غياب الطلاب عن المدرسة لا يعني صمتا مطلقا ولا فراغا دائما ،،، بل صمت يحكي وفراغ يتأهب،،،
علميا لا يوجد فراغ تام ، فالهواء يملأ كل المساحات تقريبا،،، والفراغ ليس دائما غياب الشيء بل هو مساحة لشيء آخر.
يقضي معظم الطلاب اوقاتهم في المدرسة حتى انها تشترك بالذكريات في شطر من بواكير حياتهم ، ومع حلول الإجازة يتبدل فناء المدرسة من حال الى حال وكذلك قاعات وفصول ومكاتب المدرسة. ففناء المدرسة وهو القلب النابض والروح التي تزخر بالحياة طوال العام الدراسي، يتغير حاله جذريًا مع حلول الإجازات. فبينما كان يعج بالأصوات والضحكات والجري واللعب ولقاء الطلبة الزملاء، يصبح في الإجازات مساحة صامتة، تغلفها هالة من الصمت العميق.

في أيام الدراسة، لا تتوقف حركة الطلاب والمدرسين وبعض الأحيان تجد أولياء الأمور في ذلك الفناء الباسم مرة والجاد مرة اخرى. ترى فيه مجموعات تتجمع حول الطاولات تستذكر او تراجع واجبا، طلاب كانوا في سنواتهم الدراسية الأولى ام يافعين او شباب ، بعضهم يركض خلف كرة، وآخرون يتسابقون في ممرات ضيقة، بينما تنتشر أحاديث المراهقين وأصوات المعلمين في كل زاوية. جو مفعم بالنشاط والحيوية وكأنه خلية نحل نشطة.
وفي الإجازة يتغير المشهد ،،،، هدوء وفراغ ، وقد لاحظت هذه المناظر الشبه موحشة عندما كنا نجتمع ونحن في الكشافة في المرحلة الابتدائية في المدرسة الثانية الابتدائية بالقطيف (مدرسة زين العابدين الابتدائية حاليا) وكذلك في المتوسطة الأولى بالقطيف (مدرسة معن ابن زائدة) ، نلتقي في العصر او المساء للتدريب او للتحضير الى برنامج كشفي قادم … وكذلك لما كنا نحضر في الليل او العصر لأي اجتماع عندما كنت في مجلس الأباء كولي امر ، كنت أستشعر هذا الفراغ وهذا الصمت ، فما بالك طيلة أيام الإجازة الصيفية.

كل شبر من هذا الفناء يشهد على حيوية الشباب وطاقتهم اللامحدودة. وهو المسرح اليومي للحياة الاجتماعية للطلاب فيه يتعلمون وفيه يكرمون، وبين جدرانه تتشكل الصداقات وتتبادل الأسرار ويترعرع بين فراغاته شخصيات المستقبل ومسؤوليه،،، فهل لهذا الفناء مجال للصمت المطلق أو الفراغ الدائم؟
لكن مع قدوم الإجازة الصيفية الطويلة، أو حتى إجازات منتصف العام القصيرة، التي يرقبها الطلاب والمدرسين بفارغ الصبر ينسحب هذا الصخب تدريجيًا. ويصبح الفناء خاليًا تمامًا، إلا من أشعة الشمس التي تداعبه، أو ربما بعض الأوراق المتناثرة من شجر حديقة المدرسة التي تحملها الرياح. المقاعد الخشبية أو البلاستيكية التي كانت تستوعب عشرات الطلاب يوميًا تبدو الآن مهجورة وربما امتلأت بالغبار، تنتظر من يجلس عليها من جديد.
جدران الفناء، التي كانت تستند عليها ظهور الطلاب، تصبح صامتة شاهدة على غيابهم وكأنها تناديهم من الفقد والوحشة. حتى سلة المهملات التي كانت تمتلئ ببقايا الطعام والأوراق، تظل فارغة، وكأنها هي الأخرى في إجازة وطابور المقصف خاليا.
هذا الصمت لا يعني فراغا، بل يحمل في طياته الكثير من الحكايات وهو لوحة من اللوحات التشكيلية التي تتيه في وصفها الألوان. كل زاوية في الفناء تحتفظ بذكرى ضحكة، أو همسة، أو حتى دمعة. الأشجار القليلة التي تزين الفناء الخارجي للمدرسة، والتي كانت تظلل الطلاب في وقت الظهيرة، تستمر في النمو، وكأنها تستعد لاستقبالهم مجددًا. في هذا الهدوء، يمكن للمرء أن يتخيل أصداء الماضي: أصوات حافلات المدرسة وهي تفرغ حمولتها من الطلاب، رنين جرس الطابور وجرس انتهاء الحصص، وصيحات الفوز في لعبة كرة القدم او السلة او الطائرة.
فناء المدرسة الخالي في الإجازة ليس مجرد مساحة مهجورة، بل هو فترة توقف وتأمل. هو استراحة للمكان قبل أن يستعيد عافيته وتدفعه الحياة مجددًا مع عودة الطلاب والمعلمين. إنه يعلمنا أن لكل صخب نهاية ولكل صوت صمت، وأن الصمت والفراغ ضروري ليعاد شحن الطاقات لما هو ات، استعدادًا لدورة جديدة من التعلم واللعب والحياة. إنه صمت يحمل وعدًا بالعودة وبوجوه جديدة من المعلمين والطلاب الجدد، وإثارة وترقب لما سيحمله العام الدراسي القادم من ذكريات تضاف إلى جدران هذا الفناء الشاهد على أجيال وأجيال.

قلب المدرسة في العطل نظنه فارغا لكنه مليئ بالعبرة والدروس ، فالفراغ في الفلسفة الصينية ليس نقصا إنما هو إستعداد ، وفي المدرسة اليابانية هو المسافة بين الأشياء ، كالصمت بين نغمتين في مقطوعة موسيقية ، وفي الفن الإسلامي الفراغ في الزخارف والخط العربي يخلق توازنا بصريا تاركا مجالا واسعا للتأمل.
الفراغ ليس “لا شيء” بل “مكان لكل شيء” ، هكذا هي المدرسة وفنائها ، ولا نخطئ أبدا إذا قلنا أن المدرسة كالأم تترقب عودة أبنائها من بعد غيابهم كان طويلا كالعطلة الصيقية او قصيرا كعطلة نهاية الأسبوع ، هي متلهفة لقدومهم بخير وسلام.
الطبيعة تكره الفراغ ، وكذلك المدرسة ، فهي وإن خلت من الطلاب فهي عامرة بالعلم والفلسفة وبيئة حاضرة وحاضنة للإبداع الكوني والإنساني.
تمنياتنا ،، عودا حميدا لكل الطلاب والمعلمين والاداريين مع بداية الفصل الدراسي الجديد لعام 1447 1448هـ والكل قد جدد طاقاته لسنة دراسية موفقة بإذن الله….

مقال جيد ملئ بالاحساس والشعور الذي قلما تجده عند من يزور فناءا مدرسيا فأغلبنا قد لا يشعر بما شعرت به ولكنك ابا ميثم جعلت له روحا وأحساسا و أن الحياة تدب فيه وتتجدد عندما عندما تفتح المدرسة أبوابها من جديد. لقد عيشتنا بهذا الاحساس الرقيق والروح الخفية التي طالما تواجدت في فناء المدرسة ولكننا لم ندركها أو نحس بها.