نمو الإنسان وتنشيط منطقتين رئيسيتين لمعالجة اللُّغة في منطقتين من الدماغ تسمى منطقة بروكا (Broca’s area) والتلفيف الصدغي العلوي (superior temporal gyrus).

علاوة على ذلك، وُجد أن دقة وسرعة المعالجة ترتبطان بنضج ألياف المادة البيضاء (white matter fibres) التي تربط هاتين المنطقتين في الدماغ[8].

هذه النتائج بمجموعها دليل قوي على أن وظيفة الدماغ وبنيَة المادة البيضاء هي أفضل مؤشرات لتطور الأداء المعرفي (development of cognitive performance).
 
في الآونة الأخيرة، قامت البروفيسور فريديريشي وزملاؤها بدراسة هياكل الدماغ للأشخاص الذين اكتسبوا لغات أصلية مختلفة (native languages)، وقارنوا أدمغة المتحدثين باللغة الصينية الماندارين (Mandarin Chinese) والإنجليزيّة (English) والألمانية (German). استخدم الباحثون التعلم الآلي (machine learning) لتصنيف اللُّغات الأم للمتحدثين بناءً على ملفات اتصال الدماغ الخاصة بهم.

كشفت النتائج عن شبكة عصبيّة مشتركة إلى حد كبير تم تشكيلها بشكل مختلف وفقًا لمتطلبات المعالجة المحددة (specific processing demands) لكل لغة. أظهر المتحدثون باللُّغة الصينية ارتباطًا (connectivity) أقوى بين نصفي الدماغ (hemispheres of the brain). ويمكن ربط ذلك بمعالجة درجة الصوت (pitch) والخصائص النغميّة (tonal characteristics) للُّغة.

من ناحية أخرى، أظهر المتحدثون باللُّغة الألمانيّة ارتباطًا أكبر بين مناطق الدماغ التي تشارك في معالجة القواعد (grammar processing). وأخيرًا، أظهر المتحدثون باللُّغة الإنجليزية ارتباطًا أعلى (higher connectivity) بين مناطق الدماغ مما يعكس الدور الرئيسي لارتباطات المعنى (meaning associations) في اللُّغة الإنجليزيّة. هذه هي الدراسة الأولى التي تقدم دليلا ملموسا على أن استخدام لغة معينة مدى الحياة يخلق بصمة فريدة (unique fingerprint) في أدمغة المتحدثين بها.
 
تطور اللُّغة في منظور البيولوجيّة العصبيّة
إذا ما قورنت بنشاط الدماغ (brain-activity) والسلوكيات (behaviours) التي لوحظت في الحيوانات الأخرى، فإن الأدلة التي جمعتها البروفيسور فريديريشي وفريقها يمكن أن تلقي الضوء على تطور اللُّغة (evolution of language). سلط عمل الفريق الضوء على الخصوصية الوظيفية (functional specificity) لجزء معين من منطقة بروكا واتصالاتها الليفيّة بالقشرة التي يبدو أنها تشكل الأساس العصبي وراء قدرة البشر على معالجة الهياكل اللُّغويّة الهرميّة.

هذه القدرة على معالجة اللُّغة غائبة لدى الرئيسيّات غير البشريّة (in non-human primates)، التي تظهر أنماطًا مماثلة في نشاط الدماغ الكهربائي لتلك الموجودة لدى الأطفال الرضع في مرحلة ما قبل اللغة (pre-linguistic infants)، ولكن ليس لتلك الموجودة لدى البالغين من البشر.

نظرًا لأن دماغ الأطفال الرضع لم يتطور بشكل كامل، فإن أوجه التشابه التي لوحظت مع الرئيسيّات غير البشريّة قد تشير إلى أنه، لأسباب مختلفة، يفتقر كلاهما إلى الوصول إلى الدوائر العصبيّة (neural circuits) التي تمكن من معالجة الهياكل اللُّغويّة الهرميّة (hierarchical language structures).

إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون هذه الدوائر العصبيّة بمثابة تقدم تطوري رئيسي يلعب دورًا حاسمًا في تمكين القدرة اللُّغويّة (faculty of language) البشريّة الفريدة.

الخلاصة
قدمت البروفيسورة فريدريشي وفريقها مساهمات مهمة من خلال جمع الأدلة التي ساعدت في الكشف عن الأساس العصبي البيولوجي (neurobiological basis of human language processing) لمعالجة اللُّغة البشريُّة.

المصدر رقم (2): © Max Planck Institute for Human Cognitive and Brain Sciences, Leipzig, Germany

وقد أثبتت دراساتها وجود صلة بين المفاهيم النظرية (theoretical concepts) في علم اللغة العام (Lingustics) وعلم الأعصاب (neuroscience)، مما يشير إلى أن جوانب معينة من اللُّغة البشريُّة تتم معالجتها في مناطق محددة من الدماغ.

نظرة مستقبلية وأمل
إن نظام اللُّغة البشريُّة عبارة عن قدرة معرفيّة معقدة ورائعة تميز جنسنا البشري عن غيره من الكائنات التي تعيش على كوكب الأرض. عندما يتعلق الأمر بتطور اللغة وتطورها طوال عمر الإنسان، فلا يزال هناك الكثير مما يجب فهمه.

في المستقبل، يمكن أن تمهد النتائج التي توصلت إليها البروفيسورة فريدريشي الطريق نحو فهم أوسع لكيفية معالجة الدماغ للغة، مما يدفع إلى المزيد من الدراسات التي تركز على مناطق الدماغ التي حددتها. ولقد أجرت البروفيسور فريدريشي أيضًا العديد من الدراسات الأخرى التي تستكشف التطور المعرفي (cognitive development) لدى الرضع.

على سبيل المثال، وجدت هي وفريقها أيضًا أدلة تشير إلى وجود علاقة منهجية (systematic relationship) بين بنية الدماغ (brain structure) وتطور القدرة البشريّة على إدراك أن الآخرين يمكن أن يكون لديهم معتقدات مختلفة عن العالم، وهو المفهوم المعروف باسم “نظرية العقل” (Theory of Mind)[9].

إن النشاط الدماغي لدى البشر ولدى الرئيسيّات غير البشريّة، حسب ملاحظات الفريق العلمي، قد يؤدي في النهاية إلى العديد من الاكتشافات الجديدة الرائعة حول اللغة والجوانب المهمة الأخرى للإدراك البشري (human cognition).

______
الهوامش
[1] البروفيسور أنجيلا فريديريشي هي المدير المؤسس لـ “معهد ماكس بلانك للعلوم الإدراكية البشرية والدماغ” (Max Planck Institute for Human Cognitive and Brain Sciences) في لايبزيغ في ألمانيا، وكذلك المدير السابق لمركز العلوم الإدراكية في الجامعة في لايبزيغ وأستاذ فخري في ذاتا الجامعة، وجامعة بوتسدام، وجامعة شاريتيه للطب في برلين. وكجزء من رحلتها الأكاديميّة، أكملت برنامج علم النفس في جامعة بون وبرامج اللُّغويّات في جامعتي بون ولوزان. وهي حاصلة على دبلوم في علم النفس ودكتوراه في اللُّغويّات من جامعة بون. البروفيسور فريديريشي خبيرة معترف بها دوليًا في كل من علم النفس العصبي واللُّغويّات. تركز أبحاثها في المقام الأول على كيفية معالجة الدماغ البشري للُّغة واكتسابها طوال فترة الحياة. على مدار مسيرتها المهنية، نشرت أكثر من 400 مقالة أكاديميّة وفصول كتب، بالإضافة إلى تحرير عدد من الكتب حول اللُّغويّات وعلم النفس وعلم الأعصاب. كتابها الأخير “اللغة في دماغنا” (Language in Our Brain) المنشور عام 2017م عن طريق معهد ماساسوتش للتقينة (MIT) يغطي النتائج الرئيسية في هذا المجال.

[2] Angela Friederici, The Neurobiology of the Human Language System”, Scientia, Jul.25, 2018  https://www.scientia.global/professor-angela-friederici-the-neurobiology-of-the-human-language-system/

[3] الجدير بالذكر أن فريدريشي من الذين لا يساوون اللغة بـ “الكلام” أو “التواصل”، فعلى سبيل المثال، في ورقة بحثية لها معى آخرين، فيهم نعوم تشومسكي، (2017م) بعنوان “اللغة والدماغ والمخ” (Language, mind and brain) يتم توصيف “للُّغة على أنها آليّة معرفيّة حسابيّة محددة بيولوجيًّا تنتج مجموعة غير محدودة من التعبيرات المنظمة هرميًّا”. ويضيوفون أن “نتائج دراسات تصوير الدماغ الحديثة تتوافق مع وجهة النظر هذه للُّة باعتبارها آلية معرفيّة مستقلة، مما يؤدي إلى رؤية تنظيمها العصبي، حيث تتضمن اللُّغة تفاعلات ديناميكيّة للجوانب النحويّة والدلاليّة المتمثلة في الشبكات العصبيّة التي تربط القشرة الجبهيّة السفليّة والصدغيّة العلويّة وظيفيًّا وبنيويًّا”. (National Human Behavior 10:713-722).

[4] تخطيط كهربيّة الدماغ (EEG) هي تقنيّة تسجل النشاط الكهربائي في فروة الرأس على شكل تذبذبات عصبيّة تنعكس في نطاقات تردد مختلفة.

[5] تصوير الدماغ المغناطيسي (MEG) تقنيّة تسجل المجالات المغناطيسية الناجمة عن النشاط القشري الكهربائي. يوفر تخطيط الدماغ المغناطيسي معلومات حول السعة والكمون والتضاريس للمكونات المغناطيسيّة ذات الصلة باللُّغة مع دقة زمنيّة عاليّة في حدود الملّي- ثانية كما في القياس الكمي للنشاط الكهربائي في القشرة استجابةً لنوع معين من حدث التحفيز (ERP)، ولكن مع دقة مكانيّة محسنة.

[6] التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) تقنيّة لتحديد نشاط الدماغ المتعلق بوظائف معيّنة فيه. يكشف هذا التصوير عن معلومات دقيقة حول موقع وحجم تغيرات النشاط العصبي استجابة للتحفيز الخارجي، وكذلك عن التقلبات الجوهريّة أثناء الراحة، أي في غياب التحفيز الخارجي. تنعكس هذه التغييرات في النشاط العصبي في تغيرات الإشارة المعتمدة على مستوى الأكسجين في الدم بناءً على تأثير اقتران الأوعيّة الدمويّة العصبيّة.

[7] “تنسور (tensor) تعني “كمية ممتدة”، و”تصوير تنسور (أو مُوَتَّر) الانتشار” (DTI) في الأصل هو تقنيّة قياس انتشار الماء، وتسخدم في الدراسات العصبيّة لتوفر معلومات عن المادة البيضاء (White Matter)، البنيّة الليفيّة الداخليّة، في المخ. . فبما أن الماء سوف ينتشر بسرعة أكبر في الاتجاه المتوافق مع البنية الداخليّة (للوعاء)، يمكن استخدام الاتجاه الرئيس لموتّر الانتشار لاستنتاج اتصال المادة البيضاء في الدماغ. أي باستخدامه يمكن التعرف على مساحات الألياف المختلفة في الدماغ البشري.

[8] في ورقة بحثية عام (2015) بعنوان “مسارات المادة البيضاء لمعالجة الكلام واللغة” (White-matter pathways for speech and language processing)، تصف الدكتورة فريدريشي الألياف العصبيّة ودورها في المخ بما يتعلق باللُّغة. تربط حزم ألياف طويلة المدى مناطق الدماغ ذات الصلة باللُّغة (وهما “منطقة برودمان” (Brodmann’s area) في القشرة الأماميّة السفليّة و “منطقة فيرنيك” (Wernicke’s area) في القشرة الصدغيّة العلويّة. تقع هذه الحزم الليفيُة ظهريًّا وبطنيًّا على الشق السيلفي (sylvian fissure). تتكون هذه المسارات الظهريّة والبطنيّة من عدد من المسارات الليفيّة المتوازيّة جزئيًّا، والتي يمكن تمييزها حسب مناطق انتهائها والوظائف اللُّغويّة المحددة لمناطق النهاية هذه. ظهريًّا، هناك طريقتان ليفيتان رئيسيتان تربطان القشرة الصدغيّة الخلفيّة بالقشرة الأماميّة: واحدة تنتهي في القشرة أمام الحركيّة التي تخدم رسم الخرائط الحسيّة الحركيّة، وأخرى تنتهي في منطقة بروكا الخلفيّة، الجزء السدادي، الذي يدعم معالجة العمليات المعقدة، أي الهياكل النحويّة. من الناحيّة البطنيّة، تمت مناقشة مسارين ليفيين متعلقين باللُّغة: أحدهما يربط القشرة الأماميّة السفليّة، أي الجزء المثلثي والمداري، مع “منطقة فيرنيك” ويدعم العمليات الدلاليّة والآخر يربط الأجزاء الأكثر بطنيّة (عمقًا) من القشرة الأماميّة السفليّة، بما في ذلك المنطقة الأماميّة، الغطاء الخيشومي، مع القشرة الصدغيّة الأماميّة، مما يشير إلى أن هذا الجهاز البطني الأخير يخدم العمليّات التوافقية الأوليّة في اللُّغة؛ تضمن هذه المسارات الليفيّة معًا نقل المعلومات بين مناطق الدماغ المختلفة داخل شبكة اللُّغة العصبيّة (Handb Clin Neurol. 2015, 129:177-86).

[9] من خلال مزيد من المقارنات بين أجناس المخلوقات، تأمل الدكتورة فريدريشي وفريقها التوصل إلى أي مدى تعتمد القدرات المعرفيّة البشريّة مثل الإدراك (في نظرية العقل) والموسيقى والرياضيّات وغيرها، على هياكل الدماغ التي تكون أكثر تطورًا عند البشر مقارنة بالرئيسيّات غير البشريّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *