الإبتكار وبراءات الاختراع (أجيال المستقبل) – د. عماد ناجي الشافعي*

الاختراعات والابتكارات هي أفكار وحلول صغيرة يتوصل إليها المبتكرين من اليافعين والخريجين من الجامعات والعلماء والعاملين ، نابعة من خيالهم الخصب لتطوير الأعمال في مختلف التخصصات كالمنتجات الطبية والغذائية والتقنيات الحديثة في النقل والمعلومات وما شابه ذلك. هذه الابتكارات والاختراعات هي من مُخرجات التعليم والتعلم المستمر المواكبة للتقدم والتحديث المتواصل لإيجاد الحلول وتطوير الآداء التقني إلى أساليب جديدة ذات مردود إيجابي واستثماري من جميع جوانبه.

وفي نظرة فاحصة إلى المؤشرات المقدمة من المنظمة العالمية لبراءات الاختراع (World Intellectual Property – WIPO Indicators) مصدر[1]، يتضح لنا أن الصين والولايات المتحدة الامريكية واليابان وكوريا والاتحاد الاوربي من الدول الرائدة في هذا المجال من حيث العدد وتحقيق الأرقام القياسية في براءات الاختراع في العالم. وهي أيضا الأبرز في تقديم براءات الاختراع للفحص والاختراعات التي تم اعتمادها في عام 2018 (انظر الصورة 1). وفي نظرة فاحصة لقائمة الدول العشرين تتسع الفجوة بين الدول العشرة الأخيرة والدول العشر الأولى حيث تتذيل القائمة سنغافورة وايطاليا وإندونيسيا وتايلاند بأقل من عشرة آلاف براءات اختراع مقدمة للفحص. ويعزو تفوق هذه الدول في هذا المجال اهتمامها الحثيث بالتكنولوجيا الحديثة والتصنيع والانفاق العلمي على مراكز الابحاث والجامعات والتنافس بينها على مدار عقود من الزمن.

 

الصورة 1. براءات الاختراع التي قُدِمت واُعتمدت من قبل مكاتب براءات الاختراع لعام 2018 (المصدر: WIPO)[1]
وتأتي الأفكار الجديدة حتى لو كانت لفظية من أشخاص يتميزون بالتفكير الاستكشافي والمعرفي بصورة بدائية إلى أن تتعمق هذه الأسئلة الأولية (ماذا لو تم تطبيق هذا الفكرة! هل ستكون النتيجة أفضل؟). وللوالدين والبيئة المدرسية والمهنية الأثر الكبير لتحفيز هؤلاء الأشخاص وتنمية مهاراتهم إلى أعمال ابتكارية وتوسيع مداركهم وآفاقهم.

لذلك لا بد من التركيز على البنية المدرسية والجامعات والكليات التي لها الأثر المباشر والمهم لتوليد هذه الطاقات والابتكارات منهجياً إلى مبدعين ومبدعات ومبتكرين ومبتكرات حقيقيين وبأعداد كبيرة ليساهموا في بناء الشركات والتقدم التكنولوجي في الصناعة والابداع في المجالات الاخرى. وتشير احصاءات WIPO لعام 2018، أن حوالي 500 إلى 3150 فرد من كل مليون في الدول الرائدة يقدمون براءات الاختراع للفحص سنوياً (انظرالصورة 2). ومعرفة هذه البيانات مهم جدا لتخطيط المستوى المطلوب تحقيقه من المبتكرين من خلال دعم التعليم المستمر وإعداد الطلبة أثناء المراحل الجامعية وفي الكليات. هذه الابتكارات ستساهم مستقبلاً إلى إعداد خريجين من ذوي التفكير الإبداعي ليساهموا في الابتكارات والاستثمار في الاختراعات. وكذلك لمعرفة الكميات النوعية من براءات الاختراع سنوياً في العشرة سنوات القادمة لتحديث الميزانيات لدعم البحوث والابتكارات وتسجيلها المتوقع بين 1000-10000 براءة اختراع سنوياً وتقدر التكلفة حوالي 5-50 مليون دولار لعدد 1000 اختراع.

الصورة 2. عدد براءات الاختراعات لكل مليون من عدد السكان (المصدر: WIPO) [1]
ومن وجهة نظر شخصية أعتقد أن هناك ثلاثة خطوات مرحلية لتكوين البذور والحواضن لحصد المزيد من الابتكارات وتأهيل أجيال ناشئة من المخترعين والمخترعات وتعليمهم الإبداع والابتكار بشكل منهجي. وهذه يمكن أن تتم في ثلاث مراحل كالتالي:

  • المرحلة الأولى: تنمية الخيال الخصب وبدون حدود للأعمار 10-20 سنة
  • المرحلة الثانية: التدريب والتعليم والابتكارات الجديدة بدون حدود للأعمار 20-30 سنة
  • المرحلة الثالثة: الابتكارات والإستثمار في الاختراعات والإنتاج للأعمار 30-70 سنة

في المرحلة الأولى أي المتوسطة والثانوية تأتي أهمية تنمية الخيال الخصب وبدون حدود واستكشاف الطاقات الطلابية ، فهي فترة تعليمية مهمه للفتية والفتيات لإنماء الخيال العلمي والتفكير الابداعي والتعلم من توجيهات المدرسين خلال النشاطات المدرسية وبدون حدود. فعلى سبيل المثال، عندما تُفعّل مادة الرياضيات في التعليم ويُوضح أهمية دورها في الابتكار خلال العصور السابقة والحالية والمساهمات الأولية في جميع الصناعات والخوارزميات والاتصالات، سوف يدرك الطلاب أهمية هذه العلوم وسوف يساهمون في المزيد من الخيال الرياضي في أفكارهم. كذلك ربط مواد العلوم ودروس الفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا بالابتكارات العلمية العملية التي تعود بالفائدة على البشرية ، وهذا مما يعزز أهمية هذه المواد لديهم منذ وقت مبكر في حياتهم. ولا بأس من تقديم دورات إضافية قصيرة للمدرسين والطلاب والطالبات توضح أهمية الابتكارات للصغار لتشجيعهم على المشاركة في مختلف المشاريع المدرسية المتنوعة للابتكارات ، وهذا سيكوّن لديهم معرفة إضافية تصورية للمستقبل. وهذا بدوره سوف يشجع على مشاركتهم في المسابقات المحلية والدولية للابتكارات والاختراعات. وتعتبر هذه من الجهود الأولية التي تهدف إلى تطوير الطلبة في العلوم وادراكهم باهمية هذه الابتكارات.

وعندما نأتي إلى المرحلة الثانية في السنوات الأولى من المرحلة الجامعية أو الكليات وهي التدريب والتعليم والابتكارات الجديدة بدون حدود تأتي أهمية تقديم دورات الزامية لمدة 4-8 أسابيع لطلاب السنة الأولى لمعرفة أهمية التقنية والابتكارات ومراحل الاختراعات حتى يتبنوا هذه المعرفة للمستقبل والاستثمار فيها وتطويرها وإنجاح برامج الاختراعات وتطويرها. كذلك يمكن ربط تقديم مشاريع الابتكار لطلاب الجامعة والكليات بالمنهج بشكل إلزامي أو اختياري ، وهذا بدوره سوف يساهم في مشاركة 2-10% على الأقل من الطلاب ممن يقدمون مشاريع ذات ابتكارات ومن هؤلاء 0.1-2% يمكن أن يقدّموا ابتكارات مقنعة (أي قابله للتسجيل في مكتب الاختراعات) خلال السنوات الجامعية. وهذه نسبة جيدة ستساهم في رفع مستوى الجامعات والكليات في محافل الابتكارات والتقييم العلمي المتميز وربطها مع شركات يمكن أن تتبنى هذه البرامج.

وتكمن أهمية هذه المرحلة في مساهمتها في نضج الخريجين من الطلاب والطالبات المساهمين في الابتكارات والتطوير وتقديم الاختراعات العديدة والمتنوعة في المراحل المهنية بعد التخرج أو أثناء إكمالهم الدراسات العليا (الماجستير أو الدكتوراه) أو من خلال الوظائف في الشركات والمصانع. وهذه ستكون نقلة نوعية تعود بالفائدة الاقتصادية في عدة مجالات كتطوير المصانع والمنتوجات والزراعة والنقل والاتصالات والطاقة والتعدين.  إضافة إلى زيادة نسبة الابتكارات المقنعة بحوالي 0.2-4% القابله للتسجيل في مكتب الاختراعات وهذه تعتبر نسبة عالية لاستثمار الطاقات إلى ابتكارات إنتاجية. أما البقية من الخريجين الذين تعلموا أساسيات الابتكارات فسوف يساهمون في الاستثمار في الاختراعات في تطوير المصانع والشركات.

المرحلة الثالثة هي الباكورة الأكبر لمراحل الابتكار والإستثمار في الاختراعات وتكمن أهميتها في وصول المخترعين الشباب إلى عمر النضوج وفهم أهمية تحويل هذه الابتكارات والاستفادة من الاختراعات إلى حلول اقتصادية للشركات والمؤسسات والمعاهد العلمية والبحوث التي تُقدم الدعم المالي لتسجيل براءات الاختراعات المتنوعة ، ويقدم حوالي 0.2-5% ابتكارات مقنعة إلى مكاتب الاختراعات حول العالم وكذلك بيع الاختراعات بين المستثمرين والشركات لزيادة المردود الاقتصادي.

ومن الجدير بالذكر أن تسجيل براءات الاختراعات خطوة مهمة لجميع المبتكرين والمخترعين في الشركات والمصانع والمعاهد والجامعات العلمية ويجب الاطلاع عليه ومعرفه الاجراءات والخطوات. حيث تشترط الهيئة السعودية للملكية الفكرية [2] للحصول على براءة الاختراع أن يكون الاختراع جيدأ منطوياً على خطوات ابتكارية قابلة للتطبيق الصناعي. وتتطلب عملية إيداع وتسجيل براءة الاختارع تعبئة الطلبات والنماذج الخاصة بها وكتابة براءة الاختراع بالتفصيل وتسديد الرسوم وارساله ليتم بحث الطلب بواسطة متخصصين في براءات الاختراع. ويحدد مكتب براءات الاختراع والتسجيل لمجلس التعاون لدول الخليج [3] خمس مراحل للحصول على وثيقة براءة الاختراع، ويتمتع مالك الاختراع بالحماية النظامية ويُمنح شهادة سارية المفعول في جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. كما يمكن منح شهادة براءة الاختراع لأكثر من مخترع عندما يكون ناتجا من عمل مشترك، وتتراوح مدة حماية براءة الاختراع إلى عشرين سنة من تاريخ إيداع الطلب (صورة 3).

صورة 3. دورة تسجيل براءة الاختراع لمجلس التعاون لدول الخليج [3]
وعليه أن الاهتمام بتأهيل الشباب من المخترعين والمخترعات، وتعليمهم بشكل منهجي سيساهم في الاستثمار في المستقبل وتعزيز المهارات الابداعية والتطويرية التي تُستثمر في الابتكارات والتنافس بين الشركات والمبدعين، وتنمية طاقات أساسية تبتَكِر في العديد من المجالات.

*دكتوراه في الهندسة الكيميائية

المصادر:

تعليق واحد

  1. مقال قيم …يستحق التأمل و نظرة فاحصة لمنهجية المعلمين و المربين في مراحل التعليم الاولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *