الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

القراءة من أجل المتعة في وقت مبكر من مرحلة الطفولة مرتبطة بتحسن في بنية الدماغ وفي القدرات المعرفية وفي السلوك والانتباه والنوم والتحصيل الأكاديمي في مرحلة المراهقة – ترجمة عدنان احمد الحاجي

Reading for pleasure early in childhood linked to better cognitive performance and mental wellbeing in adolescence
(مجلة الطب النفسي “جامعة كامبريدج” – Psychological Medicine)

في دراسة نشرت في مجلة الطب النفسي (Psychological Medicine) في 28 يونيو 2023 وجد باحثون في المملكة المتحدة والصين أن 12 ساعة في الأسبوع هي طول فترة القراءة المثلى(1)، وأن هذه الفترة من القراءة مرتبطة بتحسن في بنية الدماغ ، مما قد يساعد في تفسير نتائج الدراسة.

القراءة من أجل المتعة قد تكون نشاطًا مهمًا وممتعًا في مرحلة الطفولة. بخلاف الاستماع واللغة المنطوقة(2)، التي تتطور بسرعة وسهولة لدى الأطفال الصغار (الدارجين) ، القراءة هي مهارة مكتسبة وتتطور بالتعلم عن وعي وقصد وانتظام وتتراكم بمرور الزمن (explicit learning)(3)).

أثناء مرحلتي الطفولة والمراهقة تتطور أدمغتنا، مما يجعل هاتين المرحلتين مهمتين لتأسيس وترسيخ سلوكيات تدعم تطور قدراتنا المعرفية  وتعزز صحة أدمغتنا الجيدة. ومع ذلك، لم يتضح حتى الآن تأثير – إن وجد – تشجيع الأطفال على القراءة من سن مبكرة في نمو أدمغتهم وتطور قدراتهم المعرفية(4) (cognition) وتحسن في صحتهم العقلية في وقت لاحق من حياتهم [مرحلة الشيخوخة].

وللتحقق من ذلك، درس باحثون من جامعتي كامبريدج ووارويك (Warwick) في المملكة المتحدة وجامعة فودان (Fudan) في الصين بيانات من مجموعة دراسة دماغ المراهقين والتطور المعرفي (ABCD) في الولايات المتحدة ، والتي حشدت أكثر من 10 آلاف مراهق صغير [10 – 13 سنة، حسب التعريف].

قام الفريق بتحليل مجموعة واسعة من البيانات بما في ذلك بيانات المقابلات السريرية والاختبارات المعرفية(5) والتقييمات العقلية(6) والتقييمات السلوكية(7، 8)، وتصوير الدماغ ، مقارنين الصغار الذين بدأوا القراءة من أجل المتعة في سن مبكرة نسبيًا (بين سنتين وتسع سنوات) مقابل أولئك الذين بدأوا القراءة في سن متأخر جدًا  أو لم يقرأوا على الإطلاق.  التحليلات حيدت تأثير العديد من العوامل المهمة ، بما فيها الوضع الاقتصادي الاجتماعي (المعروف بـ سوسيواقتصاد(9)].

من بين 10243 مشاركًا خضعوا للدراسة ، كان لدي أقل من نصفهم بقليل (48٪) خبرة بسيطة بالقراءة من أجل المتعة أو لم يبدأوا في ذلك إلا في وقت متأخر من طفولتهم. أما النصف الآخر فقد مضى على بدئهم القراءة من أجل المتعة فترة تراوحت ما بين ثلاث إلى عشر سنوات.

وجد الفريق علاقة قوية بين القراءة من أجل المتعة في سن مبكرة والأداء الإيجابي في مرحلة المراهقة في الاختبارات المعرفية(5) التي تقيس عوامل كعوامل تذكر المعلومات التي سمعها [مثلًا من إحدى المحاضرات] والذاكرة وتطور الكلام والتحصيل الدراسي في المدرسة.

يتمتع هؤلاء الأطفال الذين قرأوا مبكرًا من أجل المتعة أيضًا بصحة نفسية أفضل ، حين تم تقييمهم  باستخدام عدد من التقييمات السريرية وتقارير أولياء الأمور والمعلمين ، والتي لم تثبت إلَّا وجود بعض أعراض التوتر والاكتئاب البسيطة، بالإضافة إلى تحسن في مستوى الانتباه ولم يلاحظ عليهم مشكلات سلوكية، كالعدوان(10) ومخالفة القوانين، إلَّا مشكلات بسيطة.

الأطفال في مرحلة المراهقة الذين بدأوا القراءة من أجل المتعة في وقت مبكر من حياتهم يقضون أيضًا وقتًا أقل أمام الشاشات – على سبيل المثال، يقضون وقتًا أقل في مشاهدة التلفزيون أو استخدام هواتفهم الذكية أو الأجهزة اللوحية – خلال الأسبوع وفي عطلات نهاية الأسبوع ، كما ينامون أيضًا فترة أطول.

عندما نظر الباحثون في صور الدماغ من الدراسة التي أجريت على مجموعة المراهقين ، وجدوا أن لهؤلاء المشاركين الذين اعتادوا على القراءة للمتعة في سن مبكرة مجموع مساحة الدماغ السطحية نوعًا ما أكبر [المساحة السطحية للدماغ تتراوح بين 1,500 وبين  2,000 سم مربع](11) وحجم الدماغ(12) نوعًا ما أكبر، بما في ذلك مناطق دماغية معينة تلعب أدوارًا حساسة في قدراتهم المعرفية cognition” (4)“. مناطق الدماغ الأخرى التي كانت مختلفة في أوساط هذه المجموعة هي تلك التي ثبت سابقًا أنها مرتبطة بتحسن في الصحة العقلية والسلوك والانتباه.

قالت البروفيسور باربرا ساهاكيان (Barbara Sahakian) من قسم الطب النفسي بجامعة كامبريدج:

“القراءة ليست مجرد ممارسة ممتعة – من المسلم به إلى حد كبير أن القراءة في سن مبكر تعتبر  مصدر الهام للتفكير والإبداع وتزيد من التقمص الوجداني وتحد من مستوى الضغط النفسي. ولكن علاوة على ذلك ، وجدنا قرينة مهمة على أن القراءة لأجل المتعة مرتبطة بعوامل تطورية مهمة لدى الأطفال ، مما يؤدي إلى تحسن في القدرة المعرفية(4) والصحة العقلية وبنية الدماغ ، والتي تمثل حجر زاوية للتعلم(13) والرفاه(14) في المستقبل”.

طول الفترة المثلى للقراءة من أجل المتعة للمراهق كانت  حوالي 12 ساعة في الأسبوع. وما يتجاوز طول هذه الفترة ، لا يبدو أن له فائدة مضافة أخرى. في الواقع، القراءة لفترة أطول من 12 ساعة في الأسبوع تسيب انخفاضًا تدريجيًا في القدرة المعرفية وهذا كما يقول الباحثون قد يوحي بأن القراء يقضون وقتًا أطول جالسين [خاملين  بدنيًا بلا نشاط] لفترة أطول مما لا يبقي لهم إلَّا وقت أقصر للقيام بأنشطة أخرى ربما تكون أكثر ثراءً من الناحية المعرفية ، بما فيها ممارسة الألعاب الرياضية والأنشطة الاجتماعية.

قال البروفيسور جيانفينغ فينغ (Jianfeng Feng) من جامعة فودان (Fudan) في شنغهاي بالصين وجامعة ورويك (Warwick) بالمملكة المتحدة:

“نشجع أولياء الأمور على بذل قصارى جهودهم لإثارة متعة القراءة في أطفالهم من سن مبكرة. فلو تم ذلك بشكل صحيح ، فلن يمنحهم ذلك البهجة والاستمتاع فحسب ، بل سيساعدهم أيضًا على تطوير مهاراتهم ويحفزهم على عادات الاستمرار في القراءة طوال حياتهم، والتي ثبتت فائدتها أيضًا حتى بعد دخولهم مرحلة الرشد (20+ سنة)”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.cambridge.org/core/journals/psychological-medicine/article/earlyinitiated-childhood-reading-for-pleasure-associations-with-better-cognitive-performance-mental-wellbeing-and-brain-structure-in-young-adolescence/03FB342223A3896DB8C39F171659AE33
2- “اللُّغَةُ الْمَنْطُوقَةَ أو اللُّغَةُ الْمحكية هي اللفظ، والتكلّم بأصواتٍ وحروفٍ تؤدّي معنًى، في قالبٍ لغوي، بواسطة عملية تفاعلية يقوم بها جهاز النطق  يرسل من خلال الأثير موجة قادرة على التحرك في عدة أوساط مادية مثل الأجسام الصلبة السوائل والغازات ولا تنتشر في الفراغ ، على هيئة ذبذبات صوتية، تستعمل كوسيلة اِتِّصَال بينه وبين كائن آخر من جنسه أو من جنس آخر، يعبر من خلالها عما يريد قوله أو فعله بوعي أو بغير وعي مسبق، ويسمى الأحساس الذي تسببه تلك الذبذبات بحاسة السمع. تختلف عن اللغة مكتوبة، أو اللغة البصرية، أو لغة الجسد والإشارة. اللغة المنطُوقة هي الشكل الأصلي والأساسي للغة البشرية. بعض الثقافاتلا تمتلك لغات مكتوبة” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/لغة_منطوقة
3- “التعلم الصريح هو عبارة عن الوعي بالتعلم، ويسمح هذا النموذج للمتعلم بالحصول على مجموعة من المعلومات غير المعروفة من قبل،  وفي التعلم الصريح يكون فيه الطالب عبارة عن متلقٍ مدركٍ لمجموعة المعلومات، ويكون الطالب على استعداد تام للتعلم، ويولي كل اهتمامه من أجل اكتساب المعرفة” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://e3arabi.com/العلوم-التربوية/نموذج-التعلم-الضمني-والصريح/
4- المعرفة (cognition) هي «الإجراء العقليّ أو عمليّة اكتساب المعرفة والفهم من خلال التّفكير والخبرة والحواس».  تشمل المعرفة عمليّات مختلفة مثل الاهتمام وتشكيل المعرفة والتذكّر والحكم والتقييم والتفكير والحوسبة، كما تشمل حلّ المشكلات واتّخاذ القرارات والفهم وتشكيل اللغة ؛ تستخدم العمليّات المعرفيّة المعرفة الموجودة عند الإنسان وتولّد معارفاً جديدةً”  ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/معرفة_(علم_النفس)
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/اختبار_معرفي
6- :تقييم الصحة العقلية (النفسية) (mental health assessme) هو فحص يستخدم للتأكد مما إذا كان الشخص يقوم بوظائفه على المستوى النفسي أو المستوى الاجتماعي أو مراحل النمو السليم أم لا. يمكن أيضًا استخدام تقييم الصحة العقلية للمساعدة في تشخيص بعض الاضطرابات العصبية أو أمراض معينة أو التعاطي المحتمل  للمخدرات” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.encyclopedia.com/medicine/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/mental-health-assessment
7- “التقييم السلوكي (behavioral assessment) هو نوع من الفحص النفسي يستخدم لفحص أنماط سلوك أحد الأشخاص. التقييمات السلوكية تقيس سمات مختلفة يصعب قياسها من الناحية الكمية. على سبيل المثال ، يمكنهم قياس سمات مثل مدى قدرة الشخص على التعامل مع التوتر النفسي ومدى قابليته للتكيف مع ظروف العمل  ومدى جودة عمله ضمن الفريق. على الرغم من أهمية هذه السمات [هي السمات الشخصية الكبرى (8)] ، إلا أن التقييمات السلوكية لا تعطي دائمًا صورة كاملة عن الشخص، بل هي مجرد أداة موحدة يمكن استخدامها للمساعدة في تقييم مدى ملاءمة شخص ما لوظيفة ما” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.practiceaptitudetests.com/resources/what-is-a-behavioral-assessment-guide-and-examples/
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/عناصر_الشخصية_الخمسة
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/اقتصاد_اجتماعي
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/عدوان
11- https://science.howstuffworks.com/life/inside-the-mind/human-brain/brain7.htm#:~:text=The%20surface%20area%20of%20the,)%20and%20grooves%20(sulci).
12- “يبلغ متوسط حجم دماغ الطفل عقب الولادة 369 سم مكعب ويزداد، خلال السنة الأولى من العمر، إلى 961 سم مكعب ليبدأ معدل النمو بعد ذلك في الانخفاض. يبلغ حجم الدماغ ذروته خلال سنوات المراهقة، ويبدأ بعد سن الأربعين في التراجع بنسبة 5% لكل عقد من العمر، ليتسارع في الانخفاض بعد سن السبعين” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:.https://ar.wikipedia.org/wiki/حجم_الدماغ
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعلم
14- “الرفاه (wellbeing) هو الموضوع الرئيس في علم النفس الايجابي، الذي يسعى إلى اكتشاف العوامل التي تسهم في رفاه الإنسان. يقترح مارتن سيليغمان أن هذه العوامل تتكون من المشاعر الإيجابية والانخراط في نشاط من الأنشطة ووجود علاقات جيدة مع أشخاص آخرين، والعثور على معنىً في الحياة والشعور بالإنجاز عند السعي لتحقيق الأهداف” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/رفاه

المصدر الرئيس:
https://www.cam.ac.uk/research/news/reading-for-pleasure-early-in-childhood-linked-to-better-cognitive-performance-and-mental-wellbeing#:~:text=Children%20who%20begin%20reading%20for,in%20the%20US%20has%20found

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *