إهداء تأملي:
إلى أولئك الذين لا يمرّون بجوار الشاطئ مرورًا عابرًا، بل ينصتون إلى أنين الطبيعة…
إلى من ينحني ليُزيل زجاجة فارغة أو كيسًا عالقًا بين الجذور، مدركًا أن الأرض تستحق الاحترام.
سواحل المانغروف ليست مجرّد شواطئ مزينة بالأشجار الغريبة أو الغابات الساحلية المنسية؛ بل هي أنظمة بيئية فريدة تُعدّ من بين أكثر المواطن الطبيعية إنتاجيةً وتنوّعًا على وجه الأرض.
تمتدّ جذورها في الطين، وتتشبّث بالأمل، وتمنح الحياة لعشرات الأنواع البحرية والبرية. إلا أن هذا الجمال الأخّاذ يواجه تحدّيًا متزايدًا: التلوث البشري، وغياب الوعي البيئي، والتعدّي غير المسؤول. لذا بات الحفاظ على نظافة هذه السواحل واجبًا جماعيًا، لا ترفًا نخبويًا ولا نشاطًا موسميًا.
نبذة علمية وبيئية
المانغروف (Mangroves) هي أشجار أو شجيرات تنمو في البيئات الساحلية المالحة أو الشبه مالحة، وتتميّز بقدرتها الفريدة على التعايش مع الملوحة، التربة الطينية، والمدّ والجزر اليومي. وهي تنتشر في أكثر من 120 دولة، وخصوصًا في المناطق المدارية وشبه المدارية مثل الخليج العربي، سواحل شرق أفريقيا، جنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية.
أهم الوظائف البيئية للمانغروف:
• حماية السواحل من التآكل والعواصف.
• دعم التنوع البيولوجي: فهي موطن للأسماك، القشريات، الطيور، والزواحف.
• تصفية المياه من الرواسب والملوّثات.
• امتصاص الكربون: تُعدّ من أفضل النظم البيئية في عزل ثاني أكسيد الكربون.
• رعاية الثروة السمكية: إذ تُعتبر مهدًا للعديد من الكائنات خلال مراحل نموّها الأولى.
المشكلة “التلوث والنفايات على سواحل المانغروف”
رغم أهميتها، أصبحت سواحل المانغروف مكبّات غير رسمية للنفايات الصلبة والبلاستيكية. في بعض المواقع، تُغطّى الجذور بالنفايات البلاستيكية، وتطفو قوارير المياه وأكياس التسوّق فوق سطح المياه الراكدة، فيما تتعثر الكائنات الصغيرة في نفايات لا صلة لها بالطبيعة.
أنواع التلوث المنتشرة:
• النفايات البلاستيكية: زجاجات، أكياس، أدوات تغليف.
• المخلفات العضوية والصناعية.
• التسربات النفطية من القوارب والموانئ القريبة.
• مخلفات البناء أو النفايات السائلة الناتجة عن الأنشطة البشرية العشوائية.
الآثار الكارثية لتلوث سواحل المانغروف
1. اختناق الجذور وموت الأشجار
تحتاج جذور المانغروف إلى التهوية الدائمة، ولكن النفايات البلاستيكية قد تسدّ المسامات وتمنع الأوكسجين من الوصول إلى التربة، مما يؤدي إلى اختناق الأشجار.
2. تهديد الحياة البحرية
الأسماك الصغيرة والروبيان وسرطانات البحر تعيش بين الجذور. تراكم النفايات يدمّر بيئتها ويزيد من خطر نفوقها أو هجرتها.
3. اختلال دورة المغذيات
النفايات تمنع تحلل الأوراق العضوية وتحول دون إعادة توزيع المغذيات الطبيعية في النظام البيئي.
4. إعاقة الدور البيئي في امتصاص الكربون
المانغروف تمتص الكربون بكفاءة، ولكن الأشجار المصابة أو الميتة تفقد قدرتها على أداء هذا الدور، ما يسرّع وتيرة تغيّر المناخ.
المسؤولية المشتركة: من يحمل العبء؟
إن المسؤولية عن نظافة سواحل المانغروف لا تقع على جهة واحدة، بل تتوزع على عدة مستويات:
1. المسؤولية الحكومية
• سنّ تشريعات صارمة لحماية المانغروف.
• تنظيم حملات مراقبة دورية.
• توفير صناديق النفايات والمرافق المناسبة بالقرب من الشواطئ.
• إنشاء محميات طبيعية مغلقة للأنظمة البيئية الحرجة.
2. دور المجتمعات المحلية
• تشكيل فرق تطوّعية لجمع النفايات.
• إدماج المدارس والجامعات في حملات التوعية البيئية.
• تعزيز العلاقة بين السكان والبيئة الساحلية من خلال الأنشطة التفاعلية.
3. دور الشركات والمؤسسات
• الالتزام بالمعايير البيئية في المشاريع الساحلية.
• دعم مبادرات إعادة التأهيل والتنظيف.
• المساهمة في نشر الوعي البيئي عبر المسؤولية المجتمعية.
4. مسؤولية الفرد
• عدم رمي النفايات أثناء التنزه أو التخييم.
• التبليغ عن أي تعدّيات على البيئات الساحلية.
• المشاركة الفعالة في الحملات البيئية.
• تربية الأبناء على احترام الطبيعة.
نماذج ملهمة: دروس من العالم
• الإمارات العربية المتحدة: أطلقت “مبادرة زراعة مليون شجرة مانغروف”، مرفقة بجهود تنظيف شواطئ المانغروف في أبوظبي ودبي.
• الهند: شهدت بعض المناطق مشاركة آلاف الطلاب في حملات تنظيف استمرت لأشهر.
• الفلبين: أُدمجت مناهج البيئة البحرية في المدارس مع زيارات ميدانية للمانغروف.
التكنولوجيا كأداة للرقابة والحماية
في العصر الرقمي، يمكن للتكنولوجيا أن تساهم بشكل كبير في حماية سواحل المانغروف:
• الطائرات المسيّرة (Drones) لمراقبة التعديات.
• الخرائط الرقمية لتحديد مواقع التجمعات الكبيرة للنفايات.
• تطبيقات الهواتف الذكية لتبليغ المواطنين عن التلوّث أو الانتهاكات البيئية.
خاتمة: حين تغسل يدك، اغسل الشاطئ أيضًا
المانغروف ليست مجرد أشجار؛ إنها أرواح صامتة تحرس الشواطئ، وتنقّي الهواء، وتحتضن الحياة. نظافتها ليست مهمة عابرة، بل التزامٌ أخلاقيٌّ وعلميٌّ نابع من إيمان عميق بأن الإنسان لا يمكنه النجاة ما لم يكن جزءًا من دورة الحياة، لا عدوًّا لها. نحن مدعوّون لا إلى المشاهدة فقط، بل إلى الفعل؛ إلى إعادة تعريف علاقتنا بالبحر والساحل والجذر والطين.
{فكل قارورة تُزال، وكل كيس يُجمَع، هو قُبلة على جبين الأرض}
اترككم لتامل بعض هذة الصور التي التقطتت على ساحل تاروت المنطقة الصتاعية التركيا من المنطقة الشرقية بتاريخ جون 22 من عام 2025م و التي تطرح سؤال المليون ريال: [مسؤولية من هذا الاهمال والعبث المستمر بالبيئة والحياة البحرية التي أولتها حكومة المملكة العربية السعودية كل رعاية و اهتمام لحمايتها]:

مراجع ومصادر علمية:
• UNEP (United Nations Environment Programme) – Mangroves: Nature-based solutions to climate change.
• FAO – The World Atlas of Mangroves.
• IUCN – Mangrove Restoration: To Reverse Coastal Ecosystem Loss.
• NOAA (National Oceanic and Atmospheric Administration) – Mangrove Forests.
• دراسة ميدانية بيئية حول تلوث سواحل الخليج العربي، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، 2022.