القوي الأمين – المهندس محمد سعيد الدبوس

في صباح باكر..

كنت أقود سيارتي متوجهاً لعملي بعد أن انتهيت من حمّام ساخن شاعراً بانتعاش قبل خروجي من المنزل..

درجة الحرارة تزيد على الثلاثين بقليل.. إذ لفحني لهيبها فور فتحي لباب المنزل..

وكانت الرطوبة تسلل ببطء لتضيّق أنفاس الصباح في أحد أيام الصيف الحارة..

كان الطريق مزدحماً لا يخلو من مناوشات السائقين التي اعتدنا عليها وباتت روتيناً يومياً يضفي بعض الإثارة لبعض الأيام الرتيبة.. بدأتُ بترديد بعض الأذكار الصباحية ثم تصفحتُ بعض البرامج الصوتية في هاتفي.. قبل أن أهم بتشغيل محرك السيارة.. حتى لفت نظري عنوان جذّاب: “كيف تكون أفضل موظف في العالم”..

مصدر الصورة: baaeed.com

فإليكم ملخص هذا البودكاست بتصرف:
لو سألت نفسك يوماً ما عن صفات الموظف الناجح.. ربما يجيب البعض بأن الموظف الناجح هو موظف ذكي يجيد التحكم في عواطفه ويمكنه إنجاز عمله بدقة.. لم تكن تلك الإجابة دقيقةً وكافيةً بحسب ضيف البرنامج.. ولكنّ القرآن الكريم يجيبنا بقوله تعالى (إنّ خيرَ من استأجرت القوي الأمين)….

فمن هو الموظف القوي؟ ومن هو الموظف الأمين؟.. وهل مقياس القوة يختلف من وظيفة لأخرى؟..

فالملاكم يحتاج إلى القوة الجسدية التي لا يحتاجها المهندس عادة في عمله.. أما المدرس فيحتاج إلى القوة في إيصال المعلومات التي لا يحتاجها موظف قسم المحاسبة في شركة ما.. أما الشق الآخر من صفات أفضل موظف في العالم فيتمحور حول الأمانة.. فلو كنتَ في غرفة ما وسألت جميع من حولك عن مدى أمانتهم لأجابك الجميع بأنهم أمينون.. بل أمينون جداً.. فهل نحن أمينون بالشكل الكافي؟..

لنأخذ مثالاً لمحاضر يلقي دورة تدريبية في إحدى الشركات العالمية.. وفجأة دخل الرئيس التنفيذي للشركة للاستماع للمحاضرة.. فهل سيتغير سلوك المحاضر وسيصبح أكثر حرصاً لإيصال المعلومات؟!.. وهل ستصبح نبرة صوته منمّقةً تتصاعد تارة وتنزل أخرى؟!.. اعتقد بأن جواب معظمكم هو نعم.. فالطبيعة البشرية تميل إلى الحرص على تقديم الأفضل عند مراقبتها من قبل أصحاب المكانة والشأن.. ويغفل الكثير ومنهم -أنا- عن صاحب الشأن الأعظم وهو الله جل جلاله..

يقول أحدهم أنه كلما ألقى محاضرة فإنه يتخيل وجود إحدى الشخصيات المهمة في القاعة فيحرص على بذل الأفضل ويؤدي الأمانة على أكمل وجه.. لن نستطيع الوصول إلى الأمانة المطلقة ولو حرصنا على ذلك.. ولكن لننهج منهاج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فهو الصادق الأمين.. روحي له فداء..

أما الصفة المشتركة بين القوة والأمانة فهي “حس المسؤولية”.. فعندما يطلب منك أحدهم إنجاز مهمة ما.. فهل ستكتفي بإرسال بريد إلكتروني أو إجراء اتصال لإخلاء المسؤولية؟.. فهناك بعض الموظفين يُعرفون بقدرتهم على أداء المهمات بدون توجيهات تفصيلية من مدرائهم.. فالشعور بالمسؤولية هو الاهتمام بتحقيق الهدف لا الحرص على خطوات إنهاء المهمة فحسب..

يكمل المذيع أسئلته وأنا اقترب من مواقف السيارات الخاصة بمقر العمل.. قال المذيع: وما الذي يفعله الموظف المحترف عندما يواجه مشكلة مع رئيسه في العمل؟.. ضحك الضيف وتذكر قصة أحد أصدقائه:
قال لي صديقي عبر (سناب شات) عن مشكلة واجهته في وظيفة.. وهي ترقية زميله الذي يظن بأنه يفوقه علماً وتعليماً إلى مرتبة مشرف.. وأصبح رئيساً للوحدة التي يعملون بها.. قرر ذلك الشاب الاستقالة لهذا السبب.. اعتقاداً منه أنه الأفضل..

فهل هذا هو الحل الصحيح؟..

لو سلمنا جدلاً بأن الرئيس كان أقلّ حظاً -من الناحية العلمية- من هذا الشاب.. فكيف سيتصرف معه؟.. يقول الضيف: يجب على الموظف المحترف أن يحترم قرارات الإدارات العليا ويعرف بأن تعيين المشرفين والإدرايين ليس من اختصاصه -هذا أولاً- .. وأن يتعامل مع رئيسه باحترافية بعيداً عن العواطف.. فلو طرح الرئيس على ذلك الشاب اقتراحاً لم يعجبه فيجب عليه أن يعترض على قراره باحترام وتقديم حلول بديلة مقنعة.. ولو كان الرئيس مصراً على رأيه فسينفذه الشاب حتى مع عدم اقتناعه اقتناعاً تاماً ليحترم صلاحيات رئيسه التي أعطيت إليه بحسب النظام.. كانت هذه أبرز النقاط المستفادة من البرنامج الصوتي.. وصلتُ إلى وجهتي مقرراً كتابة هذه المعلومات للفائدة!

المهندس محمد سعيد الدبوس

 

5 تعليقات

  1. عدنان احمد الحاجي

    فكرة المقال وطريقة مناقشته لطيفة . شكرا لكم على المشاركة

  2. علي ال موسى

    مقال جميل وتميز واضح في الاسلوب كل التوفيق للكاتب الجميل

  3. سعيد الدبوس

    مرحباً بهكذا مقالات هادفة تحمل في طياتها تنبيهات قيمة بعبارات سلسلة ومؤثرة. وفقك الله تعالى ورعاك

  4. مقال جميل وأسلوب جميل ومشوق حيث كنت سأذهب لمشوار بسيارتي ولكن توقفت و لم أتحرك حتى أنهيت المقال مبدع كعادتك وبالتوفيق ان شاء الله

  5. اسلوب جميل في الطرح سلس في ايصال الفكرة و واضح المعالم. نتمنى لك التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *