ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجيء – ترجمة عدنان احمد الحاجي

Brain Scans Uncover the Moment Insight Lights Up the Mind
(موقع المجلة العلمية – scienmag)
[كتب مقدمة الترجمة: الدكتور رضي حسن المبيوق، أستاذ علم النفس التربوي السابق، جامعة شمال أيوا]

مقدمة البرفسور رضي حسن المبيوق:
لا بد من تعريف المؤلف الرئيس لهذا المقال وهي ماكسي بكر (Maxi Becker)، فقد عرّفت الدكتور ماكسي نفسها بأنها باحثة وفيلسوفة وكانت زميلة ما بعد الدكتوراه في مركز دراسات علم الأعصاب الإدراكي بجامعة همبولت في برلين بألمانيا وحاليا هي باحثة في مختبر تعزيز أو تقوية الذاكرة التابع لمركز دراسات علم الأعصاب الإدراكي بجامعة دوك بمدينة دورام بولاية كارولاينا الشمالية. هذه الجامعة مشهورة بتركيزها على البحوث ومجال الطب والفنون، وهي واحدة من ثلاث جامعات يطلق عليها “مثلث البحوث” ، الجامعتان الأخريتان تقعان في مدينة “رالي” ومدينة “چابل هل” على التوالي.

قصة شغف الدكتورة ماكسي بموضوع الدهشة يعود لقراءتها لكتاب توماس كون (Thomas Kuhn) “بنية الثورات العلمية(1) The Structure of Scientific Revolutions” الصادر قي 1962، وما استوقفها كثيرًا هي قراءتها العبارة التالية في هذا الكتاب: “هناك ثمة أفكار تأتي للتغير بشكل جذري طريقة التفكير في حقل من الحقول المعرفية وتنقله إلى مجال أو مجالات معرفية أخرى” ، كما غيرت النظرية النسبية حقل الفيزياء، مثلًا.

هذه العبارة التي استوقفتها، وتأملت فيها كثيرا، قدحت في ذهنها هذا السؤال الذي قادها للبحث عن الإجابة عليه: كيف يأتي الدماغ بهذه الأفكار التي تغير نظرتنا إلى العالم؟ سؤالها أصبح هو السؤال الرئيس لدراساتها البحثية والتي ركزت فيها على اكتشاف طبيعة العمليات العصبية التي تنتج عنها حالة الدهشة او تكشف الغطاء عن الحل لمشكلة أو مسألة ما؟ ولماذا هذه العملية تؤثر في الذاكرة بحيث يتذكرها الشخص بسرعة وقوة ولفترة أطول؟

والمقال القيم الذي بين يديك يتحدث عن نتائج دراسة في حلقة من الدراسات لإماطة اللثام ورفع الغموض عنما يحدث على مستوى العصبونات أثناء حالة الدهشة او الكشف. نستطيع ان نلخص القواعد او الخطوات الثلاث التي تؤسس لمرحلة الكشف وما بعدها كالتالي:

1- مرحلة ما قبل الكشف.
2- مرحلة الكشف وهو بيت القصيد في هذا المقال.
3- مرحلة ما بعد الكشف.

نشاظ مرحلة ما قبل الكشف يحدث في الجانب الأيسر من الدماغ، والذي يعرف بتخصصه في العمليات التحليلية، والتي تحتاج إلى تركيز كبير للوصول إلى حل لمسألة أو لغز أو مشكلة ما.

بالطبع النشاط هنا يحدث في حالة الوعي والإدراك، وتنتهي هذه المرحلة حينما يصل الشخص إلى طريق مسدود، ولا تؤتي هذه المحاولات التي بذلت للوصول إلى حل او حلول ثمارها كما يبدو. عند ذلك يتباطئ النشاط العصبي ويقل التركيز وينتقل النشاط العصبي، في المرحلة الثانية إلى القسم الأيمن من الدماغ، حيث يكون الإنتباه غير مركز، ويتحول النشاط إلى ما تحت الإدراك او اللاوعي.

وفيه تتحد ثلاث مناطق من الدماغ لتنتج لحظة الدهشة (لحظة الكشف). المنطقة الدماغية الأولى، وهي القشرة البصرية (visual vortex)، المرتبطة بالنشاط البصري او المسؤولة عن عمليات الصور الذهنية. والمنطقة الثانية هي اللوزة الدماغية (amygdala) وهي مركز المشاعر والأحاسيس واتخاذ القرار (المعروفة باستجابات الكر أو الفر أو التجمد) وتكوين الذكريات وتقويتها. والمنطقة الدماغية الثالثة هي منطقة الحصين (hyppocampus)، والتي لها دور رئيس في التعلم والذاكرة والعواطف وهي مسؤولة عن تخزين وترتيب المعلومات ونقلها من ذاكرة الأمد القصير إلى ذاكرة الأمد الطويل.

عندما تصبح الاتصالية بين هذه المناطق الدماغية الثلاث قوية، يرتفع مستوى ترددات موجات غاما (gamma)، والتي بدورها تؤدي إلى دفعة قوية منشطة للعواطف والذاكرةً، التي من شأنهما أن يصاحبهما فرحة عارمة ودهشة عالية بسبب إفراز كميات كبيرة من هرمون السعادة، الدوبامين (dopamine)، والذي يفسر حالة النشوة التي يمر بها المرء لحظة الكشف عن السر او اللغز او التوصل إلى حل للمشكلة أو للمسألة، والتي تظهر الآن في حالة الوعي.

المرحلة الثالثة والأخيرة هي مرحلة ما بعد الكشف او الدهشة. تتميز هذه المرحلة بمشاعر الفرحة والإبتهاج الكبيرة والتي تعد بمثابة مكافأة معنوية تضاف إلى الحصول على الحل المراد. هذه الحالة الشعورية والاتصالية القوية بين هذه المناطق تقوي القدرة على تذكر ما تعلمه الشخص من عملية الكشف الذهنية، وتكون الذاكرة اقوى وأسرع وأسهل وتدوم أطول. والمكافأة الأخرى لمرحلة الكشف هو تقوية الثقة والشعور بالقدرة الذاتية على حل المشكلات أو المسائل في المستقبل.

ليس عندي اي شك بأن القارئ الكريم سيجد متعة ويشعر بدهشة عند قراءة هذا المقال الرائع والذي يحوي على توصيات عملية للمهتمين بالتربية والتعليم، وذلك بإنتهاج أساليب تعليمية تتيح الفرص للطلبة والطالبات لمحاولة الكشف عن الحلول.

( الدراسة المترجمة )

في سعيها لكشف أحجية الإدراك البشري، سلّطت دراسة جديدة، قادها باحثون من جامعة ديوك وجامعتي هومبولت وهامبورغ في ألمانيا، الضوء على الأسس العصبية وما يحدث في الدماغ لتلك اللحظات المذهلة من الإلهام، أو لحظات البصيرة أو ما يسمونها بـ لحظة الأها أو لحظة وجدتها أو لحظة الكشف، التي غالبًا ما تصاحب الاكتشافات المفاجئة في حل المشكلات – مثل حين يكتشف المرء في النهاية حلًا لأحد الألغاز فيقول: “آها! الآن وجدت الحل!”

استخدم هذا البحث التعاوني أحدث تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لتسجيل أنماط نشاط الدماغ وعمله الجاد أثناء انخراط المشاركين في فهم صور غامضة يصعب فهمها في البداية.

استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لرسم خريطة لنشاط أدمغة 31 مشاركًا أثناء حلهم ألغاز الصور المخفية. كلما كانت لحظة “الكشف!” آقوى، زاد تدفق الدم إلى تلك الأجزاء من الدماغ.

ما وجده فريق البحث حين يمر المشارك بلحظة “الكشف!،”هو أن نشاط دماغه يتغير بطريقة مميزة. هذه اللحظة لا تسبب للمشارك الإثارة فحسب، بل تُغير طريقة تخزين المعلومات في الدماغ. ونتيجةً لذلك، يُصبح تذكر الفكرة أو الحل الجديد أكثر سهولة لاحقًا.

لو مررت بلحظة “كشف”وأنت تحاول حل مسألة ما، “فمن المرجح أن تبقى متذكرًا للحل”، كما قالت المؤلف الأول ماكسي بيكر (Maxi Becker)، وهي زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة هومبولت في برلين.

لا تقتصر هذه اللحظة على إشباع الفضول فحسب، بل يبدو أنها تُعيد تشكيل التمثيلات العصبية جذريًا بطريقة تُعزز الاحتفاظ بالذاكرة لفترة طويلة وترسخ المعلومات في الدماغ. بالإضافة إلى تبعاتها العميقة على كل من علم الأعصاب والنماذج التعليمية، من حيث المساعدة على ابتكار طرق وأساليب أفضل للتعلم والتذكر.

ظاهرة الكشف المفاجئة أثناء التوصل إلى حل للمسائل معروفة عالميًا، لكنها غير مفهومة جيدًا على المستوى العصبي، وماذا يحدث في الدماغ حينها. أعطى الباحثون المشاركين صورًا بالأبيض والأسود، تُعرف باسم “ألغاز الصور المخفية”، بالكاد تبدو واضحة من الوهلة الأولى.

الصور المخفية هذه تنطوي على لغز بصري، حيث عادةً تختبيء فيها مجموعة من صور لأشياء معينة، أو أشكال أو نقاط موزعة عشوائيًا ضمن الصورة الكبيرة. ولكن بالقليل من الجهد الذهني، يعمل الدماغ على ترتيب المتناثر وملء الفراغات والتعرف على صور الأشياء الحقيقية فيها.

طلب فريق البحث من المشاركين حل تلك الصورة. يعكس هذا النموذج، بشكل أوسع نطاقًا، حالات الكشف التي يواجهها الناس في جهودهم الإبداعية والفكرية، مما يوفر نافذة مُحكمة وطبيعية على الآليات العصبية في الدماغ وعملها أثناء هذه اللحظات.

نموذج من أحجية الصور المخفية

أفاد المشاركون بما إذا كان الحل الذي توصلوا له قد نشأ من خلال الكشف المفاجئ (وجدوه فجأةً) أو عن طريق عملية تفكير تدريجية وممنهجة، نتيجة لمدى ثقتهم بالإجابة. بمقارنة نشاط الدماغ والإفادات الذاتية من كل مشارك، تمكن الباحثون من دراسة السبب الذي يجعل لحظة الكشف مختلفة عن التفكير الاعتيادي (التدريجي)، وما يحدث في الدماغ لحظة وضوح الرؤية والكشف.

كشف تحليل البيانات عن اختلافٍ ملحوظ في نتائج الذاكرة بناءً على طبيعة تجارب حل المسائل. فالحلول التي جاءت مصحوبةً بإحساسٍ حقيقيٍّ بالدهشة (بلحظة الكشف)، تذكّرها المشاركون بشكلٍ أفضل بكثير عند إعادة اختبارهم بعد عدة أيام. ليس هذا فحسب، بل كلما كان الشعور بـ “لحظة الكشف!” أقوى – أي كلما شعر المشارك بمزيد من اليقين أو الثقة – تذكّر المشاركون الإجابة بشكل أفضل بعد أيام. لم يكن الأمر يتعلق فقط بحلّ اللغز بشكل صحيح؛ بل بكيفية حله.

درجة اليقين أو الاقتناع بالفكرة المُستقاة تنبأت بمتانة ورصانة التذكر اللاحق، مما يشير إلى تأثيرٍ متدرج حيث تُرسخ الأفكار الأقوى الذكريات بشكلٍ أكثر فعالية. يُظهر هذا أن الذاكرة لا تقتصر على تخزين المعلومات كما يخزنها جهاز الكمبيوتر. جودة تجربة التفكير – وخاصةً الإثارة والوضوح المفاجئ للفكرة – تساعد الدماغ على تكوين ذكريات أقوى وأطول مدةً.

تُخالف هذه النتيجة الآراء التقليدية حول طريقة ترميز الذاكرة (تحويل المعلومات الحسية إلى شكل يمكن تخزينه في الذاكرة واستعادته لاحقًا)، مُؤكدةً على الطبيعة النوعية للتجربة الإدراكية كعاملٍ حاسم في ترسيخ الذاكرة.

الحُصين، منطقة دماغية عميقة معروفة بدورها المحوري في التعلم وترسيخ الذاكرة. لاحظ الباحثون أنه عندما يمر الناس بلحظات الكشف يصبح الحُصين فجأة أكثر نشاطًا من الناحية العصبية، حيث تُثير هذه اللحظات نشاطًا عصبيًا.

يبدو أن هذه الاستجابة العصبية تعمل كآلية لوسم المعرفة المُكوّنة حديثًا لتخزينها لفترة أطول، إذ يبدو أن هذه الدفقة المفاجئة من النشاط تعمل كعلامة خاصة في الدماغ وكأنها تُخبره بأهمية حفظ الفكرة الجديدة!” وهذا يُميّز التعلم المُستند إلى لحظة الكشف عن المعالجة الإدراكية الروتينية التدريجية (الذكريات التي تتكوّن من خلال التفكير البطيء والمنتظم). وبالتالي، يُبرز نشاط الحُصين الأهمية البيولوجية لأحداث لحظات الكشف في تشكيل الذاكرة طويلة الأمد.

لم يكتفِ الباحثون بدراسة مناطق الدماغ العميقة، بل درسوا أيضًا القشرة القذالية الصدغية البطنية. هذه المنطقة متخصصة في التعرّف على الأشكال والأشياء والأنماط البصرية.

وجد الباحثون قرائن على أنه بمجرد أن يمر المشاركون بلحظة الكشف، تتغير أنماط التنشيط العصبي في هذه المنطقة لتعكس “تفسيرًا” جديدًا للمثيرات البصرية. ببساطة، يُعيد الدماغ تنظيم كيف يدرك الصورة ويمثلها ذهنيًا عندما يجد الحل. وعندما يُدرك الدماغ الحل فجأةً، يبدأ برؤية الصورة بشكل مختلف. فهو لا يفهم الإجابة فحسب، بل يُعيد تنظيم طريقة تمثيل الصورة ذهنيًا، مُنشئًا طريقة جديدة لرؤية الشيء لم تكن موجودة من قبل.

ربما تعكس هذه التغييرات طريقة الدماغ لتسجيل ذلك التحول المفاجئ في الفهم – اللحظة التي ينجلي فيها الغموض وتتضح الصورة.

والأهم من ذلك، تداخلت هذه التأثيرات مع زيادة في الاتصالية بين منطقة الحُصين (الذي يساعد على تكوين الذاكرة) والقشرة القذالية الصدغية البطنية (التي تساعد على إدراك ما يراه المرء).

وأبرزت الدراسة أنه خلال لحظة الكشف، تتواصل هاتان المنطقتان الدماغيتان المختلفتان بشكل أكثر قوة وكفاءة، مُشكلةً شبكة ديناميكية تدمج ترميز الذاكرة [تحويل المعلومات الحسية إلى شكل يمكن تخزينه في الذاكرة واستعادته لاحقًا] مع إعادة التفسير الإدراكي. وهي اللحظة التي يُحدّث فيها الدماغ فهمه للشيء، ويتغير إدراك المرء ليتوافق مع المعنى الجديد، أي رؤية الشيء بطريقة جديدة أو مختلفة بعد تغيير المرء فهمه.

ففي البداية، قد يُفسر الدماغ ما يراه المرء بطريقة معينة، ثم، فجأة، يُلاحظ شيئًا، فيعيد الدماغ تفسير نفس المعلومات البصرية بمعنى جديد. ومن أمثلة ذلك، لغز الصور المخفية تبدو كأشكال عشوائية حتى ترى فجأة شيئًا حقيقيًا (شجرة، أو حيوان، مثلًا)، أو حين يتوهم المرء أنه رأى شيئًا معينًا أولاً، ثم يرى شيئًا آخرغيره فجأة.

وقد يُشكل هذا التواصل العصبي النشط بين المنطقتين ركيزة عصبية بيولوجية، وهي عبارة عن آلية دماغية تمثل الأساس البيولوجي الذي يدعم فكرةً أو شعورًا أو سلوكًا. وقد يكون هذا التواصل الأقوى بين المنطقتين هو ما يخلق شعورًا خاصًا بلحظة الكشف، مما يساعد الدماغ على دمج ما يراه مع طريقة تخزين الذاكرة، بحيث تترسخ بشكل أفضل. لذا، هذا التواصل العصبي ينتج ماديًا ذلك الشعور المفاجئ بلحظة الكشف.

بينما تُقدم الدراسة صورةً مُفصّلةً لنشاط الدماغ قبل لحظة الكشف وبعدها، بعبارة أخرى ماذا يحدث في الثواني القليلة التي ينتقل فيها الدماغ من حالة “لا أفهم” إلى حالة “الكشف! الآن وجدتها!”؟ لكن تبقى هذه الفترة الانتقالية العابرة نفسها – تلك الثواني القليلة التي ينتقل فيها الدماغ من الارتباك إلى الكشف – لغزًا كبيرًا. فمن المهم تسجيل هذا الانتقال العابر بدقةً زمنيةً عالية، لأنه يَعِد بمزيدٍ من الاختراقات في فهم الإبداع وحل المشكلات.

يُشير المؤلفون إلى خططٍ لأبحاثٍ مستقبلية تُركّز على هذه الفترة الزمنية الحرجة، بهدف تتبع العمليات الدقيقة، التي تُمكّن من الظهور المفاجئ للحظة الكشف. يخطط الباحثون للتركيز على هذه النافذة الزمنية القصيرة والسريعة في التجارب المستقبلية. ويرغبون بتتبع التغيرات الدماغية الصغيرة والسريعة التي تُولّد الشعور المفاجئ بالكشف.

وللقيام بذلك، سيحتاج الباحثون إلى أدواتٍ لقياس نشاط الدماغ بدقةٍ أكبر بمرور الزمن. إذا نجحوا، فقد يكشف ذلك عن أدلةٍ مهمة حول كيف يعمل الإبداع وحل المشكلات.

إلى جانب غموضها العلمي، تحمل هذه النتائج تداعيات مهمة على التعليم وتدريب الدماغ(2). غالبًا ما يُركز التعليم المدرسي التقليدي على التكرار والتفكير المنهجي (اتباع عملية تدريجية لتحليل الحقائق واستخلاص الاستنتاجات المنطقية). هذا صحيح، لكن هذه الدراسة تشير إلى شيء آخر يمكن أن يكون أكثر فعالية. فلحظات “الكشف” الحقيقية يمكن أن تساعد الناس على تذكر الأشياء بشكل أفضل وفهمها بشكل أعمق.

وهذا يعني أن بيئات التعلم التي تشجع الطلاب على الاستكشاف وطرح الأسئلة والتخمين واكتشاف الأفكار بأنفسهم قد تؤدي إلى تعزيز اكتساب المعرفة بشكل أعمق وأكثر فعالية والاحتفاظ بها لمدة أطول.

هذا النهج – الذي يُسمى أحيانًا بـ التعلم القائم على الاستقصاء – يساعد على خلق أنواع من الأفكار التي تعزز الذاكرة وترسخها. مُوفرةً بذلك أساسًا عصبيًا حيويًا للابتكار التربوي / التعليمي(3) [طرق تدريس جديدة للتفاعل بين “المعلم والطالب”، وهو نوع من الابتكار في النشاط العملي في عملية إتقان المواد التعليمية(4)].

بالنظر إلى الصورة الشاملة، تسهم هذه الدراسة في الأدلة المتزايدة على أن التفكير الإبداعي (لحظة الكشف، مثلًا) ليس مجرد مفهوم مجرد أو غامض فحسب، بل هو منبثق من عمليات دماغية حقيقية وقابلة للقياس.

التكامل الوظيفي لمناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة ومعالجة المعلومات الحسية خلال مرحلة الكشف تطعن في فكرة أن لحظة الكشف حدث غامض أو تلقائي بحت، كاشفًا أنها ظاهرة عصبية قابلة للتكرار. كما توحي لحظات الكشف هذه بتطبيقات سريرية محتملة، على سبيل المثال، في تصميم تدخلات لعلاج ضعف الذاكرة أو في تحسين استراتيجيات التعلم لمختلف المجموعات السكانية

تعزز هذه الدراسة فهمنا لكيف تؤثر لحظات الكشف ليس فقط في كيف يعالج الدماغ المعلومات، بل أيضًا في كيف يحفظها ويستعيدها مستقبلًا. اقتران إعادة التفسير الإدراكي وترميز الذاكرة خلال لحظات “الكشف” يُبرز التنسيق العصبي المُعقّد بين مناطق الدماغ، الذي يُشكّل أساس الإبداع البشري. ومع استمرار البحث في كشف خفايا الظواهر الدماغية، مثل لحظات الكشف، نقترب من تسخير هذه العمليات لتعزيز التعلم والابتكار والمرونة العقلية في الحياة اليومية. نشرت الدراسة(5) في مجلة (Nature Communications).

الهوامش:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/بنية_الثورات_العلمية
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/تدريب_الدماغ
3- https://civis.eu/storage/files/innovative-pedagogies-ways-into-the-process-of-learning-transformation.pdf
4- https://www.wisdomlib.org/concept/methodical-reasoning
5- https://www.nature.com/articles/s41467-025-59355-4

المصدر الرئيس:
https://scienmag.com/brain-scans-uncover-the-moment-insight-lights-up-the-mind/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *