عُرِف سامي بأنه الرئيس الصعب المراس؛ كلماته أوامر، وصمته تهديد، وباب مكتبه لا يُطرق إلا بخشية.
علّق على بابه لوحة كتب عليها: “إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب”.
لم يرَ في ذلك خطأ، بل كان يراه عنوانًا للقوة وشرطًا للقيادة.
لكنه لم يكن يرى، أو لعله كان يتجاهل، أن الموظفين لا يذكرون اسمه إلا مقرونًا بالتذمر والضيق.
وفي الجهة المقابلة، كان مكتب زميله خالد يعجّ بالحياة. أبوابه مشرعة، والضحكات تملأ المكان، وفريقه يبدع في إنجاز المشاريع بينما فريق سامي يتعثر رغم خبرته وجهده.
وكان هذا المشهد يثير غصّة في صدره:
“لماذا يحبونه؟ ولماذا لا يحبني أحد؟”
وذات يوم، استدعته الإدارة العليا. جلس أمامهم متوقعًا الثناء، لكنه فوجئ بكلمات باردة كحد السيف:
“سامي، إنجازك لا يُنكر، لكن أسلوبك يدمّر فريقك. إن لم تغيّر طريقتك، سنضطر لتغييرك”.
خرج وهو يختنق. لأول مرة، شعر أن الكرسي الذي اعتقده ثابتًا يهتزّ تحت قدميه، وأن الحاجز الذي بناه من الصرامة بدأ يتصدع.
بدأت بعدها مرحلة “التغيير الإجباري” بتوجيه من الإدارة: جلسات استشارية، ودورات عن “القيادة بالتحفيز”.
لكن داخله كان يصرخ:
“أأنا سامي الذي يُهاب، أتحوّل إلى سامي الذي يستجدي الرضا؟ أهذا ما يليق بي بعد كل هذه السنين؟”
كان يشعر أن كل كلمة “شكرًا” ينطق بها تسلبه جزءًا من كبريائه.
أما الموظفون، فلم يصدقوا هذا التحول. عندما قال لأول مرة “أحسنت” لأحدهم، تبادلوا النظرات المرتابة.
قال أحدهم همسًا:
“احذروا، لعلها مجرّد مرحلة… أبو طبع ما يجوز عن طبعه”.
فبقوا متوجسين، وكأنهم ينتظرون انفجار العاصفة.
وفي الوقت نفسه، غضب الذين كان يُحابيهم من قبل.
لم يعد يمنحهم الامتيازات الخاصة، ولا يتغاضى عن أخطائهم، بل صار يطلب منهم ما يطلبه من غيرهم: عمل منظم، وعدل في التقييم.
توتّرت العلاقة، وفقدوا مكانتهم القديمة.
في المقابل، الذين كانوا مظلومين وجدوا في التغيير فسحة.
رفعوا أصواتهم بثقة، وطرحوا أفكارًا لم يجرؤوا على عرضها من قبل.
وكأن ضعف القبضة القديمة أنبت روحًا جديدة في الفريق.
وسط هذا الاضطراب، عاش سامي صراعًا بين صورته القديمة وصورته التي يحاول أن يتصالح معها.
وفي أحد الاجتماعات، قال له أحد الموظفين بجرأة هادئة:
“لسنا نريد أن تفقد هيبتك، فقط نريدك أن ترانا زملاء لا أدوات. نريد أن ننجح معًا، لا لأجلك فقط”.
كلمات بسيطة، لكنها اخترقت كبرياءه.
أدرك أن التغيير لا يعني التنازل عن القوة، بل تحويلها إلى عدل.
منذ ذلك اليوم، تغيّر سامي بحق.
لم يعد يحابي أحدًا، ولم يعد يقسو على أحد.
كان حازمًا وصريحًا، لكن عادلًا وقريبًا.
زالت الشكوك شيئًا فشيئًا، وصارت القلوب تفتح له كما كانت الأبواب تغلق من قبل.
أما هو، فقد أدرك أخيرًا أن الكبرياء الحقيقي ليس في أن تُخيف الناس، بل في أن تملك احترامهم رغم شدتك.
لقد تغيّر سامي، لا لأنه خاف، بل لأنه فهم.
