ومضات معرفية من كتاب: النظام الغذائي، والأدوية، والدوبامين: العلم الجديد لتحقيق وزن صحي – ترجمة* عبدالله سلمان العوامي

إسم الكتاب: 
“النظام الغذائي، والأدوية، والدوبامين: العلم الجديد لتحقيق وزن صحي”
[Diet, Drugs, and Dopamine: The New Science of Achieving a Healthy Weight]

تنصل:
هذه الترجمات لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو معارضةً للأفكار والآراء الواردة في النصوص الأصلية، بل تهدف إلى إثراء المحتوى العربي بتقديم معارف ووجهات نظر متنوعة من مصادر متعددة مع مراعاة نقل المعنى والسياق بدقة قدر الإمكان. وقد تتضمن هذه المواد رؤى أو معلومات لا تتوافق مع بعض القناعات الشخصية، إلا أن نشرها يأتي كجسر للتواصل الثقافي والفكري وفتح المجال للنقاش الموضوعي في مجالات كالصحة والتقنية والاقتصاد وغيرها. ونأمل أن تسهم هذه الترجمات في توسيع آفاق القارئ العربي وتعزيز الحوار البنّاء حول مختلف القضايا، مع التأكيد على حق كل قارئ في انتقاء الأفكار أو نقدها بوعي واحترام.

تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون (Amazon):

أفضل الكتب مبيعاً في قائمة نيويورك تايمز (New York Times) على الفور. من مؤلف كتاب نهاية الإفراط في الأكل (The End of Overeating)، الذي حقق مبيعات واسعة وفق قائمة صحيفة نيويورك تايمز (New York Times)، يأتي هذا العمل الجديد ليقدّم فهمًا عميقًا لمسألة وزن الجسم، بما في ذلك الوعود ـ والمخاطر ـ التي تحملها أحدث أدوية إنقاص الوزن.
المعاناة مشتركة لدى الجميع: نبذل جهدًا كبيرًا لإنقاص أوزاننا، لنجد أنها تعود تدريجيًا بمرور الوقت. في الولايات المتحدة الأمريكية (America)، أصبح وزن الجسم قضية مؤلمة يحيط بها شعور باللوم الذاتي والخجل، فضلًا عن التحيز من قبل بعض أفراد المجتمع الطبي. وبالنسبة للكثيرين، لا يقتصر هذا الصراع على أثره النفسي فحسب، بل يمتد ليشكّل تهديدًا جسديًا أيضًا: فثلاثة أرباع البالغين الأمريكيين يعانون من مشكلات صحية مرتبطة بالوزن، مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، ومرض السكري. نحن نعلم أن الحميات الغذائية لا تنجح، وفي الوقت نفسه ندرك أن الوزن الزائد يسرق منا سنوات من العمر ويؤثر على جودة حياتنا. فإلى أين نمضي من هنا؟
في هذا الكتاب النظام الغذائي، والأدوية، والدوبامين (Diet, Drugs, and Dopamine)، يسلّط الدكتور ديفيد إيه. كيسلر (David A. Kessler)، المفوّض السابق لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، الضوء على لغز الوزن في أكثر الأعمال شمولًا حتى الآن حول هذا الموضوع، مانحًا القرّاء القدرة على تحسين صحتهم بشكل جذري. الدكتور كيسلر، الذي عانى شخصيًا من مشكلة الوزن، يشير إلى أن فئة الأدوية الجديدة الخاصة بإنقاص الوزن والمعروفة تحت مسمى (GLP-1)، قد أحدثت اختراقًا مهمًا؛ إذ غيّرت بشكل جذري فهمنا لعملية إنقاص الوزن. فهي تجعل التغيير المستدام ممكنًا، لكنها في الوقت ذاته تحمل سلبيات حقيقية ويجب النظر إليها كجزء من نهج شامل يجمع بين التغذية، والسلوك، والنشاط البدني.
للمعلومية: الرمز (GLP-1) هو اختصار: الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (Glucagon-Like Peptide-1) هو هرمون معوي (إنكريتين) يُفرز من الأمعاء بعد تناول الطعام، ويساعد على تنظيم مستوى السكر في الدم عبر تحفيز إفراز الإنسولين وتقليل إفراز الجلوكاجون، كما يبطئ إفراغ المعدة ويؤثر على الشهية.
العنصر المحوري في هذا المنظور الجديد هو الفهم بأن أدوية إنقاص الوزن تعمل على الجزء من الدماغ المسؤول عن الرغبات الشديدة (Cravings). وبمعنى آخر، فإن هذه الأدوية تقلل نشاط الدوائر الإدمانية التي تضعف قدرتنا على اتخاذ القرارات العقلانية، وتخفف ما يُعرف بـ ”ضجيج الطعام food noise” الذي يشتت انتباهنا.

إن تحديد هذه الآليات يتيح لنا وضع استراتيجية لإنقاص الوزن بفعالية على المدى الطويل، ويبدأ ذلك بمواجهة الحقيقة الواضحة: الأطعمة فائقة المعالجة (Ultraformulated foods) ذات طبيعة إدمانية. إن فقدان الوزن هو، في جوهره، عملية علاج للإدمان.
في هذا الكتاب المتميز، يكسر أحد أبرز المسؤولين في مجال الصحة العامة في الولايات المتحدة الحواجز المحيطة بهذا النقاش الشائك، مانحًا القرّاء الأدوات اللازمة لتعطيل التوصيلات الإدمانية في الدماغ وتغيير علاقتهم بالطعام. ويحذّر الدكتور كيسلر من أن الاعتماد على الأدوية وحدها ينطوي على مخاطر جدية، وليست حلًا شاملًا للجميع. لكن مع هذا الفهم الجديد لدائرة التغذية الراجعة بين الدماغ والجسم، تظهر أمامنا إمكانات جديدة لصحتنا وللتحرر من صراع قد يمتد مدى الحياة.
بأسلوب كاشف، ومثير للتفكير، وموثق بدقة، يُعدّ هذا الكتاب قراءة أساسية لكل من واجه صعوبة في الحفاظ على وزنه — أي بمعنى آخر، لكل شخص تقريبًا.

مؤلف الكتاب:
الدكتور ديفيد آرون كيسلر (Dr. David Aaron Kessler, M.D.)، وُلد في 13 مايو 1951 في بروكلين، نيويورك، وهو طبيب أمريكي بارز، ومحامٍ، ومؤلف، وإداري أكاديمي. حصل على بكالوريوس من كلية أمهرست عام 1973، ودكتوراه في القانون من جامعة شيكاغو عام 1977، ودكتوراه في الطب من جامعة هارفارد عام 1979.
شغل منصب مفوض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في أمريكا بين 1990 و1997 في عهدي الرئيس جورج بوش الأب والرئيس بيل كلينتون، حيث أطلق سياسات رائدة في تنظيم التبغ ووضع الملصقات الغذائية واعتماد الأدوية. تولى بعدها عمادة كلية الطب بجامعة ييل (1997–2003)، ثم عمادة كلية الطب بجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو ونائب المستشار للشؤون الطبية (2003–2007)، ويشغل حاليًا منصب أستاذ في طب الأطفال وعلم الأوبئة والإحصاء الحيوي في (UCSF).
لعب دورًا بارزًا في استجابة الولايات المتحدة لجائحة كوفيد-19، إذ شارك في رئاسة المجلس الاستشاري لكوفيد-19 (2020–2021)، وقاد لفترة وجيزة عملية السرعة الفائقة، ثم شغل منصب كبير المسؤولين العلميين لفريق البيت الأبيض حتى مايو 2023.
من أبرز أعماله المؤلّفة:
1. كتاب صدر في عام ٢٠٠١م، بعنوان: (A Question of Intent: A Great American Battle with a Deadly Industry). يقدم تحليلًا من الداخل لنزاعه مع صناعة التبغ أثناء تولّيه منصب مفوض إدارة الغذاء والدواء (FDA)، مسلطًا الضوء على تداخل الصحة العامة والمصالح الصناعيّة.
2. كتاب صدر في عام ٢٠٠٩م، بعنوان: (The End of Overeating: Taking Control of the Insatiable American Appetite). يتناول هذا الكتاب كيف تؤثر الأطعمة الغنية بالدهون، والملح، والسكر – لا سيما في المطاعم والمنتجات المعالجة – على وظائف الدماغ لتعزيز الإفراط في الأكل، ويُعد من الكتب الأكثر مبيعًا.
3. كتاب صدر في عام ٢٠١٢م، بعنوان: (Your Food Is Fooling You: How Your Brain Is Hijacked by Sugar, Fat, and Salt). وهذا الكتاب عبارة عن نسخة موجهة للشباب، تبسط مفاهيم العلاج العصبي للإفراط في الأكل والتأثيرات المباشرة للطعام المعاصر.
4. كتاب صدر في عام ٢٠١٦م بعنوان: (Capture: Unraveling the Mystery of Mental Suffering). يستكشف هذا الكتاب آليات المعاناة النفسية وتأثيرها على التفكير والسلوك، مع طرح طرق للتعامل معها.
5. كتاب صدر في عام ٢٠٢٠م، بعنوان: (Fast Carbs, Slow Carbs: The Simple Truth About Food, Weight, and Disease). يناقش هذا الكتاب أثر أنواع الكربوهيدرات المختلفة على الوزن والصحة، وارتباطها بمختلف الأمراض.
6. كتاب صدر في عام ٢٠٢٥م، بعنوان: (Diet, Drugs, and Dopamine: The New Science of Achieving a Healthy Weight). يستعرض هذا الكتاب العلاقة بين الدوبامين، النظام الغذائي، والأدوية في إدارة الوزن بأسلوب علمي جديد.

منصة الوميض** (Blinkist) قامت بتلخيص الكتاب في “ست ومضات” معرفية ومقدمة وخلاصة نهائية، وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب وهي كالتالي:

مقدمة – فهم العلم الحقيقي لإدارة الوزن
إذا سبق لك أن شعرت بأن ميزان الحمام هو عدوك اللدود، فأنت لست وحدك على الإطلاق. فثلاثة أرباع سكان الولايات المتحدة الأمريكية (USA) عانوا من السمنة أو زيادة الوزن. وعلى الصعيد الصحي، يدفعون الثمن من خلال ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وانقطاع النفس أثناء النوم، وغيرها.
مؤخرًا، أثبتت أدوية ناهضات مستقبل الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1) — التي قد تعرفها بأسماء مثل أوزمبيك (Ozempic) أو مونجارو (Mounjaro) — فعاليتها في تحقيق فقدان وزن مستدام. إن هذه الفاعلية المدهشة تؤكد ما كان يدركه العديد من الأطباء وخبراء التغذية منذ زمن: أن زيادة الوزن لا تتعلق باللياقة البدنية أو قوة الإرادة، بل بالاستعدادات البيولوجية للجسم. وحقيقة أن حقنة أسبوعية يمكن أن تحقق ما تعجز عنه الحمية الغذائية والتمارين الرياضية تثبت أن السمنة حالة طبية تحركها الهرمونات وكيمياء الدماغ واضطرابات الأيض (خلل التمثيل الغذائي).
هذه الأدوية ليست عصًا سحرية. ولكن الجمع بين العلاجات الدوائية الجديدة مع أساليب إدارة الوزن التقليدية، مثل التغذية والعلاج السلوكي، يمكن أن يحقق نتائج تكاد تقترب من السحر. ستوضح لك هذه الومضات أفضل الطرق لاستخدام جميع الأدوات المتاحة لك في صندوق إدارة الوزن الخاص بك.

الومضة الأولى: لا يوجد شيء بسيط في إنقاص الوزن
إنقاص الوزن أمر بسيط، أليس كذلك؟ يكفي أن تحرق أو تستهلك سعرات حرارية أقل مما تحتاجه للحفاظ على وزنك الحالي، وستذوب الكيلوغرامات الزائدة. لكن هذه المعادلة لا تضمن إنقاص الوزن بشكل مستدام. وإذا كنت تعاني من السمنة أو زيادة الوزن، فأنت تعرف ذلك بالفعل. لأنك تدرك أن الوصول إلى وزنك المثالي المنشود هو أمر أبعد ما يكون عن البساطة.
نحن جميعًا نملك ما يُعرف بـ التوازن الاستتبابي (Homeostatic Balance) أو بمعنى أقرب (الاتزان الداخلي)، وهو الميل الطبيعي للجسم للحفاظ على وزن ثابت من خلال الإشارات الهرمونية التي تنظم الجوع، والتمثيل الغذائي، وتخزين الدهون. لكن لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن، يختل هذا التوازن. هذا الاختلاف في وظيفة الاستتباب يفسر سبب قدرة بعض الأشخاص على الحفاظ على وزنهم بسهولة أو العودة إلى مستواه الطبيعي بعد زيادة مؤقتة، بينما يكافح آخرون بلا نهاية لإدارته. والأسوأ من ذلك أن آليات الاستتباب لدينا تقاوم فقدان الوزن الكبير بشكل ملحوظ. وبعبارة أخرى، عندما يفقد الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن كميات كبيرة من الوزن، فإن آليات الاستتباب لديهم تبدأ فعليًا في المقاومة.
اكتشف الباحثون الذين درسوا المتسابقين في برنامج الواقع “الأخسر الأكبر” (The Biggest Loser) أدلة على مدى شراسة مقاومة الجسم لفقدان الوزن. فقد خسر هؤلاء المتسابقون كميات هائلة من الوزن من خلال أنظمة غذائية وتمارين رياضية شديدة القسوة. لكن ذلك تسبب أيضًا في تغييرات كبيرة في معدلات الأيض الأساسية لديهم، أي عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها الجسم لحرقها لمجرد البقاء على قيد الحياة. فقد انخفض متوسط معدلات الأيض لديهم من نحو 2,600 سعرة حرارية يوميًا إلى 1,750 سعرة فقط. وبناءً على فقدان الكتلة العضلية وحده، قدّر الباحثون أنه كان ينبغي أن يحتاجوا إلى نحو 2,280 سعرة يوميًا. وبعبارة أخرى، تباطأ التمثيل الغذائي لديهم بمقدار إضافي يبلغ 500 سعرة يوميًا — وهي عقوبة أيضية (metabolic penalty) تعني أنهم سيحتاجون إلى تقييد دائم للسعرات الحرارية لمجرد الحفاظ على أوزانهم الجديدة. وليس من المستغرب أن كثيرًا من المتسابقين استعادوا الوزن الذي فقدوه.
هذه العقوبة الأيضية تجعل وضع أهداف واقعية أمرًا بالغ الأهمية. ولكن الأداة التي نستخدمها لتحديد ما إذا كان الوزن صحيًا — مؤشر كتلة الجسم (BMI) — ليست مناسبة تمامًا للغرض. فمؤشر كتلة الجسم يعتمد على طول الشخص ووزنه، لكنه لا يميز بين الكتلة العضلية وكثافة العظام والدهون. فقد يسجّل رياضي محترف ذو كتلة عضلية عالية ونسبة دهون منخفضة تصنيف “سمين” (obese) وفق المؤشر، على الرغم من عدم وجود أي من المخاطر الصحية المرتبطة بالسمنة لديه. ما يهم حقًا هو نسبة الدهون.
إذن، لا مكان هنا للمعادلة البسيطة “السعرات الحرارية الداخلة مقابل السعرات الحرارية الخارجة” (calories in, calories out). فالحقيقة أن إنقاص الوزن المستدام لا يتعلق فقط بتقليل الأكل، بل يبدأ بقياس ما يهم فعلًا للصحة، بدلًا من الاكتفاء بالوزن الكلي، ووضع أهداف واقعية تراعي تكيف الجسم الأيضي (metabolic adaptation).

الومضة الثانية – الأطعمة السامة تبرمج أجسامنا للسمنة
هناك سبب آخر يجعل إنقاص الوزن أمراً صعباً للغاية؟ الأطعمة غير الصحية مصممة حرفياً لتكون مسببة للإدمان.
لن تشعل سيجارة في مطعم هذه الأيام. ففي نهاية المطاف، أدركنا منذ عقود أن النيكوتين مادة كيميائية سامة ومسببة للإدمان. ولكننا محاطون بمادة أخرى لا تقل إدماناً. إنها ليست قانونية فحسب، بل منتشرة في كل مكان. ادخل إلى أي سوبر ماركت أو محل بقالة أو محطة وقود، وستجد نفسك محاطاً بالأطعمة فائقة المعالجة (ultra-formulated foods). فكر في ألواح الحلوى ورقائق البطاطس وبرغر الوجبات السريعة. ولكن فكر أيضاً في حبوب الإفطار، والزبادي المنكه، وألواح الجرانولا، التي يتم تسويقها جميعاً على أنها صحية.
هذه الأطعمة شديدة المعالجة تحتوي على كميات من الدهون والسكّر والملح تحفّز إفراز الدوبامين (dopamine) في مراكز المكافأة في الدماغ. وعندما يتكرر هذا التحفيز بما فيه الكفاية، فإنه يشكّل نفس المسارات العصبية المسبّبة للعادات الإدمانية التي تخلقها المخدرات. لكن هناك مفارقة: على عكس السجائر، تحتوي هذه الأطعمة على مكوّن يحتاجه جسمنا بالفعل، وهو الجلوكوز (Glucose). فالجلوكوز يمد أجسامنا بالطاقة الأساسية لكل وظيفة خلوية. وعلى مدى آلاف السنين، تطوّر جسم الإنسان لإدارة ومعالجة الجلوكوز. لكننا ببساطة لم نتطوّر للتعامل مع المستويات العالية من الجلوكوز الموجودة في الأطعمة فائقة المعالجة. هذه الكميات من الجلوكوز تغمر بشكل فعال مستقبلات القناة الهضمية لدينا، مما يؤدي بدوره إلى تعزيز مسارات الإدمان في جهازنا العصبي بشكل كبير.

إذن، هل ينبغي أن نتوقف عن تناول الأطعمة فائقة المعالجة؟ الأمر أسهل قولًا من فعل. فنحن محاطون بها من كل جانب. والبيئة تؤثر على الإدمان أكثر مما نتصور. وقد أثبتت ذلك دراسات لا حصر لها. إليك مثالًا واحدًا فقط: في سبعينيات القرن الماضي، أصبح 15٪ من العسكريين الأمريكيين في الخدمة الفعلية في (فيتنام Vietnam) مدمنين على الهيروين (heroin)، ومع ذلك لم يحافظ سوى 5٪ منهم على هذا الإدمان بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة الامريكية (USA)، حيث لم يكن الهيروين متوفرًا ورخيصًا كما في فيتنام. هذه المقارنة لافتة للنظر. فمشهد الغذاء في أمريكا، المشبع بالخيارات فائقة المعالجة، يخلق بيئة إدمانية بطبيعتها.
وهكذا، يتآمر الإدمان والبيئة معًا ليبقيا أجسامنا زائدة الوزن. فقد أعادت الأطعمة فائقة المعالجة برمجة أنظمة المكافأة في أدمغتنا، وأفسدت الهرمونات التي تنظم الجوع والشعور بالشبع. وعندما نكافح من أجل التحكم في وزننا، فإننا لا نحارب ضعف الإرادة، بل نحارب بيولوجيا تم اختطافها.

الومضة الثالثة – الأمر لا يقتصر على السعرات الحرارية الداخلة والخارجة
ليست كل أنواع إنقاص الوزن متساوية. فعندما تنظر في المرآة أو تمسك بيدك طبقة من بطنك، فأنت ترى الدهون تحت الجلد (Subcutaneous Fat)؛ وهي الدهون التي تتراكم تحت جلدك. لكن هناك نوعًا آخر من الدهون لا تراه، وهي: الدهون الحشوية (Visceral Fat). هذه الدهون هي التي تتوغل عميقًا في تجويف البطن، وتلتف حول الأعضاء الحيوية مثل المعدة، والكبد، والأمعاء.
ورغم أنها تُسمّى الدهون الحشوية، فإن الدهون الغذائية — مثل الموجودة في لحم الخنزير المقدد (Bacon) — لا تسهم كثيرًا في تراكمها. فعند تناولك اللحم المقدد، تنتقل الدهون عبر الجهاز اللمفاوي إلى الأنسجة الطرفية قبل أن يصل أي فائض منها إلى الكبد، مما يؤدي إلى تراكم ضئيل جدًا من الدهون الحشوية. أما الجاني الحقيقي فهو الجلوكوز (Glucose). فعندما تتناول أطعمة غنية بالكربوهيدرات، يحوّلها جسمك إلى جلوكوز. وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مقاومة الإنسولين، مثل الأفراد ذوي الوزن الزائد أو المصابين بالسمنة، فإن الفائض من هذا الجلوكوز يتحول مباشرة إلى أحماض دهنية تتراكم حول أعضائك الداخلية.
على عكس الدهون التي تتراكم تحت الجلد (subcutaneous fat)، فإن الدهون الحشوية (Visceral Fat) نشطة أيضيًا باستمرار، إذ تضخ بشكل دائم مواد كيميائية مسببة للالتهاب. هذا الالتهاب المزمن ينتشر في أنحاء الجسم، مما يرفع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطان، وانقطاع النفس أثناء النوم، ومرض الكبد الدهني. والأهم من ذلك أن الدهون الحشوية تعطل عمل الخلايا العصبية في الدماغ المسؤولة عن إشارات الجوع، بحيث يتلقى دماغك حرفيًا معلومات خاطئة عن وقت الشبع، ووقت الجوع، وأنواع الأطعمة التي تشتهيها.

وهذا يخلق تأثيرًا متسلسلًا: فالأشخاص الذين يعانون من السمنة ومقاومة الإنسولين يراكمون المزيد من الدهون الحشوية، والتي بدورها ترسل إشارات عصبية إضافية تتغلب على إشارات الشبع الطبيعية. وتزداد المشكلة سوءًا مع الأطعمة فائقة المعالجة الغنية بالجلوكوز، التي تشجع على الأكل الإدماني.
وبما أن الدهون الحشوية أكثر خطورة بكثير من الدهون تحت الجلد، فإن الفوائد الصحية لفقدانها تكون مضاعفة. فخسارة رطل واحد فقط من الدهون الحشوية يمكن أن تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالأمراض الالتهابية.
تُعد الأنظمة الغذائية عالية البروتين منخفضة الكربوهيدرات أكثر فاعلية في استهداف الدهون الحشوية. فتقييد الكربوهيدرات يساعد على تقليل ارتفاعات الجلوكوز، في حين أن البروتين يتطلب طاقة أكبر لهضمه ويساعد على الحفاظ على الكتلة العضلية أثناء فقدان الوزن. وبهذا، يحرم هذا النظام الغذائي الدهون الحشوية من مصدر وقودها الأساسي، مع دعم الصحة الأيضية (metabolic health) بشكل عام.
فماذا يكشف لنا فهم الدهون الحشوية عن السمنة وإدارة الوزن؟، والجواب هو أمران أساسيان:
• أولًا، أن الدهون الحشوية تتداخل مع كيمياء الدماغ، مما يثبت أن السمنة مرض يصيب الدماغ والجسم معًا، وليست مسألة قوة إرادة.
• ثانياً، أنها تظهر مدى عدم اكتمال معادلة “السعرات الحرارية الداخلة مقابل السعرات الحرارية الخارجة” (calories in, calories out) – فبيولوجيا إنقاص الوزن أكثر تعقيداً بكثير من مجرد حسابات رياضية بسيطة، حيث تؤدي الأنواع المختلفة من السعرات الحرارية إلى نتائج أيضية (metabolic outcomes) مختلفة تماماً في جسمك.

الومضة الرابعة – العلاج المعجزة
حسنًا، نحن نعلم أن إنقاص الوزن أمر صعب؛ وأن بعض الأشخاص لديهم استعداد بيولوجي يجعلهم يواجهون صعوبة في فقدانه؛ وأن الأطعمة فائقة المعالجة قد اختطفت آليات أجسامنا المسؤولة عن الحفاظ على وزن صحي؛ وحتى عندما نفقد الدهون، فإننا ما لم نفقد النوع الصحيح منها، فلن نحصل على الفوائد الصحية المثلى.
فهل من المستغرب إذن أننا نبحث عن طريق مختصر سحري لتحقيق فقدان وزن حقيقي، مستدام، ويعزز الصحة؟
إن البحث عن حلول لفقدان الوزن يمتد لآلاف السنين. فقد وصف الطبيب الإغريقي القديم سورانوس الأفسسي (Soranus of Ephesus) المسهلات الطبيعية والتدليك، بينما أوصت النصوص الهندية في الطب الأيورفيدي (Ayurvedic) بحقن شرجية ودقيق البازلاء. أما الأدوية الحديثة فلم تكن أكثر نجاحًا. فقد أزالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أكثر من عشرين دواءً لإنقاص الوزن لكونها غير فعالة، أو ضارة، أو كلا الأمرين معًا. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، تسببت مادة دينيتروفينول (Dinitrophenol) في تلف الأعصاب والإصابة بـ إعتام عدسة العين (المياه البيضاء). وفي سبعينيات القرن نفسه، تم سحب الأمفيتامينات (Amphetamines) بسبب طبيعتها الإدمانية. أما في العقد الأول من الألفية الجديدة، فقد شهدنا سحب عدة أدوية بسبب مخاطر الإصابة بالسرطان والسكتة الدماغية والنوبات القلبية.
لطالما بدا الوصول إلى دواء آمن وفعّال لإنقاص الوزن حلمًا بعيد المنال، حتى تغيّر المشهد فجأة، وتحول هذا الحلم إلى حقيقة ملموسة.
ما الذي حدث؟ دخول ناهضات مستقبل الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1 agonists) إلى الساحة. يشير اختصار (GLP-1) إلى الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (Glucagon-like peptide-1)، وهو هرمون يُنتَج طبيعيًا بواسطة خلايا في الأمعاء عند تناول الطعام. وعندما يرتفع مستوى الجلوكوز في الدم بعد الوجبة، يخبر هرمون (GLP-1) البنكرياس بإفراز الإنسولين. يساعد الإنسولين الخلايا على امتصاص الجلوكوز لاستخدامه في إنتاج الطاقة أو تخزينه.

كما يبطئ الإنسولين من إفراغ المعدة (gastric emptying)، فيبقى الطعام داخلها مدة أطول، ويرسل إشارات الشبع إلى منطقة معينة تحت المهاد (Hypothalamus) في الدماغ، وهي المنطقة التي تتحكم في الإحساس بالجوع.
يبدو وكأنه هرمون معجزة. وكان يمكن أن يكون كذلك، لولا أن الجسم ينتج كميات صغيرة فقط من (GLP-1)، والتي تتحلل خلال دقائق معدودة. لكن العلماء نجحوا في ابتكار نسخة صناعية معززة للغاية من هذا الهرمون.

وعوضًا عن أن يستمر مفعوله دقائق مثل (GLP-1) الطبيعي، فإن هذه النسخ المعدلة تبقى في الدورة الدموية لأيام، ما يمنح إشارات كبح الشهية والشعور بالشبع بقوة أكبر بكثير مما يمكن للجسم إنتاجه طبيعيًا. كما طوّر الباحثون جداول جرعات أسبوعية مدروسة بعناية، يتم زيادتها تدريجيًا على مدى أشهر، مما يسمح للجسم بالتكيف مع المستويات الأعلى من (GLP-1). وكانت النتائج ثورية: 65٪ من المرضى فقدوا أكثر من 20٪ من أوزانهم، ووصل بعضهم إلى فقدان ما يصل إلى 56٪ من وزنهم. ولأول مرة، أصبح بالإمكان عبر الأدوية استهداف المسارات العصبية المسؤولة عن التحكم في الجوع والشبع بشكل محدد ودقيق.

الومضة الخامسة – لا تتجاهل النظام الغذائي (الحمية)
يطرح وصول أدوية (GLP-1) سؤالًا مهمًا: هل ما زالت استراتيجيات فقدان الوزن التقليدية مثل التغذية مهمة؟ فإجراء تغييرات في نظامك الغذائي يمكن أن يؤدي عادةً إلى فقدان ما بين 4٪ و7٪ من إجمالي دهون الجسم، بينما يمكن أن تحقق الأدوية فقدانًا في الوزن يتراوح بين 15٪ و20٪. فلماذا إذن نكلّف أنفسنا عناء حساب السعرات الحرارية إذا كانت حقنة أسبوعية تحقق نتائج أفضل بكثير؟
الجواب هو أن الأدوية ليست حلًا دائمًا. فمعظم الناس سيتوقفون في النهاية عن تناولها لأسباب متنوعة، سواء كانت التكلفة، أو الآثار الجانبية، أو قرارًا شخصيًا. وعند التوقف عن الدواء، سيحتاجون إلى عادات غذائية مستدامة تدعم فقدان الوزن والحفاظ عليه.
فالحقنة الأسبوعية لا تستطيع معالجة المشكلة الجوهرية المتمثلة في إدمان الطعام. أما العلاج الغذائي المصمم خصيصًا لمعالجة هذا الإدمان، وللتعامل مع انخفاض الإحساس بالشبع الناتج عن الأطعمة فائقة المعالجة، فيمكنه ذلك. صحيح أن الدواء يستطيع إيقاف تدفق الدوبامين الذي يغمر دماغك عند تناول الأطعمة فائقة المعالجة المشبعة بالجلوكوز، لكن على المدى الطويل، يمكنك أيضاً التخلص من استجابة المكافأة عن طريق تغيير نظامك الغذائي.

كيف ذلك؟ بالتركيز على تناول الأطعمة الكاملة التي تحتفظ ببنيتها الخلوية السليمة. فكّر في الشوفان المقطوع بالفولاذ (Steel-cut oats) بدلًا من الشوفان سريع التحضير (Instant oatmeal)، والتفاح الكامل بدلًا من صلصة التفاح (Applesauce). فهذه الأطعمة غير المعالجة تحتفظ بحواجزها الطبيعية التي تبطئ عملية الهضم، ولا تسبب تلك الارتفاعات الحادة في الجلوكوز التي تحفّز الرغبات الشديدة في الأكل. وينبغي أن يحتل البروتين موقعًا أساسيًا في نظامك الغذائي، إذ يتطلب طاقة أكبر لهضمه ويساعد على الحفاظ على استقرار مستوى السكر في الدم. أما الكربوهيدرات، فليست العدو، لكن من الأفضل تناولها عندما تخطط لأن تكون نشيطًا بدنيًا، مما يضمن أن يستخدم جسمك الجلوكوز الناتج عن الكربوهيدرات لإنتاج الطاقة بدلًا من تخزينه كدهون.

إن القوة الحقيقية لأدوية (GLP-1) لا تكمن في استبدال العلاج الغذائي، بل في تعزيزه. فهذه الأدوية يمكن أن تساعدك على تعلم تناول الطعام بشكل أكثر صحة والتعرف على اللحظة المناسبة للتوقف عن الأكل. وخلال مراحل مختلفة من رحلتك لفقدان الوزن، قد تعتمد بشكل أكبر على الدواء، وفي مراحل أخرى على النظام الغذائي وحده. فأنت تتخذ مئات القرارات الغذائية يوميًا، وإتقانك لكل من العلاج الدوائي وعلم التغذية يمنحك أفضل فرصة للنجاح على المدى الطويل.

الومضة السادسة – إدارة الوزن لها بُعد ذهني
العلم واضح: يمكن لأدوية (GLP-1) أن تغيّر وزنك بشكل كبير. ولكن عند دمجها مع نهج أكثر شمولية لصحتك العامة ونفسيتك، يمكن أن تحقق ما هو أكثر من ذلك بكثير — يمكنها أن تغيّر حياتك بالكامل. لذلك، يجب أن تحتوي حقيبة أدواتك لإدارة الوزن على ما هو أبعد من الأدوية، واللياقة البدنية، والتغذية، لتشمل أيضًا التركيز على الصحة النفسية، والسلوك، والنوم.
إن فهم علاقتك العاطفية مع الطعام سيساعدك على إجراء تغييرات سلوكية مستدامة. فالعلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy) الموجّه للأكل العاطفي يكشف الفروق بين النية وراء تناولك للطعام والنتيجة الفعلية التي تشعر بها بعد ذلك. فقد تأكل بحثًا عن الراحة أو للتشتيت، لكنك في النهاية قد تشعر بالذنب والندم. وبدلًا من التركيز على ماذا تأكل، ينظر هذا العلاج إلى ما يحدث مباشرة قبل انخراطك في الأكل العاطفي. يساعدك المعالجون على التعرف على المشاعر المحفزة مثل الملل، أو الغضب، أو التوتر، أو الذنب، أو العجز. وعندما تفهم محفزاتك، يمكنك ابتكار ردود بديلة لا تتضمن اللجوء إلى الأطعمة المريحة.

تشير الأبحاث حول “الخصم الآجل” (Delay Discounting) إلى أن دماغك يميل طبيعيًا إلى تفضيل المكافآت الفورية على الفوائد المستقبلية. فتناول قطعة البسكويت التي أمامك أكثر أهمية بلا حدود من الوقاية من مرض السكري بعد عشر سنوات. إن تغيير علاقتك بصحتك على المدى البعيد يمكن أن يغيّر نهجك في الأكل. وهنا يأتي دور التقنيات السلوكية الإستراتيجية لدعم أدويتك وتغييرات نظامك الغذائي. فقد تتخيل نفسك وأنت تدير مضاعفات مرض السكري، أو تحتفظ بصور لأهدافك الصحية في مكان مرئي، أو تحسب التكلفة المالية الحقيقية للفواتير الطبية المرتبطة بالسمنة. تساعدك هذه التقنيات على التفكير بشكل مختلف حيال خياراتك الغذائية من خلال جعل مشكلات الصحة المستقبلية محسوسة وواقعية في الحاضر.

إذًا، هل تُعد أدوية (GLP-1) علاجًا معجزيًا؟ نعم ولا. نعم، لأنها قادرة على تحقيق فقدان كبير في الوزن. ولا، لأنها لا تستطيع إصلاح علاقتك مع الطعام أو إعادة برمجة أنماط الأكل العاطفي المتراكمة عبر عقود. فالاختراق الحقيقي ليس في الدواء نفسه، بل في امتلاك أداة قوية تكفي لتمنحك المساحة لمعالجة كل ما تبقى. وهنا تبدأ التحوّلات الحقيقية.

خلاصة نهائية
في هذه الومضات تعلّمت أن المواقف التقليدية تجاه فقدان الوزن تتجاهل الواقع البيولوجي المعقد للسمنة. إن أدوية (GLP-1) الثورية، مثل أوزمبيك (Ozempic)، هي حتى الآن العلاج الأكثر فاعلية لفقدان الوزن. لكنها ليست حلًا سحريًا؛ ولكن يمكنها أن تكون أكثر فاعلية وتحقق أفضل النتائج عند دمجها مع العلاج الغذائي المستهدف الذي يركز على الأطعمة الكاملة والتدخلات السلوكية التي تعالج أنماط الأكل العاطفي.

*تمت الترجمة بتصرف.

**المصدر: منصة الوميض (Blinkist) وهي منصة تقوم بتلخيص الكتب ، ومكتبتها تحتوي على آلاف الكتب ويشترك في هذه المنصة الملايين من القراء.

الأستاذ عبدالله سلمان العوامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *