رعاية المباني التاريخية – بقلم إسماعيل هجلس

المباني التاريخية قد يراها البعض مجرد مباني بالية وكتل حجرية مهترئة! ولكن هي ليست كذلك كما يظن البعض! بل هي ذاكرة تاريخية ووطنية نابضة ، تختزن بين الحجارة والطين ، قصص وتاريخ الإنسان، وملامح المكان، وتحولات المجتمع عبر الزمن.

مبنى قديم في دارين – محافظة القطيف

إن كل باب ونافذة خشبية، وكل قوس وعمود معماري، وكل زخرفة منقوشة، ماهي إلاَّ وثيقة حيّة تعكس هوية المجتمع وروحها ، ومن هنا تأتي أهمية رعايتها وصيانتها، لا باعتبارها أطلالاً للفرجة، بل باعتبارها أحد ركائز الذاكرة الوطنية ومصدراً للإلهام والإبداع المعاصر.

[أهمية الاهتمام ورعاية المباني التاريخية في ضوء توجيهات القيادة ورؤية 2030]
وقد أكّد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – في أكثر من مناسبة على أن التراث العمراني والثقافي يمثل مكوناً أساسياً في بناء الهوية الوطنية، وأن العناية به ليست ترفاً حضارياً بل واجباً تنموياً ينسجم مع توجهات رؤية المملكة 2030. فالرؤية جعلت من حماية التراث العمراني وإحياء المباني التاريخية جزءً لا يتجزأ من خططها الاستراتيجية، انطلاقاً من إيمانها العميق بأن التنمية الحقيقية لا تقوم إلا على أساس متين من الأصالة والهوية.


ورعاية هذه المباني تتطلب جهداً واعياً يبدأ بالتوثيق العلمي والدراسة المعمقة لخصائص العمارة التقليدية وموادها وأساليب بنائها، ويمر عبر خطط ترميم دقيقة تحترم أصالة المبنى وتستفيد من خبرات الحرفيين والمهندسين المتخصصين، وصولاً إلى إعادة دمج هذه المباني في الحياة المعاصرة بوظائف جديدة، كالمتاحف والمراكز الثقافية والمقاهي التراثية، بحيث تبقى حاضرة في وجدان المجتمع.

كما أن هذه العملية تحتاج إلى وقتٍ كافٍ وصبرٍ طويل، إذ لا يمكن استعجال الترميم أو التعامل معه كعمل تجميلي سريع، بل هو مشروع متكامل يتطلب مراحل مدروسة للحفاظ على أصالة المبنى وضمان استدامته.


أما من الناحية المالية، فإن الاستثمار في المباني التاريخية قد يبدو مكلفاً، لكنه في جوهره استثمار في الهوية والتنمية المستدامة، إذ تسهم هذه المباني في تعزيز السياحة الثقافية، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتوليد حراك مجتمعي وثقافي يثري حياة المواطن والمقيم على حد سواء.

ولا يكتمل هذا الجهد من دون المعرفة والاستشارة العلمية، فالمباني التاريخية تحتاج إلى رؤية شمولية تتكامل فيها التخصصات ، المعمارية والهندسية والأثرية والفنية، حتى تخرج مشاريع الترميم متوازنة بين الأصالة والحداثة.


لقد وضعت رؤية 2030 أهدافاً واضحة لتعزيز حضور المباني التاريخية في المشهد العمراني والثقافي للمملكة، وجعلتها جزءً من مشاريع كبرى مثل برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، ومبادرات وزارة الثقافة وهيئة التراث، مما يؤكد أن المستقبل السعودي يتجه إلى الجمع بين قوة الحداثة وعمق التاريخ، ليظل الوطن متجذراً في أصالته منفتحاً على آفاقه الجديدة.


وبذلك فإن رعاية المباني التاريخية ليست فقط عملاً معمارياً أو أثرياً، بل هي رسالة وطنية تعكس تطلعات القيادة، وتترجم روح رؤية 2030، التي تسعى لأن تجعل من المملكة نموذجاً عالمياً يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين جذور التاريخ وآفاق المستقبل.

المؤرخ اسماعيل هجلس

2 تعليقات

  1. الحقيقه مجهود جبار وعمل رائع واصل وربنا يوفقك ويبلغك ما تتمنى

  2. إبراهيم الخلف

    جهود مباركة أستاذ أبو مصطفى
    في الحقيقة أنت رجل مثابر في عملك هذا الذي تريد له أن يكون مصدرا من مصادر العلم والمعرفة وإضافة ثقافية لتاريخ المباني التراثية والزخارف الهندسية التي كانت موجوده في مباني المنطقة من قديم الزمان
    تحياتي لك🌹

اترك رداً على نجوى عوني إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *