العلوم التي وراء كل ركلة في مباريات كأس العالم – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

The layers of science behind every World Cup kick
(بقلم: نوح هاجغرتي وآخرون –  Noah Haggerty)

بدايات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 كانت مليئة بلحظات درامية، بما فيها الانتصارات المبهرة التي حققتها المملكة العربية السعودية واليابان وهما مما لم يتوقع انتصارهما.  في الوقت الحاضر، حيث الأنظار توجهت إلى الـ 16 فريقًا تقدم إلى مرحلة خروج المغلوب من البطولة، فإن لكل ركلة ولكل هدف قدرة على منع أي من هذه الدول تحقيق ما تنال به الإشادة الدولية بفوزها بالكأس.

كل ركلة مليئة بأنواع مختلفة من العلوم – من فيزياء المسارات التي تأخذها الكرة بعد ركلها ، إلى علم الأعصاب وراء اكتساب مهارات التحكم في الكرة وركلها ، إلى علم النفس الرياضي(1) لوضع الخطط الضرورية لتدريب اللاعب وتمرينه على تبني سلوك رياضي مطلوب في الملاعب.

الفكرة الأساسية لكرة القدم تتعارض مع ملايين السنين من ظاهرة النشوء والتطور. من الناحية التطورية، كانت لحظة وقوف أسلافنا على قدمين لحظةً حاسمةً من مراحل التطور البشري.  حينها اصبحت أيديهم حرة للقيام بمهام أخرى تتجاوز الوقوف والحركة والتنقل.  مما سمح لهم بتطوير قائمة غنية بالمهارات اليدوية، بما فيها الصيد واستخدام الأدوات والسيطرة على الحرائق وممارسة الرياضات الحديثة، مثل كرة القدم الأمريكية والهوكي وكرة السلة والتنس – إلّا أن كرة القدم ليست من ضمنها، حيث أن كرة القدم تنطوي على استخدام القدمين ليس فقط في الحركات المرتبطة بالجهاز الحركي لـ اللَّاعب ولكن بالتحديد في تلاعبه بالكرة.

“أن يكون لدينا الآن لعبة تُستبعد فيها الأيادي والأذرع من لمس الكرة ، فإن كل شيء يبدو مقلوبًا رأساً على عقب” ، كما قالت داغمارستيرناد (Dagmar Sternad)، برفسورة علم الأحياء في جامعة نورث إيسترن ومدير مختبر أكشن: “فلعب كرة القدم ينطوي على مهارات يستخدم فيها انسان هذا العصر أقدامه بشكل لا واعي”.

يكتسب لاعبو كرة القدم كل مهارة من مجموعة مهارات القدم طوال سنوات من التدريب والممارسة.  بنفس الطريقة التي يتعلم بها الطفل كيف يكتب الحروف الأبجدية، يتعلم لاعبو كرة القدم كيف يركلون الكرة بطريقة متقنة.  الباحثون في علم الأعصاب الحركية، الذين يدرسون كيف يتحكم الدماغ في الحركة، يهدفون الى معرفة كيف تُكتسب مهارة بعينها: المفهوم البسيط هو أن كل سلوك (فعل) حسي حركي يصبح بطريقة ما سلوكًا مترسخًا ضمن الشبكة العصبية في الدماغ [أي يصبح ضمن العقل الباطن ويمارسه المرء تلقائيًا].  لكن الباحثين في هذا المجال لا يزالون في حيرة من أمرهم بشأن كيفية ملاءمة هذه المهارة وتعميمها لتصبح فاعلة يمكن استخدامها في سياقات مختلفة.

على سبيل المثال، قام ماريو باساليتش من كرواتيا بركل كرة ثابتة في مرمى حارس مرمى اليابان في أول جولة من ركلات الترجيح في البطولة، محطماً آمال اليابانين التي عقدوا عليه أحلامهم بالفوز بكأس العالم، وذلك من خلال تطبيق حركات ركلات الجزاء التي تم تدريب هذا اللاعب عليها بشكل مكثف من دون أي إزعاج من اللاعبين الآخرين.  ولكن في محاولات التهديف الديناميكية ضمن زمن الشوط، يتعين على باساليتش تعديل مهارته في الركل في مواجهة لاعبي الفريق الخصم، وتكييفها لتسديد المزيد من الركلات إلى جهة اليسار أو اليمين، أو حتى لحرف منحنى مسار الكرة ليسجل منها هدفًا في مرمى الخصم.

تأثير ماغنوس (Magnus effect)

يطلق على هذه الظاهرة [تأثير ماغنوس Magnus effect(2، 3)] وهي إضافة دوران (دوامة) للكرة لحرفها عن منحنى مسارها. عندما تدور الكرة [تكون في دوامة] أثناء مسارها في الهواء، فإنها تحرك تيار الهواء على جانبها الذي يدور في اتجاه تدفق الهواء. الجانب الآخر للكرة يعمل على إبطاء تيار الهواء وهي تدور عكس تدفق الهواء.  ينص مبدأ برنولي(4) على أن تيار الهواء الذي يتحرك بشكل أسرع يصبح ضغطه أقل من تيار الهواء الذي يتحرك بشكل أبطأ. {اشتق دانيال برنولي هذا من مبدأ الحفاظ على الطاقة: كلما زادت الطاقة الحركية (kinetic energy) في الحركة، قل مستوى الضغط}. هذا يعني أن جانب الكرة الذي يمر عليه تيار الهواء الأسرع يتعرض لضغط أقل من الضغط الذي يتعرض له جانب الكرة الذي يمر عليه تيار الهواء الأبطأ سرعةً.

وبالتالي، جانب الكرة المتعرض للضغط العالي يدفع الكرة نحو جانب الكرة المتعرض للضغط المنخفض، مما يتسبب في إنحناء مسار الكرة.

مبدأ برنولي

إنه نفس السبب الذي وراء طيران الطائرة، مع وجود تيار هواء يتحرك بشكل أسرع فوق الجناح وتيار هواء يتحرك بشكل أبطأ تحته، وهذا يُحدث ضغطًا عالٍ أسفل الجناح ويدفع بجسم الطائرة إلى الأعلى. وهو أيضًا نفس السبب الذي تحطم به سرعات تيارات الهواء العالية للأعاصير نوافذ البيوت، كما قال برفسور الفيزياء في جامعة نورث إيسترن أرون بانسيل (Arun Bansil).

قال بانسيل: “يمكنك تسميته رافعة هواء ، كما يمكنك تسميته تأثير ماغنوس، حيث مباديء الفيزياء الأساسية الفاعلة في الحالتين هي نفسها تمامًا”.  “ما إذا كان الاختلاف في السرعة في تيار الهواء ناتجًا عن دوران الجسم، أو عن شكل الجسم ، كما هو الحال في الطائرة ، أو ببساطة عن تيار هواء الإعصار الذي يهب بسرعة خارج النافذة”.

يستفيد اللاعبون من تأثير ماغنوس في كل الاتجاهات. ضرب الكرة بحيث يكون اتجاه دورانها إلى الأمام أثناء حركتها في الهواء  [مايُعرف بـ topspin] مما يجعلها تتجه سقوطًا  إلى الأرض، ولكن بضربها بحيث يكون اتجاه دورانها في الهواء بالعكس، مما يؤثر في مسارها ويدفعها إلى الأعلى [ما يعرف بـ backspin]، وبضرب الكرة بحيث يجعلها تدور حول محورها [sidespin] على شكل الدوامة، مثلًا في اتجاه عقارب الساعة. كلما زادت سنوات تدريب اللاعب، كلما أصبحت مهارات الركل المعقدة هذه ملكة لديه، ولذا تتحرر مساحة ذهنية عنده [بعد أن تصبح الركلة في لا وعي اللاعب] يمكن أن تُوظف لاتخاذ قرارات تكتيكية في الملعب، والتكيف مع الظروف المخففة التي يتمتع بها الذهن حينئذ، وفرصة لتقييم المخاطر للتقليل من فرص الإصابة في الملعب.

كلما طالت فترة احتراف اللاعب في كرة القدم ،كلما ركز على تقليل احتمال الإصابة أثناء اللعب، وذلك لإطالة مدة احترافه الى الحد الممكن.  بخلاف القرارات التي يؤخرها الشخص إلى آخر لحظة ويجد نفسه مجبرًا علي اتخاذها، هذا النهج الصحي الواعي ينطوي على ممارسات غذائية صارمة مدعومة علميًا (بما في ذلك العادة الغريبة لبصق اللاعب ما تمضمض به من ماء)، وجداول نوم منظمة وثابتة، وأنظمة لياقة بدنية فردية مع مدربين شخصيين.  التركيز على الحد من احتمالات الإصابة يتطلب تركيزًا ذهنيًا كاملًا، ومستمرًا بلا انقطاع بسبب الضغوط النفسية التي تفرضها مباراة مهمة، كما هو الحال في  مباريات كأس العالم.

“لو أصبح لاعبو فريق متوترين نفسيًا بشكل بالغ لأنهم يلعبون ضد إنجلترا أو ألمانيا ، فهناك افراز هرمون الأدرينالين الزائد الذي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي أو نوعًا ما غير إيجابي وذلك بناءًا على نسبة تركيزه” ، كما قال ستيرناد. “هذا أيضًا يمكن أن يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة لأن قراراتهم لا تسترشد كثيرًا بما تدربوا عليه ومارسوه ولكن بالآخر ىما تفرضه عليهم تلك اللحظة الخاصة من ظروف”.

لكن لا يُعد الأدرينالين عائقًا على الأرجح أمام لاعبي كأس العالم، وفقًا لفرضية ستيرناد وصلاح بزي، الباحث في معهد الروبوتات التجريبية ومختبر أكشن. كل هؤلاء اللاعبين “يتبعون التعليمات جيدًا” وقادرون على تطبيق ما تعلموه في ساحات التدريب عندما يكونون على المحك في وسط الملاعب المقامة عليها مبارايات كأس العالم.

“أعتقد أنه مع استمرار البطولة في التقدم نحو مراحلها النهائية، فإن ما يفصل بيت النجوم الدوليين البارزين (superstars) عن النجوم الأقل قدرةً (stars) هم أولئك الذين يرتقون إلى مستوى الحدث.  الذين يستطيعون تسجيل الهدف الحاسم في تلك اللحظات المهمة.  “ولاينخفض أداؤهم تحت ضغط الظروف” ، كما قال بزي.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_النفس_الرياضي
2- “ظاهرة تأثير ماغنوس (Magnus effect) هي ظاهرة فيزيائية اكتشفها عالم الفيزياءالألماني غوستاف ماغنوس في عام 1852، وهي تفسر حركة انحراف كرة القدم بصورة قوسية، أو انحراف كرة التنس عندما تُضرب بصورة لتدور بصورة خلفية، والكثير من التطبيقات، منها الأسطوانات الدوارة الموجودة في بعض السفن والتي تعطي دفعًا إضافيًا لرفَّاص السفينة، وأيضاً الأسطوانات الدوارة الموجودة في بعض طائرات الأبحاث التي تطير اعتماداً على دوران هذه الأسطوانات بشكل خلفي معاكس” ، مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تأثير_ماغنوس
3- ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﺎﻏﻨﻮﺱ (Magnus effect) يؤثر فيأﻱ ﻛﺮﺓ ﺃﻭ أﺳﻄﻮﺍﻧﺔ ﺗﺪﻭﺭ أثناء حركتها ﻓﻲﺍﻟﻬﻮﺍﺀ.  وتحصل ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ لأنّ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻋﻠﻰﺍﻟﺠﺎﻧﺐ الأماميّ ﻟﻠﻜﺮﺓ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اتجاه الدوران، ﻟﺬﻟﻚ ﻳُﺳﺤﺐ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﻭﻳﻨﺠﺮﻑ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺨﻠﻒ.  ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻓﻲ الجانب الآﺧﺮ بعكس ﺍﺗﺠﺎﻩ الدوران فستنفصل تيارات الهواء مبتعدةً عن الكرة ولا تدور معها.  وبعبارةٍ أخرى، تدفع  ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻓﻲ إتجاه الخلف فيلتف الهواء على سطحها في الإتجاه المعاكس ويدفعها للأمام، على عكس الكرة العادية (بدون دوران) حيث يكون الهواء متوازناً على جانبيها وبالتالي ليس هناك دفعٌ للأمام لذلك تسقط مباشرة” ، مقتبس من نص ورد على هذاالعنوان: https://www.ibelieveinsci.com/الفيزياء-وكرة-السلّة-تأثير-ماغنوس/
4- “في تدفق الموائع، مبدأ برينولي ينص على أن ضغط  المائع يقل عندما تزيد سرعته.  وهو تعبير عن بقاء (حفظ) الطاقة في علم حركة الموائع، وينص على أن ضغط المائع يرتفع كلما انخفضت سرعته، وبالعكس ينخفض الضغط كلما ازدادت السرعة.  وقد طوّر عالم الرياضيات السويسري دانيال بيرنولي هذا القانون في القرن الثامن عشر الميلادي” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/مبدأ_برنولي
5-  https://en.wikipedia.org/wiki/Topspin

المصدر الرئيس:
https://cos.northeastern.edu/news/the-layers-of-science-behind-every-world-cup-kick/

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *