في فصل الصيف تتجه كثير من العائلات الى استئجار استراحات لتستمتع بوقتها، وبين آونة وأخرى نسمع أو نقرا خبرا غير سار عن غرق طفل في هذه البلدة أو تلك، نتيجة غفلة الوالدين عنه.
وعندما يسقط طفل أو حتى شخص بالغ في الماء، فمن الطبيعي أن يستنشق الماء ويبتلعه، وعندها يسارع الموجودون لإنقاذه وهم في حالة من الذعر والاضطراب، وبمجرد أن يخرج الشخص من الماء، يفترض معظم الناس أن الخطر قد زال،،،
ولكن قد يحدث ما لم يكن في الحُسبان.
وقد يجهل أرباب الأسر ما قد يتعرض له أطفالهم من غرق جاف أو غرق ثانوي، وذلك لقلة معرفتهم بأعراضهما وما ينبغي لهم عمله عند حدوثهما. وفي هذه المقالة، أحاول طرح هذا الموضوع بلغة مبسطة، مستهدفا إشاعة ثقافة يمكنها أن تساهم في انفاذ الأطفال.
وسأبدأ بتعريف هذين المصطلحين والفرق بينهما ثم أعرج على الأعراض وما ينبغي مراقبته من قبل والدي الطفل وكيفية التعامل مع الطفل عند ظهور هذه الأعراض، وما سيقوم به طبيب الاسعاف في المستشفى، اضافة الى نصائح وقائية لمنع الغرق الجاف، وحتى لا أثير قلقا غير متوازن سنعرض احصاءات عن عدد الذين يتعرضون لهذين الغرقين.
يحدث الغرق الجاف عندما يبلع أو يستنشق الطفل كمية صغيرة من الماء عبر الأنف أو الفم، مما يُسبب تشنجًا في الحنجرة وإغلاقًا جزئيًا أو كليًا للمجرى التنفسي. ويمنع هذا التشنج دخول الهواء إلى الرئتين، مما يؤدي إلى نقص الأكسجين. وتظهر الأعراض عادة بعد ساعة الى 24 ساعة من خروج الطفل من الماء، ولا يصل الماء إلى الرئتين في هذه الحالة. وقد يتعرض البالغون الى الغرق الجاف ايضا عند السباحة في الأنهار أو البحيرات أو المحيط.

وبخلاف الغرق التقليدي حيث لا يستطيع الشخص التنفس تحت الماء، يحدث الغرق الثانوي عند استنشاق او دخول الماء إلى الرئتين حتى بكميات صغيرة، ويسبب تهيجًا في الأنسجة، مما يؤدي إلى تراكم السوائل (أو ما يسمى الوذمة الرئوية وهي حالة مَرَضية تُسببها السوائل الزائدة في الرئتين، حيث تتجمع في الأكياس الهوائية العديدة الموجودة في الرئتين، ما يُصعّب من عملية التنفس) وصعوبة تبادل الأكسجين. ويعرف الغرق الثانوي أيضًا باسم “الغرق المتأخر”، ويمكن أن يحدث بعد ساعات من مغادرة الشخص الماء، وقد تتأخر الأعراض حتى 24–72 ساعة بعد السباحة.
ورغم أن مصطلح “الغرق الثانوي” شائع، إلا أنه في الواقع تسمية خاطئة طبيا، فلا توجد حالة طبية تُعرف باسم “الغرق الثانوي”، والمصطلح الطبي الصحيح المستخدم لحالات الغمر في الماء غير المميتة هو “إصابة الغمر”.
ويوضح الجدول التالي الفرق بين الغرق الجاف وإصابة الغمر:
المعيار | الغرق الجاف | الغرق الثانوي |
مكان التأثير | الحنجرة ومجرى التنفس العلوي | الرئتين |
دخول الماء | لا يصل للرئتين | يصل للرئتين بكميات قليلة |
وقت ظهور الأعراض | 1 – 24 ساعة | 24 – 72 ساعة |
الآلية (الأعراض) | تشنج عضلات الحنجرة | التهاب ووذمة رئوية |
أعراض تحذيرية يجب مراقبتها بعد السباحة
يجب على الوالدين مراقبة الطفل لمدة 24–48 ساعة بعد أي حادث غرق (حتى لو كان بسيطًا)، وتشمل الأعراض:
• صعوبة التنفس: تنفس سريع أو سطحي، صوت صفير (أزيز)، أو توسع فتحتي الأنف.
• السعال المستمر: خاصة إذا كان مصحوبًا بقيء أو رغوة من الفم.
• التغيرات السلوكية: خمول غير معتاد، نعاس مفرط، تهيج، أو فقدان الوعي.
• علامات نقص الأكسجين: شحوب البشرة، ازرقاق الشفاه أو الأظافر.
• أعراض أخرى: ألم في الصدر، صعوبة الكلام، أو فقدان التركيز.
وهناك مثال شائع وهو طفل يبدو طبيعيًا بعد السباحة، لكنه يشكو لاحقًا من التعب ويبدأ بالسعال المتكرر – هذه علامات لا ينبغي تجاهلها.
كيف يتعامل الوالدان فور ملاحظة الأعراض؟
أولا- الإسعافات الأولية الفورية:
• إذا كان الطفل فاقدًا للوعي: وضعه في وضعية جانبية ثابتة، وطلب المساعدة فورًا.
• إذا توقف التنفس: البدء فورًا بعملية الإنعاش القلبي الرئوي (30 ضغطة على الصدر + نفختين في الفم) حتى وصول الإسعاف.
ثانيا- التوجه إلى الطوارئ: حتى لو كانت الأعراض خفيفة (مثل سعال مستمر)، يجب الذهاب إلى المستشفى فورًا – وليس الانتظار لزيارة طبيب الأطفال العادي.
ثالثا- عدم التهاون: 95%من حالات استنشاق الماء لا تسبب مضاعفات، لكن المراقبة ضرورية لأن الغرق الجاف “قاتل صامت”.
الفحوصات الأساسية والتعامل الطبي في المستشفى
تشمل الفحوصات الأساسية في غرفة الطوارئ قياس مستوى الأكسجين في الدم، وتصوير الصدر بالأشعة السينية للكشف عن الوذمة الرئوية، وفحص وظائف التنفس. ويعتمد العلاج على شدة الأعراض، وتنقسم العلاجات الى:
• الحالات البسيطة: مراقبة الطفل لمدة 4–24 ساعة في المستشفى مع إعطاء أكسجين إضافي.
• الحالات المتوسطة/الشديدة: استخدام أجهزة التنفس الصناعي، إدخال أنبوب تنفس إذا كان التشنج الحنجري شديدًا، واعطاء أدوية لتقليل التهابات الرئة (مثل الكورتيكوستيرويدات).
نصائح وقائية لمنع الغرق الجاف وإصابة الغمر
• المراقبة والإشراف المستمر: مراقبة الأطفال دون انقطاع عند وجودهم في الماء (حتى في الأحواض المنزلية أو أثناء الاستحمام)، فالطفل يمكن أن يغرق في 5 سم فقط من الماء.
• تدابير السلامة: تركيب سياج حول المسابح المنزلية، استخدام سترات النجاة للأطفال غير المتمكنين من السباحة، السباحة فقط في المناطق التي يوجد فيها منقذون.
• التوعية والتعليم: تعليم الأطفال السباحة من عمر مبكر (6 سنوات فما فوق)، تعلُّم الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي.
• بعد الحوادث: مراقبة الطفل 48 ساعة بعد أي حادث غرق (حتى لو كان بسيطًا)، والتوجه للطوارئ عند ظهور أي عرض مقلق.
حقائق مهمة من الإحصائيات
• الغرق الجاف وإصابة الغمر نادران ويمثلان أقل من 2% من إجمالي حالات الغرق.
• 70% من حالات الغرق في الأطفال دون 4 سنوات تحدث في المسابح المنزلية أثناء غياب الوالدين.
• الغرق الجاف قد يسبب الوفاة إذا لم يُعالج خلال الساعات الأولى، لكن التشخيص المبكر ينقذ الحياة بنسبة عالية.
[خلاصة القول هي: “الغرق الجاف قاتل صامت؛ فالأعراض قد تبدو بسيطة كالتعب أو السعال، لكنها إشارة لنقص الأكسجين الذي قد يكون مميتًا”]
