الذكاء الاصطناعي يقدم “نقلة نوعية” في دراسة ستانفورد لإصابة الدماغ – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

AI offers ‘paradigm shift’ in Stanford study of brain injury
(ANDREW MYERS – بقلم: أندرو ميرز)

ملخص المقالة:

من الأمور الحاسمة لفهم إصابات الدماغ القدرة على نمذجة القوى الميكانيكية التي تضغط وتمدد وتلوي أنسجة المخ وتتسبب في ضرر يتراوح من عابر إلى قاتل. والمشكلة في نمذجة الدماغ – حتى الآن – هي أن الدماغ فائق النعومة وليس نسيجًا متجانسًا في كل جزء من الدماغ، والصدمة غالبًا ما تكون منتشرة، مما يجعل اختبار ونمذجة التأثيرات الجسدية على الدماغ أمرًا صعبًا للغاية. ومن بين أكثر من 4000 احتمال يشرح سلوك الدماغ بشكل أفضل، استغل باحثو جامعة ستانفورد الذكاء الاصطناعي لإنتاج نموذج أكثر دقة بشكل عميق لكيفية ترجمة التشوهات إلى اجهاد في الدماغ، ويعتقدون أن نهجهم يمكن أن يكشف عن فهم أكثر تحديدًا لمتى ولماذا يؤدي الارتجاج أحيانًا إلى تلف دائم في الدماغ، وفي أوقات أخرى لايؤدي لذلك.

( المقالة )

من خلال مساعدة الباحثين على الاختيار من بين آلاف النماذج الحاسوبية المتاحة للإجهاد الميكانيكي على الدماغ، يقدم الذكاء الاصطناعي رؤية جديدة قوية حول إصابات الدماغ الرضخية (الرَّضْخ كسر الرأْس).

من مشبك للشوي إلى ساحة المعركة، انفجرت دراسة إصابات الدماغ الرضخية في السنوات الأخيرة. ومن الأمور الحاسمة لفهم إصابات الدماغ القدرة على نمذجة القوى الميكانيكية التي تضغط وتمدد وتلوي أنسجة المخ وتتسبب في ضرر يتراوح من عابر إلى قاتل.

النماذج التي اكتشفتها الشبكة العصبية الاصطناعية التأسيسية تتفوق في الأداء على النماذج الحالية لأنسجة المخ. (مصدر الصورة: إيلين كول).

والآن يقول الباحثون في جامعة ستانفورد إنهم استغلوا الذكاء الاصطناعي لإنتاج نموذج أكثر دقة بشكل عميق لكيفية ترجمة التشوهات إلى اجهاد في الدماغ، ويعتقدون أن نهجهم يمكن أن يكشف عن فهم أكثر تحديدًا لمتى ولماذا يؤدي الارتجاج أحيانًا إلى تلف دائم في الدماغ، وفي أوقات أخرى لايؤدي لذلك.

“المشكلة في نمذجة الدماغ حتى الآن هي أن الدماغ ليس نسيجًا متجانسًا – إنه ليس متماثلًا في كل جزء من الدماغ”، قالت البروفيسور إيلين كول، أستاذة الهندسة الميكانيكية، ومديرة مختبر “المواد الحية” (Living Matter)، وكبيرة مؤلفي دراسة جديدة ظهرت في مجلة “أكتا بيوماتيراليا”[1]. وتضيف: “ومع ذلك، فإن الصدمة غالبًا ما تكون منتشرة. الدماغ أيضًا فائق النعومة، يشبه إلى حد كبير جل-أو (Jell-O) [2]، مما يجعل اختبار ونمذجة التأثيرات الجسدية على الدماغ أمرًا صعبًا للغاية”.

الذهاب الى المكتبة

يضطر الباحثون الذين يرغبون في دراسة صدمة الدماغ للاختيار من مكتبة تضم عشرات من النماذج المادية – بعضها يعود تاريخه إلى ما يقرب من قرن – للمساعدة في حساب الإجهاد على الدماغ.

وعلى مدى عقود، طور العلماء هذه النماذج للمواد اللينة بأسماء غامضة مثل “نموذج نيو-هوكين (neo-Hooken) للبلاستيك والمطاط”، و “نموذج ديميراي (Demiray) للأنسجة اللينة”، و “نموذج أوغدن (Ogden) للمواد الصلبة الشبيهة بالمطاط”. ولكن النموذج الذي يعمل مع نوع معين من الإجهاد – التوتر أو الانضغاط أو القص[3] – قد لا يعمل مع نوع آخر. أو أن النموذج الذي يعمل في منطقة معينة من الدماغ يمكن أن لا يعمل مع منطقة أخرى.

وباستخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف أي نموذج، يأخذ النهج الجديد مسارًا نموذجيًا للنماذج من بين أكثر من 4000 احتمال يشرح سلوك الدماغ بشكل أفضل. وفي الماضي، كان اختيار أفضل نموذج عملية ناجحة أو مصادفة تعتمد إلى حد كبير على تجربة المستخدم والتفضيل الشخصي.

وتضيف سارة سانت بيير، باحثة الدكتوراه في مختبر البروفيسور كول والمؤلفة المشاركة في البحث: “إننا نخرج اختيار المستخدم من المعادلة من خلال السماح للتعلم الآلي بفحص البيانات وتحديد النموذج الأفضل”. وتتابع: “أتمتة هذه العملية تقلل الحواجز أمام نمذجة الدماغ. الآن، يمكن لكل طالب في جامعة ستانفورد القيام بذلك”. وبمجرد اكتشاف التعلم الآلي للنموذج الأفضل، يصبح من السهل ربطه بالنماذج التي اقترحتها أجيال من الباحثين.

رؤى تحويلية

تم تطوير النهج المعروف باسم الشبكات العصبية الاصطناعية التأسيسية بواسطة الدكتور كيفن لينكا قبل أن ينضم إلى مختبر “المواد الحية” كباحث ما بعد الدكتوراة لتطبيق طريقته على الدماغ.

من بين 4095 نموذجًا ممكنًا، تكتشف الشبكة بشكل مستقل النموذج والمعاميل (المعاميل المتغيرة في التجربة) التي تشرح بشكل أفضل الإجهاد في أنسجة المخ البشري. (مصدر الصورة: سارة سانت بيير).

“نحن نوفر للشبكة جميع النماذج التأسيسية الحالية التي تم تطويرها على مدار القرن الماضي. ويقوم الذكاء الاصطناعي بعملية خلط وتطابق للعثور على الخيار الأفضل”، قال الدكتور لينكا. وأضاف: “من المستحيل القيام بذلك يدويًا. الآن، اكتشفنا بشكل فعال نموذجًا جديدًا يجعلنا أكثر ثقة في دراسة الإجهاد الميكانيكي في الدماغ”.

وعلى عكس الشبكات العصبية التقليدية الجاهزة، توفر الشبكات العصبية الاصطناعية التأسيسية رؤى جديدة في فيزياء الدماغ. فعلى سبيل المثال، لاحظ الفريق أنهم حددوا بدقة معاميل ذات مغزى جسديًا، مثل تغير صلابة القص في أربع مناطق مختلفة من الدماغ – القشرة[4]، والعقد القاعدية[5]، والإكليل المشع[6]، والجسم الثفني[7] – بدقة 1.82 ، 0.88 ، 0.94 ، و 0.54 كيلوباسكال لكل واحدة من المناطق [باسكال = 0.00014504 رطل لكل بوصة مربعة].

ويربط معامل القص القوة الناتجة عن الضربة على الرأس، على سبيل المثال، بالتشوه الناتج في أنسجة المخ. ومن خلال هذه القياسات، تكون القشرة – الطبقة الرمادية الخارجية للدماغ – أكثر صلابة بثلاث مرات من الجسم الثفني، وهو شبكة من الأعصاب التي تربط نصفي الدماغ.

ومع هذه المعرفة المحسنة، يمكن للباحثين في إصابات الدماغ محاكاة وفهم مكان نشوء صدمة الدماغ بشكل أكثر دقة. وقد يكون هذا مصدر إلهام لتصميم معدات الحماية الجديدة أو العلاجات التي تعزز الشفاء. ولترجمة هذه المعرفة إلى ممارسة هندسية، تعاونت مجموعة البروفيسور كول مع شركة برمجيات محاكاة كبرى، داسو سيستيميز سيموليا (Dassault Systemès Simulia)، لدمج اكتشاف النموذج الآلي مباشرةً في سير عمل التحليل الخاص بهم.

وقالت البروفيسور كول: “إن الأمر الأكثر إثارة حقًا في هذا البحث هو أن الشبكات العصبية الاصطناعية التأسيسية يمكن أن تحدث نقلة نوعية في نمذجة الأنسجة الرخوة، من اختيار النموذج المحدد من قبل المستخدم إلى اكتشاف النموذج الآلي. وهذا يمكن أن يغير إلى الأبد كيفية محاكاة المواد والهياكل”.

جدير بالذكر أن هذا البحث قد تم دعمه من قبل زمالة خدمة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD)، وزمالة أبحاث الخريجين من مؤسسة العلوم الوطنية، وصندوق أبحاث ومساعدة كوفيد – 19 التابع لكلية الهندسة بجامعة ستانفورد، ومنحة ستانفورد بايو-اكس آي آي بي (Stanford Bio-X IIP) الأولية.

*تمت الترجمة بتصرف

المصدر:

AI offers ‘paradigm shift’ in study of brain injury | Stanford News

الهوامش:

[1] مجلة “أكتا بيوماتيراليا” (Acta Biomaterialia) هي مجلة دولية تنشر تقارير بحثية أصلية تمت مراجعتها من قبل النظراء، وتراجع أوراق وتبادل معلومات في مجال علم المواد الحيوية المحدد على نطاق واسع. ينصب تركيز المجلة على العلاقة بين هيكل المادة الحيوية والوظيفة على جميع المقاييس.

[2] علامة تجارية أمريكية مسجلة لشركة كرافت هينز تقدم مجموعة متنوعة من حلوى الجيلاتين المجفف (الهلام / الهلام بنكهة الفواكه) والحلوى وخلطات فطيرة الكريمة غير المخبوزة.

[3] القص (shear): إجهاد في بنية مادة ينتج عن طريق الضغط، عندما يتم إزاحة طبقاتها بشكل جانبي بالنسبة لبعضها البعض.

[4] القشرة الدماغية (cerebral cortex)، والمعروفة أيضًا باسم الوشاح الدماغي (cerebral mantle)، هي الطبقة الخارجية من النسيج العصبي لمخ الدماغ لدى البشر والثدييات الأخرى. تتكون القشرة المخية في الغالب من ست طبقات من القشرة المخية الحديثة، مع 10٪ فقط تتكون من القشرة المخية المخصصة. يتم فصلها إلى قشرتين، عن طريق الشق الطولي الذي يقسم المخ إلى نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر. يتم ربط نصفي الكرة المخية تحت القشرة بواسطة الجسم الثفني. القشرة الدماغية هي أكبر موقع للتكامل العصبي في الجهاز العصبي المركزي. يلعب دورًا رئيسيًا في الانتباه والإدراك والوعي والفكر والذاكرة واللغة والوعي. القشرة الدماغية هي جزء من الدماغ المسؤول عن الإدراك.  ويكيبيديا

[5] العقد القاعدية للدماغ (Basal Ganglia) هي مجموعات من الخَلايا العصبيّة التي تتواجد في أعماق القِشرة الدّماغيّة (تُسمّى النّوى)؛ أي في أعماق الطبقة الخارجية المتعرجة من الدّماغ، وتُعد العقد القاعدية للدّماغ أحد مكونات السلاسل العصبية التي تتحكم في النشاط الحركي الإرادي مثل الرّعشة أو الرّجفة. وعلى الرغم من عدم تحديد وفهم جميع الوظائف التي تقوم بها العقد القاعدية للدّماغ، إلّا أنه يُمكن تلخيص أبرز الوظائف التي تقوم بها العقد القاعدية للدّماغ إلى ما يأتي: تخطيط وتنظيم وتعديل مسارات الحركة، نظام المكافأة في الدماغ والتحفيز، صنع القرارات، وحركة العين. المصدر: ما هي العقد القاعدية للدماغ – موضوع صحة الإنسان (mawdoo3.com)

[6] في علم التشريح العصبي، الإكليل المشع  (Corona Radiata)عبارة عن صفيحة مادة بيضاء تستمر بشكل متدني مثل الكبسولة الداخلية وتتفوق على الوسط شبه الحجري. تحمل هذه الصفيحة من المحاور الصاعدة والهابطة معظم الحركة العصبية من وإلى القشرة الدماغية. ترتبط الهالة المشعة بالقناة القشرية، والمسالك القشرية، والجهاز القشري النخاعي.  ويكيبيديا
[7] ترتبط نِصفَا الكرة المخيَّة الأيمن والأيسر معاً بواسطة حزمة من الألياف تسمى الجسم الثفني (Corpus Callosum) الذي يعمل على نقل الرسائل من جانب إلى آخر، ويتحكم كل نصف من الكرة المخيَّة في الجانب الآخر المعاكس من الجسم، فإذا حدثت سكتة دماغية على الجانب الأيمن من الدماغ، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف أو شلل في الذراع أو الساق اليسرى. المصدر: أجزاء الدماغ ووظيفة كل جزء – موضوع (mawdoo3.com)

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *