الأكل الواعي – ترجمة رضي منصور العسيف

Mindful Eating
(بقلم:  – لورانس روبينسون و حيني سيجال –  Lawrence Robinson & Jeanne Segal)

الأكل الواعي هو الحفاظ على وعي اللحظة الحاضرة فيما تتناوله من طعام وشراب. يتضمَّن ملاحظة كيف يؤثر الطعام فيك، والإشارات التي يرسلها جسمك عن الطعم، والاكتفاء، والشبع.

الأكل الواعي يطلب منك أن تدرك وتشاهد — لا أن تُقيّم أو تحكم — المشاعر، الأفكار، والأحاسيس الجسدية التي تراها. ويمكن أن يمتد هذا الوعي إلى عملية شراء الطعام، وتحضيره، وتقديمه، إلى جانب تناوله.

بالنسبة للكثيرين منا، تجعلنا حياة اليوم المزدحمة نأكل بسرعة أو دون وعي: قد نأكل في السيارة أثناء الانتقال، أو أمام شاشة الكمبيوتر، أو مستلقين على الأريكة أمام التلفاز. نأكل دون الانتباه لما إذا كنا جائعين فعلاً أم لا. في الحقيقة، غالبًا ما نأكل لأسباب غير الشعور بالجوع — كالرغبة في تلبية احتياج عاطفي، أو للتخفيف من التوتر، أو لمجابهة مشاعر مثل الحزن أو الملل أو الوحدة.

الأكل الواعي هو عكس هذا النوع من “الأكل بلا وعي”
الأكل الواعي لا يهدف إلى المثالية أو الالتزام بقلّة صارمة في الطعام أو منع نفسك من تناول الوجبات أثناء التنقل. ولا يعني وضع قواعد صارمة عن عدد السعرات أو ما الذي يجب أن تأكله أو تتجنّبه. بل، الهدف هو توجيه كامل حواسك والانغماس في اللحظة في عملية شراء، وطهي، وتقديم، وتناول الطعام.

لكثير من الناس، حتى لو ممارستهم للأكل الواعي مقتصرة على بعض الوجبات في الأسبوع، فإن ذلك يساعدهم على أن يصبحوا أكثر تناغمًا مع أجسامهم، فيجنّبهم الإفراط في الأكل، ويسهّل عليهم تغيير عاداتهم الغذائية، ويجلب لهم شعورًا أفضل بالرفاهية.

فوائد الأكل الواعي
من خلال الانتباه إلى ما تشعر به أثناء الأكل — الملمس، والطعم، والإشارات التي يرسلها الجسم عن الجوع أو الشبع، وكيف تؤثّر أنواع الأطعمة في الطاقة والمزاج — يمكنك تعلّم كيف تستمتع بطعامك أكثر، وخلق علاقة أفضل معه. إن الانتباه للطعام الذي تأكله يمكن أن يُروّج لهضم أفضل، ويجعلك تشعر بالشبع بتناول كمية أقل، ويؤثّر في اختياراتك الغذائية في المستقبل. كما يمكن أن يساعد في التحرّر من العادات غير الصحية المتعلقة بالطعام.

من فوائد الأكل الواعي:
التمهّل وأخذ فسحة للهروب من ضغوط الحياة.
فحص وتغيير علاقتك بالطعام — مثلاً ملاحظة إن كنت تأكل لأسباب غير الجوع.
زيادة المتعة في تناول الطعام بتباطؤك أثناء الأكل.
اتخاذ قرارات صحية حول ما تأكله بناءً على كيف تشعر بعد تناوله.
تحسين عملية الهضم عبر الأكل ببطء.
الشعور بالشبع مبكرًا وبكمية أقل من الطعام.
تناول طعام أكثر توازنًا وصحيًا.

كيف تمارس الأكل الواعي
لكي تمارس الوعي أثناء الأكل، تحتاج إلى أن تكون مشاركًا في العملية بكل انتباه، لا أن تكون على “الطيار الآلي” أو تفعل أشياء متعددة أثناء تناول الطعام (كالقراءة، أو النظر إلى الهاتف، أو مشاهدة التلفاز). عندما ينحرف انتباهك، أعده بلطف إلى الطعام وتجربة الأكل.
ابدأ بفترات قصيرة (مثلاً خمس دقائق) ثم زدها تدريجيًا. وتذكّر: يمكن أن تبدأ ملاحظة الطعام من وقت إعداد القائمة أو تصفّح المطعم.

خطوات مقترحة للممارسة:
1 . خذ بعض الأنفاس العميقة وفكّر في القيمة الصحية لكل قطعة طعام.
2. استخدم كل حواسك أثناء الشراء والطهي وتقديم الطعام: كيف يبدو الطعام، رائحته، شعورك عند التقطيع أو الطهي.
3. استشعر الجوع: ما مدى جوعك؟ لماذا تأكل هذه الوجبة؟
4. تناول قضمة وتمعّن في الإحساس داخل فمك، اطبخها، واكتشف النكهات.
5. لاحظ كيف تتغير تجربتك تدريجيًا: هل تشعر بالشبع؟
6. ضع الأدوات بين القضمات، وتوقف لتفكر كيف تشعر قبل المتابعة.
7. استمر في الأكل ببطء مع الانخراط في الحديث إن كنت مع آخرين، أو إن كنت وحدك فكن حاضرًا في عملية الأكل.

دمج الأكل الواعي في حياتك
ليس من الواقعي أن تمارس الوعي في كل لقمة أو كل وجبة دائمًا، خصوصًا مع ضغوط العمل والعائلة. ولكن حتى لو لم تتمكّن من الالتزام الصارم، يمكنك تجنّب الأكل بلا وعي وتجاهل إشارات جسمك.

قد تتمكن من أخذ بعض الأنفاس العميقة قبل الأكل، والتفكير فيما أنت على وشك إدخاله إلى جسمك: هل تأكل بسبب الجوع أم لأسباب عاطفية؟ هل تختار طعامًا مفيدًا أم مريحًا فقط؟ حتى لو كنت تأكل على مكتبك، حاول لحظة التركيز على الطعام بدل الانشغال بشيء آخر.

فكر في الأكل الواعي مثل التمارين الرياضية: كل جهد تقوم به (حتى لو بسيط) يُحدث فرقًا. كلما زدت من تباطؤك وركزت تمامًا على عملية الأكل، كلما زادت متعة الطعام وتحكّمًا أفضل في عاداتك الغذائية.

استخدام الوعي لاستكشاف علاقتك بالطعام
الطعام يؤثر في رفاهيتك — جسديًا، عاطفيًا، وذهنيًا. قد يعطيك طاقة أو يجعلك تشعر بالخمول أو التذبذب المزاجي. حينما تأكل بوعي، تغدو أكثر حساسية لكيفية تأثير الأطعمة فيك، مما يسّهل عليك اختيار ما يناسبك حقًا.

على سبيل المثال، ربما تكتشف أن الوجبات السكرية التي ترغب بها عندما تشعر بالتعب أو الحزن تجعل الشعور لديك أسوأ بعد ذلك، فيصبح من الأسهل مقاومة الرغبة فيها واستبدالها بخيار صحي يمنحك طاقة أو مزاجًا أفضل.

يجب أن تطرح على نفسك: كيف تجعلني هذه الأطعمة أشعر بعد الأكل؟ لا تكتفِ بسؤال ما إذا كانت تجعلك مريضًا أم لا، بل: إلى أي مدى تحسِّن شعوري؟ كم من الطاقة والحماس أشعر بعد تناولها؟


كيف تشعر بعد تناول طعامك؟
لاستكشاف علاقتك بالطعام:
1. تناول طعامك كما تفعل عادة، لكن مع وعي.
2 . سجّل كل ما تأكله، بما في ذلك الوجبات الخفيفة.
3. لاحظ شعورك الجسدي والعاطفي 5 دقائق بعد الأكل، ثم بعد ساعة، ثم بعد ساعتين أو ثلاث ساعات.
4. لاحظ إذا حصل تغيير: هل تشعر بتحسن أم سُوء؟ هل شعورك بالطاقة زاد أم قل؟
5 . استمر في تسجيل ما تلاحظه، سواء باستخدام الهاتف أو دفتر ملاحظات.

التجربة مع تركيبات طعام مختلفة
بمجرد أن تبدأ بربط اختيارات الطعام بشعورك، تصبح عملية اختيار الطعام أمرًا يستمع إليه جسدك. قد تكتشف أن الأطعمة النشوية تجعلك تشعر بالثقل والخمول.
لا بد أن تجرب:
تناول كميات أقل أو تناول وجبات أصغر.
الاستغناء عن اللحوم لعدة أيام أو استبدال بعضها.
استبعاد مكوّنات معينة (السكر، الملح، الجلوتين، الخبز، الكافيين…) ولاحظ كيف تشعر.
تجربة وجبات متنوّعة: نشوية، بروتينية، نباتية، أو بتركيبات مختلفة.
سجّل ملاحظاتك وراقب أي النظم تضيف إلى جودة حياتك.

الأكل لسد الفراغ مقابل الأكل لتعزيز الرفاهية
بينما الطعام بلا شك يؤثر في كيف تشعر، فإن كيف تشعر أيضًا يؤثر في ما، ومتى، وكم تأكل. كثيرًا ما نخلط بين القلق أو التوتر أو الوحدة وبين الجوع، ونلجأ للطعام لكبت هذا الشعور.

حينما تمارس الأكل الواعي، تكشف كم من طعامك لا علاقة له بالجوع الجسدي بل بمحاولة ملء فراغ عاطفي. قبل الجلوس لتناول طعامك، اسأل نفسك: ما الذي أنا حقًا جائع له؟ هل أحتاج إلى طعام أم أحتاج لشيء آخر؟

يمكن أن يغطي الطعام هذا الفراغ مؤقتًا، لكنه لن يلبّيه بالكامل. ومع مرور الوقت، سيظهر الحاجات الحقيقية.

طرق بديلة لتغذية المشاعر
هل تأكل لتشعر بتحسن أو للتخفيف من التوتر؟ هل تلجأ إلى الآيس كريم أو البيتزا أو الطلب الخارجي؟

ليس مهما كم تشعر أنك غير قادر على التحكم في الطعام، هناك العديد من الطرق لإشباع مشاعرك وإشباع الاحتياج العاطفي بطرق أخرى. الأكل الواعي يدفعك إلى الإبطاء، والتركيز على اللحظة الحاضرة، وملاحظة ما تشعره حقًا. كلما كرّرت السؤال: كيف أشعر بعد هذه الوجبة؟، تبدأ برؤية أن الهدف من الأكل ليس فقط الشعور بالشبع، بل الشعور بالنشاط والحيوية والرفاهية.

أخذ أنفاس عميقة قبل الأكل
التنفّس العميق قد يساعد في تهدئة الجوع، خاصة عندما لا يكون الجوع حقيقيًا. الأكسجين يغذّي الجسم، والتنفس العميق قد يزيد الطاقة والشعور بالرفاهية. ومع التنفّس العميق، تسترخي، ويُخفّف التوتر، الذي كثيرًا ما يُقلَد شعور الجوع.

فكرة: قبل كل وجبة أو وجبة خفيفة، خذ 10 أنفاس طويلة وبطيئة. تساءل: ما الذي أحتاجه حقًا؟ هل أنا جائع؟ إلى أي مدى؟ وواصل طرح الأسئلة أثناء تناول الطعام.

المصدر:
https://www.helpguide.org/wellness/nutrition/mindful-eating

اختصاصي التغذية العلاجية  “رضي منصور العسيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *