“لفتة هادية”
هل أنت مصطفى؟
يتملكني شعور عارم بأن أمسك قلمي وأطلق العنان لمخيلتي كلما مرت بي حادثة من أمهات العقيدة ومن صلب الموروث لأترجم ذلك الأدهم تذكيراً لمشغول وتأييداً للأصول وتكريساً وصيانة لمكرمةًٍ عن الأُفول.
فمع كثرة الانشغالات وتسارع نبضات الحياة والانغماس في وسائل التقنية وبرامج التواصل، واللهث خلف لقمة العيش، والسعي خلف المراكز والمناصب، والتشويش الدائم، باتت البوصلة متأرجحة والجسد متعب والعقل مستنزف والروح ضائعة.
ولأدخل في صلب الموضوع، فصَفوة كل شيء ما صفا منه وخلص. وصفوة المجتمع نخبته من خيار الناس وتأتي بمعنى الأحسن والأفضل. ومن تصاريفها الفعل (اصطفى) ولهذا كان اسم المفعول منها (مصطفى) وكان المصطفى، (بـ أل التعريف)، خاصاً بأفضل الرسل وسيد الخلق والصَفوة خَلْقاً وخُلُقاً محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين.
فهلّا ابتغى كل واحد منّا أن يكون له من الإصطفاء شيء؟
أحمد زميل وصديق يعمل معنا منذ سنوات. هو أصغر إخوته من الذكور فقط. اصطفاه الله واختاره من بين إخوانه ليعتني بوالدته. نشأ أحمد ذو الأصول التركية في استراليا وتلقى دراسته إلى أن تخرج وحصل على وظيفة هناك ثم انتقل بين الدول بحثاً عن فرصة عيش أفضل حتى حطت رحاله في إحدى الدول الخليجية.
ولأنه “مصطفى”، كانت والدته معه في هذه المحطة. وشاء الله أن تتعرض والدته لحادثة هناك أدت لإصابتها بالعجز والشلل حيث أصبحت مقعدة. وتبعاً لوضعها الصحي، قرر أحمد نقل أمه لتلقي الرعاية الصحية الأفضل إلى حيث نشأ؛ استراليا. وبعد استقرار حالتها الصحية، عاد أحمد للبحث عن عمل لتكون المملكة هذه المرة وجهته بعدما أمّن لوالدته إحدى قريباته من العائلة، لتعتنيَ بها مقابل أجر.
مرّت خمس سنوات وأحمد يتنقل بين المملكة واستراليا، حتى قبل شهر من الآن، ليزور والدته ويطمئن على حالها.
في الأسبوع المنصرم، فوجئت بخبر تقديم أحمد استقالته للعودة لاستراليا مجدداً وحين التحدث معه، علمت عن بعض التطورات في حالة أمه الصحية التي تستوجب أن يكون بجانبها. لكن الأغرب، بمعايير بني البشر في يومنا الحاضر، أن صديقنا قدم استقالته قبل إيجاد عمل آخر كبديل لتأمين لقمة العيش حيث كان جل اهتمامه أن يكون بجانب والدته.
لفتني في قصة صديقنا أحمد أمران: الإصطفاء والتوكل؛ اصطفاه الله واختاره لينعم بخدمة والدته فتوكل عليه وأوكل أمر لقمة عيشه إليه.
والنتيجة أيها الأحبة وأترك الكلام لنسمعه من لسان أحمد نفسه حيث يقول:
“اتخذت قراري وقدمت استقالتي دون النظر إلى تبعات القرار، فوضع والدتي يحتاج لذلك. إلا أنني تفاجأت في اليوم التالي مباشرة ببريد الكتروني من أحد الأصدقاء الذين لم أتصل بهم منذ فترة طويلة يعرض عليّ الإنضمام للشركة معهم حيث هناك شاغر وظيفي بعد استقالة أحد زملائهم واحتياجهم لنفس تخصصي”. انتهى كلام أحمد.
ولم يَنتهِ ولن ينتهيَ أثرُ أمثال هذه القصص التي تشحذ النفس وتشد الهمم وتدعونا أن نبحث لأنفسنا موقعاً من “الإصطفاء” فالطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق “ويرزقه من حيث لا يحتسب”.
موضوع مليء بالمشاعر الصادقة ويفوح بعطر رسائل اهمية البر بالوالدين ويبرز أن عواقب برهما آنية يجدها صاحبها في الدنيا قبل الاخرة . شكرًا لكم سيدنا الجليل هادي على هذه اللفتة المباركة