علاج جديد ومبتكر يقتل خلايا السرطان بأمان باستخدام الضوء – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

New Breakthrough Treatment Safely Kills Cancer Cells With Light
(Justin Stebbing, The Conversation – “بقلم: البروفيسور جاستن ستيبينغ[1]، مجلة “ذا كونفرسيشن)

قطع علاج السرطان شوطًا طويلًا، لكن العديد من علاجات اليوم لا تزال باهظة التكاليف: ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضًا من الناحية الجسدية والنفسية. ولا يزال العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي أدواتٍ حيوية، إلا أنهما غالبًا ما يُلحقان الضرر بالخلايا السليمة إلى جانب الخلايا السرطانية، مما يُرهق المرضى ويُعرّضهم لآثار جانبية طويلة الأمد.

ويبحث الباحثون حول العالم عن علاجاتٍ فعّالةٍ ولطيفة، قادرةٍ على استهداف الأورام بدقةٍ مع الحفاظ على سلامة باقي الجسم.

مصدر الصورة: خوان غارتنر / مكتبة الصور العلمية

والآن، قدّم باحثون أمريكيون علاجًا جديدًا واعدًا قائمًا على الضوء، يُمكن أن يُحدث نقلةً نوعيةً في طريقة علاج السرطان. ويجمع اكتشافهم بين ضوء الثنائيات الباعثة للضوء (light-emitting diodes – LED “ال إي دي”) القريب من الأشعة تحت الحمراء ورقائق نانوية من أكسيد القصدير، تُعرف باسم رقائق اكسيد القصدير (SnOx) النانوية، لقتل الخلايا السرطانية مع الحفاظ على سلامة الخلايا السليمة.

ويُمثّل هذا تقدمًا هامًا في العلاج الضوئي الحراري، وهي تقنية تستخدم الضوء لتسخين الأورام وتدميرها.

وفي هذه الحالة، تعتمد العملية على أنظمة “ال اي دي” غير مكلفة وسهلة المنال، بدلًا من الليزر المتخصص. ويُقلّل هذا النهج من تلف الأنسجة المحيطة، وقد يُقدّم يومًا ما بديلًا أكثر أمانًا وأقل تدخلاً جراحيًا من العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي.

ويتمحور هذا الابتكار حول مفهوم بسيط: استخدام الضوء لتوليد حرارة موضعية تستهدف الخلايا السرطانية وتقضي عليها. وقد صمّم الفريق رقائق اكسيد القصدير النانوية لامتصاص ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة بكفاءة، وهو طول موجي يُمكنه اختراق الأنسجة البيولوجية بأمان.

وعند إضاءتها، تعمل هذه الرقائق النانوية كسخانات مجهرية، مُنتجةً حرارة كافية لتعطيل أغشية الخلايا السرطانية وبروتيناتها، مما يُؤدي في النهاية إلى موت الخلايا. وتبقى الأنسجة السليمة غير متأثرة إلى حد كبير لأنها أقل حساسية للحرارة، ولأن الرقائق النانوية يمكن توجيهها تحديدًا نحو الخلايا الخبيثة.

ينشط نظام التسخين “ال إي دي” بالأشعة تحت الحمراء القريبة، الذي ابتكره الباحثون، رقائق اكسيد القصدير النانوية التي تُسخّن الخلايا السرطانية وتُحيّدها (الأخضر: خلايا حية؛ الأحمر: خلايا مقتولة بالعلاج الضوئي الحراري). مصدر الصورة: جامعة تكساس في أوستن.

وتعتمد عملية التسخين المُستهدفة هذه، المعروفة باسم العلاج الضوئي الحراري، على آلية فيزيائية بدلًا من كيميائية. وهذا يعني أنها يمكن أن تتجنب العديد من الآثار الجانبية الجهازية التي تُلاحظ عادةً مع العلاج الكيميائي [“الجهازي” يعني التأثير على الجسم بأكمله أو على جهاز بأكمله، وليس على جزء واحد فقط. يُستخدم في الطب لوصف مرض أو اضطراب أو دواء يؤثر على الجسم بأكمله مثل الإنفلونزا].

وتستخدم أنظمة العلاج الضوئي الحراري التقليدية أشعة الليزر لأنها قادرة على تركيز الضوء بدقة في أعماق الأنسجة. ومع ذلك، فإن هذه الشدة نفسها يمكن أن تُلحق الضرر بالخلايا السليمة، وتتطلب معدات باهظة الثمن، وتقتصر استخدامها على منشآت متخصصة للغاية.

وفي هذه الدراسة، استبدل الباحثون أشعة الليزر بمصابيح الثنائيات الباعثة للضوء (إل إي دي)، التي تُصدر طيفًا أوسع وألطف من الضوء. وتُنتج مصابيح “إل إي دي” تسخينًا أكثر اتساقًا، وهي أبعد ما تكون أقل عرضة لحرق أو إتلاف الأنسجة السليمة. كما أنها غير مكلفة وسهلة الحمل، مما يجعلها مناسبة تمامًا للاستخدام السريري أو حتى المنزلي.

وفي الدراسات المخبرية، دمر ضوء “إل إي دي” الممزوج برقائق اكسيد القصدير النانوية ما يصل إلى 92% من خلايا سرطان الجلد و50% من خلايا سرطان القولون والمستقيم في غضون 30 دقيقة. ولم تتأثر خلايا الجلد البشري السليمة.

هذا المستوى من الانتقائية يجعل هذه التقنية واعدة بشكل خاص لأنواع السرطان مثل الورم الميلانيني [سرطان الجلد] وسرطان الخلايا القاعدية [نوع من سرطان الجلد يتطور غالبًا في مناطق الجلد المعرضة لأشعة الشمس]، والتي يمكن علاجها مباشرةً بالضوء.

وتُعد هذه الدقة نادرة في تقنيات التصوير الحراري الضوئي، والتي غالبًا ما تُهدد بإلحاق الضرر بالأنسجة المحيطة. إن العلم الأساسي ذو أهمية مماثلة. وأكسيد القصدير مادة مستقرة ومتوافقة حيويًا تُستخدم بالفعل في الإلكترونيات.

ومن خلال تحويل ثاني كبريتيد القصدير (SnS₂) إلى رقائق نانوية من أكسيد القصدير المؤكسج، ابتكر الباحثون هياكل تمتص ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة بفعالية أكبر بكثير.

ويُحسّن هذا التحويل أداء التصوير الحراري الضوئي، ويسمح بتصنيع الرقائق النانوية باستخدام طرق تركيب مائية غير سامة. وتتجنب هذه العملية المذيبات الضارة وخطوات التصنيع المكلفة، مما يجعلها قابلة للتطوير ومستدامة ومناسبة للتطبيقات الطبية.

ويتصور الفريق أجهزة “إل إي دي” مدمجة يمكن تطبيقها مباشرة على الجلد بعد إزالة الورم جراحيًا لتدمير أي خلايا خبيثة متبقية وتقليل خطر تكرارها.
فعلى سبيل المثال، بعد إزالة الورم الميلانيني أو سرطان الخلايا القاعدية، يمكن لجهاز “إل إي دي” يشبه الرقعة أن يُصدر ضوءً مُركزًا لتنشيط الرقائق النانوية في موقع الجراحة. وهذا النوع من العلاج المحمول والمنزلي يُمكن أن يجعل رعاية مرضى السرطان بعد الجراحة أكثر أمانًا وراحةً وأقل اعتمادًا على زيارات المستشفى.

ويفتح هذا الابتكار أيضًا الباب أمام العلاجات المُركبة. ويُمكن للعلاج الضوئي الحراري أن يجعل خلايا السرطان أكثر عرضة لأشكال أخرى من العلاج، مثل العلاج المناعي أو الأدوية المُستهدفة.

ويمكن للحرارة المُولدة من الضوء أن تُضعف خلايا الورم، وتجعل أغشيتها أكثر نفاذية، وتُحفز الاستجابات المناعية التي تُساعد الجسم على تحديد السرطان وتدميره. ويُمكن أن يُؤدي دمج العلاج الضوئي الحراري القائم على “إل إي دي” مع طرق أخرى إلى جعل خطط العلاج أكثر دقةً وفعاليةً وأقل سمية.

وعلى الرغم من أن هذه التقنية لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن الباحثين يُحسّنون هذه التقنية ويُطورونها. ويجري الباحثون حاليًا أبحاثًا حول تطبيقات جديدة. ويدرسون كيفية تأثير اختلاف أطوال الموجات وأوقات التعرض على النتائج، ويبحثون في إمكانية وصول مواد أخرى مشابهة لأكسيد القصدير إلى أنسجة أعمق، مثل تلك المصابة بسرطان الثدي أو سرطان القولون والمستقيم.

ومن مجالات التطوير الأخرى أنظمة رقائق النانو القابلة للزرع: وهي أجهزة صغيرة متوافقة حيويًا توفر تحكمًا ضوئيًا حراريًا مستمرًا داخل الجسم.
وتُعد إمكانية الوصول إليها من أكثر جوانب هذا العمل إثارة. فنظرًا لانخفاض تكلفة تصنيع الأجهزة القائمة على الصمام الثنائي الباعث للضوء وسهولة تشغيلها، يُمكن استخدامها في المناطق منخفضة الموارد حيث يكون الوصول إلى رعاية مرضى السرطان محدودًا.

ويمكن أن يُسهّل هذا الأمر الوصول إلى العلاج المتقدم من خلال توسيع نطاقه ليشمل ما هو أبعد من المستشفيات الكبرى. وبالنسبة للسرطانات السطحية التي تُكتشف مبكرًا، قد يُدمج علاج الصمام الثنائي الباعث للضوء في إجراءات العيادات الخارجية أو الإجراءات التجميلية، مما يُقلل من وقت التعافي ويُحسّن جودة الحياة. وتُعد السلامة ميزة رئيسية أخرى.

ويُلحق العلاج الكيميائي الضرر بالخلايا السليمة التي تنقسم بسرعة في جميع أنحاء الجسم، بينما يُمكن أن يُلحق العلاج الإشعاعي الضرر بالأنسجة الطبيعية ويُسبب التعب أو التندب. وعلى النقيض من ذلك، يقتصر تأثير العلاج الضوئي الحراري على الموقع المُضاء. ولا يُسبب هذا العلاج أي سمية جهازية، ولا يُسبب أي تلف تراكمي للأعضاء، كما يُسبب أقل قدر من الانزعاج.

وتنبع هذه الدقة العالية من الاستهداف البصري والانتقائية البيولوجية للرقائق النانوية، التي تُسخن خلايا السرطان بشكل تفضيلي نظرًا لتغير أيضها وحساسيتها العالية للإجهاد الحراري.

والخطوة التالية هي ترجمة هذه النتائج المختبرية إلى تجارب ما قبل سريرية، وفي نهاية المطاف إلى تجارب بشرية. وبينما لا يزال هناك الكثير من العمل، يُمكن أن يُمثل العلاج الضوئي الحراري المُدار بمصابيح “إل إي دي” نقلة نوعية في كيفية علاجنا للسرطان، مما يجعل العلاجات أكثر دقةً وأقل تكلفةً وأكثر إنسانية.

ويمكن أن يُصبح الضوء، وهو أحد أبسط الطاقات الطبيعية، أداة طبية فعّالة لتدمير الأورام بشكل انتقائي دون الإضرار بالأنسجة السليمة. ومع ابتكارات مثل رقائق اكسيد القصدير النانوية، فإن رؤية علاج السرطان غير الجراحي والموضعي والصديق للمريض تقترب تدريجيًا من الواقع.

*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:

https://www.sciencealert.com/new-breakthrough-treatment-safely-kills-cancer-cells-with-light
الهوامش:
[1] البروفيسور جاستن ستيبينغ، أستاذ العلوم الطبية الحيوية، جامعة أنجليا روسكين بالمملكة المتحدة.

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *