الديانات في الهند: التسامح والفصل الديني يتسايران يدًا بيد {الجزء الأول} – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Religion in India: Tolerance and Segregation
(بقلم: نيها سهغال  وجوناثان إيفانز  وأريانا مونيك سالازار كيلسي جو ستار ومانولو كوريشي)
(Neha Sahgal, Jonathan Evans, Ariana Monique Salazar, Kelsey Jo Starr, and Manglo Corichi)
[تقرير مركز بيو (Pew) للأبحاث]

يقول الهنود إنه من المهم احترام جميع أتباع الديانات، لكن أتباع الديانات الرئيسة لا يلاحظون وجود الكثير من المشتركات بينهم ويرغبون في العيش مع أتباع ديانتهم منفصلين عن أتباع ديانات أخرى.

بعد أكثر من 70 عامًا على تحرير الهند من الحكم الاستعماري البريطاني، يعتقد الهنود عمومًا بأن بلادهم قد ارتقت إلى أحد المُثل العليا(1) لما بعد الاستقلال: وهو تكوين مجتمع يستطيع أتباع العديد من الديانات العيش فيه وممارسة طقوسهم العبادية بحرية.

مصدر الصورة: aljazeera.net

سكان الهند الهائل متنوع ومتدين [أتباع ديانات مختلفة]. لا يعيش في الهند معظم الهندوس(2) والجاين(3) والسيخ(4) في العالم فحسب، بل أيضًا تعد الهند موطنًا لواحد من أكبر التجمعات الأسلامية في العالم وكذلك يعتبر الهند موطنًا لملاييين المسيحيين والبوذيين.

استطلاع كبير جديد لمركز بيو (Pew) للأبحاث يتناول الديانات في جميع أنحاء الهند مستند إلى ما يقرب من 30 ألف مقابلة شخصية مع راشدين (20+ سنة) أجريت بـ 17 لغة مختلفة بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 ، وجد أن الأغلبية الساحقة من الهنود من كل هذه الخلفيات الدينية. يقولون إنهم أحرار جدًا في ممارسة معتقداتهم وطقوسهم العبادية.

نسبة السكان الهنود حسب الديانة

أبحاث ذات صلة بالهند

هذا واحد من سلسلة تقارير أصدرها مركز بيو (pew) للأبحاث عن الهند استنادًا إلى مسح  اقتصائي شمل 29999 راشدًا (20+ سنة) هنديًا أُجري في الفترة من 17 نوفمبر 2019 إلى 23 مارس 2020، بالإضافة إلى البيانات الديموغرافية من التعداد الهندي للسكان ومصادر حكومية أخرى. يمكن الرجوع للتقارير الأخرى هنا:

  • كيف ينظر الهنود إلى أدوار الذكور والإناث في الأسرة والمجتمع(5)
  • التكوين الديني للهند(6)
  • نسبة الذكور والإناث في الهند عند الولادة بدآت في أن تكون نسبة طبيعية(7).

يعتبر الهنود التسامح الديني جزءًا أساسيًا من هويتهم كشعب. في جميع الطوائف الدينية الرئيسة في الهند، يقول معظم الناس أنه حتى تكون “هنديًا حقيقيًا” فلا بد أن تحترم جميع الأديان (أتباع الأديان). ويعتبر التسامح قيمة دينية ومدنية: الهنود متحدون في الرأي القائل بأن احترام الأديان الأخرى هو جزء مهم جدًا لا يتجزأ من الانتماء الى أي ديانة فيها.

هذه القيم المشتركة بين الهنود مصحوبة بعدد من المعتقدات العابرة للديانات، لا يعتقد غالبية الهندوس في الهند (77٪) بالكارما(8) فحسب، بل تؤمن بها نسبة مماثلة من المسلمين أيضًا. ثلث المسيحيين في الهند (32٪) – الى جانب 81٪ من الهندوس – يقولون إنهم يؤمنون بقوة بالتطهير لنهر الغانج(9) (Ganges)، وهو اعتقاد محوري في الهندوسية. في شمال الهند ، 12٪ من الهندوس و 10٪ من السيخ ، إلى جانب 37٪ من المسلمين ، يتماهون مع الصوفية(10)، وهو تقليد صوفي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإسلام. والغالبية العظمى من الهنود من جميع الخلفيات الدينية الرئيسة يقولون إن احترام كبار السن أمر مهم جدًا في عقيدتهم.

ومع ذلك، على الرغم من اشتراكهم في قيم ومعتقدات دينية معينة – بالإضافة إلى عيشهم معًا في نفس البلد، بموجب نفس الدستور – لا يعتقد أتباع الديانات الرئيسة في الهند في كثير من الأحيان بأن لديهم الكثير من القواسم المشتركة فيما بينهم. يرى غالبية الهندوس أنفسهم مختلفين تمامًا عن المسلمين (66٪) ، ويعكس معظم المسلمين نفس الشعور قائلين إنهم مختلفون تمامًا عن الهندوس (64٪).

هناك استثناءات قليلة: يقول ثلثا الجاينيّة وحوالي نصف السيخ إن لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع الهندوس. ولكن بشكل عام، ينظر أتباع الديانات الرئيسة في الهند الى أنفسهم علي أنهم مختلفون تمامًا عن الآخرين.

مفهوم الاختلاف هذا ينعكس في التقاليد والعادات التي تبقي على الفصل الديني بين أتباع الديانات في الهند. على سبيل المثال، يعد التزاوج ما بين أتباع الديانات – وكذلك مقتضيات هذا التزاوج من التحول من دين إلى آخر من أحد الزوجين – نادرة للغاية (انظر الفصل الثالث(11)).

يقول العديد من الهنود، من أتباع ديانات مختلفة، إنه من المهم جدًا منع أتباع ديانتهم من الزواج من أتباع ديانة أخرى. ما يقرب من ثلثي الهندوس في الهند يبدون رغبة في منع النساء الهندوسيات من الزواج برجال من ديانات أخرى (67٪) أو منع الرجال الهندوس من الزواج من نساء من ديانات أخرى (65٪).

حتى أن النسبة الكبرى من المسلمين تشعر بنفس الشعور من منع الزواج من غير المسلمين: يقول 80٪ من المسلمين أنه من المهم جدًا منع النساء المسلمات من الزواج من أتباع ديانات أخرى، و 76٪ منهم يقولون أنه من المهم جدًا منع الرجال المسلمين من الزواج بنساء من ديانات أخرى.

علاوة على ذلك، يتمسك الهنود عمومًا بطائفتهم الدينية عندما يتعلق الأمر باختيارهم لأصدقائهم. تقول الأغلبية الساحقة من الهندوس أن معظم أو كل أصدقائهم المقربين هم أيضًا من الهندوس. بالطبع ، يشكل الهندوس غالبية السكان ونتيجة للأعداد الهائلة، ومن المحتمل أن يتفاعل الهندوسي مع مواطنيه الهندوس أكثر من تفاعله مع أتباع ديانات أخرى.

ولكن حتى بين السيخ وبين الجاينيّة، الذين يشكل كل منهما شريحة صغيرة من السكان المحليين ، تقول الغالبية العظمى من أتباع الديانتين إن أصدقاءهم يأتون بشكل رئيس أو كلي من طائفتهم الدينية الصغيرة.

ويذهب عدد قليل من الهنود إلى حد القول إن أحياءهم السكنية يجب أن تقتصر فقط على أتباع  ديانتهم. ومع ذلك، الكثيرون يفضلون عدم مجاورة أتباع ديانات معينة في مناطقهم السكنية أو قراهم.

على سبيل المثال ، الكثير من الهندوس (45٪) يقولون إنهم لا يرغبون في أن يكون لديهم جيران من أتباع جميع الديانات الأخرى – سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم سيخ أم بوذيين أم جاين – لكن نسبة مماثلة من الهندوس (45٪) قالوا إنهم لا يرغبون في مجاورة أتباع واحدة على الأقل من هذه الديانات ، بما في ذلك أكثر من ثلث الهندوس (36٪) لا يرغبون في أن يكون جيرانهم من المسلين. بين الجاينيّة، تقول الغالبية (61٪) منهم إنهم لا يرغبون في أن يكون لهم جيران من واحدة على الأقل من هذه الديانات، حيث أن 54٪ من الجاينيّة ممن لا يقبلون المسلمين جيرانًا لهم، على الرغم من أن جميع الجاينيّة تقريبًا (92٪) قالوا إنهم على استعداد لقبول جار هندوسي.

الهنود، إذن، يعبرون عن حماسهم للتسامح الديني وفي نفس الوقت عن رغبة متسقة للإبقاء على مجتمعاتهم الدينية منفصلة عن بعضها – فهم يعيشون معًا بشكل منفصل. قد يبدو هاذان النوعان من المشاعر متناقضين ، لكنهما ليس كذلك بالنسبة للعديد من الهنود.

في الواقع، الكثيرون من الهنود يتبنون كلا الموقفين، قائلين إنه من المهم أن نكون متسامحين مع الآخرين وأن نعبر عن رغبتنا في تقييد علاقاتنا الشخصية مع أتباع الديانات الأخرى.  الهنود الذين يفضلون المجتمع المنفصل دينياً يؤكدون بأغلبية ساحقة على التسامح الديني كقيمة أساسية.

على سبيل المثال، بين الهندوس الذين يقولون إنه من المهم جدًا منع زواج الهندوسيات من أتباع ديانات أخرى، يقول 82٪ منهم أيضًا أن احترام الأديان الأخرى مهم جدًا لنا بصفتنا هندوسًا. هذه النسبة مطابقة تقريبًا لـ 85٪ ممن يقيِّمون بشدة التسامح الديني بين أولئك الذين لا يهتمون على الإطلاق بمنع الزواج بين أتباع الديانات.

بعبارة أخرى، مفهوم الهنود للتسامح الديني لا ينطوي بالضرورة على الاختلاط بين أتباع الديانات. على الرغم من أن الناس في بعض البلدان قد يطمحون في أن ينصهروا قي “بوتقة واحدة” بهويات دينية مختلفة، يبدو أن العديد من الهنود يفضلون بلدًا شبيهًا بقطعة قماش مرقعة، وذلك في وجود فواصل عازلة بارزة بين أتباع الديانات المختلفة.

قريبا: الديانات في الهند: التسامح والفصل الديني يتسايران يدًا بيد {الجزء الثاني} – أبعاد القومية الهندوسية في الهند.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “المثل الأعلى (ideal) هو مبدأ أو قيمة يسعى الإنسان إلى تحقيقها بصفتها هدفًا من أهدافه، ويمنحها الأولوية على الاهتمامات أو الشؤون الأخرى التي تتميز بقيمة معنوية أدنى. تشمل المصطلحات الأخرى المتعلقة بالإيمان العام بالمثل العليا أمورًا مثل المثالية الأخلاقية ومثالية الآداب والمثالية المبدئية. يصر المثالي، سواءً أكان مثاليًا أخلاقيًا أم مثاليّ الآداب العامة أم مثاليًّا مبدئيًا، على اعتناق مُثلٍ عليا حتى لو كانت تكلفة عواقب الالتزام بهذه المثل كبيرةً”.  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/مثل_أعلى_(أخلاقيات)
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/الهندوسية
3- الجاينيّة أو اليانيّة (كما تُعرف أيضا باسم جاين دارما) هي ديانة هندية قديمة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد ، ويطلق على أتباع هذه الدّيانة اسم (اليانيّون) أو (الجاينيّون) وهي كلمة مشتقّة من الكلمة السنسكرتية (جينا) وتعني المنتصر وتشير إلى طريق النّصر بعد تجاوز تيّار الحياة والانبعاث من جديد من خلال حياةٍ أخلاقيّة وروحيّة.  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/الجاينية
4 “السيخ هم أشخاص مرتبطون بالديانة السيخية، وهي ديانة توحيدية نشأت في القرن الخامس عشر في منطقة البنجاب في شبة القارة الهندية، استنادًا إلى الكشف عن المعلم ناناك. أصل مصطلح «السيخ» في كلمة «سيسيا»، التي تعني «تابع» أو «تلميذ». وفقًا للمادة الأولى من مدونة قواعد السلوك للسيخ، فإن السيخي هو كل إنسان يؤمن مخلصًا بكيان واحد خالد وأحد عشر معلمًا، من المعلم ناناك إلى المعلم غرانث شهاب، وتعاليم المعلمين الستة، المعلم الخامس عشر بهجت، والحادي عشر بهات، والرابع جورسيخ، والمعمودية التي ورثها المعلم العاشر”.  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/سيخ
5- https://www.pewresearch.org/religion/2022/03/02/how-indians-view-gender-roles-in-families-and-society/
6- https://www.pewresearch.org/religion/2021/09/21/religious-composition-of-india/
7- https://www.pewresearch.org/religion/2022/08/23/indias-sex-ratio-at-birth-begins-to-normalize/
8- “كارما (karma) (السنسكرتية) وتعني العمل أو الفعل.  هي مفهوم أخلاقي في المعتقدات الهندوسية والبوذية واليانية والسيخية والطاوية.  ويشير إلى مبدأ السببية حيث النوايا والأفعال الفردية تؤثر في مستقبل الفرد.  حسن النية والعمل الخير يسهم في إيجاد الكارما الجيدة والسعادة في المستقبل، النية السيئة والفعل السيئ يسهم في إيجاد الكارما السيئة والمعاناة في المستقبل.  وترتبط الكارما مع فكرة الولادة الجديدة في الديانات الهندية..” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/كارما
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/نهر_الغانج
10- “الصوفية أو التصوف هو مذهب اسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية هي ليست مذهبًا، وإنما هي احدى مراتب الدين الثلاثة (الإسلام والإيمان والإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الاحسان ومقام التربية والسلوك ومقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/صوفية
11- https://www.pewresearch.org/religion/2021/06/29/religious-segregation/

المصدر الرئيس:
https://www.pewresearch.org/religion/2021/06/29/religion-in-india-tolerance-and-segregation/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *