الديانات في الهند: التسامح والفصل الديني يتسايران يدًا بيد {الجزء الثاني} – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Religion in India: Tolerance and Segregation
(بقلم: نيها سهغال  وجوناثان إيفانز  وأريانا مونيك سالازار كيلسي جو ستار ومانولو كوريشي)
(Neha Sahgal, Jonathan Evans, Ariana Monique Salazar, Kelsey Jo Starr, and Manglo Corichi)
[تقرير مركز بيو (Pew) للأبحاث]

يقول الهنود إنه من المهم احترام جميع أتباع الديانات، لكن أتباع الديانات الرئيسة لا يلاحظون وجود الكثير من المشتركات بينهم ويرغبون في العيش مع أتباع ديانتهم منفصلين عن أتباع ديانات أخرى.

بعد أكثر من 70 عامًا على تحرير الهند من الحكم الاستعماري البريطاني، يعتقد الهنود عمومًا بأن بلادهم قد ارتقت إلى أحد المُثل العليا(1) لما بعد الاستقلال: وهو تكوين مجتمع يستطيع أتباع العديد من الديانات العيش فيه وممارسة طقوسهم العبادية بحرية.

مصدر الصورة: aljazeera.net

أبعاد القومية الهندوسية في الهند

أحد الفواصل الدينية هذه – وهي العلاقة بين الأغلبية الهندوسية في الهند وبين الأقليات الدينية في البلاد – له أهمية خاصة فيما يتعلق  بالحياة العامة، لا سيما في السنوات الأخيرة في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم (BJP). غالبًا ما يوصف حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأنه يروج لإيديولوجية قومية هندوسية(12).

وجد الاستطلاع أن الهندوس يرغبون في أن يكون هناك ترابط وثيق بين هويتهم الدينية وهويتهم القومية الهندية: يقول ما يقرب من ثلثي الهندوس (64٪) إنه من المهم جدًا حتى تكون هندوسيًا لابد أن تكون هنديًا “حقيقيًا”.

معظم الهندوس (59٪) يربطون أيضًا الهوية الهندية بالقدرة على التحدث باللغة الهندية – وهي واحدة من عشرات اللغات الدارجة على نطاق واسع في الهند. وهذان البعدان للهوية الوطنية – وهما أن يكون المرء قادرًا على التحدث باللغة الهندية وأن يكون هندوسيًا – مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. من بين الهندوس الذين يقولون إنه من المهم جدًا حتى تكون هندوسيًا لابد أن تكون هنديًا حقيقيًا، يقول 80٪ أيضًا أنه من المهم جدًا التحدث باللغة الهندية حتى تكون هنديًا حقيقيًا.

تعتبر شعبية حزب بهاراتيا جاناتا قوية بين الهندوس الذين يربطون هويتهم الدينية واللغة الهندية بكونهم “هنودًا حقيقيين”. في الانتخابات الوطنية التي جرت عام 2019م ، 60٪ من الناخبين الهندوس الذين يعتقدون أنه من المهم جدًا أن تكون هندوسيًا وأن تتحدث باللغة الهندية حتى تكون هنديًا حقيقيًا أدلوا بأصواتهم لصالح حزب بهاراتيا جاناتا، مقارنةً بثلث الناخبين الهندوس الذين لا يشعرون شعورًا قويًا تجاه علاقة الهندوسية والتحدث بالهندية بالهوية الوطنية.

بشكل عام ، من بين أولئك الذين صوتوا في انتخابات 2019 ، ثلاثة من كل عشرة هندوس أخذوا نفس الشروط الثلاثة: قائلين إنه من المهم جدًا لكي تكون هندوسيًا لابد أن تكون هنديًا حقيقيًا وأن تتحدث باللغة الهندية ؛ وأن تدلي بصوتك لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.

وجهات النظر كانت أكثر شيوعًا بين الهندوس في المناطق الشمالية والوسطى التي تتحدث باللغة الهندية إلى حد كبير ، حيث يصنف ما يقرب من نصف جميع الناخبين الهندوس في هذه الفئة التي تقول بذلك القول الآنف ، مقارنة بـ 5٪ منهم فقط في جنوب الهند.

ما إذا كان الهندوس الذين يستوفون جميع هذه المعايير الثلاثة مؤهلين “كقوميين هندوس” قد تكون محل نقاش، ولكنهم يعبرون عن رغبة متزايدة في الحفاظ على فواصل دينية واضحة بين الهندوس والأقليات الدينية الأخرى عندما يتعلق الأمر بالزواج وباختيار الأصدقاء وبمن يعيش في جوارهم. على سبيل المثال بين ناخبي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوس الذين يربطون الهوية الوطنية بكل من الدين واللغة، قال 83٪ من هذه الفئة أنه من المهم جدًا منع النساء الهندوس من الزواج من أتباع دين آخر، مقارنة بـ 61٪ بين الناخبين الهندوس الآخرين [الذين لا يقولون بهذه الشروط الثلاثة الآنفة الذكر].

تفضل هذه الفئة أيضًا أن تكون أكثر التزامًا بالدين: 95٪ منهم يقولون أن الدين مهم جدًا في حياتهم، ويقول حوالي ثلاثة أرباعهم إنهم يمارسون العبادة يوميًا (73٪). وبالمقارنة، من بين الناخبين الهندوس الآخرين ، تقول أغلبية صغيرة (80٪) أن الدين مهم جدًا في حياتهم ، وحوالي النصف (53٪) يمارسون العبادة يوميًا.

على الرغم من أن ناخبي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوس الذين يربطون الهوية الوطنية بالدين واللغة يميلون أكثر إلى دعم هند منفصلة دينياً، إلا أنهم أكثر رغبة من غيرهم من الناخبين الهندوس للتعبير عن وجهات نظر إيجابية فيما يتعلق بالتنوع الديني في الهند. ما يقرب من ثلثي هذه الطائفة (65٪) – من الهندوس الذين يقولون بأن الديانة الهندوسية والقدرة على التحدث باللغة الهندية أمران مهمان جدًا لابد أن يتحققا حتى يكون الشخص هنديًا حقيقيًا والذين صوتوا لحزب بهاراتيا جاناتا في عام 2019 – يقولون إن التنوع الديني مفيد للهند، مقارنةً بحوالي نصف (47٪) الناخبين الهندوس الآخرين.

تشير هذه النتيجة إلى أنه بالنسبة للعديد من الهندوس، لا يوجد تناقض بين تقديرهم للتنوع الديني (على الأقل من حيث المبدأ) والشعور بأن الهندوس بطريقة أو بأخرى هم هنود أكثر أصالة من مواطنين من أتباع ديانات أخرى.

بين الهنود بشكل عام، لا يوجد هناك إجماع طاغٍ على وجود فوائد للتنوع الديني. بشكل عام ، يرى عدد أكبر من الهنود أن للتنوع الديني فائدة أكثر من اعتباره عبئًا على بلدهم: ما يقرب من نصف (53٪) الراشدين الهنود يقولون إن التنوع الديني في الهند يفيد البلاد، بينما يرى حوالي الربع (24٪) أن التنوع الديني ضار بالبلاد، وهناك نسب متشابهة بين كل من الهندوس والمسلمين. لكن 24٪ من الهنود ليس لهم رأي واضح بخصوص مدى فائدة التنوع الديني للبلاد – فهم يقولون إن التنوع الديني  لا يفيد ولا يضر بالبلد، أو يرفضون الإجابة على السؤال. (انظر الفصل الثاني لمناقشة مواقف الهنود تجاه التنوع الديني(13)).

يعبر مسلمو الهند عن فخرهم بكونهم هنودًا بينما يقرون بالتوترات الطائفية ويريدون الانفصال

المسلمون في الهند يُعتبرون ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد ، لهم علاقة معقدة مع الأغلبية الهندوسية. من الناحية التاريخية، فقد عاش أتباع الديانتين عمومًا جنبًا إلى جنب في سلام على مدى عدة قرون، لكن تاريخهما المشترك أيضًا يعتبر تاريخًا متقلبًا بسبب الاضطرابات المدنية والعنف الذي جرى بين الطائفتين. في الآونة الأخيرة، أثناء إجراء الاستطلاع، اندلعت مظاهرات في أجزاء من نيودلهي وأماكن أخرى بسبب قانون الجنسية الجديد للحكومة، والذي أقر مسارًا سريعًا للحصول على الجنسية للمهاجرين من بعض البلدان المجاورة – مستثنيًا المهاجرين المسلمين.

اليوم ، يقول مسلمو الهند بالإجماع تقريبًا إنهم فخورون جدًا بكونهم هنودًا (95٪) ، ويعبرون عن حماس كبير للثقافة الهندية: 85٪ يتفقون مع العبارة القائلة بأن “الشعب الهندي ليس مثاليًا ، لكن الثقافة الهندية تتفوق على الثقافات الأخرى”.

يقول عدد قليل نسبيًا من المسلمين إن طائفتهم تواجه “الكثير” من التمييز الديني في الهند (24٪). في الواقع ، نسبة المسلمين الذين يرون أن هناك تمييزًا واسع النطاق ضد المسلمين هي نفس نسبة الهندوس الذين يقولون بأن طائفتهم تواجه تمييزًا دينيًا واسع النطاق في الهند (21٪). (انظر الفصل الأول لمناقشة مواقف الهنود عن التمييز الديني(14)).

لكن التجارب الشخصية مع التمييز بين المسلمين تختلف إلى حد ما من منطقة إلى أخرى. من بين المسلمين في الشمال ، قال 40٪ إنهم واجهوا تمييزًا دينيًا شخصيًا في الشهور الـ 12 الماضية – وهي مستويات أعلى بكثير مما تم الإبلاغ عنه في معظم المناطق الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، يرى معظم المسلمين في جميع أنحاء البلاد (65٪) ، جنبًا إلى جنب مع نسبة مماثلة من الهندوس (65٪) ، العنف الطائفي على أنه مشكلة وطنية كبيرة جدًا. (انظر الفصل الأول لمناقشة مواقف الهنود تجاه المشاكل القومية المواقف(14).)

كما  الهندوس ، يفضل المسلمون أن يعيشوا حياة منفصلة من الناحية الدينية عن بقية الديانات – ليس فقط عندما يتعلق الأمر بالزواج والصداقات، ولكن أيضًا في بعض جوانب الحياة العامة. على وجه الخصوص، يؤيد ثلاثة أرباع المسلمين في الهند (74٪) الرجوع الى جهاز المحاكم الإسلامية الحالي، الذي يتناول البت في النزاعات العائلية (كقضايا الميراث أو الطلاق) ، بالإضافة إلى جهاز المحاكم العلمانية.

رغبة المسلمين في الفصل الديني لا تمنع تسامحهم مع الطوائف الدينية الأخرى – مرة أخرى على غرار النمط الذي شوهد بين الهندوس. في الواقع ، فإن غالبية المسلمين الذين يفضلون محاكم دينية منفصلة لطائفتهم يقولون إن التنوع الديني يفيد الهند (59٪) ، مقارنة بعدد أقل بقليل يعارضون المحاكم الدينية للمسلمين (50٪).

هامش: المحاكم الإسلامية في الهند

منذ عام 1937، كان لدى مسلمي الهند خيار البت في القضايا المتعلقة بالأسرة والميراث في المحاكم الإسلامية المعترف بها رسميًا، والمعروفة باسم دار القضاء. يشرف على هذه المحاكم قضاة شرعيون معروفون باسم القضاة وتعمل هذه المحاكم بموجب مبادئ الشريعة الإسلامية(15).

على سبيل المثال، بينما تخضع قواعد الميراث لمعظم الهنود لقانون الوراثة الهندي لعام 1925 وقانون الوراثة الهندوسي لعام 1956 (المعدل في سنة 2005) ، تختلف مسائل الميراث الإسلامية في بعض النواحي(16)، بما في ذلك من يمكن اعتباره وريثًا شرعيًا للمتوفى وكم يمكن أن يرث من ممتلكات المتوفى. تأخذ قوانين المواريث الهندية أيضًا في الاعتبار التقاليد المختلفة للطوائف الدينية الأخرى ، مثل الهندوس والمسيحيين، ولكن تُرفع قضاياهم الى المحاكم العلمانية.

فقط الطائفة المسلمة هي التي لديها خيار النظر في قضاياها من قبل جهاز منفصل لمحاكم الأسرة. ومع ذلك ، فإن قرارات المحاكم الدينية ليست ملزمة قانونيًا(17)، والأطراف المعنية لديها خيار رفع قضاياها إلى المحاكم العلمانية إذا لم تقبل بقرار المحكمة الدينية.

اعتبارًا من عام 2021 ، يوجد ما يقرب من 70 دار قضاء في الهند. معظمها موجود في ولايتي ماهاراشترا وأوتار براديش. ولاية غوا (Goa) هي الولاية الوحيدة التي لا تعترف بالأحكام الصادرة عن هذه المحاكم، وفرضت قانونها المدني الموحد بدلاً عنها. دار القضاء يشرف عليها مجلس قانون الأحوال الشخصية لمسلمي عموم الهند.

على الرغم من  أن هذه المحاكم يمكن أن تقوم بأمور الطلاق بين المسلمين ، إلا أنها ممنوعة من الموافقة على الطلاق بالثلاث، حيث يقوم الرجل المسلم بتطليق زوجته على الفور بقول الكلمة العربية / الأردية “أنتِ طالق” (بمعنى “الطلاق”). ثلاث مرات. اعتبرت المحكمة العليا الهندية هذه الممارسة غير دستورية في عام 2017 وحظرت رسميًا من قبل مجلس الشعب الهندي (Lok Sabha) ، في عام 2019.

ظهر بعض الجدل الجديد عن المحاكم الإسلامية. أعرب بعض الهنود عن قلقهم من أن دار القضاء يمكن أن تقوض القضاء الهندي ، لأن مجموعة فرعية من السكان ليست ملزمة بنفس القوانين المُلزم بها آخرون. زعم آخرون بأن أحكام المحاكم الإسلامية غير عادلة بالنسبة للنساء بشكل خاص، على الرغم من أن حظر الطلاق بالثلاث قد يخفف من بعض هذه الانتقادات. أعلن حزب بهاراتيا جاناتا في بيانه السياسي لعام 2019 ، عن رغبته في إنشاء قانون مدني وطني موحد، قائلاً إنه سيزيد من المساواة بين الجنسين.

أعرب بعض المعلقين الهنود عن معارضتهم للمحاكم الإسلامية بمزيد من المشاعر السلبية ضد المسلمين، واصفين الأعداد المتزايدة من دور القضاء بأنها “طلبنة” الهند ، على سبيل المثال.

من ناحية أخرى، دافع العلماء المسلمون عن دار القضاء، قائلين إنها تسرع من المسار القضائي لأن الخلافات الأسرية التي من شأنها أن تسبب ازدحامًا للمحاكم الهندية يمكن التعامل معها بشكل منفصل، مما يسمح للمحاكم العلمانية بتركيز اهتمامها على قضايا أخرى.

منذ عام 2018، حاول الحزب القومي الهندوسي هندو ماهاسابها (Hindu Mahasabha) (الذي لا يشغل أي مقعد في البرلمان) إنشاء محاكم دينية هندوسية ، تُعرف باسم محاكم هندوتڤا (Hindutva)، تهدف الى لعب دور مشابه لدار القضاء ، فقط للأغلبية الهندوسية. لم تعترف الحكومة الهندية بأي من هذه المحاكم ، ولا تعتبر أحكامها ملزمة من الناحية القانونية.

قريبا: الديانات في الهند: التسامح والفصل الديني يتسايران يدًا بيد {الجزء الثالث} – المسلمون والهندوس مختلفون بشأن إرث إنفصال باكستان.

مصادر من داخل وخارج النص:
11- https://www.pewresearch.org/religion/2021/06/29/religious-segregation/
12- https://www.hodaalquran.com/books.php?sec=10&s=69a05a0c8bb8d51d5fa2b32547110897&mn=1
13- https://www.pewresearch.org/religion/2021/06/29/diversity-and-pluralism/
14- https://www.pewresearch.org/religion/2021/06/29/religious-freedom-discrimination-and-communal-relations/
15- https://indianexpress.com/article/research/shariat-muslim-personal-law-sharia-history-shayara-bano-shah-bano-triple-talaq-personal-laws-religious-laws-uniform-civil-code-2784081/
16- https://www.helplinelaw.com/real-estate-wills-probate-and-trust/GIPIL/law-on-property-inheritance-in-india.html
17- https://www.helplinelaw.com/real-estate-wills-probate-and-trust/GIPIL/law-on-property-inheritance-in-india.html

المصدر الرئيس:
https://www.pewresearch.org/religion/2021/06/29/religion-in-india-tolerance-and-segregation/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *