تعرف باحثون على منطقة دماغية ودارات تتحكم في الإنتباه – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Scientists identify specific brain region and circuits controlling attention
(بقلم: ديفيد أورينشتاين – David Orenstein)
معهد بيكور للتعلم والذاكرة – Institute for Learning and Memory

عصبونات الموضع الأزرق هي المسؤلة بنحو سببي عن التحكم الانتباهي، وهو القدرة على تركيز الانتباه وكبح جماح الاندفاعية في السعي لتحقيق الهدف، المصدر: مختبر برفسور تونغاوا

التحكم الإنتباهي (1) الذي تحتاجه الكائنات الحية لتنجح في تحقيق أهدافها يأتي من قدرتين: التركيز على تجاهل تشتت الانتباه (2) والانضباط لكبح النزوات / الإندفاعات (3). أثبتت دراسة جديدة أجراها باحثو أعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن هذه القدرات مستقلة عن بعضها، لكن نشاط الخلايا العصبية المنتجة للنوربينفرين في منطقة دماغية واحدة ، والتي تعرف بالموضع الأزرق (locus coeruleus) (وتختصر ب LC، انظر 4)، تتحكم في كلتا القدرتين باستهداف منطقتين متميزتين من قشرة الفص الجبهي.

“تثبت نتائجنا دورًا سببيًا أساسيًا لتنشيط عصبونات الموضع الأزرق (LC) في تنفيذ التحكم الإنتباهي من خلال التعديل الانتقائي للنشاط العصبي في المناطق المستهدفة ، كما كتب مؤلفو الدراسة من المجموعة البحثية للبرفسور سوسومو تونوغاوا (Susumu Tonegawa)، برفسور علم الأحياء في بيكور (Picower) وعلم الأعصاب في مختبر رايكن (RIKEN) التابع لمعهد ماساتشوستس للتنكلوجيا (RIKEN-MIT) للوراثيات (الجينتكس) العصبية في معهد بيكور (Picower) للتعلم والذاكرة ومعهد هوارد هيوز الطبي.

الدراسات الفارماكولوجية (الدوائية) ودراسات الآفات الدماغية (5) للتحكم الانتباهي لدى البشر والثدييات الأخرى اقترحت أن الخلايا العصبية المنتجة ل نوربينفرين (norepinephrine) أو نورأدرين (noradrenergic) (انظر 6) في الموضع الأزرق قد يكون لها هذا الدور، لكن الدليل الأكثر إقناعًا كان تلازميًا وليس سببيًا، كما تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة أندريا باري (Andrea Bari), باحثة علمية في مختبر البرفسور تونغاوا (Tonegawa). في الدراسة الجديدة (7) منشورة في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، أثبت الفريق علاقة سببية واضحة باستخدام  تقنية علم البصريات الوراثي (اوبجينتكس optogenetics، انظر 8) للتحكم تحديدًا في عصبونات الموضع الأزرق ال نورأدرينية لدى الفئران بدقة زمانية ومكانية حين كانت القوارض منشغلةً في ثلاث مهام للتحكم الانتباهي. أثرت هذه التلاعبات [التحكم في العصبونات بتقنية اوبجينتكس] بشكل فوري وموثوق في أداء القوارض.

“هذه أول مرة نثبت أن تنشيط الموضع الأزرق في الوقت الفعلي، باستخدام تقنيات خاصة بالخلية، يسبب هذا التأثير”، كما تقول أندريا باري.

يقول المؤلفون إن النتائج يمكن أن تقدم اسهامات مهمة في الجهود المبذولة لفهم ومعالجة الاضطرابات النفسية بشكل أفضل. هذه الاضطرابات ، مثل نقص الانتباه واضطراب فرط الحركة (ADHD) ، التي يكون فيها التحكم الانتباهي أو أي من قدرتيه (المذكورتين أعلاه).

يقول المؤلف المشارك والباحث العلمي ميشيل بيجناتيللي (Michele Pignatelli): “قد يعاني الأشخاص الذين لديهم اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من قابليتهم للشرود الذهني والاندفاعية (9) ، ولكن يمكن أيضًا أن يكون لديهم حالات تتميز بشكل أساسي بظهور أعراض قلة الانتباه أو بظهور أعراض الاندفاعية المفرطة.  ربما يمكننا التفكير في استراتيجيات جديدة لمواجهة أنواع مختلفة من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه”.

بشكل غير متوقع، أثارت الدراسة أيضًا أسئلة جديدة حول دور الموضع الأزرق في القلق،  لأن ما كان مفاجئًا لفريق البحث أن تحفيز نشاط الموضع الأزرق صادف أنه أيضًا قلل من القلق لدى الفئران، كما تقول باري.

دقة المكان

بعد تأسيس طريقتهم في التحكم الثنائي الاتجاه في عصبونات الموضع الأزرق النورأدريني (noradrenergic) باستخدام الاوبجينتكس – مما يعني أنه باستخدام ألوان ضوء مختلفة يمكن أن تحفز أو تثبط النشاط – قام الباحثون باختبار تأثيرات كل تلاعب (تحكم باستخدام تقنية الاوبجينتكس) في الفئران. في المهمة الأولى،  كان على القوارض أن تنتظر 7 ثوانٍ قبل أن يشير وميض ضوء يستمر لمدة نصف ثانية إلى أي من البوابتين التي ينبغي لها أن تضغط عليها بأنفها للحصول على مكافأة غذائية. الفئران التي تم فيها تحفيز عصبونات الموضع الأزرق قامت بالمهمة بشكل صحيح في كثير من الأحيان ، وقامت بحركات اندفاعية أقل مما لو لم تُحفز. الفئران التي تم فيها تثبيط عصبونات الموضع الأزرق قلما قامت بالمهمة بشكل صحيح (قلة الانتباه تعني فقدان وميض الضوء) وكانت مندفعة أكثر من المعتاد.

قام الباحثون بعد ذلك بتدريب الفئران على نموذج سلوك ثانٍ، مشتق من مهمة بوسنر (Posner) للتنبيه المكاني (Posner spatial cuing task) لتقييم الانتباه (يطلق عليه أيضًا بوسنر برادايم، 10) ، والمستخدم على نطاق واسع في علم الأعصاب الإدراكي البشري. في هذه المهمة ، قبل أن ترى الفئران الضوء المؤشر على البوابة الصحيحة (هذه المرة لمدة 3 ثوانٍ)، ستشاهد وميض “القرينة”.

في بعض الأحيان يكون هذا مؤشر التنبيه cue (التلميح / القرينة، 11) على الجانب الآخر من الشاشة، وأحيانًا يكون في مركزها، وأحيانًا يكون في الجانب الأيمن منها. مرة أخرى، تحفيز الموضع الأزرق أدى إلى تحسين الأداء الصحيح وثبط الاندفاع، ومرة ​​أخرى، أدى التثبيط إلى تقليل الصوابية (الدقة) وزيادة الإندفاعية، ولكن الآن تعلّم الباحثون شيئًا جديدًا بناءً على وقت استجابة الفئران. الموضع الأزرق للمحفز (المثير) للفئران لم يظهر أي فرق في وقت الاستجابة لأنها جُعلت تركز على الهدف الفعلي، ولكن الفئران التي ثُبّط الموضع الأزرق لديها أظهرت اختلافات في وقت استجابتها لأنها كانت مشتتة الإنتباه بسبب مؤشرات التنبيه cue – عندما كان مؤشر التنبيه على الجانب الخطأ كانت استجابتها أبطأ من المعتاد، وعندما كان مؤشر التنبيه على الجانب الصحيح كانت استجابتها أسرع.

شاهد الفيديو

https://static-movie-usa.glencoesoftware.com/source/10.1073/121/48b64591aab413b5c878c2ff9494e33ef3463810/pnas.2015635117.sm01.mp4

في المهمة الثالثة، تعرضت الفئران لتحديات سلوكية وإلى التلاعب بعصبونات الموضع الأزرق ال نورأدرينيه لديها باستخدام تقنية الاوبجينتكس بطريقة مختلفة. هذه المرة ، واجهت الفئران إمكانية تشتت الانتباه المستمر باستخدام أضواء غير ذات صلة أثناء انتظارها لإشارة موقع مكافأة الطعام الفعلية التي مدتها 3 ثوانٍ . حصلوا على نفس النتائج السابقة مرة أخرى، باستثناء واحدة. في الحالات التي لا توجد فيها عوامل تشتيت للانتباه، في ظل فترة الثلاث ثوانٍ من الانتظار لملاحظة الإشارة، الفئران التي ثبطت عصبونات الموضع الأزرق ال نورأدرينري لديها لم تغفل عن أداء المهمة بشكل صحيح. أظهرت فقط نقص الانتباه وسط  وجود المشتتات.

للوصول بالفعل إلى حقيقة ما إذا كان التركيز الانتباهي والتحكم في الاندفاع  مستقلين عن بعضهما أو غير مقترنين ببعضهما أم لا، قرر الفريق التحكم في نشاط الموضع الأزرق وإفراز النوربينفرين ليس على أجسام الخلايا العصبية الرئيسية كما كان من قبل ، ولكن بدلاً من ذلك فقط حيث ترتبط بروزاتها (projection) الطويلة بمناطق معينة في قشرة الفص الجبهي (PFC). وبالانتقال إلى بعض الأبحاث السابقة لباري وقرائن من دراسات أخرى ، استهدف الباحثون قشرة الفص الجبهي الظهرانية الإنسية (dmPFC) والقشرة الجبهية الحجاجية البطنية الوحشية (vlOFC). في هذه التجارب وجدوا أن تحفيز وصلات الموضع الأزرق في (dmPFC) زاد من الأداء الصحيح، لكنه لم يقلل من الاستجابات الاندفاعاية. وفي الوقت نفسه، فإن تحفيز اتصالات الموضع الأزرق في (vlOFC) لم يحسن الأداء الصحيح، ولكنه قلل من الاستجابات الاندفاعية.

“لقد طبقنا هنا التقنيات السلوكية والاوبجينتكية (optogenetic)، وعلاقة الدارة العصبية الجينية، والتي توفر درجة عالية من الخصوصية الزمانية ونوعية الخلية لمعالجة وتسجيل نشاط عصبونات الموضع الأزرق ال نورأدرينيه (noradrenergic) وإثبات وجود صلة سببية بين تعديل نوربينفرين الموضع الأزرق المحدد زمانيًا والتحكم الانتباهي، كما كتب الباحثون. “تكشف نتائجنا أن التحكم الانتباهي في السلوك يتم تعديله من خلال التأثيرات التآزرية لمساري الموضع الأزرق – القشري القابلين للإنفصال،  ببروز (projection) الموضع الأزرق (11) إلى قشرة الفص الجبهي الظهرانية الإنسية (dmPFC) معززًا الانتباه وبروز الموضع الأزرق إلى (vlOFC) مخفضًا الاندفاعية”.

قلق أقل

كشفت الاختبارات أن تحفيز الموضع الأزرق يقلل من القلق كإجراء احترازي. تشير العديد من الدراسات إلى أن زيادة نشاط عصبونات ال نوربينفرين في الموضع الأزرق من شأنه أن يزيد من القلق، كما يقول ميشيل بيجنلاتي (Pignatelli). كان من الممكن أن يضعف ذلك من رغبة الفئران في البحث عن غذائها، أو ربما يجعلها مندفعة بإفراط ، لذلك قام الفريق البحثي بالتأكد من  تأثيرات القلق قبل البدء في مهام التحكم الانتباهي.

قالت باري ان البحث في الفائدة المدهشة لتحفيز الموضع الأزرق لمعالجة القلق يمكن أن يكون مجالًا مثيرًا للاهتمام للدراسة المستقبلية. وقالت إنها تأمل أن تعطي هذا البحث المزيد من اهتمامها.

مصادر من داخل وخارج النص:

1- “التحكم الانتباهي ويسمى كذلك الانتباه داخلي المنشأ أو الانتباه التنفيذي، هو قدرة الفرد على اختيار الأمر الذي ينتبه إليه والأمر الذي يتجاهله.  بعبارة أبسط يمكن وصف التحكم الانتباهي بقدرة الفرد على التركيز. يحدث التحكم الانتباهي أساساً بواسطة المناطق الجبهية للدماغ بما في ذلك القشرة الحزامية الأمامية، يُعتقد أن التحكم الانتباهي ذو صلة وثيقة بوظائف تنفيذية أخرى” ، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تحكم_انتباهي

2- “تشتت الانتباه يعني تحويل انتباه الشخص عن مهمته الحالية، وحصول الإلهاء والانقطاعات المتكررة والتي تؤدي لإلغاء نشاطه وإيقافه مما يؤدي لخسارة الوقت، كما لو أن كل شيء حوله يستحوذ على وقته واهتمامه دون وعي منه حتى لا يحقق في النهاية أي شيء يذكر، بحيث يتطلب الرجوع إلى مساره الصحيح للتركيز على مهمته الحالية الكثير من الجهد، وقد يحتاج الكثير من الوقت لاستعادة تركيزه حيث أن العقل قد يتعب عندما يبدأ في العمل على تبديل معتقداته” ، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تشتت_الانتباه

3- “النزوة هي قوة بيولوجية في الإنسان لاشعورية في حالة نشاط وإثارة متواصلة. وتتبع نوع من المجال والحيز في الجهاز النفسي. و منبعها هو جسدي. بمعنى هي حالة إثارة أو إشباع لحاجة معينة مثل الجوع والعطش و الرغبة الجنسية.  وتوجه الجهاز النفسي نحو موضوع الإشباع وبفضل هذا التوجه يصل الفرد إلى حالة راحة وتخفيض للطاقة. والنزوة تعطي من الطاقة النفسية المهمة في النشاط الذي يقوم به الجهاز النفسي فتكون بذلك بمثابة شحنة طاقية توجه الفرد نحو هدف معين”. اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان:  https://ar.wikipedia.org/wiki/نزوة

4- الموضع الأزرق (بالإنجليزية: Locus coeruleus)‏ هوَ نُواة في الجسر تَلعب دوراً وظيفياً فيما يتعلق بالضغط النفسي وَالفزع، اقتبسناه من نص وردعلى هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/موضع_أزرق

5- تُصنَّف آفات الدماغ ضمن الأضرار التي بإمكانها إصابة أي جزء من الدماغ، فقد تكون الآفات ناتجةً عن مرض أو رَضّ أو عيب خلقي. تظهر الآفات في بعض الأحيان في منطقة محددة من الدماغ، وتشمل أحيانًا أخرى مناطق واسعة من أنسجة الدماغ. قد لا تُظِهر آفات الدماغ أي أعراض في البداية، لكنها قد تتسبب مع مرور الوقت في ظهور أعراض واضحة في حال تفاقم المرض.  اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.ibelieveinsci.com/?p=87094

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/نورإبينفرين

7-https://www.pnas.org/content/117/46/29080

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_البصريات_الوراثي

9- “الاندفاعية هي سلوك يقوم صاحبه نتيجة نزوة تنتابه بالتصرف بأفعال تلقائية دون التفكر بالعواقب ودون أي تحكم بالنفس.  من الصعب عادةً فهم الأفعال الاندفاعية، وتوصف في أغلب الأحيان أنها أفعال صبيانية ومتهوّرة وغير ملائمة للموقف، وغالباً ما تنتهي بعواقب وخيمة، والتي يمكن أن تهدد الأهداف والاسترتيجيات طويلة الأمد بالفشل” ، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان:  https://ar.wikipedia.org/wiki/اندفاعية

10- https://en.wikipedia.org/wiki/Posner_cueing_task

11- “تعد مهمة التلميح (التنبيه) المكاني أو مهمة إشارة بوسنر (Posner ، 1980) نموذجًا شائعًا لدراسة الانتباه البصري. بالنسبة للمشارك في هذا الفحص ، المهمة سهلة: اكتشف / استشعر متى يتم تقديم مثير للانتباه المستهدف ورد في أسرع وقت ممكن. عادة ، يظهر المثير للانتباه إما على الجانب الأيسر أو الأيمن من الشاشة ، ويلمح للمشارك بقرينة ما (كسهم يشير الى مكان الظهور) تخرج  قبل ظهور المثير. يكون التلميح أحيانًا “خارجيًا” (على سبيل المثال ، يظهر المؤشر في نفس الموقع الذي يظهر فيه المثير الآتي) ، وأحيانًا “داخلي” (على سبيل المثال ، سهم يظهر في المركز يشير إلى موقع المثير الآتي) ، ولكن كلتا الحالتين توجّه المشارك إلى الموقع المستهدف المحتمل. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: العنوان: https://www.neurobs.com/manager/content/docs/psychlab101_experiments/Spatial%20Cueing/description.html

12-https://www.cell.com/current-biology/pdf/S0960-9822(15)01150-1.pdf

المصدر الرئيسي:

https://news.mit.edu/2020/scientists-identify-brain-region-circuits-controlling-attention-1103

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *