{“الفتحة” و”الافتتاح” في العمارة التقليدية الخليجية}
العمارة التقليدية في الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص في محافظة القطيف، يظهر تميّز واضح في فهم البنّائين والمعماريين المحليين للفراغات والفتحات ، هذا التميّز يتجلى في التفرقة الدقيقة بين مفهوم “الفتحة” ومفهوم “الافتتاح”، ( المعماري عصام صفي الدين) .وهي تفرقة تعبّر عن وعي معماري عميق يتجاوز الاستجابة الوظيفية ليصل إلى مستوى التصميم الواعي والمُحمّل بدلالات بيئية وثقافية وجمالية.

فالـفتحة (Opening) هي فراغ معماري يُنشأ في الجدران أو الأسقف لأغراض التهوية أو الإضاءة أو الحركة، مثل الأبواب والنوافذ والرواشين والكُوّات والشمسة، وغالبًا ما تكون استجابة مباشرة لحاجة وظيفية، دون دراسة شاملة لتأثيرها في تجربة المستخدم أو المحيط المكاني.
أما الافتتاح (Articulated Opening) فهو فتحة مدروسة مقصودة من حيث الموقع، والاتجاه، والحجم، والشكل، والزمن، بحيث تخدم أغراضاً متعددة، منها التهوية الطبيعية، والإضاءة المحسوبة، وتحقيق الخصوصية، وتنظيم العلاقة بين الداخل والخارج، بل وحتى خلق تجربة السكون والشاعرية داخل الفراغ.
ومن أمثلة المباني التقليدية بالقطيف والتي وثقتها (ضوئياً ورياضياً وفنياً) على مدى سنوات ، بيت الجشي الكرام والواقع في قلعة القطيف فريق الخان ، مثالاً على الافتتاح المعماري المقصود، حيث نجد الدرايش والكُوّات والأقواس ، موزعة بعناية على الواجهة الرئيسية والجانبية، بارتفاعات واتجاهات مدروسة تسمح بدخول الضوء دون التعرّض للحرارة المباشرة، خصوصًا في الغرف العلوية الداخلية ، كما تُبرز الكُوّات العلوية (الفتحات الصغيرة) أهمية تصريف الهواء الساخن في الصيف، مما يعكس فهماً عميقاً لخصائص الهواء والكتلة الحرارية.

أما في بيت الدعلوج الكرام والواقع في قلعة القطيف فريق السدرة، فتظهر “الافتتاحات” في الممرات الداخلية والفناء (الحوي) المركزي، حيث تُضاء المساحات عبر نوافذ علوية ضيّقة نوعاً ما ، لا تُرى من الخارج، مما يحقّق توازناً بين التهوية والإضاءة والخصوصية ، وتعمل هذه الافتتاحات على خلق “ضوء خافت” أشبه بما يُرى في العمارة الدينية، ما يضفي طابعًا هادئًا على الفراغ.

وفي بيت خميس بن يوسف الكرام والواقع أيضاً بقلعة القطيف فريق السدرة ، نرى كيف تُوظّف الفتحات العلوية في مجلس الرجال والغرف العلوية ، بما يتوافق مع حركة الشمس والظل، وتُظهر القدرة على التحكم في بيئة الخلوة والمجلس دون الاعتماد على فتحات كبيرة تُفقد الخصوصية أو تخلّ باتساق الجدار.
إن هذا الاستخدام الدقيق للفتحات، وتحويلها إلى “افتتاحات” واعية، يُظهر أن العمارة القطيفية التقليدية لم تكن بدائية أو عشوائية كما يبدوا ، بل كانت ثمرة تراكم معرفي وتجريبي طويل، ارتكز على فهم دقيق للبيئة، ووعي اجتماعي عميق، وذائقة جمالية متقدّمة ، وقد ساهم هذا النهج في خلق فراغات متوازنة، مريحة، ومتصالحة مع محيطها البيئي والطبيعي والثقافي.

بوركت بهذا التقديم