سوق ميّاس [قلب القطيف النابض بالتراث والتجارة] – بقلم علي عبد المحسن الجشي

يُعدّ سوق ميّاس أهم سوق شعبي مركزي دائم في محافظة القطيف. وقد ورث هذا السوق مكانة الأسواق القديمة في المدينة مثل سوق السكة، وسوق الجبلة، وسوق الدهن، وسوق السبخة.

تعود هذه الأسواق إلى مئات السنين، حيث كان الناس يأتون إليها من مختلف مناطق القطيف والبادية المجاورة. ومع مرور الوقت، أُزيلت هذه الأسواق في فترات مختلفة ضمن مشروعات التطوير العمراني، لتوسيع الشوارع وتسهيل مرور السيارات التي حلّت محل عربات الحمير والقواري.

ولأن هذه الأسواق كانت مصدر رزق رئيسيًا للناس ووسيلة لتلبية حاجاتهم، كان لا بد أن تستمر. فظهرت محلات جديدة تركزت حول حي ميّاس، وامتدت إلى الشوارع القريبة. وهكذا استمر نشاط السوق واكتسب شهرة واسعة، وأصبح سوق ميّاس الوريث الطبيعي للأسواق القديمة، وحافظ على روح الزخم الشعبي.

 سوق مياس سنة ١٩٦٩م من تصوير محمد الغريافي (ابو حسن)

يمتاز سوق مياس بعدة خصائص جعلته المكان المناسب للسوق المركزي:

أول هذه الميزات هي مجاورته لحي ميّاس في قلب مدينة القطيف. هذا الحي معروف بطيبة أهله وهدوؤهم وتمرسهم في التجارة، ربما بسبب قربهم من الأسواق القديمة.
كما أن الموقع الجغرافي للحي أثّر في طبيعة السكان وأسهم في نمو المنطقة وازدهارها واستقطابها للزوار. هذه الميزة تجعل السوق مكانًا آمنًا ومحبوبًا، يقصده الناس من كل مكان مطمئنين.
حدود حي ميّاس:
• من الشمال: شارع الصادق
• من الجنوب: شارع بدر
• من الشرق: شارع الملك عبد العزيز
• من الغرب: شارع الإمام علي

الميزة الثانية هي موقع السوق المتوسط بين أحياء القطيف ومدنها وقراها، مما سهّل الوصول إليه عبر مختلف الطرق الرئيسة. كما إن سيارات التاكسي وسيارات النقل الخفيف تتخذ لنفسها محطات وقوف وخدمة بالقرب منه. تاريخيًا كان موقف سيارات الأجرة المنشأ من قبل البلدية يقع في هذا السوق.

الميزة الثالثة هي مركزية السوق بين محلات متنوعة تحيط به وتمتد نحو الأحياء المجاورة، ما منحه دورًا طبيعيًا في حركة التجارة والحياة اليومية.
كما توجد أسواق أخرى قريبة منه، مثل سوق الخميس غربًا، وسوق الخضار شرقًا، وسوق الذهب القديمة عند حي الشريعة.

مصدر الصورة: https://www.urtrips.com/mayyas-market-qatif/

الميزة الرابعة هي تنوع الأنشطة التجارية. يضم السوق محلات متعددة، منها:
• محلات الملابس، الخياطة، العبي
• التحف والهدايا، الجوالات، الساعات، الأواني، الأجهزة الكهربائية
• العطور، الحلويات، البهارات
• الحقائب، السجاد، البطانيات
• الصيدليات والعطارة
• الموبيليا والأعمال الخشبية
• أدوات السباكة والكهرباء ومستلزمات البناء
• محلات قطع غيار السيارات
• ورش إصلاح الأجهزة
وفي السنوات الأخيرة، أضيفت محلات الذهب والاتصالات، ما زاد من تنوع السوق.

الميزة الخامسة هي المطاعم والأنشطة الاجتماعية. يضم السوق مطاعم وبوفيهات وأكشاك أطعمة محلية تضفي أجواء مميزة، خصوصًا للأطفال المرافقين لعائلاتهم.
في السوق تجد خبز التاوا الساخن، والفلافل، والسكسبال المحمّص، وحلوى المخرق القطيفية. كما ينظم أصحاب المحلات فعاليات تراثية في رمضان والمناسبات الشعبية، ما يُبقي هوية السوق حية.

الميزة السادسة هي وجود معالم ومراكز تجارية معروفة، منها:
• سوق ميّاس المركزي للملابس النسائية
• سوق عامر بن ليل المتخصص في الملابس
• مجمع الخنيزي التجاري، الذي كان من أهم المجمعات قبل أن تتم إزالته ضمن توسعة شارع الملك عبد العزيز
• مطحنة السماح: من أقدم المحلات في السوق، تعود بداياتها إلى أكثر من مائة عام، أسسها الجد عبد الكريم السماح. تطورت عبر الأجيال لتوفر أجود أنواع البهارات وتُحافظ على جودتها، وتلبية احتياجات المطبخ المحلي.
• عطارة إبراهيم الجامع: توفر منتجات تقليدية للعلاج والطبخ مثل المرة، العلك، الحبة السوداء، والزهور العطرية، وكانت العطارة قديمًا بمثابة الصيدلية.

المصدر: https://uk.images.search.yahoo.com

الميزة السابعة هي الأجواء المريحة للزوار. سوق ميّاس مكان مناسب للعائلات، فهو سوق مشاة بعيد عن ازدحام السيارات، وتتوفر حوله مواقف ومساجد تسهّل التسوق.

الميزة الثامنة هي وجود محلات ترفيهية شهيرة، منها:
• قهوة الغراب، التي أعيد بناؤها بطراز تراثي جميل لتكون معلمًا سياحيًا.
• مقهى السدرة، بطابع قطيفي أصيل.
• مطعم إدريس، الذي يحتفظ بطابعه الشعبي ويشتهر بأطباق الباجة والسمك والفطور.

الميزة التاسعة هي وجود البنوك والمصارف. كان السوق يضم فروعًا لمعظم البنوك، مثل بنك القاهرة، البنك العربي، البريطاني، والفرنسي، ومع انتقالها لاحقًا إلى شارع القدس وشارع أحد، بقي فرعا البنك الأهلي وبنك الرياض لدعم النشاط التجاري.

الميزة العاشرة هي القيمة الاقتصادية والاجتماعية. في هذا السوق تجد ما لا يوجد في المحلات الحديثة. أذكر مرةً أن ابنتي طلبت أداة خياطة نادرة، ولم أجدها إلا في سوق ميّاس.
كما أن أصحاب المحلات غالبًا هم أنفسهم الباعة الذين يحرصون على التعامل الطيب والسمعة الطيبة، مما يعزز الثقة.

إضافة إلى دوره الاقتصادي، للسوق بُعد اجتماعي وثقافي؛ فهو مكان لقاء وتواصل وذكريات جميلة. أتذكر أنني في الإجازة الصيفية كنت أفرش بعض البضائع أمام دكان عمي، وأبيعها في يوم الخميس أكثر مما أبيع في أسبوع كامل، وكان صديقي صالح يساعدني. كما أحتفظ بذكريات شراء الشماغ، والجوتي اللندني، وسترات الشتاء ومستلزمات المدرسة.

المصدر: https://uk.images.search.yahoo.com

الميزة الحادية عشرة هي كونه وجهة سياحية. الأسواق الشعبية جزء من تجربة السفر؛ فهي تحمل روح المكان وتاريخه. وكما يزور الناس سوق المباركية في الكويت أو خان الخليلي في القاهرة، يأتي الزوار إلى سوق ميّاس ليجدوا روح القطيف الأصيلة.

مستقبل السوق وتحدياته

رغم انتشار المولات، لا يزال سوق ميّاس يحافظ على جاذبيته للذين يحبون البساطة والأسعار المناسبة. ومع توسعة شارع الملك عبد العزيز، يتوقع أن تتحسن حركة السوق، وتعود بعض المحلات والمطاعم التي أُزيلت، مثل:
• مقهى البلدية
• مطعم الحضرمي
• قهوة الضو

ولكي يظل السوق حيًا، نحتاج إلى التوازن بين الحفاظ على التراث وتلبية متطلبات العصر.

مقترحات لتطوير السوق

• العناية بالنظافة والصحة العامة
• توفير دورات مياه ملائمة
• تطوير البنية التحتية مع المحافظة على الطابع القديم
• ترميم الأزقة بخامات تراثية
• توفير مواقف سيارات كافية
• إنشاء ممرات للمشاة
• وضع لوحات تعريفية بتاريخ السوق
• تخصيص ركن للتراث الشعبي
• إقامة مهرجانات موسمية
• تنظيم زيارات تعليمية للطلاب

خاتمة

سوق ميّاس هو مركز اجتماعي وثقافي واقتصادي يعبّر عن هوية القطيف وتاريخها.
وبحسب تقديرات (ChatGPT)، يحتل سوق ميّاس المرتبة العشرين بين الأسواق الشعبية العربية، لما يتميز به من تاريخ وأهمية اقتصادية وثقافية.

نتائج البحث في (ChatGPT) عن مرتبة سوق مياس بين الأسواق في العالم العربي

وبتعاون البلدية والغرفة التجارية وأصحاب المحلات والمستثمرين، يمكن لهذا السوق أن يستعيد مكانته ويكون ركيزة للتنمية السياحية والتراثية في المنطقة.

المهندس علي الجشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *