الفقر يؤثر سلبًا في الروابط الهيكلية لأدمغة الأطفال – ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

Poverty negatively impacts structural wiring in children’s brains, study indicates
(بقلم: مارتل وغورزوسكا – Marta Wegorzewska)

قد يؤدي الحد من السمنة وزيادة الإثراء المعرفي [الاثراء البيئي] إلى تحسين صحة دماغ الأطفال

كشفت دراسة أجراها باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس أن حالة الفقر(1) التي تعاني منها الأسرة والمجتمع قد تؤثر في صحة الدماغ لدى الأطفال. السمنة في مرحلة الطفولة وضعف المهارات المعرفية(2)  قد تفسر، ولو جزئيًا على الأقل، تأثير الفقر في الدماغ.

مصدر الصورة: medicalxpress.com

تفيد دراسة جديدة من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس بأن نشأة الطفل في أسرة فقيرة قد تؤثر في تطور الروابط الهيكلية في دماغه [الروابط الهيكلية هي التوصيلات بين الخلايا العصبية التي تسمح بالتواصل بين مناطق الدماغ (3)].  

تفيد الدراسة، التي نُشرت في 27 يونيو 2023 في شبكة مجلة الجمعية الطبية الأمريكية المفتوحة(4) (JAMA Network Open)، بوجود علاقة بين كل من فقر الأحياء السكنية والأسر وبين السبيل العصبي [ويعرف أيضًا بالصوار العصبي وهي حزمة من الالياف العصبية (المحاور العصبية)المكوِّنة للمادة البيضاء في الدماغ(5 – 7)، والتي تسمح بالتواصل بين مناطق الدماغ. تلعب المادة البيضاء دورًا مهمًا في مساعدة الدماغ على معالجة المعلومات.

النتائج مستمدة من أكبر دراسة طويلة أمد لتطور الدماغ وصحة الطفل أجريت في الولايات المتحدة – دراسة التطور المعرفي لدماغ المراهقين(8) (ABCD) ، التي أطلقتها المعاهد الوطنية للصحة (NIH) في عام 2015. جامعة واشنطن هي إحدى الجامعات الرائدة على مستوى الولايات المتحدة في دراسات الدماغ المتطور وهي واحد  من 21 مركزًا للدراسة المشاركة على المستوى الوطني في دراسة الـ (ABCD)، والتي تتابع ما يقرب من 12 ألف طفل، بدءًا من سن الـ التاسعة إلى سن  الحادية عشرة، لمدة عشر سنوات على الأقل.

قال المؤلف الأول للدراسة أدريان لي (Adrian Li) ، فني أبحاث التصوير العصبي في قسم الطب النفسي: “سلامة المادة البيضاء مهمة جدًا في تطور الدماغ”. على سبيل المثال ، ضعف المادة البيضاء تقترن بصعوبات بصرية مكانية(9) وصعوبات في الصحة العقلية لدى الأطفال. إذا تمكنا من اكتشاف مدى تأثير الحالة الاجتماعية والاقتصادية في المادة البيضاء في وقت مبكر من حياة الطفل ، نأمل أن نتمكن يومًا ما من ترجمة هذه النتائج إلى تدابير وقائية .

الفقر في الأسرة والحي السكني يؤثران سلبًا في بنية الدماغ وانخفاض المهارات المعرفية.  

وجد الباحثون أيضًا أن بدانة الأطفال وضعف المهارات المعرفية قد تفسر، ولو جزئيًا على الأقل ، تأثير حالة الفقر في اختلافات المادة البيضاء. بشكل عام ، الأطفال الذين ينشأون في أسر فقيرة معرضون بشكل أكثر للإصابة بالسمنة ولا يحصلون إلَّا على درجات أقل  في اختبارات الوظائف المعرفية(10) من أقرانهم في الأحياء والأسر ذات الدخل المرتفع. قد يكون سبب حصول  الأطفال الفقراء، جزئيًا، هو التعرض المحدود إلى التحفيز الحسي [أي تنشيط حاسة واحدة أو أكثر] والتحفيز الاجتماعي [أي التواصل بالكلام أو بلغة الجسد مع الآخرين] والإثراء المعرفي (أو الاثراء البيئي(11، 12)  هو عملية تحفيز الدماغ من خلال محيطه المادي والاجتماعي.

؛؛فالأدمغة في البيئات الأكثر ثراء والأكثر تحفيزًا لها معدلات أعلى من حيث تكوين المشابك العصبية والتغصنات العصبية المعقدة(13))؛؛

التحفيز الحسي

قالت تمارا هيرشي ، برفسور في علم الأعصاب المعرفي والطب النفسي والأشعة.: “اكتشافنا عاملي السمنة والإثراء المعرفي (الاثراء البيئي)(11، 12) قد يكونان وسيطين لهما علاقة بالمهارات المعرفية(2)، لو تم تأكيدهما، سيوفران دعمًا قويًا لإدارة الوزن الصحي وتشجيع الأنشطة المعرفية (الاثراء البيئي) المحفزة لدعم صحة الدماغ لدى الأطفال الفقراء”.

أُجري البحث في مركز أبحاث مختبرات التصوير العصبي في معهد مالينكروت (Mallinckrodt) للأشعة بجامعة واشنطون.

المادة البيضاء، وهي الألياف العصبية المرتصة بكثافة في عمق الدماغ ، تحصل على لونها الأبيض من المادة الدهنية التي تحيط بالألياف العصبية. الطبقة الدهنية مسؤولة عن النقل السريع للمعلومات على طول سبل الخلايا العصبية (المصوار العصبية). التنظيم والاتصالية بين هذه السبل يدعم  التعلم (الاكتساب) والتواصل المناسب عبر مناطق الدماغ. الاضطراب في مسارات التواصل قُرنت بهذه الصعوبلت البدنية بالإضافة إلى مخرجات الصحة العقلية السيئة.

استخدم الباحثون قاعدة بيانات دراسة (ABCD) المتاحة للعامة ، والتي تمكنوا من خلالها من تصميم حركة الماء كمؤشر لسلامة المادة البيضاء في عمليات مسح الدماغ لـ 8842 طفل يتراوحون بين التاسعة و الحادية عشرة عامًا في السن. تمامًا مثل الصخور والحصى والجلاميد التي تعيق تدفق المياه في النهر.  بنيويات خلايا الدماغ المتنوعة تخلق حواجز تعيق انتشار الماء في المادة البيضاء.

وجد الباحثون أن الحركة الاتجاهية لجزيئات الماء في أدمغة الأطفال الذين يعيشون حالة الفقر أضعف ، مما يشير إلى تغيرات هيكلية في مناطق المادة البيضاء في أدمغتهم. كما وجدوا أيضًا مستوى المحتوى المائي أعلى في فضاءات كروية في الدماغ ، مما يوحي باحتمال حدوث التهاب عصبي (التهاب نسيج عصبي(14)) لدى الأطفال الذين يعيشون حالة فقر.

بيئة الطفل مركبة ، وتنطوي على تأثيرات الحي السكني والأسرة. تعاني الأحياء المحرومة (الفقيرة) بشكل غير متناسب من البطالة والفقر وتفاوت دخل. الأسر التي في أغلبها تقوم على عائل واحد [أم منفصلة أو أب منفصل]، وعادة ما يكون السكان محدودي  التعليم والدخل، ولا يملكون  عقارات إلَّا عقارات قليلة.

كشف تحليلنا أن حالة فقر الحي السكني مقترن باختلافات في المادة البيضاء ووجود خلايا مناعية مزعومة. لقد وجدنا علاقة مشابهة حين درسنا الوضع السوسيو اقتصادي(15) للأسرة ، مع الأخذ في الاعتبار الدخل السنوي ومستوى تعليم الوالدين” ، كما قال لي.

“تتسارع شقة التفاوت الاقتصادي(16) في الثروة والدخل في الولايات المتحدة” حسبما قال المؤلف المشارك سكوت ماريك (Scott Marek) ، أستاذ مساعد في الطب الإشعاعي والطب النفسي. “بدأنا نحن وباحثون آخرون في اكتشاف كيف يمكن أن يضر التفاوت الاقتصادي بالدماغ المتطور ويؤثر في مخرجات الصحة العقلية. تؤكد النتائج التي توصلنا إليها على التحول في التفكير من اعتبار السوسيو اقتصاد بناءً وحدويًا. وتبين أن المدارس أو الوالدية (التربية) وحدها ليست هي المهمة لصحة الدماغ، بل من المحتمل أن تكون مجموعة عوامل متكونة من  الحي السكني  وحياة العائلة هي المهمة لصحة الدماغ المتطور”.

حذرت هيرشي ، التي تدير مركز أبحاث مختبر التصوير العصبي (Neuroimaging Labs) وهي مؤلف مشارك ، من أن الدراسة نظرت فقط في فترة زمنية معينة. وأضافت أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان الفقر هو الذي تسبب في اختلافات هيكلية الدماغ التي لوحظت في الدراسة. ومع ذلك ، تستمر دراسة (ABCD) في تتبع الأطفال المدرجين وذلك بعمل فحوصات الدماغ والاختبارات المعرفية(10) لهم مع إمكانية إجراء دراسات مستقبلية طويلة الأمد على تطور الدماغ لدى الأطفال الفقراء.

“نأمل أن يشجع هذا البحث الدراسات المستقبلية لدراسة عوامل الخطر الصحية القابلة للتعديل في عينات كبيرة وطولية يمكن أن تترجم يومًا ما إلى تدخلات اتقائية”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/فقر
2- “المهارات المعرفية (cognitive skills)، والتي تسمى أيضًا الوظائف المعرفية (cognitive functions) أو القدرات المعرفية (cognitive capacity) أو (cognitive abilities) هي مهارات دماغية ضرورية لاكتساب المعرفة واستخدام المعلومات والتفكير.  ولها علاقة بآليات كيف يتعلم الناس ويتذكرون ويحلون مشكلاتهم وكيف يولون انتباههم، ولكن ليس لها علاقة بالمعرفة الفعلية.  تشمل المهارات أو الوظائف المعرفية مجالات الإدراك الحسي والانتباه والذاكرة والتعلم واتخاذ القرار والقدرات اللغوية” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://en.wikipedia.org/wiki/Cognitive_skill
3-  https://thebrain.mcgill.ca/flash/d/d_01/d_01_cr/d_01_cr_fon/d_01_cr_fon.html
4- https://jamanetwork.com/journals/jamanetworkopen/fullarticle/2806419
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/سبيل_عصبي
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/محور_عصبي
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/المادة_البيضاء
8- https://www.addictionresearch.nih.gov/abcd-study
9-“المشكلات الإبصارية المكانية (visuospatial) هي صعوبات في فهم ما نراه حولنا وتفسير العلاقات المكانية بين الأشياء التي نراها. وقد تشمل هذه الصعوبات صعوبة التعرف على الوجوه وتحديد مواقع الأشياء والقراءة والاحساس بالعمق ومعرفة أين وإلى أين نتحرك..”  ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.verywellhealth.com/how-does-dementia-affect-visual-spatial-abilities-98586#:~:text=Visuospatial%20problems%20are%20difficulties%20understanding,depth%20perception%2C%20and%20navigating%20movements.
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/اختبار_معرفي
11- https://ar.wikipedia.org/wiki/إثراء_بيئي
12- https://charbi.education/إثراء-بيئي/
13- https://www.irisseniorliving.com/blog/what-is-sensory-stimulation-and-why-do-people-with-dementia-need-it#:~:text=Sensory%20stimulation%20is%20the%20activation,vision%2C%20hearing%2C%20and%20touch.
14- https://ar.wikipedia.org/wiki/التهاب_عصبي
15- https://ar.wikipedia.org/wiki/اقتصاد_اجتماعي
16- https://ar.wikipedia.org/wiki/تفاوت_(اقتصاد)

المصدر الرئيس:
https://medicine.wustl.edu/news/poverty-negatively-impacts-structural-wiring-in-childrens-brains-study-indicates/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *