الأساس العلمي للإعتذار – بقلم عدنان أحمد الحاجي

The science of saying sorry
(بقلم: ريتشارد ستيفانز استاذ مشارك في علم النفس،  جامعة كيل في المملكة المتحدة)
(Richard Stephens, Senior Lecturer in Psychology, Keele University)

[قدم للترجمة البرفسور رضي حسن المبيوق، علم النفس التربوي، جامعة شمال أيوا]

مقدمة البرفسور رضي حسن المبيوق

الإعتذار عن عمل او قول سبب أذىً لشخص آخر له مفعول سحري في وأد المشاعر السلبية في مهدها.  وهذا عادةً ما يحصل حينما يقدم  الإعتذار في وقته المناسب وبالطريقة المناسبة. ثمة أمور تمنع او تخلق تردد او تمنع عن التعبير عن الأسف وإظهار الندم الصادق عن قول او فعل سلبي ادى الى جرح مشاعر الطرف الآخر وخدش كرامته. ومن أبرز تلك العوامل هو عدم وجود الإرادة والشجاعة للإعتراف بالذنب والإعتزاز السلبي بالنفس. 

عملية الإعتذار لها عدة خطوات وتبدأ بإعتراف المرأ بالإساءة التي ارتكبها وبتحمل مسؤوليتها وعدم إلقاء اللوم على الطرف الآخر ومن ثم ابداء الندم الصادق عن ما بدر من إساءة وما ترتب عليها من نتائج سلبية على العلاقة التي تربط بين الطرفين.  الخطوة التالية هي التعبير عن الأسف الصادق وطلب العفو من الطرف الآخر. وهذه مبادرة ضرورية وإن كان الإقدام عليها ليس سهلًا، وذلك لأن المعتذر لا يضمن قبول الاعتذار من قبل المعتذر إليه و / أو عفوه . وإذا ما ظفر المعتذر بكرم عفو المعتذر إليه لا بأس بتتويج عملية الإعتذار بالوعد بعدم العودة أو تكرار الإساءة.

أحيانًا نجد صعوبة في تقديم الإعتذار، ربما لأننا نختلف مع الطرف الآخر في شيئ ما او لا نملك مشاعر المحبة تجاهه او لا نهتم بمشاعره واحاسيسه.  أحيانًا قد نستصغر فداحة إساءتنا تجاهه. أحيانًا أخرى قد نعتقد بأن تصرفاتنا تجاهه قد لا يعتبرها هو إساءة، وإن اعتبرها فسوف يكون تأثيرها السلبي فيه تأثيرًا عابرًا وسيتلاشى سريعًا. قد نجد أن هناك من يسيء إلى الناس لا يقدم أي اعتذار لمن ارتكب أساءة بحقه مهما كبرت وذلك حتى لا يُشعِر الطرف الآخر بأنه هو المخطيء   او لشعوره بنرجسية خاصة لها علاقة بتعاليه تمنعه من تقديم الإعتذار لمن أخطأ بحقه.

كل معوقات الإعتذار هذه هي عبارة عن استراتيجيات تنضوي تحت سلوكيات التبرير او التهرب من مواجهة ما حدث، وكلها منفردة او مجتمعة تؤدي الى المزيد من التباعد والتباغض وهدم العلاقة. ولهذا يُعتبر تقديم الإعتذار في اسرع وقت ممكن وبالطريقة المناسبة المتشحة بمشاعر صادقة وواضحة باديًا فيها الندم على ما ارتكب من تصرف مسيء بحق الطرف الآخر له مفعول سحري في مسح وكنس المشاعر السلبية المترسبة في نفس المساء إليه وكفيل بإعادة بريق العلاقة واستمرارها في غياب تلك الحواجز النفسية التي راكمتها تلك الإساءات المتكررة التي تشوب العلاقات الاجتماعية الطيبة.

المقال الذي بين يديك الذي إختاره الإستاذ عدنان أحمد الحاجي بعناية فائقة يتناول  الأساس العلمي لهذا الموضوع الهام في جوانبه المتعددة و في إشاراته من خلال أمثلة او حالات على أصعدة مختلفة أكانت اجتماعية او أسرية أو حتى تجارية. 

وخلاصة المقال تكمن في التركيز على المفعول القوي والنتائج الإيجابية للإعتذار الصادق وغير المبالغ فيه والذي يقدم في وقته المناسب ودوره في حفظ و صيانة العلاقات والمعاملات من التعثر في سلسلة لا حد لها من متاهات السلبيات والصراعات والعداوات.  

( الموضوع المترجم )

دائمًا ما يكون هناك اعتذار علني مسبباً للإحراج عليك أن تأخذه في الحسبان.  كل ابن آدم خطاء، هذا مقدار ما نعرفه. ولكن اذا اردت ان تعتذر فعليك ان تعتذر بأسلوب صحيح وسليم.  بفضل أبحاث العلوم الاجتماعية هناك الآن نصائح سليمة ومستندة إلى أسس علمية بشأن أفضل السبل لتقديم الاعتذار المثمر والبناء – سواء أكنت من المشاهير أم لم تكن.

مصدر الصورة: rachelbeohm

ولكن دعونا نبدأ بالمشاهير.  دراسة حديثة قامت بتحليل 183 اعتذآرًا صدرت من مشاهير عبر وسائل الأعلام [اعتذارات علنية] ، عبارات تتضمن مؤشرات على الإنكار (من قبيل ، ليس خطأي) وأمارات تدل على التملص من ارتكاب الخطأ لا تنفع مع الناس،  وفقًا لنتائج استطلاعات الرأي التي أجريت في تلك الفترة.  من ناحية أخرى، الاعتذار الذي يحوي أمارات تصحيحية (أنا لن أكرر ذلك العمل مرة أخرى أبداً) والشعور بالخجل والحرج (أشعر بأني خجل من نفسي) تلقى استقبالًا أكثر مواتية وإيجابية من قبل المعتذر إليه / إليهم.

الإعتذار الخالص من أي تبرير 

ومع ذلك، فإن سلبيات دراسات اعتذارات المشاهير تكمن في صعوبة قياس مدى شعبية الشخص المعني في تأثيره في ردة فعل الناس.  وكشفت دراسة ألمانية عن كيف تقيم الناس الاعتذار عن سوء خدمة قُدمت لهم في أحد المطاعم. شاهد المشاركون في التجربة مقطع فيديو لزوجين في زيارة لمطعم في أحد الفنادق. وتبين ان الخدمة كانت بطيئة ولم يكن الطعام مطبوخًا بشكل جيد.

وبينت مقاطع أخرى من الفيديو النادلة وهي تعود إلى الزوجين وتعتذر لهما ولكن مع بعض التعديلات الطفيفة في اسلوب تعبيرها عن ذلك.  الاعتذار كان أحيانًا شديدًا (معبرًا عن الأسف العميق عما بدر من إساءة أو تقصير)  وأحيانًا ليس كذلك (“أنا آسف جدًا”، بدلًا من: “أنا آسف” فقط)، ومن الناحية الوجدانية، أحيانًا كان الاعتذار قويًا أو ضعيفًا (أي: الاعتذار يتضمن أو لا يتضمن عبارات مثل “أشعر بعدم الارتياح بشأن ما حدث”) هل حدث ذلك الاعتذار بعد ارتكاب الخطأ مباشرةً  أو تأخر زمنًا بعد ذلك (هل كان اعتذار النادلة لحظة حدوث المشكلة أم في نهاية الوجبة).

في بعض الحالات لم يكن هناك أي اعتذار على الإطلاق. لوحظ أن رضا العملاء كان أعلى بعد الاعتذار الشديد (الذي يُعبر عن الأسف العميق) والوجداني وفي الوقت المناسب [بعد ارتكاب الخطأ مباشرةً]. ولكن بقي مستوى رضا العملاء منخفضاٌ حين جاء الاعتذار واهناً (فاقدًا للحماسة) وغير وجداني أو جاء متأخرًا عن زمن ارتكاب الخطأ. في الواقع، كان الزبائن غير مرتاحين من الاعتذارات الواهنة [الفاقدة للحماس] وغير الشديدة كما لو كان لم يكن هناك اي اعتذار على الإطلاق.

من الواضح أنه عندما يتعلق الأمر بالاعتذار فإن مجرد الاعتذار ليس مهماً ولكن المهم هو أسلوب الاعتذار. الاعتذار الذي يظهر الندم والوعد بتصحيح الخطأ مباشرةً ويقدم بالقوة والمشاعر الوجدانية  الصادقة مكن أن يكفر عن أشياء خاطئة كثيرة.

الاعتذار الذي يأتي مع تحمل المسؤولية الكاملة لكل ما بدر من أخطاء من شأنه أن يصل إلى المعتذر اليه بمشاعر أكثر وجدانيةً من استخدام عبارات فيها تلميحات بأن الناس غير عقلانيين في ردود أفعالهم.

اعتذار ما بعد الحقيقة؟

ولكن تماشيًا مع لحظة “ما بعد الحقيقة” في التاريخ، تشير بعض الأبحاث الأخرى إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان لا يحتاجون إلى تركيز جهودهم فقط على الأشياء التي أفسدوها شخصيًا. [المترجمبعد الحقيقة مفهوم يشير إلى الحالة أو الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيرا في تشكيل الرأي العام من المشاعر الشخصية ونداءات العاطفة والمعتقدات الخاصة(1)].

أثبتت دراسة (2) رائعة أجرتها كلية هارفارد للأعمال في عام 2014 أن الاعتذار عن أخطاء لم ترتكبها قد يكون أيضًا وسيلة ممتازة لكسب الثقة.  في هذه الدراسة قام أحد الباحثين في محطة قطار مزدحمة بالناس بسؤال أشخاص من عامة الجمهور هناك عما إذا كان بإمكانه أن يستخدم هواتفهم المحمولة. كان يومًا ممطرًا من أيام شهر نوفمبر، وفي بعض الحالات بدأ بالقول: “أنا آسف جدًا بسبب أحوال الجو الممطرة”.

وعندما بدأ طلب احدهم باستعمال هاتفه المحمول بمثل هذا الاعتذار الفضولي (غير الضروري) – أي الاعتذار عن شيء ليس تحت سيطرته الشخصية أو من مسؤليته – فقد وافق 47% من الأشخاص على استخدامه لهواتفهم مقابل 9% فقط وافقوا بدون اعتذاره بإشارته إلى الطقس الممطر.

كون الشخص في طرف المتلقي للاعتذار [المعتذَر اليه] الذي لا لزوم له يجعل الكثير من الناس يثقون بالغريب ثقةً كافية ليعطوه أدواتهم الشخصية الغالية. تقديم الاعتذار بذكر الأحوال الجوية الممطرة تعبِّر عن الأسف لما يمر به المعتذر اليه من مصاعب في مثل تلك الأحوال الجوية التي  تسبب له عدم الإرتياح – حتى حين لم يكن هذا المعتذر بأي حال مسؤولًا عن تلك المصاعب.

ربما الدرس الحقيقي المستفاد منه هنا هو مدى استعداد الناس لقبول اعتذار بعضهم بعض.  الاعتذار المقدم بصدق وحكمة ليس فقط يصحح الخطأ ويمنع الاستمرار فيه بل ويصلح العلاقات المتضررة، وقد يكون نقطة بداية لفصل جديد من العلاقات الطيبة او مشروع جديد أو شراكة جديدة. الاعتذارات هي بمثابة هدايا العيد – والتي من الأفضل أن تعطى لا ان تؤخذ.  

مصادر من داخل وخارج النص:

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ما_بعد_الحقيقة

2- https://theconversation.com/the-surprising-origins-of-post-truth-and-how-it-was-spawned-by-the-liberal-left-68929

المصدر الرئيس:

https://theconversation.com/the-science-of-saying-sorry-73298

الأستاذ عدنان احمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *