هل تعمل قبل أن تفكر أو تفكر قبل أن تعمل؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

?Do you act before you think or think before you act
(بقلم: إقبال بيتالوالا – Iqbal Pittalwala)

هل ستقرأ هذا التقرير الآن أم ستقرأه لاحقًا؟

قد يفسر ما ستفعله مفهومُ يُعرف بـ “التسرع (الاستعجال) في انجاز المهام Precrastination”

وهذه الظاهرة تتعلق بالنزعة إلى بذل جهد إضافي لإنجاز عمل ما في أسرع وقت ممكن ، [المترجم: وهذه الظاهرة هي أيضًا عكس التسويف وغالبًا ما تكون عن اندفاعية ولا تخلو من ارتكاب أخطاء وتأتي على حساب جودة وإتقان العمل]. 

ربما نكون جميعًا قد تسرعنا واندفعنا لإنجاز مهامنا في الحال بأسرع وقت ممكن، حتى لو كان ذلك يعني بذل المزيد من العمل والجهد.  السؤال المتعلق بظاهرة الاستعجال / التسرع الذي لا زال عالقًا ولم يجد حلًا بعد هو: هل نتعجل إنجاز الأشياء لأننا نريد ببساطة أن نبادر الى العمل عليها وننجزها بأسرع وقت ممكن والإهتمام بعملية اتخاذ قرار العمل عليها لاحقًا [بعد انجازها]، أو هل نريد أن ننتهي من عملية اتخاذ قرار العمل عليها والانتهاء منه [قبل المبادرة إلى العمل]، لذلك لا نحتاج أن نقلق بشأنه لاحقًا؟

قد تكون لدى فريق من باحثي علم النفس في جامعة كاليفورنيا، في مدينة ريفرسايد، إجابة على ذلك: لو أُعطينا خيارًا، فسنختار الخيار الثاني [اتخاذ القرار قبل المبادرة الى العمل] لأننا نريد أن تكون أذهاننا صافية (غير مشغولة بالتفكير فيه).

بقيادة ديفيد روزنباوم (David A. Rosenbaum) ، برفسور علم النفس المتميز ، صمم الباحثون مهمة تجريبية تقيس فترات الاستجابة الزمنية(1) عندما يختار المشاركون بين الخيارين: المبادرة الى العمل مباشرة، لا لشيء ولكن  فقط من أجل العمل نفسه أو بتصفية الذهن باتخاذ قرار مبكرًا بما ينبغي فعله (قبل الاقدام على العمل).

طُلب من طلاب في جامعة كاليفورنبا في مدينة ريفرسايد (UCR) ممن شاركوا في التجارب باتخاذ قرار إما بـ نعم أو بـ لا في مهمة كلفوا بها تضمنت قائمة من أرقام عرضت عليهم.  ثم طُلب منهم اتخاذ قرارات بـ نعم أو بـ لا مرة أخرى في حال غيروا آراءهم.  وجد الباحثون أن الفترات الزمنية التي استغرقها المشارك للإجابة الأولى كانت أطول من الفترة الزمنية للإجابة الثانية.  بمعنى آخر، يفضل الناس التفكير قبل أن يباشروا الفعل لا أن يباشروا  الفعل قبل أن يفكروا.

التجارب التي أجراها باحثو علم النفس في جامعة كاليفورنيا في مدينة ريفرسايد –  تبين أي خيار من هذين الخيارين يحكم حياتنا اليومية

“في التجارب التي أجرياناها، استغرق المشاركون وقتًا أطول للإجابة الأولى من الوقت الذي استغرقوه للإجابة الثانية ونادرًا ما غيروا آراءهم، حتى عندما أكدنا على دقة الاجابة الثانية” ، كما قال روزنباوم (Rosenbaum). “قادتنا هذه النتائج إلى الاستنتاج بأن المشاركين في تجربتنا يريدون اتخاذ قرار بعد التأمل والتفكير في أقرب وقت ممكن لا أن يباشروا العمل في الحال ومن ثم يفكرون أو يعيدون النظر فيه قبل أن يباشروه. قد يدل هذا على أنه على الرغم من أن الناس يتخذون قرارات باندفاعية [باستعجال] كما يبدو، إلا أنهم قد يكونون في الواقع ميالين للحد من هكذا قرارات وكبحها”. نتائج هذه الدراسة نشرت في مجلة علم النفس التجريبي: العامة(2).

تجارب مخبرية

في ثلاث تجارب منفصلة، طلب الباحثون من المشاركين اتخاذ قرار بعد مشاهدة قوائم من عدة أرقام – مثلًا، هل هذه الأرقام أرقام تصاعدية أم أرقام تنازلية، أو هل هناك أي أرقام مكررة؟ أعطى المشاركون إجابتهم الأولى، ومن ثم عليهم أن يعطوا اجابتهم الثانية على الفور إما بنفس الإجابة الأولى أو بإجابة مختلفة.  قام الباحثون بتسجيل الفترة الزمنية التي استغرقها المشاركون لإعطاء الاجابة الأولى والثانية ثم قام الفريق من التحقق من دقة الإجابات.

“الشيء الفريد من نوعه في دراستنا هو أننا طلبنا من المشاركين اتخاذ نفس القرار مرتين” ، كما قال المؤلف المشارك هانتر ستورغيل (Hunter B. Sturgill) ، طالب الدراسات العليا في مختبر روزنباوم.  “دراسة في مختبر آخر طلب من المشاركين في التجربة اتخاذ قرار واحد (اجابة واحدة) فقط.  لكن، في حالة تجربتنا، كان على المشاركين تسليم إجابتين، مما يعني أنه يتعين عليهم الاجابة بسرعة ثم التأمل / التفكير قبل الإجابة الثانية في حال رغبوا في تغيير رأيهم.  أثبتت تجاربنا أنه حتى في فترة زمنية قصيرة جدًا من ثوانٍ معدودة فقط، يختار الناس التفكير قبل اتخاذ قرار مبكرًا لتصفية أذهانهم (وتفريغها من الانشغال بالتفكير) والتفرغ لأعمال أخرى”.

المؤلف المشارك إيمان فقهي (Iman Feghhi)، وهو طالب دراسات عليا سابق في مختبر روزنباوم والآن أستاذ مساعد في قسم علم النفس في كلية واغنر (Wagner) في نيويورك ، ضرب مثالًا واقعيًا لتوضيح النتائج التي توصل لها فريق البحث وقال: “لو فكرت في شراء مخروط بوظة، فمن المفروض أن لا تمر بهذا النوع من ندم المشتري(3) الذي يمكن أن تتعرض له لو اشتريت البوظة باستعجال [بلا تفكير]”.  “ما أثبته بحثنا هو أن لدينا دليلًا جديدًا تمامًا يبين ببراعة وفي وقت قصير وبشكل ملحوظ، أن الرغبة في تفريغ الذهن وتصفيته تعتبر رغبة أساسية لدى الناس، لم نكن نعرف عنها قبل ذلك”.

ضرب ستروغيل (Sturgill) أيضًا مثالاً على التسرع / الاستعجال من الحياة اليومية والذي يدعم النتائج التي توصل إليها الفريق: تنظيف الشخص سيارته بنفسه.

“عليك تنظيف سيارتك من الخارج، وإخراج القمامة من داخل السيارة”، قال ستورغيل. “سيأخذ الناس وقتًا إضافيًا في البداية لوضع خطة لبدء العمل. وسيسأل الواحد منهم، “هل علي أن أبدأ بتنظيف الجزء العلوي من السيارة، أم أنظف العجلات أولاً؟” ولذا يستغرق وقتًا في البداية في تحديد أي من هذه الأشياء عليه أن يقوم بها أولًا قبل أن يأخذ صابون وسطل ماء ليبدأ بتنظيف السيارة”.

اكتشاف قبل ثماني سنوات

اكتشف مختبر روزنباوم ظاهرة “التعجل / التسرع (Precrastination)” في عام 2014 وصاغ المصطلح(4). “التسرع منتشر على نطاق واسع بين الناس” ، بحسب روزنباوم.  “عندما ترد على رسائل بريدك الإلكتروني في الحال، وعندما ترسل ورقة بحثية قبل أن تنقحها وتصحح الأخطاء الواردة فيها، فأنت بذلك متعجل / متسرع ومندفع.  لكن لماذا نستعجل؟ ما الداعي إلى العجلة؟ إذا كانت هناك موارد شحيحة، فمن الحكمة أن نبدأ بالمهمة السهلة والتي يمكن انجازها بسهولة وسرعة، ولكن في حالات أخرى، للعجلة / التسرع سبب آخر ليس واضحًا.

التسرع هو الميل إلى بذل جهد إضافي لإنجاز المهام في أسرع وقت ممكن.

“لقد أثبتت العديد من المختبرات أن عددًا قليلاً جدًا من الناس هم من المتسرعين المتأصلين [عادتهم التسرع والعجلة]”. “كثير من الناس يريدون ببساطة إنجاز المهام ولذلك يستعجلون بمباشرة العمل على انجازها.  ودلالة ذلك هو أنك كشخص “شخصٌ متسرع”.  ولذا تباشر العمل لا لشيء بل للعمل بحد ذاته.  في بعض الحالات، يمكن أن يكون لذلك تبعات وخيمة.  على سبيل المثال، التسرع في إدانة أشخاص في قضايا المحاكم قبل تقديم / استلام كل الأدلة والاستماع اليها، وذلك لأن المستعجل يريد أن ينتهي من القضية ولا يبقى مشغول ذهنه بها.  أو ما هو حتى أخطر من ذلك هو الذهاب إلى حرب لا لشيء وإنم فقط حتى يظهر القائد قويًا ويُنظر إليه على أنه تصرف واتخذ قرارًا حاسمًا بإنجاز المهمة”.

قال روزنباوم إن للتسرع دروس مهمة يمكن الاستفادة منها فيما يتعلق بجائحة كوفيد-19.

وقال “ينبغي ألا نتسرع ونفترض أن الجائحة قد انتهت”.  “ولكننا نريد فقط أن ننتهي منها ولا نشتغل بالتفكير فيها ولذلك نتسرع في افتراض أن الجائحة قد انتهت، وبنزعنا الكمامات مبكرًا جدًا، فقد دفعنا بذلك ثمناً باهظاً بالفعل”.

وأوضح الدكتور فقي أن التسرع له تبعات واسعة النطاق من التأثير في كثير من الأشياء والتأثر بها(5) وقد حظيت هذه الظاهرة باهتمام كبير لأن معظم أنشطتنا يقررها إما التسرع والاستعجال أو التسويف والمماطلة.

“على سبيل المثال، لو رددت على رسائل بريدك الإلكتروني أو دفعت فواتيرك أو اشتريت أغراضًا من البقالة، فمن المحتمل أن تكون قد عملت تلك المهام بتسرع” ، كما قال فقي.  “فهمنا لمبادئ التسرع / الاستعجال يساعدنا على فهم كيف نتخذ قراراتنا في الحياة اليومية بشكل أفضل”.

للمضي قدما والتقدم في دراسة هذه الظاهرة

أوضح روزنباوم أن هناك اختلافات فردية من حيث المدى الذي يغير فيه الناس آراءهم.  “في فترة الاستجابة الزمنية(1)، معظم الناس يفكرون لفترة طويلة نسبيًا، قبل أن يقوموا بأول استجابة، ثم يقومون بالاستجابة الثانية بعد جزء من الثانية”.  لكن قليلًا من الناس يستجيبون سريعًا جدًا ثم يغيرون آراءهم.  لذلك يمكن أن تكون السرعة النسبية في الاستجابات واردة بسبب اختلافات سمات الشخصية بين هؤلاء – أو ربما ببساطة لأنهم شربوا كمية كبيرة من القهوة [المترجم: الكمية الكبيرة من القهوة غير منزوعة الكافين هي شرب أكثر من أربعة أكواب منها، أو ما يعادل ما حجمه نصف ليتر يوميًا]! بغض النظر، فإننا ننصح بعدم توظيف هؤلاء الأشخاص المعينين للعمل في الصوامع النووية أو إجراء عمليات جراحة دماغ”.

بعد ذلك، سيعمل الفريق على مهام تهدف إلى فهم مدى ارتباط الاستعجال بالسمات الشخصية والاختلافات الفردية.

“نود أن نعرف عن السمات الشخصية للذين يتصرفون باندفاعية” ، كما يقول روزنباوم. “ما نوع شخصيتهم؟ وما هي خصائص تلك الشخصيات؟” كما قال روزنباوم.

عنوان الورقة البحثية المنشورة: “فكر قبل أن تفعل، أو افعل ثم فكر؟ فترات الاستجابة الزمنية، المزدوجة تسلط الضوء على ديناميكيات القرار في عملية الاستعجال / التسرع”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “رد الفعل هو استجابة ارادية هادفة لمنبه خارجي.  هناك فترة زمنية معينة بين الادراك الحسي للمنبه الخارجي والاستجابة الحركية المناسبة له تسمى فترة الاسنجابة الزمنية.  تُعرَّف على أنها الفاصل الزمني بين الادراك الحسي للمنبه والاستجابة الإرادية المناسبة له.  عادة تكون بفترة زمنية يعبر عنها بالمللي ثانية. وتعكس سرعة تدفق العمليات الفيزيولوجية العصبية والمعرفية والمعلومات التي تُستحدث من خلال تأثير المنبه في الجهاز الحسي للشخص.  استلام المعلومات (المرئية أو المسموعة) ومعالجتها واتخاذ القرار والاستجابة لها أو تنفيذ الفعل الحركي هي سلسلة من عمليات تتبع بعضها بعضًا وتمثل ما نسميه فترة الاستجابة الزمنية.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.brainlatam.com/blog/stimulus-presentation-825
2- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037%2Fxge0001253
3- “ندم المشتري هو الشعور بالندم بعد الشراء مباشرة.  غالبًا ما يرتبط بشراء سلعة باهظة الثمن، كسيارة أو عقار. يعتقد أن هذا الندم منبثق من التنافر المعرفي.، كما في عملية استثمارية كبيرة بين بديلين جذابين ومتشابهين” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://en.wikipedia.org/wiki/Buyer%27s_remorse
4- https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/0956797614532657
5- https://www.psychologicalscience.org/observer/now-is-not-the-time-for-precrastination

المصدر الرئيس:
https://news.ucr.edu/articles/2022/10/05/do-you-act-you-think-or-think-you-act

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *